صفحات مميزة

خواطر حول مؤتمر المنبر الديموقراطي السوري


د. محمد احمد الزعبي

1. دعيت قبل بضعة أيام إلى مؤتمر ‘المنبر الديموقراطي السوري’ الذي عقد في القاهرة في الفترة من 13 إلى 15 أبريل 2012، والذي حضره أكثر من مائتي شخص، معظمهم من معارضة الخارج، وقسم منهم من معارضة الداخل .

ولقد كانت هذه الدعوة من خلال اتصال هاتفي من قبل السيد ناصر الغزالي بتاريخ الرابع من أبريل 2012، حيث طلبت منه أن يزودني بتوضيحات مكتوبة حول الدعوة والمؤتمر، أرسلها مشكوراً بتاريخ التاسع من أبريل، وكان من بينها ‘ الوثائق التأسيسية للمنبر الديموقراطي السوري’، ولاسيما وثيقة ‘هوية المؤتمر’ التي ورد فيها مايلي:

‘المنبر الديموقراطي السوري منبر سياسي مدني ديموقراطي محل نشاط ميداني ومعرفي نقدي منفتح على جميع الأفراد والجماعات والقوى المنخرطة في الثورة السورية … المنبر هو جزء من الثورة السورية يلتزم بالمبادئ والقيم التي وضعها الشعب السوري لثورته في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية … يسعى المنبر إلى تمكين شعبنا من إسقاط النظام القائم بكل رموزه بجميع وسائل المقاومة المدنية … وهو (اي المنبر) لايرى نفسه تشكيلاً مضافاً إلى التجمعات والهيئات والقوى القائمة، بل رافد من روافد الثورة ‘.

2. عندما عدت إلى لايبزغ (ألمانيا) بتاريخ 16.04.2012، تعرضت من قبل بعض الأصدقاء لعدد كبير من الأسئلة حول موضوع وأبعاد وخلفيات هذا المؤتمر، وكان عليّ أن أستحضر جواباً جامعا مانعا ماأمكن، وموضوعياً، وصحيحاً ــ أيضاً ماأمكن ــ، وكان ما استحضرته حول ذلك المؤتمر، والذي كان يمثل جوابي الشخصي على الأسئلة التي وجهت إلي، وبالتالي قناعتي الخاصة، القابلة ــ بطبيعة الحال ــ للنقد بل وللتفنيد أيضاً، هو التالي:

ــ لم يكن أصحاب الدعوة (أعضاء اللجنة التحضيرية الـ 13 الداعية للمؤتمر) من طينة فكرية أو أيديولوجية واحدة، رغم تقارب وجهات نظرهم ومواقفهم من بعض أشخاص وقوى المعارضة السورية في الداخل والخارج، واعتقادهم أنهم أكثر تمثيلاً وتجسيداً للثورة السورية من الآخرين، ولاسيما المتواجدين منهم في استنبول (المجلس الوطني السوري).

ــ لايمكن وضع كافة من حضرهذا المؤتمر، في سلة واحدة، سواء من حيث موقفهم من هيئة التنسيق أو من المجلس الوطني السوري، او حتى موقفهم من جماعة الإخوان المسلمين.

ــ لم أجد فرقاً واضحاً بين أطروحات ‘المنبر الديموقراطي السوري’ وأطروحات ‘هيئة التنسيق’ فهما يمثلان ــ من وجهة نظري ــ وجهان لعملة واحدة.

ــ الموقف الجامع بين الطرفين هو: من جهة موقفهما السلبي من جماعة الإخوان المسلمين، ومن جهة أخرى رفضهما للتدخل العسكري الخارجي (حلف الناتو) في سورية، والذي بات مقبولاً من بعض أطراف المعارضة السورية، واحتجاجهم على لجوء النظام إلى الحل الأمني بدل الحل السياسي.

ــ ولقد تجسد الموقف الجامع بين الطرفين (الهيئة والمنبر)، من جهة ثالثة، في موقفهما السلبي من المجلس الوطني السوري، ومن قرار مؤتمر أصدقاء سورية في اسطنبول، الذي اعتبرأن المجلس الوطني السوري هو الممثل الشرعي للمعارضة السورية.

ــ لقد قام بعض كبار المنبريين (على هامش انعقاد جلسات المؤتمر) بمقابلة كل من السيدين أمين عام جامعة الدول العربية، ووزير خارجية مصر، ومن المفروض أن يكونوا قد أبلغوه وجهة نظرهم حول اعتراضهم على قرار مؤتمر أصدقاء سورية الذي عقد في مطلع شهرأبريل في اسطنبول، حول اعتبارالمجلس الوطني هو الممثل الشرعي للمعارضة السورية.

ــ ورد اسم الدكتورعارف دليلة كشخصية رئيسية ( الشخص رقم 2 ) في كل من هيئة التنسيق الوطنية في سورية، وفي اللجنة التحضيرية للمنبر الديموقراطي السوري، وقد سافر بعد مشاركته في اعمال المنبر إلى موسكو للالتحاق بلجنة هيئة التنسيق التي قابلت بعض المسؤولين الروس بمن فيهم وزير الخارجية، وهو مايؤكد العلاقة الخلفية والخفيّة بين المنبر الديموقراطي وهيئة التنسيق.

3. بما أنني من أنصار ‘خير الأمور أوسطها’، والذي يجسده نظرياً وعملياً كلٌّ من الوسطية الإسلامية (وجعلناكم أمة وسطاً …) ووسط أرسطوالذهبي، ومفهوم ‘الاعتدال’ عند ابن خلدون، وتركيب هيغل ( Synthesis ) الذي يجمع في ذاته بين القضية ونقيضها، وقانون وحدة وصراع المتضادات الماركسي، فقد بات لزاما علي أن أوضح كيفية توظيف هذا المفهوم (الوسطية / الاعتدال) سواء في فهم مايدور الآن في سورية، أو في كيفية التعامل العملي مع هذا الذي يدور في سورية منذ 15.3.2011 وحتى هذه اللحظة، وذلك بعد أن شاركت حتى الآن في سبعة مؤتمرات مختلفة النظرة والعلاقة، سواء مع الثورة السورية، أو حيال بعضها بعضاً، وذلك في أنطاليا واستنبول وبروكسل وبرلين والقاهرة.

الوسطية ـ بنظري ـ هي موقف موضوعي وأخلاقي في آن واحد، ذلك أن صاحبها عادة ما يقف في مكان يمكنه منه أن يرى ويسمع كل من يقف على يمينه أو على شماله، أي أنه يرى ويسمع جيدا ًوعملياً مابات معروفاً بـ ‘الرأي الآخر’. إن الوسطية، وفق هذه الرؤية، لاتعتبر جمعاً فيزيائياً بين متناقضين، وإنما هي حصيلة تفاعل كيماوي بين المتناقضات أو المتعارضات، وبالتالي، فإنها تمثل كائناً جديداً متميزاً (الوسط الذهبي) يمثل تجاوزاً موضوعياً وعملياً لكافة عناصره ومكوناته الأصلية، التي باتت الآن مجرد جزء من تاريخ هذا المولود الجديد.

إن مفاهيم : العدل، والاعتدال، والعدالة، إنما تنتمي جميعها إلــى هــذه الرؤية الوســـطية، المعـــتدلة والـعــادلة، والتي تنأى بصاحبها عن كل من التطرفين، اليميني واليساري، أي تنأى به عن الموقف الخاطئ، وتقربه من الموقف الصحيح والسليم والأخلاقي.

4. إن شعار ‘الشعب يريد تصحيح المسار’، الذي تردده منذ منتصف شهر آذار 2011 حناجر المتظاهرين السلميين في كل المدن السورية صباح مساء، إنما يمثل بنظرنا الوسط الذهبي، الذي يحمي الثورة السورية من الإنزلاق ذات اليمين أو ذات الشمال، علماً أن مانقصده هنا بمفهومي اليمين والشمال هو، التطرف اليميني، والتطرف اليساري وليس اليمين واليسار في صورتهما المعتدلة والناصعة البياض، التي تجعلهما يسيران معاً، يداً بيد، كتفاً بكتف، دعماً للثورة، وتصحيحاً لمسيرة نظام الاستبداد والفساد القائم، تصحيحاً يبدأ بإسقاط هذا النظام المستبد الفاسد، والذي بات يستحق الآن صفة المجرم، وينتهي بإقامة نظام العدالة والمساواة، نظام الحرية والكرامة، للجميع، وبدون أي استثناء أو إقصاء من أي نوع كان، ولأيٍ جهة كانت، على أنقاضه.

إن تجربتي العملية داخل المعارضة السورية، تسمح لي أن أقول، لأولئك الذين يضعون قدماً لهم عند نظام بشار الأسد، والقدم الأخرى عند معارضي هذا النظام ، زعماً منهم أن هذا هو الاعتدال، وهذه هي الوسطية، وهذا هو دورهم كـ ‘مثقفين عضويين’ (على حد تعبير أنطونيوغرامشي) أقول: لابد أن تعلموا ــ أيها الأصدقاء، أيها الرفاق ــ أنكم بهذا السلوك والموقف الرمادي سوف تخسرون أنفسكم أولاً، وتخسرون كلا الطرفين (المعارضة والموالاة) ثانياً، وأنكم لن تجدوا بأيديكم حين تفتحونها سوى قبض الريح ، وأن غرامشي لو كان حياً ورأى مواقفكم الرمادية هذه من الثورة السورية، ومن المعارضة السورية، تلك المواقف التي ظاهرها الوسطية وباطنها التطرف والإقصاء، لصاح في وجوهكم ‘ماهكذا تورد الإبل يارفاق !!’.

5. وصلتني قبل قليل رسالة SMS، من أحد ثوار الداخل، ماتزال حروفها ساخنة، تبين لي من خلالها أن هؤلاء الشباب الذين يقودون ثورة 15ـ 18 آذار 2011 في سورية، إنما هم على درجة عالية من الوعي والاستيعاب لأبعاد الموقف الدولي من الثورة . وهم ليسوا بحاجة إلى نصائح ‘ الأفندية ‘، ولاسيما من معارضة الخارج (وأنا واحد منها)، وهذا هو النص الذي وصلني من أرض المعركة، والذي سأحاول المحافظة على كلماته، شكلاً ومضموناً، تماماً كما وصلتني، ما أمكن:

(أعداء العروبة والإسلام لايريدون لنا الخير، وهم يعملون الآن على تعميق الطائفية داخل مجتمعنا ومن ثم سيعطونا من السلاح مانريد وبدون مقابل، ونتيجة ذلك ستكون حرب طائفية كما يريدها النظام، وليس كما هي الحال الآن، ثوار من كل الطوائف، والثورة ليست موجهة ضد أي طائفة، وإنما فقط ضد المستبدين وأعوانهم من الشبيحة، وهو مالا يريده التحالف الغربي . إنه يريد حرباً طائفية ليستطيع التدخل فيها وفرض أجندات معينة على الثورة يرفضها الثوار، وأهمها التطبيع مع عدوتنا إسرائيل، التي هي حبيبة النظام بالباطن، وعدوته بالظاهر، ذلك أن عدو الطرفين هو نحن).

كاتب هذه الرسالة، ثائر ميداني بسيط، لايعتبر، (وفق رؤية العديد من الأفندية) من المثقفين الذين نعتهم غرامشي بـ ‘العضويين’، ولكن يخيل إلي لو أن غرامشي يطلع على رسالة هذا الثائر العظيم، الذي تفتقد صوته وحضوره ومواقفه كافة مؤتمرات المعارضة ، لصاح بأعلى صوته: نعم هذا هو المثقف العضوي الذي عنيته بكلامي، وليس أنتم ياأصحاب الياقات البيضاء، ويا مدمني الفضائيات، وياشبيحة القلم !!، لله درأنطونيوغرامشي.

‘ كاتب سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى