صفحات مميزةميشيل كيلو

خيارات الوضع الراهن/ ميشيل كيلو

 

ليس من التجني على ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية القول إن وضعه الحالي يحول بينه وبين أن يكون مؤسسة عمل وطني بمعنى الكلمة، لأسبابٍ أهمها بنيته الراهنة التي تم تصنيعها على عجل، بأيدٍ خارجية، لكي تغطي دور دول أجنبية تتصارع في بلادنا، وتعزز تحكّمها بالمسألة السورية، ومنع مؤسساته من بلورة أي دور وطني مستقل، ومن تحويل القوى المسلحة إلى جهة تستخدم في تصفية حسابات دولية وإقليمية، يغطيها أصحابها الخارجيون بوعود كاذبة حول تدخل إنقاذي يسقط النظام، ويأخذ سورية إلى الحرية.

وقد تعززت بنية الائتلاف المثلومة، والمنتجة للانقسامات، بفعل نظام داخلي فيه كل ما يلزم لتعطيل أي جهد أو مشروع يخدم المسألة السورية واستقلاليتها، وأي توجه نحو بناء خطط سياسية وعسكرية تقدم حلولاً تمنع انخراط السوريين في ما لا شأن لهم به، من صراعات محتدمة بين حيتان ووحوش دولية وإقليمية كبيرة، تقصر اهتمامها على استخدامهم وقوداً للموت، بدلاً من جنودها.

لا داعي لسرد تاريخ “الائتلاف” لتبيان الفجوة الواسعة بين ما كان عليه فعله، لو كان مؤسسة عمل وطني، وما قام به بالفعل من خطوات، ومارسه من سياسات تكلّلت عموماً بالفشل، ولإثبات غربته عن مجتمع سورية، بما في ذلك أقسامه التي هجّرها عنف النظام من وطنها، ويتعامل الائتلاف معها وكأنها غير موجودة، على الرغم من قابليتها للتفاعل بأعلى قدر من الإيجابية مع أي نشاط يقوم به حيالها، وأية خدمة يقدمها لها. لا داعي، أيضاً، لتأكيد ما آلت إليه الأحوال من بدائل، تتلخّص في اثنين: انهيار الائتلاف تحت وطأة تناقضاته الداخلية، وغيابه عن دوره الوطني المنتظر من جهة، او تغيير بنيته، بحيث يتمكن من إنجاز إصلاح جذري وعميق، يحوّله من نقطة الضعف الرئيسة للعمل الوطني إلى مؤسسةٍ تنتج سياسات مستقلة نسبياً عن الصراعات الدولية، من جهة أخرى، تعرف كيف تفيد من تناقضات أطرافها وكيف تضعها في خدمة قضيتها، وكيف تبعد ثورة الحرية عن معارك لا مصلحة لها في خوضها، تطمس هويتها وتبدّلها، تسفك فيها دماء ملايين السوريات والسوريين، وتشرّد وتهجّر ملايين أخرى، تدخل الإرهابيين الأغراب إلى بلادنا، وتسهّل تشكيل تنظيمات متطرفة وتكفيرية “محلية”، ينخرط كثيرون منهم فيها، بسبب الفقر، ومنعهم من حسم الصراع ضد النظام، وحماية شعبهم من الإبادة.

لكن، سيكون تحويل الائتلاف إلى مكان ينتج عملاً وطنياً ضرباً من المحال دون تبنيه، في صحوة متأخرة، استراتيجية داخلية التوجه، وطنية الأسس والممارسات والأهداف، تنفّذ برامجها قوى تخضع بنادقها لقيادة سياسية خبيرة، موحّدة وحازمة، تعرف كيف تدير الصراع من أجل انتصار الحرية والعدالة والمساواة، بمشاركة واسعة من قطاعات الشعب المختلفة، والتزام معلن بأهداف ثورتها.

يواجه الائتلاف، اليوم، أحد خيارين، إما أن ينقذ نفسه من الانهيار، عبر إصلاح شامل، يبدّل هيكليته وعلاقات مكوناته وآليات اشتغاله وبرامجه، يستعيد بواسطته رهانات الثورة الأولى، وما تفرضه من أولويات وخطط، أو أن يواصل عمله بالطريقة التي انتهجها إلى اليوم، فيصير انهياره أمراً لا مفر منه، ولا قدرة لأحد على الحيلولة دونه. السؤال الآن: هل يصحو الائتلاف من سباته الشتوي، ولو متأخراً، فيضع حداً لانقساماته وتبعيته لدول يرفض معظمها انتقال سورية إلى الديمقراطية أو إلى نظام إسلامي، أم يواصل إدارة أزمته بطرق تعسفية وفاشلة، تقوم على حسابات صغيرة وعقليات متخلّفة، فيواصل التعايش مع ضعفه، ويفلس تماماً تحت وطأة الظروف المتبدلة وتحدياتها، إلى أن تقتله غربته عن شعب يعجز أكثر فأكثر عن خدمة قضيته، وتثمير تضحياته؟

العربي الجديد

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى