صفحات سوريةمنذر خدام

خيارات الثورة السورية


منذر خدام

لا يهتم الثائرون السوريون إلا بقضية واحدة، وهي قضية انتصار الثورة التي فجروها في وجه نظام مستبد ظالم لا يعرف أي أسلوب للتعامل مع شعبه إلا أسلوب القتل، ومن أجل ذلك فقد قدموا آلاف الشهداء، ولا يبدو في الأفق أنهم سوف يتراجعون عن قضيتهم، وهم في ذلك محقون. غير أنه لكي تنتصر الثورة لا يكفي التركيز على الهدف وحده، بل على طريق الوصول إليه، وعلى الوسائل المناسبة لتحقيقه.

لطالما قلنا إنه في ما يتعلق بقضايا الثورة لا يجوز اللعب، بل الحساب الدقيق حتى نجعل «هزيمة النظام محتومة وأقل إيلاما»، على حد قول الصديق ميشيل كيلو، وهذا ما لم تقُم به المعارضة السورية بكل أطيافها للأسف الشديد. في غياب التحليل الدقيق لواقع سوريا وتشخيص عوامل القوة والضعف لدى النظام والمعارضة، صار الحراك الشعبي يتعلق بمخارج غير ممكنة لثورته، من قبيل استدعاء الخارج ليتدخل عسكريا في شؤون سوريا ليسقط نظامها تحت عناوين ولافتات مختلفة، فتبين بعد كثير من الوهم، وكثير من الدماء، أن الخارج لن يتدخل عسكريا في سوريا، وبالتالي ليس في وارد إسقاط نظامها السياسي. واليوم بعد أن تخلت المعارضة والحراك الشعبي عن مناشدة الخارج ليتدخل عسكريا لإسقاط النظام السياسي السوري، ثمة دعوات تظهر في أوساط بعض المعارضين السياسيين، وفي أوساط الحراك الشعبي، تدعو إلى الحرب الأهلية كطريق وحيد لإسقاط النظام السوري.

إن الدعوة لتبني خيار الحرب الأهلية لا يقل خطورة ووهما عن سابقه، خيار التدخل العسكري الخارجي، ولذلك ينبغي تجنبه قبل فوات الأوان. بداية، لن تكون الحرب الأهلية في حال سيطرتها على المشهد السوري بين النظام والحراك الشعبي فقط، بل بين جميع المكونات الأهلية الإثنية والطائفية والمذهبية في المجتمع السوري. في هذه الحالة سوف يفقد الحراك الشعبي طابعه الوطني العام ليتقمص أردية طائفية، بل سوف يتغير هدف الحراك أيضا من كونه هدفا ثوريا وطنيا جامعا يتمثل في إسقاط النظام الاستبدادي ليشيد على أنقاضه نظاما ديمقراطيا تعدديا تداوليا، إلى هدف آخر يتمثل في تحقيق الغلبة الطائفية، وهو الاحتمال الأقل سوءا لكنه الأبعد منالا، أو إلى تمزيق الوطن السوري إلى كيانات طائفية، وبالتالي دمار الدولة، وهو الخيار الأكثر سوءا لكنه الأكثر احتمالا.

وكما هو حال خيار التدخل العسكري الخارجي فإن خيار الحرب الأهلية يحتاج إلى تغذية خارجية كثيفة بالسلاح والمال، لكنها في هذه الحالة لن تكون تغذية لطرف دون آخر، هذا من جهة. ومن جهة ثانية يتطلب ذلك تدمير الدولة السورية، وهي دولة قوية كما هو معلوم. وإذا كان هناك دول أبدت استعدادها لإمداد الداخل السوري بالسلاح والمال فإن ذلك لا يعدو باعتقادنا عن كونه نوعا من الضغط السياسي على النظام من أجل أن يتوقف عن إراقة دماء السوريين. ثم إن دول الجوار الإقليمي لسوريا سوف يكون لها الكلمة الفصل في هذه الحالة، باعتبارها دولا سوف يمر السلاح والمال من أراضيها إلى سوريا، وهذه الدول كما أعلنت مرارا لن تسمح بذلك؛ خشية أن تنتقل الحرب إلى أراضيها أو تصيبها بعض شظاياها. إضافة إلى كل ذلك فإن المنطقة برمتها، بل العالم أجمع، لا يستطيع تحمّل أفغانستان جديدة كمفرخة للإرهاب، ولا حتى كعراق جديد. بكلمات أخرى، إن الحرب الأهلية خيار غير واقعي، وإذا حصل كحالة استثنائية فإنه سوف يدمر الدولة والكيان السياسي السوري ولن يكون فيها منتصر، بل مهزومون فقط.

خلاصة القول ومؤداه أن إسقاط النظام السوري لن يتم عن طريق التدخل العسكري الخارجي، ولا عن طريق الحرب الأهلية، في الحالة الأولى لا توجد دولة على استعداد لإرسال قواتها العسكرية لإسقاط النظام السوري لأسباب كثيرة، بعضها من طبيعة استراتيجية وبعضها الآخر من طبيعة آنية وعملية. وفي الحالة الثانية لا أحد جاهز لقبول حالة أفغانستان ثانية في منطقة شديدة الحساسية حيث النفط وإسرائيل.

ما العمل في هذه الحالة إذا كان النظام لا يستطيع هزيمة الثورة مهما طال الزمن بها، ولا الثوار على ما يبدو قادرون على إسقاط النظام في الشارع في المدى المنظور بالاعتماد على الوسائل العنفية؟! إذا صح ما ذهبنا إليه فإن الخيار الوحيد المتبقي هو العمل على هزيمة النظام بالوسائل السياسية.

لكن المعركة السياسية هي معركة لا تقل ساحتها ضراوة عن ميادين القتال، غير أن النظام في هذه الحالة سوف يكون الأضعف، وبالتالي سوف تكون هزيمته مؤكدة رغم أنها لن تكون سهلة. لقد نجح النظام حتى الآن في جر قسم من الحراك الشعبي ومن المعارضة إلى الساحة التي يتفوق فيها، أعني ساحة العنف، من خلال تكثيف قمعه للحراك الشعبي، فهل تستطيع المعارضة والحراك الشعبي معها جره إلى ساحة المعركة السياسية حيث يمكن تعطيل أدواته العنفية؟

في الساحة السياسية تتفوق مطالب الحراك الشعبي والمعارضة السياسية المتمثلة في الحرية والتنمية والديمقراطية والدولة المدنية وتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع من خلال انتخابات حرة ونزيهة ومراقبة، استنادا إلى دستور ديمقراطي وقوانين ديمقراطية مكملة له على مطالب النظام في الاستئثار والفساد والدولة الأمنية. في الساحة السياسية يصير ممكنا تفكيك عناصر القوة التي يستند إليها النظام، سواء من بنى أهلية ناصرت النظام بدواعي الخوف أو لأنها لم تجد ما يطمئنها على مستقبلها لدى المعارضة، وفي الساحة السياسية تنعدم فعالية أدواته القمعية، كما يصير ممكنا تعريته وعزله أكثر أمام أصدقائه وحلفائه وفي النهاية إسقاطه.

هل يصمد النظام أمام المطالبة بدستور ديمقراطي تعده جمعية تأسيسية أو حتى لجنة من الخبراء في القانون الدستوري تشارك فيها المعارضة السياسية، لا تكون أجهزته الأمنية وصية عليها؟ هل يصمد النظام أمام المطالبة بقوانين للأحزاب والإعلام والانتخابات تكون ديمقراطية فعلا؟ هل يصمد النظام أمام المطالبة بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وفصل حزب البعث عن الدولة ومؤسساتها؟ هل يصمد النظام أمام التحدي بإجراء انتخابات ديمقراطية وشفافة ومراقبة دوليا؟ هل يصمد النظام أمام المطالبة بلجنة تحقيق ذات مصداقية في الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري؟ أسئلة كثيرة جوابها في الحقل السياسي هو النفي. لكن من جهة أخرى، هل المعارضة السياسية والحراك الشعبي جاهزون لخوض المعركة السياسية؟ سؤال أبقيه مفتوحا.

الشرق ألوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى