صفحات الحوار

خوسيه سارماغو: يحتاج العالم إلى تمرد أخلاقي

 

 

خوسيه كينتيرو

ترجمة:

أمل فارس

يصادف اليوم ذكرى ولادة الكاتب البرتغالي خوسيه ساراماغو، الذي ولد في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1922. وفيما يلي ترجمةٌ لمقابلة مصورة أجراها معه الصحافي خوسيه كينتيرو ضمن برنامج خاص على قناة الجنوب الإسبانية (Canal Sur)، وذلك في العام 2005، أي قبل نحو خمس سنوات من وفاته، وهي إحدى المقابلات الواردة في كتاب صدر حديثاً للكاتبة والمترجمة أمل فارس عن دار ممدوح عدوان للنشر، بعنوان دردشة معلنة.

هو أول كاتب برتغالي يفوز بجائزة نوبل للآداب، ولد عام 1922 في قرية صغيرة لعائلة فقيرة. المكاتب العامة والحياة هي الجامعة التي تخرّجَ منها ساراماغو، فهو لم يتمكن من الحصول على كتاب واحد ليقرأ فيه حتى سن الثامنة عشرة، وكان ذلك لسوء الظروف المادية لعائلته. سيتحدث لنا هنا عن مواضيع كثيرة، عن الموت، والتمرد، وعن الجائزة التي نالها من بين مواضيع أخرى.

*****

ما هو الموت بالنسبة لك؟

لدينا القناعة بتخيل الموت كشيءٍ خارج عنا، لكن هذا غير صحيح، فموت كل واحد منا يولد مع ولادتنا ونحمله داخلنا. يمكننا البقاء بصحة جيدة حتى عمر الخمسين أو الستين، أو إلى الثالثة والثمانين كما هو عمري الآن، بدون أي مشكلة، لكن الموت يختبئ هناك في الأعماق حتى يأتي اليوم الذي يصبح فيه لذلك الموت اسم، فهو يتقمص اسم الشخص الذي كان مختبئاً في داخله، عندها نعرف من يكون. لكننا ننتقم من هذا الموت أيضاً، وانتقامنا يتمثل في أننا حينما نفارق الحياة نأخذ موتنا معنا، فهو في النهاية لا يقتل أحداً سوانا.

هل فقدت نوعاً من الحرية بعد تسلمك لجائزة نوبل؟

لا لم أخسر حريتي، على العكس من ذلك فأنا الآن أستطيع قول كل ما أفكر به بشكل صريح، هذا لا يعني أنني لم أفعل ذلك في السابق، لكن عدد الأشخاص الذين كانوا يستمعون إلي كان أقل بكثير مما هو الآن. ما فقدته حقيقة بعد تسلمي الجائزة هو إمكانية التخفي والانعزال، ذاك ما خسرته إلى غير رجعة.

وهل تفتقدها، أقصد خاصية التخفي؟

أجل، في بعض الأحيان، لكن في أحيان أخرى لا أفعل، فأن تصبح مشهوراً ومعروفاً من قبل الناس هو أمرٌ محبب ولطيف، حيث يقترب الجميع منك ويشكرونك، ما زلتُ حتى اليوم أصادف أشخاصاً يعترضون طريقي بلطف لكي يشكروني على كتاباتي التي أثَّرَت فيهم بشكل ما. لكن أحياناً أخرى أفضّلُ ألّا يلحظني أحد، جائزة نوبل هي جائزة مهمة بلا شك، لبضعة ملايين من الناس. عدد سكان الأرض حالياً 6 بلايين شخص والغالبية العظمى لا تعرف من أكون، لكن بالمقابل هناك بضعة ملايين أخرى تعرفني وتحفزني على العطاء.

ما هو واضح أنك لم تفقد حسّ التمرد!

بالطبع لا، يوم يحدث لي ذلك سيكون لأنني قد فارقت الحياة.

هل تمردك يرجع لكونك فقيرٌ عتيق، وترفض أن تكون غنياً حداثياً؟

لا على الإطلاق، فأنا أعرف كثيراً من الفقراء الذين أصبحوا من فاحشي الثراء وتحولوا إلى وحوش شرهين تماماً مثل أولئك الأغنياء الذين ولدوا أغنياء، بل وتفوقوا عليهم بدرجة السوء. أن تكون فقيراً لا يعني أن تكون إنساناً جيداً، ولا أقول إن الأغنياء جميعهم سيئون، لكنهم يعانون من مرض يدعى المال، لأن المال هو مرض ويمكن أن يكون خطيراً في بعض الأحيان، وبهذا يساهم في تخريب المفاهيم الأخلاقية في الوجود.

لكن ألم يكن لنشأتك في بيئة فقيرة، ولظروفك الاقتصادية السيئة في مرحلة المراهقة، أثرٌ على أفكارك؟

أجل بالطبع، ظروف نشأتي أثرت بشكل ما، لكنني لم أنسَ مبادئي لسبب وحيد وهو أنني لا أرغب بنسيانها. يخجل الأشخاص أحياناً من فقرهم، ولدتُ فقيراً حافياً في بيت جدي، كانت أرضيته من التراب وسط حيٍّ فقير ومعدم، يمكن لآخر أن يخجل من كل هذا لكنني لا أخجل على الإطلاق من ماضي الفقير، وفي الوقت نفسه لا أتفاخر بذلك، بل هي مجرد إحداثيات لحياتي لا أنساها ولا أريد نسيانها، في النهاية هي قصة حياتي وماضيَّ جزءٌ منها.

هل سبق أن نال جائزة نوبل أحد المبدعين من غير الحاصلين على شهادات عليا، أم أنك الوحيد الذي استطاع تحقيق ذلك؟

لا أعلم إن كنتُ حالة فريدة، لكن أستطيع القول إن قلة قليلة ممن لم يحصلوا على شهادة جامعية استطاعوا نيل هذه الجائزة، لستُ مسروراً لكوني لم أحصل على أي شهادة جامعية، كنت أتمنى لو أنني دخلت الجامعة، ولكن في الوقت نفسه لا أتفاخر بذلك، كأن أقول للجميع انظروا أنا الذي أتيت من القاع انظروا إلى أين وصلت! أنا شخص غير عادي! كلا، بالطبع هذا كلام فارغ. يؤسفني حقاً أن ظروف والدي المادية لم تسمح لي بمتابعة الدراسة، لكن بكل الأحوال ورغم المعوقات استطعتُ الحصول على عمل ومارستُ الكتابة، وما زلتُ وقد حصلت على جائزة نوبل. في الواقع لم يسألني أحد في الأكاديمية السويدية في ستوكهولم، إن كنت قد أنهيت دراستي الجامعية أم لا كما لو كان شرطاً لاستلامي الجائزة! مع أنه في كثيرٍ من الأماكن يهتمون جداً بأمر التحصيل العلمي، حسناً على الجميع أن يلتحقوا بالجامعة لكن لكي يتعلموا حقاً، لأنه وللأسف ليس جميع من يدخلون الجامعات يتلقون العلم، وهذا ليس مسؤولية الشباب إنما مسؤولية النظام العام والأسس التعليمية.

من أقوالك: المشكلة الحقيقية تتركز في أنه ما زال هناك أغنياء وفقراء في هذا العالم!

نعم هذه هي المشكلة حقيقة، فما زالت الإنسانية تنتج الثروات التي تتوزع على الشكل الذي نراه حالياً، ولأول مرة في تاريخ البشرية يحاولون صنع عالم للأغنياء فقط، وهذا لا يعني مطلقاً بأن الجميع سيصبحون على درجة واحدة من الغنى، بل يعني توفير كل ما تحتاجه الطبقة الغنية على حساب طبقة مسحوقة من الفقراء يزداد العالم إنكاراً وتجاهلاً لها يوماً بعد يوم. إن الفقر وما ينتج من أميّة، وأميّة وظيفية، وهي مشكلة تشغل العديد من الدول حالياً، مثل إسبانيا والبرتغال وفرنسا كذلك، حيث قمتُ مؤخراً بطرح هذه المشكلة في جامعة بورديوس الفرنسية. لدينا في البرتغال على سبيل المثال من ضمن كل عشرة ملايين شخص خمسة ملايين منهم هم أُمّيون وظيفياً، ومفهوم الأمّية الوظيفية يعني عجز الأشخاص عن كتابة بضعة أفكار مترابطة على الرغم من إتقانهم للقراءة والكتابة. الإحصائيات الرسمية تقول بأنهم ليسوا أمّيين لكنهم كذلك في حقيقة الأمر. في فرنسا مثلاً هم أكثر من 20 مليون شخص، وإذا نظرنا إلى انعكاسات هذه المشكلة على مضمار آخر كالديموقراطية على سبيل المثال، أتساءل حقاً بأي ضمير سياسي يقدم المرشحون على طلب أصوات ناخبين ليس باستطاعتهم فهم البرنامج الانتخابي للحزب المرشح، بأي ضمير سياسي يفعلون هذا إذا كان هؤلاء لا يدركون معنى برنامجهم السياسي. وإذا أدلوا بأصواتهم فسيكون ذلك لأسباب ليس لها علاقة بضمير المواطنة ولا بالضمير القومي ولا بالبرنامج السياسي، بل غالباً ما تكون لأسباب بعيدة تماماً عن ذلك، تتعلق ربما بشكل المرشح أو لمنفعة شخصية وآنية. وإذا تابعنا طرح الديموقراطية في مناخ كهذا، فأنا أتساءل حقاً ماذا ستكون النتيجة، ولا أقصد التنظير هنا، لكن أعتقد أن ما ينقصنا هو مواجهة مثل هذه المشكلات الحقيقية.

لكن ألست -اجتماعياً- أقرب إلى شريحة الأغنياء منك إلى الشريحة الفقيرة؟

اجتماعياً نعم، لست فاحش الثراء ولكن ليس لدي ديون على الأقل، وأعيش حياة هادئة. ضمن شخصيات رواياتي لا يوجد غني واحد، لسبب بسيط وهو أنني لا أعرفهم، شخصياً لا أعرف أن أتصرف كالأغنياء. امتلاكي للمال أو لمنزل خاص لم يجعل مني غنياً، عقليتي ليست عقلية شخص غني، اجتماعياً ربما أنا أقرب إليهم نوعاً ما، أنا على الحد الفاصل لنقل، ولا يمكن أن أصنف كثري.

برأيك، أن يكون المرء ثرياً فهو يرتكب فعلاً غير أخلاقي أو غير سوي؟

لا أعلم حقيقة إن كان لذلك علاقة بالقيم والأخلاق، لكن مما لا شك فيه أن الثراء يكتنف شيئاً من عدم السوية أو عدم الأخلاقية. لماذا يجهد المرء نفسه في العمل ما دام ثرياً وقد ولد ثرياً! إذن لا عدالة في هذا. ومما لا أجده منطقياً أنه منذ ثلاث سنوات تقريباً أرسلت الولايات المتحدة جهازاً متطوراً في مركبة فضائية إلى كوكب المريخ، لدراسة نوعية الصخور الموجودة على سطح الكوكب، وكان حدثاً مدهشاً شغل الجميع يا للروعة! اندهش العالم، إنها التكنولوجيا والتطور العلمي، فقد استطاع الإنسان الوصول بأبحاثه إلى كوكب المريخ وبث ذلك مباشرة من الفضاء. في الحقيقة أعتقد أنه من عدم الأخلاقية التمتع بمعرفة ماهية الصخور على سطح المريخ، بينما يسمح أن يموت الناس جوعاً على سطح الأرض! أودّ القول إن الفحش ليس في مشاهد الجنس والتعري، بل الفحش أن يموت الناس جوعاً، وهنالك الملايين ممن يلقون حتفهم بسبب الجوع والمرض في إفريقيا وأمريكا اللاتينية والمكسيك، وكذلك ظاهرة أطفال الشوارع المنتشرة، كيف يمكن لنا أن نسمح بكل هذا!

هل برأيك ستنهار الرأسمالية كما انهارت الإمبراطورية الرومانية؟

كل شيء سينتهي، لكن ما زال أمام الرأسمالية مشوار طويل.

الشيوعية انهارت كذلك!

ستعود للظهور، حسب الضغوط التي اجتمعت سابقاً وأدت إلى ظهورها، كل شيء سيعود كما كان، الأحداث تتكرر باستمرار مضافاً إليها شيءٌ جديد، الأفكار والمبادئ والنظريات التي سادت وما يعرف بالمجتمع الشيوعي سيعود للظهور مجدداً، سنجد أنفسنا في ظروف مشابهة لتلك التي أنتجت الشيوعية، أقلية غنية تتحكم بأغلبية فقيرة، وسيتفاقم الوضع وينفجر مجدداً، لأن هنالك صفة تغلب على الطبيعة البشرية وهي عدم الاحتمال.

يمكننا القول إذن إن الشيوعية في حالة سبات؟

لا، ما أود قوله إن هنالك صفة مشتركة بين النصر والهزيمة وهي أن الصفتين ليستا نهائيتين. لهذا على المرء أن يحذر ألا يتمادى في فرحه إذا ما انتصر، لأن نصره ليس أبدياً، كما أن الهزيمة لن تدوم، يمكن للشخص أن يخسر وأن ينكسر ويتحول إلى غبار من يأس، لكنه سيتماسك ويقف مرة أخرى لينطلق مجدداً. لدينا حيثيات لا يمكن تجاهلها على الإطلاق، وهي التضحيات البشرية والقتلى، هنالك صورة كانت تظهر في الصحف ونراها الآن على شاشات التلفاز، تلك التي تلتقطها عدسات المصورين للزعماء خلال عقدهم لاتفاقيات السلام، التي تتم بين عدوين يبتسمان للكاميرات، لو ندقق قليلاً في هذه الصور، في ما وراء تلك الأيدي المشدودة للسلام وتلك الابتسامات، سنجد جبالاً من الجثث وأنهاراً من الدماء. وأتساءل إذا كان الوصول إلى اتفاق سلام يتطلب ملايين الضحايا. لماذا لا يعقد الاتفاق قبل التضحية بكل أولئك الأبرياء! لماذا لا نعمل على تجنب تلك الأزمات، لماذا كل هذه الدماء المراقة، والمعاناة والتعذيب!

دعوت مرة الشعب المكسيكي إلى التمرد الأخلاقي، أهذا صحيح!

في الحقيقة أنا أدعو العالم أجمع إلى التمرد الأخلاقي أو الثورة الأخلاقية، أعتقد أننا بحاجة إلى تمرد يستند إلى القيم، فإذا خرجتُ يوماً إلى الشارع أطالب بالعصيان ستأتي الشرطة وستنهال عليَّ بالضرب وسيزجون بي في السجن وينتهي الأمر. لكن أنا هنا لا أتحدث عن تلك الأخلاق التي استعملت كأداة لإيذاء الناس، والسيطرة عليهم، بل أتحدث عن القيم العادلة وهي قضية أعمق بكثير وعلى قدر أكبر من المسؤولية. إذ لا يجب أن نسمح بممارسات غير عادلة وغير نزيهة، وهذا ما أدعوه أنا تمرداً أخلاقياً.

لكن فعلاً كهذا يحتاج إلى مناخ مناسب يمكّنُ هذا الطرح من أن يلقى صداه لدى الناس، وبالتالي يؤخذ به. لست ضد وسائل الإعلام الاجتماعية، لكني أعتقدُ بأنها لا تقوم بواجبها المنوط بها بشكل جيد، هي تقوم بجانب واحد من مسؤوليتها وهي إعلام الناس بما يجري، لكن أيضاً يترتب عليها أن تقوم بشيء إضافي، وهو إعلام الجميع بما يطرأ من تغيرات على مجتمع الإنسانية.

الجميع يتفقون بأنك مواطن محترم وشخص جميل، هل توافق على ذلك؟

أحاول أن أكون كذلك قدر المستطاع.

لكن يبدو أن المواطن الصالح أو العمل الطيب قد أصبح شيئاً أو موضة قديمة هذه الأيام!

حسناً، في أيامنا هذه العمل الصالح يُعَدُّ شيئاً سخيفاً، وينظر إلى الإنسان الطيب على أنه شخص غبي، لو كان بإمكاني أن أبتكر رابطة عالمية جديدة ستكون رابطة الطيبين أو الصالحين، أجمع فيها بين الطيبين أينما كانوا في هذا العالم، بغض النظر عن انتماءاتهم أو أعراقهم أو اعتقاداتهم وما عدا ذلك من الفروقات، وسيكون الشرط الوحيد للانتماء إلى هذه الرابطة العالمية هي الصلاح، إن كنتَ طيباً انضم إلينا إذن! وعندها سنرى ما سيفعله الطيبون الذين هم ليسوا بحال من الأحوال أغبياء، بل هم يتظاهرون بالغباء أحياناً ويختبئون خلفه. ولكن كل هذا يبقى أملاً محتملاً وحلماً جميلاً.

أعتقدُ أن الطيبين سيتفاهمون دائماً فيما بينهم.

ليس بالضرورة، أجل هذا محتمل لكن هنالك طرق كثيرة ليكون المرء طيباً، الأم تيريزا دي كالكوتا على سبيل المثال، يتفق الجميع على كونها امرأة طيبة جداً وصالحة، أنا شخصياً لا أصدق ما تقوله تلك المرأة، لسبب بسيط وهو أنها مهتمة بإنقاذ أرواح مرضاها، لكني شخصياً أود لو تهتم بإنقاذ أجسادهم. لقد عرض عليها مرات عدة أن تدير مستشفى مجهزاً بكل ما يحتاجه المرضى لكنها رفضت، إذن هي تريد فقط أن تردد صلواتها على جبين مرضاها وتقوم بتجهيزهم نفسياً لكي يدخلوا إلى الحنة. هي مثالٌ للإنسان الطيب والصالح وقد اهتزَّ العالم لموتها، لكن شخصياً لا أرغب أن تجمعني تلك الرابطة مع مثل هذا الشخص الطيب، إذ أنني أملك نظريتي الخاصة والشخصية جداً عن معنى الطيبة.

لماذا لم تعتنق الدين المسيحي؟

لدي عقلية مسيحية بطبيعة الحال، ليست يهودية ولا بوذية أو إسلامية، فقد نشأتُ في محيط مسيحي، ولكني ببساطة لا أؤمن بالله أو بالأحرى لا وجود لله. ولا أقصد الإساءة لأحد عند قولي لهذا، لكن يحق لكل شخص أن يمتلك إلهه الخاص به إذا هو أراد ذلك. على كل حال تروق لي فكرة أني سأقابل الله يوماً ما وجهاً لوجه، وهذا ما تبشر المسيحية به أتباعها. لا يمكن أن أتجاهل أنني مقيم في إشبيلية وهي مدينة فوق الدين لنقل، وعلى الأغلب هذا لن يعجب كثيرين، لكن لا ذنب لي فأنا لا أؤمن بوجود الله. بالإضافة إلى كوني لست مضطراً لطلب الصفح بسبب ذلك.

يقول خورخيه لويس بورخيس إن الله أعطى الأدلة الأقوى على عدم وجوده!

أجل هذا صحيح، فالله لم يفعل سوى هذا منذ نشأة العالم.

من أوجد أو اخترع فكرة الله؟

نحن من اخترعناه، المكان الوحيد الذي يوجد فيه الله هو عقل الإنسان، وليس في السماء، حيث يوجد جنباً إلى جنب مع الشيطان، الذي اخترعناه أيضاً، تماماً كما اخترعنا الحب والكراهية والعدل والحق، الطيبة كذلك. وخارج عقل الإنسان لا أعرف ماذا يوجد حقاً، فالعقل هو الوحيد الذي يمكننا من امتلاك فكرة حول الحقائق التي ليست بمتناول أيدينا، وهي ما نسميه الروح وهي فكرة خُلقت في العقل البشري ولم تخرج بعد.

عندما نلتَ جائزة نوبل وصفتك الكنيسة بأنك شيوعي حرون ومتعجرف، هل هذا صحيح!

حسناً الوصف تقريبي، وقد تُرجِمَ بمعانٍ مختلفة، لكني أتساءل، ما دخل الكنيسة في ما أنا عليه، ولماذا تشغل نفسها بهذه الأمور؟ أودُّ القول بأنني لم أُسئ لأحد في حياتي لكن الكنيسة فعلت وما زالت تفعل ذلك. سأقول لك شيئاً، لم تكن الأديان يوماً طريقة لتقريب البشر من بعضهم، مطلقاً، ولا في أي حقبة من تاريخ البشرية، هذا التاريخ الحافل بالفوضى، على العكس فقد كرست جميع الأديان فكرة خاطئة وأنانية تقوم على إجبار الآخر على تقبل اعتقاداتنا، على سبيل المثال وصلت المسيحية إلى أمريكا الجنوبية وفرضت تعاليمها على الشعب الأصلي، وادعت أنها الوحيدة التي تمتلك الحقيقة الالهية، وهذا هو إثم الافتخار الكاذب الذي لا يُغتَفَر. فكيف يُخيّلُ لإنسان مغفل، وفي الواقع جميعنا مغفلون، أن يتوصل إلى الاعتقاد بأنه يملك الحقيقة الإلهية! وباسم هذا الإيمان ولخدمته توظف مفاهيم السيطرة والهيمنة، وهذا في الحقيقة ما أودى بالبشرية إلى هذا العبث.

بالنسبة لي فكرة وجود الله هي فكرة غير قابلة للتصديق، وفكرة أن الله خالق العالم وأنه سيقاضي الناس جميعاً وسيحاكمهم على أعمالهم الخيرة والسيئة، كل ذلك هو أقرب إلى قصص الأطفال ولا يمكنني تصديقه. وكوني تقدمت في العمر ففكرة الجحيم لا تخيفني على الإطلاق، وأنا الآن أكثر قناعة من ذي قبل بأنه لا وجود لمثل هذا المكان، وقد صرَّحَ البابا بأنه لا وجود لمكان محسوس يدعى الجحيم، وبأن الجحيم هو ألَّا أكون مع الله، وتِبعاً لذلك، إن كان ذلك صحيحاً، فأنا الآن موجود في الجحيم، لكن الحقيقة أنني بحالة جيدة جداً، بل في أفضل أحوالي، لسبب بسيط هو أنني رجل طيب بالإضافة إلى أنني حصلت على جائزة نوبل فكيف لا أكون بحالة جيدة!

موقع الجمهورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى