سلام الكواكبيصفحات سورية

خلية الأزمة في أزمة


سلام الكواكبي

حصل شيء ما في دمشق أودى بحياة عدد من كبار المسؤولين السوريين على مستويات متفاوتة من الأهمية، يشكل بعضهم العضد الأساس في ما صار يسمى خلية الأزمة السورية. وتبارت الراويات على الساحة الإعلامية لتحديد طبيعة “الانفجار” ومنفذيه. وكذلك، فقد تبحّر المعلقون في التفسير والتحليل والاستنباط إثر هذا الحدث الكبير غير الواضح المعالم بعد. وبالابتعاد عن التفاصيل الإخبارية والتى يمكن أن تتأكد أو أن تنتفى في القريب من الأيام، من المفيد ملاحظة وقوع الحدث المهم بالتوازي مع احتدام المواجهات المسلحة بين الكتائب المنضوية تحت تسمية “الجيش الحر” وقوات السلطة السورية بجميع أصنافها العسكرية والمدنية.

ما حصل يوم 18 تموز الجاري ترافق مع المسّ بقلب العاصمة السورية من قبل المعارضة المسلحة من خلال حرب الشوارع التى احتدمت في أحيائها التاريخية كالميدان والشاغور. وفي حين يغالب النعاس من يتابع تحركات المجتمع الدولي حتى على المستوى الإنساني، يبدو أن السوريين مصممون على اقتلاع أشواكهم بأيديهم. وعلى الرغم من حدة الصراع المسلح الذي بلغ وسط عاصمة الأمويين، يقوم الحراك السلمي المعارض بمتابعة انخراطه في المواجهات مع القبضة الأمنية المتأصلة في نظرة السلطة السياسية / الأمنية لإدارة الأزمة. وتتوالى الاعتصامات في أكثر من مدينة إضافة إلى التظاهرات والإضرابات. وما حادثة تفجير مبنى الأمن القومي إلا مؤشر على انتقال المواجهات إلى مربعات حساسة ينجم عنها أعمال انتقامية حيث لم ينج منها مشيعو جثامين الشهداء.

ستتفاقم الأوضاع الأمنية في مقبل الأيام بشكل يكاد يحوّل الأمور فوضى مسلحة. وستعيد القيادات السياسية للنظام وللمعارضة قراءة الخريطة المستحدثة للواقع. وكذلك ستعيد القوى الدولية قراءة المشهد السوري بقلق وترقّب أشد، حيث من المفترض أن يتراجع نسبياً التعنت الروسي المستند إلى اقتناعات “سوفياتية” بالتحليل السياسي للأحداث الجارية في سوريا خصوصا وفي المنطقة عموما. وسيتنبه الغربيون، الذين استمروا في سياسة التصريحات القوية والأعمال الضعيفة إنسانيا وديبلوماسيا، إلى فداحة الحالة الأمنية والتى ستنعكس حتما على مختلف الأطراف الإقليمية. وسيستفيق العرب من سباتهم ويعودون للبحث في حلولٍ سياسية تُبعد شبح الفوضى الشاملة التي ستصيبهم شظاياها إما عاجلاً أو آجلاً.

في ظل إعادة ترتيب المشهد، يعرف السوريون أن صراعهم من أجل الحرية والديموقراطية لم يزل في بداياته رغم عظيم التضحيات. وهم متيقنون بأن رائحة الياسمين الدمشقي ستتغلب قريبا على رائحة البارود العفن بفضل تضامنهم وابتعادهم عن التناحر السياسي أو الطائفي الذي سعت إليه سلطة لا هدف لها سوى الحفاظ على الأزمة ولو غابت خليتها.

استاذ جامعي – باريس

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى