صفحات العالم

خيار النظام السوري الوحيد


هاشم عبده هاشم

* هل حان الوقت (اليوم) لتجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية؟

* أطرح السؤال وأنا أدرك أن الوضع في سوريا أكثر وأشد تعقيداً من الوضع في ليبيا عندما اجتمع المجلس الوزاري للجامعة العربية في القاهرة بتاريخ (٢٣ فبراير ٢٠١١م) ليتخذ قراراً كهذا بحق النظام الليبي السابق.. وفتح – بذلك – كل الأبواب للتخلص من العقيد ونظامه بعد كل ذلك..

* وحتى الوضع في ليبيا.. فإن الموقف العربي وإن سمح لمجلس الأمن باتخاذ القرار رقم (١٩٧٣) بتفويض «النيتو» بحماية المدنيين الليبيين بصرف النظر عن اللفظ الذي دار بخصوص حدود ممارسات الحلف وطبيعة عملياته في ليبيا.. حتى ذلك القرار العربي وما ترتب عليه من تبعات مكلفة كثيراً.. كان مبنياً على معطيات مختلفة.. وإن كانت النتيجة النهائية مأساوية..

* فقد قتل الآلاف من أبناء الشعب الليبي.. ودمرت المدن الليبية تدميراً شديداً.. جراء مقاومة النظام وعناده ومكابرته..

* حدث ذلك في ليبيا بالرغم من أنه لم تكن هناك دولة.. ولم يكن هناك جيش.. ولم تكن هناك مؤسسات أمنية.. أو دستورية..

* ومع ذلك فإن النظام لم يسقط إلا بعد أن «أحرق» كل شيء في ليبيا الغالية علينا جميعاً..

* والنظام وإن ذهب الآن.. إلا أن إعادة الدولة الليبية لن تكون سهلة.. وإن كان الأصعب من كل ذلك هو حجم الخسائر البشرية الكبير الذي لا يمكن تعويضه على الإطلاق وإن كان الأمل عظيماً في أن يتحد الإخوة الليبيون لمواجهة تلك المأساة بتنظيم صفوفهم وصولاً إلى تحقيق الأهداف التي قاموا بثورتهم لإنجازها.

* ذلك هو الوضع الليبي بكل أبعاده ونتائجه وتداعياته في ليبيا وإن كان المؤشر الأبرز فيه لتشجيع الجامعة العربية على إتخاذ قرار تجميد العضوية الليبية هو توافق الجميع على أن العقيد ونظامه قد استحقا رفع العطاء العربي عنهما.. لا سيما وأن تصرفات القذافي مع الجميع كانت سيئة على مدى أربعين عاماً.. وأن الكل بات مقتنعاً بأن عليه أن يرحل..

* أما بالنسبة للوضع السوري الأكثر تعقيداً.. فإن النظام فيه يقوم على بنية سياسية وعسكرية وأمنية ومخابراتية محكمة وأن الوقت لم يحن بعد لتراخيها أو تفكيكها.. وبالتالي فإن المزيد من الضغط السياسي.. والاقتصادي.. سيؤدي بهذا النظام إما إلى العزلة الدولية والاقليمية الشديدة فيواجه بذلك مصيره المحتوم.. وإما أن يفطن إلى هذه النتيجة ويصحح أوضاعه بالكامل وإما أن يقتنع أخيراً فيتنحى ويخلص البلاد والعباد من التعرض لذلك المصير المأساوي الذي تعرض له الليبيون.. ودمرت بسببه بلادهم مع كل أسف.. وإن كان حدوث ذلك غير متوقع بمثل هذه السهولة.. لا سيما وأن النظام يجد من يدعمه في الاقليم أو على المستوى الدولي لارتباط تلك الأطراف بمصالح ضخمة معه.. بعضها اقتصادي والبعض الآخر استراتيجي.. والبعض الثالث عقائدي «آيديولوجي» أيضاً..

* وبمعنى أدق.. فإن مجلس الجامعة اليوم قد يجد نفسه أمام إشكالية كبيرة.. وهو يتملى التجربة الليبية القاسية ويمني النفس بالخروج بصيغة اتفاق فيما بين أعضائه حول الوضع السوري.. لإعطاء بعض الوقت وتلمس مخارج وحلول أكثر واقعية من اللجوء مباشرة إلى قرار تجميد العضوية تفادياً لوقوع مأساة أكبر وأعظم في سوريا.. وعلى حساب الشعب السوري المسالم بطبيعته..

* صحيح أن استهلاك الوقت قد يساهم في زيادة الخسائر بين المواطنين ومضاعفة الخراب للبنية الأساسية في سوريا..

لكن الأكثر صحة هو أن الخسائر – بكل المقاييس – ستكون أقل بكثير مما لو اتخذ قرار كهذا الآن.. وبدأت المواجهة الحاسمة مع النظام.. ولجأ هذا النظام إلى استخدام جميع الأوراق المتاحة له وحول البلاد والعباد إلى «رماد» على طريقة «عليّ وعلى أعدائي».

* لكل ذلك.. فإنني أعتقد أن الانتظار لبعض الوقت وتلمس طريقة أخرى قد يكون مفيداً وأقل كلفة.. وإن كان هناك من يرى أن الوقت لن يكون في صالح الشعب.. وإن كنت أرى شخصياً أن المزيد من الوقت لن يكون أيضاً في صالح النظام.. وعليه أن يختار بنفسه الآن المخرج الذي يجنبه وشعبه وبلاده مصيراً غير مسبوق في تاريخ الإنسانية..

ضمير مستتر

(ثمن التمسك بالسلطة على حساب الشعوب أغلى من التخلي عنها قبل لحظة الانهيار المدمرة).

الرياض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى