رفيق شاميصفحات مميزة

خواطر في الثورة السورية: -5-

الحلقة الخامسة

في السير عبر حقل الألغام

رفيق شامي

هل يصح أن تفاوض المعارضة النظام؟

شغل هذا السؤال القديم الجديد وجداني في الأيام الأخيرة بشكل طغى على كل الأسئلة. وجوابه سواء إيجابا أونفيا هو حقل من الألغام. لكننا مجبرون على المضي قدما  وإن بحذر في حقل الألغام هذا. هذه جملة من المحاولات في التقرب من الجواب.

1.                   لابد من الحوار لأن الثورة ليست هدفا بحد ذاتها بل هي وسيلة للتغيير ولأن الثورة فرضت نفسها بشجاعة أبنائها وبناتها ودماء شهداؤها الطاهرة فلقد حققت وضعا أصبحت فيه شريكة معترفا بها حتى من أعدائها في قيادة هذا الوطن. ولهذا لا يمكن ولا يجوز التنصل من أخذ المبادرة في المفاوضات كما اخذتها الثورة بذكاء وبطولة في الشارع. لا يجوز الترفع عن المفاوضات بنوع من “العفة الثورية” الفارغة. وعلى الثوار ألا ينسوا أن المفاوضات مع العدو أو الخصم ما هي إلا شكل مموه لحرب ونضال وإستمرارية له وإن بصورة أخرى. وهو نضال صعب ووعر ووحشي وإن بدا متمدنا حول مائدة. ومن البديهي أن تتصرف ثورة واثقة من نفسها وهي مرفوعة الجبين كمسؤولة عن الوطن. واضعة أمام أعينها أن الإنتقال السلمي لنظام حر ديمقراطي سيكون أحد إنجازاتها العظيمة وأن حماية حياة إنسان واحد تستحق شجاعة مد اليد للحوار.

2.                   الثورة سلمية رغم كل التنكيل والقتل الذي أصاب ثوراها وحتى أطفالها… ورغم كذب وسائل الإعلام. وهذا يدل على شجاعة فائقة لأن كل مشارك ومشاركة في مظاهرة ينزل للشارع وروحه على كفه. وهل هناك أغلى من الحياة؟ ان تكون سلميا في ثورتك لا يعني أن تكون مسالما أو مستسلما. أن تكون سلميا يفرض عليك أيضا أن تفكر بكل الطرق الممكنة للوصول إلى التغيير على أرض الواقع، والمفاوضات هي أحد هذه الطرق. وعلى عكس الثورة فالنظام شرير قاتل لم يترك فرصة إلا وأغتنمها بالعنف والتشويه والتنكيل كرسالة بليغة فهمها المواطنون… لذلك سيصعب عليه جدا مواجهة خصمه وعدوه سلميا… إذ ما الذي تحتويه جعبته “الشعبانية” أو ” المعلمية” من كذب لا يصمد لدقائق أمام حقيقة فساد النظام الإقتصادي والإجتماعي والوطني… بالأرقام والدلائل…والنظام سيرفض المفاوضات فورا إذا تبين له أنها لا تسير في مجاريه…وهذه ستكون هزيمة أخرى على طريقه.

3.                   الأمثلة التاريخية كلها جديرة بالإهتمام فالثورة السورية ليست لا خارجة عن التاريخ ولا المجتمع بل هي واحدة من جواهره النادرة بسلميتها. هل ترفع الفيتناميون عن الحوار والتفاوض مع ألد أعدائهم وأخبثهم؟ لا، بالعكس وكما أقر الثعلب هنري كيسنجر في مذكراته، مسحوا الأرض به وضحكوا عليه أمام الملأ. وحملوا النصر في باريس كما حملوه في معاركهم البطولية في جنوب فيتنام. هل ضر التفاوض الثورتين التونسية والمصرية؟ ابداً.

4.                   المهم في المفاوضات ليس ما يخططه  النظام، بل ما يريده الثوار. فلا ضير أن يخطط النظام لشق المعارضة والكذب امام السوريين والعالم وأن يحاول كسب الوقت..إلى آخر الإسطوانة المعروفة. وهذه من طبيعة أي نظام يحاول أن ينجو من عقاب لحظة تاريخية تنذر بإنهياره… في مثل هذه الأحوال يتصرف كل الطغاة على نفس المنوال … يأملون بكسب الوقت ويحلمون بتصفية المعارضة، لايرون المواطنين ولا  أسباب ثورتهم ولا يقرون بخطأ واحد إرتكبوه ويهذون بأن مؤامرات تحاك ضدهم من قوى خفية… ويظلون منتصرين حتى نهايتهم المريرة…هكذا كان تصرف صدام حسين و حسني الزعيم والسادات وشاوشيسكو وهونيكر وكل من سقط من أمثالهم. إذا للنظام غرضه وللثورة غرضها في مفاوضات ما. ورفض المفاوضات قطعيا قد يكون في منتهى الثورية لكنه قد يكون في لحظة تاريخية معينة في منتهى الغباء. لأنه قد يؤدي لإجهاض الثورة أو إنتحارها، لأن هذه المفاوضات قد تجبر السلطة على تنازلات او تفضح ألاعيبها أمام المجتمع في الوطن وخارجه.

5.                   لا يمكن لمفاضات أن تكون جادة في إيجاد حل لأزمة سياسية عندما يفرض طرف واحد شروطها. فهذا بحد ذاته تحقير فظ للآخر. وفي مثالنا السوري مثلا لايحق للسلطة أن تعين الأطراف التي تتفاوض معها. هذا هراء غبي ولا يحق للمعارضة أن تقبل بمثل هذه الشروط وإلا اصبحت اداة في يد النظام وفرطت ثمار ثورة غالية الثمن وبالتالي يحق للثورة نبذ مثل هذه الشخصيات من صفوف المعارضة. السلطة تعين مندوبيها فقط والمعارضة تعين ممثليها سواء كانوا من الداخل أو الخارج شبيبة كانوا او أخصائيين. هذه مقدمة لا جدال فيها.

6.                   هناك مقدمات لا تنجح مفاوضات دونها. في مثالنا السوري يتوجب على النظام بدون سوف ولعل إيقاف كل أعمال العنف والقتل في كل أنحاء البلاد وسحب أمنه وقواته الخاصة وشبيحته كما والجيش إلى خارج المدن. وإطلاق سراح كل السجناء السياسيين الذين أعتقلوا بعد 15 آذار 2011. وبالمقابل تتوقف المظاهرات لأسبوعين كافيين تماما لوضع أول أسس المجتمع المدني الحضاري الديمقراطي ومن هذه الأسس كمثال فقط: 1- حل كل أجهزة الأمن ليسود الإطمئنان والهدوء. 2- إطلاق كافة معتقلي الرأي 3- حل حزب البعث والسماح بتأسيسه فيما بعد كأحد الأحزاب السورية الكثيرة وتحت نفس شروط ترخيص العمل الحزبي دون أي دور مميز له. 4- حظر تسليح أية مجموعة خارج نطاق الجيش 5- تحديد مهمة الجيش السوري بدوره الوطني في الدفاع عن البلاد لا في التدخل في الشؤون الداخلية. 6- وضع هيئة مشتركة لتحديد خطوات الإصلاح مع جدولها الزمني… مثل جمعية تأسيسية لوضع الخطوط العامة للمرحلة الإنتقالية… ومحكمة عدل حيادية لمحاكمة القتلة عبر قضاء عادل وغير سياسي… إسترداد الأموال المنهوبة (من مخلوف وخدام وطلاس والأسد وغيرهم من العشائر التي نهبت البلد) لصالح خزينة الدولة…إلخ

7.                   سلطة النظام ظلام  دامس ومتاهات فيها إغراءات مميتة وسراب مهلك فكيف يتحصن المفاوضون من صفوف الثورة والمعارضة ضد مطبات الموت هذه؟ الجواب الوحيد هو: ان يحملوا بوصلتهم معهم لتقودهم للأمان. هذه البوصلة هي حس الشارع السوري الثوري المرهف وصوته. ومن له حس يشعر بمساعدته بنبض الشارع ومطالبه وآذان يسمع بها أقوال الشعب الحكيمة فسيتمكن مفاوضة حتى أعتى عتاة الديكتاتورية.

تبع

خاص – صفحات سورية –

أي نشر أو اعادة نشر لهذا المقال يجب الاشارة فيه إلى المصدر: صفحات سورية

كل الحقوق محفوظ للكاتب ولصفحات سورية.

يحيي كاتب هذه الأسطر أي نسخ وإعادة طباعة هذه الخواطر في أية صحيفة، طبعا بأمانة مهنية مع الإشارة إلى المصدر، لكنه لا يعترف على اية منها إنما على الأصل الذي ينشر دوما في صفحات سورية.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. تعجبني مقالات الجميل رفيق شامي لكن حرصاً عليها أدعو إلى تلافي الأخطاء اللغوية (ربما كانت طباعية أو ما شابه) ولكن لا بد من ذلك حفاظاً على جمالها.

    أمثلة: (لاحظت ذلك في مقالات سابقة أيضاً)

    لكننا مجبرين (مجبرون)
    ليست هدف (هدفاً)
    بشجاعة أبناؤها (أبنائها)
    ودماء شهداؤها (شهدائها)
    شريكة معترف عليها (معترفاً بها)
    ان تكون سلمي (سلمياً)
    إضافة إلى الكثير من الهمزات في أفعال خماسية أو مصادر أفعال خماسية لا داعي لها

    كل التقدير

اترك رداً على The Editor إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى