صفحات العالم

خيانة النجوم


ساطع نور الدين

كشف المنجمون في التوقعات التي اطلقوها في مناسبة حلول السنة الجديدة أنهم ضد الثورات العربية التي فشلوا في التنبؤ بها عشية العام الماضي، والتي كانت حدثا تاريخيا بكل ما للكلمة من معنى، وبرهنوا على انهم ليسوا اكثر دراية من معشر الصحافيين الذين خانتهم التحليلات، وفاجأتهم الأحداث ولا تزال.

لم تكن متابعة أقوال وأفكار «علماء الفلك» ليلة رأس السنة الجديدة خياراً. كانت هذه المرة اقرب الى الواجب الذي يفترض ان يؤديه كل باحث عن فرصة لتفادي خيبة العام الماضي الناجمة عن سوء تقدير لما بدأ في تونس كحادثة فردية محدودة، وسرعان ما تبين أنها شرارة اشعلت حريقاً هائلا امتد من المحيط الى الخليج، وصار علامة فارقة من علامات القرن الحادي والعشرين، ليس فقط بالنسبة الى العرب الذين قرروا ربما للمرة الاولى منذ قرون ان يستردوا سيادتهم ويعيدوا بناء مجتمعاتهم ودولهم من نقطة الصفر، بل بالنسبة الى العالم الذي راقب ولا يزال يراقب ذلك التحول في مسار العرب السياسي والاجتماعي، ويقف حائراً امام بعض أشكاله وعاجزاً امام بعضها الآخر.

فاجأ العرب انفسهم، اكثر مما فاجأوا العالم. لكن يبدو ان مفاجأة المنجمين كانت الأكبر، ولا تعادلها سوى مفاجأة الصحافيين، الذين لا تزال غالبيتهم تجاهر في اعتراضها او على الأقل في افتراقها عن كل ما يصدر في الشارع بشكل عفوي، او تزعم انها مع الثورة من دون تردد او تحفظ، لكنها خائفة من المستقبل وما يمكن ان يحمله من مخاطر على البلدان والشعوب الثائرة او على الأمة كلها.

كان الخوف هو القاسم المشترك بين الصحافيين والمنجمين، الذين اعيتهم الحيلة طوال الساعات الاخيرة من العام الماضي، عندما يتوقعون سنة سوداء دموية على الأمة كلها، بل وحتى على العالم الذي سيواجه خلال العام الحالي ايضاً موعداً جديداً مع الفناء الذي ضرب له اكثر من موعد منذ مطلع القرن وحتى اليوم، بينها ما نسب الى نوستراداموس، وتبين انه تخريف ليس إلا.

خلاصة قول معظم المنجمين هي ان ما يسمى بالثورات العربية كانت بمثابة كارثة حقيقية استغلت فرصة انهيار انظمة انتهت صلاحيتها من اجل ان تقود مجتمعاتها ودولها الى الخراب والدمار، الذي ستبدأ عواقبه تظهر في خلال العام الحالي، بحيث سيترحم الجمهور العربي على طغاته السابقين، وسيتمسك بطغاته الحاليين، وسيعود الى سيرته التاريخية التي لا تنتج سوى الاستبداد ولا تعتبره عيباً

بدا المنجمون كأنهم ينتقمون للطغاة الذين سقطوا او المهددين بالسقوط، ويزدرون الجمهور الذي صنع ولا يزال يصنع قدره، من دون قمع داخلي او تدخل خارجي، ومن دون تنجيم. كانت نبوءتهم الأبرز هي ان العرب مقبلون على أسوأ سنة وأخطرها وأكثرها دموية.

لم تكن تنــبؤاتهم لهذا العام مسلية أبداً. بدا ان النجوم التي راقبوا حركتها او كــرة الكريستال التي حدّقوا بها مؤخراً سخرت بهم او خانتهم مثلــما سبق ان فعلت منذ مطلع القرن، بل ربما منذ مطلع الزمن.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى