صفحات الناسوليد بركسية

“دابق البديلة”… السخرية سلاحاً/ وليد بركسية

 

 

“مجلة كل عائلة مسعورة تحيا في ظل دولة الخلافة الداعشية الراشدة”.

“دابق البديلة” ليست إصداراً جديداً من إصدارات “داعش” الرسمية أو الداعمة، وليست مجلة بالمعنى الحرفي أيضاً. هي مدونة جديدة في محرك “ووردبرس”، استطاعت في فترة قصيرة جذب الانتباه إليها لنوعية الخطاب الساخر الجديد الذي تقدمه، وكأن الحروف التي تقدمها التدوينات، سيوف قصيرة حادة لاذعة وكوميدية بحدة السيوف الحقيقية التي يحملها رجال “داعش” الحقيقيون.

“مجلة كل عائلة مسعورة تحيا في ظل دولة الخلافة الداعشية الراشدة”. هكذا تعرف “دابق البديلة” عن نفسها للجمهور الواسع، في ظل سخريتها اللانهائية من التنظيم التكفيري “داعش”، ومن الخطاب الأصولي المتشدد في العموم، مستمدة اسمها ونطاق حركتها من مجلة “دابق” الشهيرة الصادرة عن “داعش” باللغة الانجليزية.

وجاء في إعلان التأسيس: “كأية أمة ناشئة، تشق طريقها بين أمم الأرض كطفل بليد يخطو خطواته الأولى على دروب الحياة مدمراً حياة أسرته، يسرنا أن نعلن بمناسبة موسم الأعياد، بوصفنا مثالاً للدولة المحترمة التي تحرص على صيانة مواطنيها وتعديل إعداداتهم بما يتناسب وروح هذا العصر، ولشكاوى الكثير من الإخوة حول سماجة وتقعقر إصدارنا الرسمي “دابق الحقيقية”، نعلن إنشاء هذه المساحة المرهفة البديلة والسمحة من باب المناغشة مع القراء ومداعبتهم بغلظة.

تخاطب المجلة كل أفراد “العائلة المسعورة”، كما تخصص المرأة. وتصل السخرية فيها إلى حد الإعلانات من أجل الترويج للحياة الرغيدة في دولة الخلافة المنتظرة، وجذب مواطنات جديدات من جميلات العالم الشقراوات لأجل عيون مجاهدي التنظيم: “للأجنبيات الفاجرات: لماذا يجب أن تختاري دولة الخلافة كوطن جديد؟” تقول المجلة في مقال لها، وتضيف: “بدل أن تستمري في حياة الدعارة الشائعة في بلادك مع أصدقائك الأرذال، لم لا تخوضين تجربةً روحانية نقية في أرض الأحلام مع أحد فرسان التنظيم الذي سيغيّر نظرتك حول الروحانية إلى الأبد؟ هيا وسارعي لحجز أقرب موعد طيران إلى الأراضي التركية الشقيقة”.

ولأنه “لا يصح للنساء أن تثرثر في أمور الرجال”، نرى “الإمام الأكبر” وهو محرر داعشي افتراضي هزلي، يقدم النصائح للمجاهدين الرجال وتحديداً في قضاياهم الجنسية الشائكة وقت الجهاد المقدس: “ها أنا ذا أعطيك من واسع علمي وعظيم تجربتي ما يعينك على التحكم في شهوتك الجنسية”.

“الإمام الأكبر” هو الاسم الوحيد الذي يظهر في المدونة، حيث يفضل أصحاب المدونة الإبقاء على أنفسهم في الخفاء على غرار إعلاميي “داعش” أنفسهم والأقرب للأشباح.

وبغياب صور وفيديوهات تفاعلية، تجسد الفرة بالصورة والألوان، تعد المدونة مقاربة مثالية ترسم ملامحها “دابق البديلة” باحترافية، فلا وجود لأي طريقة للتواصل مع الفكر الداعشي الهزلي تماماً مثلما لا توجد طريقة للتواصل مع نسخته الواقعية الإرهابية.

الجنس والعنف، هما أساس سخرية “دابق البديلة” كرد على الجنس والعنف في الخطاب الداعشي الأصلي. ومن الممتع حقاً قراءة مقالة موجهة لسيافي الدولة الأشاوس حول “قواعد الأتيكيت لا غنى عنها لدى تنفيذ حد قطع اليد”، وهو عقوبة السرقة في الفكر الأصولي، وتتنوع تلك القواعد بين “حكم المناكير” أي طلاء الأظافر باللهجة السورية أو اللباس الرسمي المناسب لهذه المهمة العتيدة على طريقة كوكو شانيل: “البساطة هي سيدة الأناقة، اختر بدلة لينين صباحية هفهافة تسمح لقبلات الشمس بترك أثرها على بشرتك”.

السخرية التي تحملها “دابق البديلة” في وجه التنظيم المتشدد، أقوى من عشرات التقارير الإخبارية الجادة عنه. وتكشف بنجاح كمية الهزلية والتناقض اللاعقلاني التي يطرحها وجود “داعش” بحد ذاته في القرن الحادي والعشرين، والذي ما يزال كفكرة مجردة أقرب للخيال منه للحقيقة الفعلية.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى