صفحات الحوار

داخل داعش: مايكل ويس والمحلّل السوري حسن حسن، اللذين اشتركا مؤخراً في تأليف كتابٍ عن داعش

 

 

ألكس راول

منذ ستة أشهر، انطلقت حملة عسكرية دولية بقيادة الولايات المتحدة ضدّ تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” المعروف بـ”داعش”، لكن المظاهر الخارجية تدلّ على أنّ المقاتلين الجهاديين في هذا التنظيم لا يزالون يبدون واثقين متمكنين، و”متوحّشين” كما كانوا دائماً. إذ قبل أسبوعين، نشروا فيديو لطيّار أردني أسير يحرقونه حياً، ولصحافي ياباني قُطع رأسه.

كذلك على الأرض، في حين أدّت أكثر من 2000 ضربة جوّية إلى إحباط داعش، لاسيما منعها من اجتياح بلدة كوباني الواقعة على الحدود السورية- التركية، فإن الخلافة التي أعلنها التنظيم لا تزال بنفسها تحكم أجزاءً من شرقي سوريا وغربي العراق، حيث تصل الأراضي التي تسيطر عليها الى مساحة بريطانيا العظمى.

كيف حصل ذلك؟ من هم هؤلاء العشرات الآلاف من المحاربين “المقدّسين”، الذين يرمون من يعتبرونهم مثليي الجنس من أعلى المباني ويحتفظون بالأطفال كعبيد للجنس؟ ما الذي يحتاجه المجتمع الدولي للقضاء عليهم؟ هذه بعض الأسئلة التي حاول الكاتب في موقع NOW مايكل ويس، والمحلل في معهد ديلما حسن حسن، الإجابة عليها في كتابهما المشترك الجديد، “داعش: داخل جيش الرعب”.

NOW: يبدأ الكتاب بسيرة ذاتية لأبي مصعب الزرقاوي، القائد السابق لـ”القاعدة” في العراق والذي يُسمّى “الأب المؤسس” لداعش، ويتعقّب جذور هذه الإيديولجيا والحالة القتالية عبر أسلافه في التاريخ مثل السيد قطب، وعبدالله عزام، وأسامة بن لادن. فما الذي يميّز الزرقاوي عن غيره؟

مايكل ويس: كان الزرقاوي متطرفاً، إعتقَد أنّ الطريقة الفضلى لخوض حرب مقدّسة هو من خلال خلق حرب طائفية بين السنّة والشيعة. كان منطقه بسيطاً: لقد اجتاحت الولايات المتحدة العراق وقضت على نظام سنّي أقلّوي قام لسنوات، ما أدى بالتالي الى تمكين إيران والأكثرية من “الرافضة” في العراق. فإذا قامت “القاعدة” في العراق، سلف داعش، بالاعتداء على الشيعة بدون رحمة – فقطعت رؤوسهم وفجّرت مساجدهم، ومقاماتهم الدينية – فمن شأن ذلك بأن يؤدي الى ردّة فعل مبالغ فيها من قبل هؤلاء، وإلى انتقامهم من السنّة من خلال سفك دمائهم. هكذا سوف يرى السنّة الناجون القاعدة في العراق كالمخلّص والحامي الوحيد لهم، وسوف يستقطبون حولهم جيوشاً من المقاتلين الأجانب الذين سيتدفقون الى العراق لقتال الشيعة.

إنّ مشكلة هذه الاستراتيجية الحربية، كما رآها بن لادن والظواهري، تكمن بكونها سوف تنفّر الكثير من المسلمين، وسوف تؤدي على الأرجح الى رد عنيف من قبل إيران- وهو بلد ليس فقط لا تريد القاعدة أن تدخل في قتال معه، بل واستمتعت بتحالف تكتيكي معه لسنوات. وبالفعل فقد قال العدناني، المتحدّث الحالي باسم داعش، من فترة ليست ببعيدة إنّ القاعدة تدين بالكثير لإيران، لتبرير امتناع داعش بقيادة الظواهري عن نقل جهاده مباشرة الى ايران. أما بن لادن فقد كره الزرقاوي لأسباب أخرى أيضاً. فعندما التقيا للمرة الأولى في قندهار عام 1999ـ راح الزرقاوي يهاجم الشيعة مرارا وتكراراً، ما سبّب إهانة الى رئيس القاعدة الذي كانت أمه سورية الجنسية من الطائفة العلوية. ومع ذلك، وبسبب علاقاته في المشرق، فقد كانت القاعدة متسامحة مع الزرقاوي، فقامت بتمويل مخيم التدريب الخاص به في هرات، وقبلته في صفوفها عام 2004 بعد أن أعلن ولاءه لأسامة. ولكنّنا بيّنا في الكتاب كيف أنه كان لا بد من “طلاق” بين القاعدة في العراق/ داعش ومنظمة القاعدة بشكل عام بسبب الاختلافات الايديولوجية والاستراتيجية بين الاثنين.

لم يكن الزرقاوي مثقّفاً، لكنه كان يتمتّع بدهاء امتاز به كل قادة الأنظمة التعسّفية. فيطبّق مقولة ستالين الشهيرة “إذا كان هناك رجل، يكون هناك مشكلة. إذا لم يكن هناك رجل لا يكون هناك مشكلة”. وبالنسبة للزرقاوي تصبح المقولة “طالما هناك شيعة، يكون هناك مشكلة…”، فقد اعتبر بأنّ الديموغرافيا لصالحه، بما أنّ السنّة يفوقون الشيعة عدداً في كافة أنحاء العالم. وفي أول أيام الثورة، منح أهمية خاصة لـ”فيلق بدر”، بقيادة هادي الأميري (الذي كان عميلاً مأجوراً لدى الحرس الثوري الإيراني قبل أن تجتاح الولايات المتحدة العراق)، وفي بياناته التي كان يصدرها من ساحة المعركة، صرف من الحبر من أجل لعن وتكفير الشيعة أكثر مما صرفه لتكفير الأميركيين، والأكراد، والمسيحيين، وغيرهم.

فقد رأى الزرقاوي بأنّ الولايات المتحدة سوف تغادر العراق في نهاية المطاف، واستنزاف هذه القوة العظمى كان من الأهداف الوشيكة التي ستؤدي في النهاية الى استعادة السنّة السلطة في بغداد تحت راية الخلافة. هكذا كان مشروعه انتقامياً من حيث التوجّه- وهي حقيقة فاتت من يفضلون رؤية القاعدة في العراق وداعش من خلال منظار مناهضة الارهاب فقط لا غير.

في الحقيقة، فقد أعطى مسجد الزنكي في الموصل الكثير من الأهمية، وهو المسجد حيث ألقى صلاح الدين خطبته قبل أن ينطلق لخوض الحرب الصليبية الثانية، والذي سُمّي على اسم بانيه ومعلّم صلاح الدين، نور الدين محمود الزنكي في القرن الثاني عشر. فمن خلال الحرب والزواج الانتهازي، وصل نور الدين الموصل وحلب وجعلهما ولاية سنيّة واحدة.

وليس من قيبل المصادفة أن يكون أول ظهور لأبو بكر البغدادي كخليفة في إحدى خطب رمضان التي أقيمت في هذا المسجد عام 2014. حيث قال الزرقاوي: “لقد أنيرت الشعلة في العراق، وسوف تستمر حرارتها بالاشتداد- بإذن الله- حتى تحرق الجيوش الصليبية في دابق”. ودابق هي حلب تاريخياً. ولهذا السبب سمّى داعش شعاره الإعلامي الدعائي باسمها، ولذلك تعمل هذه النبؤة كواجهة أساسية لكل قضية. وبالتالي يعلن داعش نفسه كمحقّق لرؤية الأب الأردني المؤسس له المظلمة، والتي لا تشبه لا من قريب ولا من بعيد رؤية بن لادن، الذي لم يتمكن يوماً من السيطرة على مساحة من الأراضي تساوي حجم بريطانيا العظمى.

NOW: من أهم الزوايا التي تنظر اليها في أول الكتاب هي التداخل بين البنية التنظيمية لداعش اليوم، وبين نظام صدام حسين السابق في العراق. هل بإمكانك أن تتحدث عن هذا الموضوع قليلاً؟

ويس: عندما بدا أن لا مهرب من اجتياح الولايات المتحدة للعراق عام 2003، أصدر بن لادن إعلاناً غريباً بأنه يوافق على تواصل الجهاديين مع “الاشتراكيين الكفار” في البلد. وعنى بهؤلاء بالطبع البعثيين الذين كانوا على وشك أن يتم خلعهم عن العرش. كان ذلك تصرفاً ذكيّاً منه، كما اكتشف لاحقاً ديريك هارفي وضباط استخبارات عسكرية آخرين، حيث إنّ أوائل الثوار لم يكونوا بقيادة القاعدة في العراق أو بقيادة الزرقاوي على الإطلاق، بل كانوا بقيادة صداميين، وكانوا يستخدمون شبكات تهريب وسلاح كانت موجودة منذ سنوات.

وكان الصدّاميون سعيدين جداً بالتعاون مع الجهاديين ضد عدو مشترك، وبالفعل فلم يكن كافة هؤلاء “علمانيين”. إذ بدأ صدّام بحملة ايمان اسلامي في التسعينات هدفت إلى زيادة تديّن نظامه بعد هزيمته الشعواء في حرب الخليج الأولى (حينها أضيفت إلى العلم البعثي العراقي عبارة “لا اله إلاّ الله” على سبيل المثال)، وتهدف كذلك – وهذا الأهم – إلى إسكات أو السيطرة على المذهب الإسلامي في الداخل بحيث لا يعود يشكّل تهديداً داخلياً للحكم. وبالتالي فقد رمى بذلك الى خلق ايديولجيا هجينة وفقاً لفرانكنشتاين تزواج ما بين البعثية والسلفية. لكن المشكلة كانت بأنّ العديد من البعثيين الذين توجه اليهم هذا البرنامج تخلّوا عن بعثيتهم وأصبحوا سلفيين بشكل كامل. وبعض هؤلاء باتوا من ضمن الثورة بالطبع، ولاحقاً شاركوا في السياسة العراقية- مثل رئيس مجلس النواب السابق، محمود المشهداني.

إلا أنّ حتى أشد البعثيين وفاءً والتزاماً لم يتوجّسوا من التحالف المناسب لهم مع التكفيريين. فقد كان لدى نائب الرئيس السابق للعراق عزت الدوري ميّزة خاصة في تهريب السيارات الى البلد – بحيث تُحوَّل هذه السيارات وبكل سهولة الى أدوات متفجرة نقّالة يمكن للجهاديين قيادتها مثلاً الى داخل مبنى الأمم المتحدة في بغداد كما حصل في أول عملية ضخمة للزرقاوي في العراق. وعندما استولى داعش على الموصل في حزيران الماضي، قيل إنّ جيش النقشبندية التابع للدوري هو الذي هيّأ الظروف المؤاتية في المدينة التي سبقت الحرب الخاطفة التي استمرت خمسة أيام فقط.

خضعت القاعدة في العراق/داعش للعديد من التغييرات في رأس قيادتها خلال 11 سنة. فقبل موته عام 2006، سعى الزرقاوي الى “عرقنة” ما بات بمثابة وكالة بقيادة أجنبية، معتبراً أن ذلك أفضل لاجتذاب العراقيين. وتتوّج هذا التحوّل الجديد في العلاقات العامة بتسلق الكثير من الصداميين السابقين أعلى درجات سلّم المنظمة.

اليوم، يصعب بأن لا تعثر على ضابط أو نقيب سابق في المخابرات أو الجيش العراقي في مجالس شورى داعش، العسكرية أو الاستخبارية. فمثلاً، قُتل المالكي- وهو غير رئيس الوزراء السابق، بل المختص السابق في الأسلحة الكيميائية- بواسطة الطائرات الأميركية. ومن هنا يتبيّن لنا السبب في هذا المستوى العالي الذي يتمتع به داعش ويجعله أكثر بكثير من أي ثورة فلاحين. هؤلاء هم أشباح صدّام. وهذا ما يُفسر سبب نجاحهم في الدعاية وفي التضليل الاعلامي. إحزر من علمهم ذلك. السوفيات والاستخبارات السوفياتية.

NOW: تتعمّق كذلك في الدور الذي لعبه النظام السوري في تشكيل داعش، الذي يبدو أمراً غير بديهي بالنسبة للقرّاء الذين اعتادوا سماع تورط تركي أو خليجي في ذلك. أليس المفترض بأن يكون الأسد هو العدو الأول لداعش؟

ويس: إن دور الأسد في تحريض القاعدة في العراق وتسهيل أمورها موثّق بشكل جيّد جداً، ما يحد من الاعتقاد بأنّ أياً من كان في حلقات السياسة الغربية يمكن أن يعتبره مناهضاً للإرهاب بشكل حيوي هو شخص يمكن تصديقه.

تمّ تحديد موقع وكالة السفر ما يُسمى بـ”العمليات السرية” للجهاديين التي أرسلها النظام الى العراق لنحو عقد، في الشارع الممتد من السفارة الأميركية في دمشق. فقد تعاونت مخابرات الأسد مع الزرقاوي لتنسيق اغتيال لورنس فوليه، الموظف في USAID الذي قُتل في الأردن عام 2005. واستضاف الأسد أبو غديه، وهو منظّم عمليات سرية قُتل على يد القوات الخاصة الأميركية عام 2008 في البو كمال، البلدة الحدودية في سوريا التي يتدفق منها الجهاديون الى العراق. فلو كنت تريد الانضمام الى الحرب ضد الأميركيين، تذهب الى مطار دمشق الدولي، الموصول مع عملاء القاعدة في العراق في العاصمة، ومن ثم تُنقل الى أحد البيوت الآمنة العديدة في الجزيرة.

وكان آصف شوكت، صهر الأسد، يتولى قبل موته الإشراف على هذا الجهد. ولهذا السبب، فقد أعلنت محكمة مدنية فيدرالية أميركية عام 2008 أن الأسد وشوكت كليهما متورطان شخصياً في قطع رأسي مقاتلين أميركيين في العراق، وأصدرت حكماً بقيمة نصف مليون دولار على سوريا لارتكابها هذه الجريمة. وقد أجرينا مقابلة مع محمد حبش، النائب السوري الذي أدار برنامج اجتثاث التطرف (الأشبه بالمسرحية الايمائية) في سجن صيدنايا، وقال لنا بما لا يقبل الشك إنّ أبو قعقع، رجل الدين الجهادي الذي شجّع المسلمين للذهاب وقتال الأميركيين في العراق، كان يعمل مع المخابرات. وأظهر مارتن شولوف، من الغارديان مؤخراً كيف أنّ قوات الأمن السورية، والبعثيين العراقيين، والقاعدة في العراق كانوا جميعاً يتعاونون منذ عام 2009 للاعتداء على مؤسسات الدولة العراقية في بغداد.

لقد استخدم نظام الأسد القاعدة لسنوات من أجل عقد صفقة مع الغرب: “يمكن أن نفجّركم مع هؤلاء، أو أن نعمل معكم للتخلّص منهم- اختاروا ماذا تريدون”. هذا ما قاله علي المملوك بمعنى أو بآخر لمسؤولي وزارة الخارجية الأميركية عام 2009 عندما كانت إدارة باراك أوباما المؤلفة حديثاً تحاول عدم عقد أي صفقة مع أي أنظمة بغيضة في المنطقة.

بكل صراحة، في هذه المرحلة، كل من يزعم بأنّ الأسد لم يستمتع بعلاقة طويلة ومدمّرة مع أسلاف داعش هو غير مؤهّل للتعليق على الموضوع.

NOW: على نحو مماثل، وجدت أدلّة على تعاون إيراني مع القاعدة في العراق، سلف داعش، في بعض المراحل. فما كان مدى وأهمية هذا التعاون، وكيف يمكن النظر اليه في ظل الدور الذي تبرز فيه إيران اليوم كمعارضة لداعش في العراق وفي غيره؟

ويس: أمضى الزرقاوي الكثير من الوقت في إيران بعد أن هرب من أفغانستان، وذلك بفضل أمير الحرب الأفغاني غولبودان هيكمايار وبدون شك الحرس الثوري الإيراني. نعلم بأنه اعتُقل ثم أُطلق سراحه في احدى المراحل، لأن الأردنيين أكدوا لاحقاً على ذلك مع الإيرانيين، لكن ثمة أدلة كذلك على أنّ قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني وعملاءه في العراق، مثل جيش المهدي، كانوا يتشاركون الأسلحة والمتفجرات مع القاعدة في العراق على اعتبار أنّ أي دمار يُلحق بقوات الائتلاف والقوات الأميركية هو أمر جيد.

كل ضابط عسكري أميركي أو محلل مخابرات عسكري قمنا بمقابلة معه من أجل الكتاب، قال إن هذا التواطؤ كان قائمًا بدون أي شك، وهذا أحد أسباب الفشل في اغتيال سليماني، أو على الأقل تفجير مخترق متفجّر يقوم ببناء المنشآت في مهران. ولا يزال العديد من كبار مسؤولي الحرب المتقاعدين يتحسّرون على ذلك. ووصلت الشرق الأوسط الى حد اصدار تقرير عام 2004 قالت فيه إنّ سليماني تبجّح بأنه قام بتدريب الزرقاوي ونحو 20 عضواً من أنصار الإسلام في احد معسكرات الحرس الثوري الايراني في مهران وساعد الأردنيين في تنفيذ تفجيرات انتحارية.

حتى إن كنتم لا تعتقدون بأن ذلك صحيحاً، لا يمكن انكار ما قاله أبو محمد العدناني، المتحدث الرسمي باسم داعش والزميل السابق للزرقاوي، لأيمن الظواهري في أيار 2014، وهو الآتي:

“استمر داعش بالإلتزام بنصائح وتوجيهات المشايخ وشخصيات الجهاد. لهذا السبب لم يهاجم “الروافض” في إيران منذ تأسيسه. فقد أبقى على الروافض آمنين في إيران، ولم يعتدِ على جنودهم، رغم قدرته آنذاك على تحويل إيران الى حمام دم. لقد أمسك غضبه كل تلك السنوات وتحمّل الاتهامات التي وُجّهت اليه بالتعاون مع ألدّ عدو له، إيران، لأنه امتنع عن استهدافه، تاركاً الروافض يعيشون هناك بسلام، منفّذاً أوامر القاعدة لحماية مصالحها وخطوط الإمداد في إيران. نعم، لقد كتم داعش غضب جنوده وأمسك غضبه لسنوات للحفاظ على وحدة المجاهدين في الرأي والعمل. فليسجّل التاريخ بأن إيران تدين للقاعدة بشكل لا يقدّر بثمن”.

لماذا قد تدين إيران للقاعدة بشكل لا يقدر بثمن إلاّ إذا كان هناك تاريخ طويل من التعاون وغضّ النظر المتبادل لنشاطات القاعدة في العراق؟ هناك أيضاً الحقيقة البسيطة المتمثلة بكون وزارة المالية الأميركية عاقبت مراراً شخصيات إيرانية لدورها في تسهيل عمل عملاء القاعدة. فقد عاقبت وزارة المالية أولمزون أحمدوفيتش صادقييف، الذي صنفته كالمسهّل الأول لأعمال القاعدة واتهمته بـ”الاشراف على جهود القاعدة لنقل عملاء خبراء وقادة من باكستان إلى سوريا، فقام بتنظيم وتأمين الطرقات التي يمكن للمجندين الجدد سلوكها للوصول الى سوريا عبر تركيا، وساعد في انتقال عملاء القاعدة في الخارج الى الغرب”. هذا التصنيف له حصل في شباط 2014 ما يعني بأن صادقييف كان يساعد المنظمة قبل ذلك، عندما كانت تشكل تقنياً جزءا من داعش.

بالطبع، عندما تكون خبيراً في شؤون الشرق الأوسط، يكون كل ما ورد آنفاً مستحيلاً بكل بساطة، إذ لا يمكن إطلاقاً للجمهورية الاسلامية أن تعمل مع الجهاديين السنّة، أليس كذلك؟

NOW: تمّ إخراج داعش مؤخراً من كوباني بعد أشهر من القتال، لكن المحللين ما زالوا منقسمين حيال ما اذا ما كان التنظيم يربح أم يخسر بشكل عام؟ فهل ستنجح الحملة الحالية للائتلاف، كما هي، بهزيمتها؟ وإذا لا، فالى ماذا نحتاج من أجل ضمان الحاق هزيمة ماضية بهم؟

حسن حسن: عانى تنظيم داعش من عدد من الهزائم التكتيكية الكبيرة منذ بدء الضربات الجوية في العراق وسوريا في الصيف. لكن هذه الخسائر تكتيكية وليست استراتيجية. لكن هذه ليست المرة الأولى التي عانى منها داعش أو أشكاله السابقة من هزائم مماثلة، أو أسوأ منها، ولكنه عاد ونهض من هزائمه لأنه لم يتم يوما اجتثاث الأسباب الرئيسة لقيامه.

ثمّة أسباب للمزيد من التشاؤم في هذا الوقت. فعامي 2006 و2007، عندما ثار سُنّة العراق على القاعدة كان ذلك بمثابة جهد يبدأ من القاعدة نحو الأعلى ويحظى بدعم وجود عسكري أميركي كبير وكذلك بحكومة أقل طائفية. اما اليوم فالوضع مختلف تماماً. حيث لا وجود عسكري أميركي على الأرض، ولا شهية كما في السابق لنقل القتال الى عقر دار داعش. والأهم من ذلك أنّ داعش تعلّم من أخطائه السابقة وزاد من تحصين نفسه ضدّ أي ثورات تصدر من الشعب عليه من خلال الاندماج في المجتمعين العراقي والسوري.

قد لا يكون الناس في المناطق التي يسيطر عليها داعش منقسمين حول مدى وحشية التنظيم وبربريته، لكنهم بالطبع منقسمون حول مدى جدوى وحكمة قتاله. كما أنّ داعش لم يستفز الناس للقيام عليه، من خلال اتّباعه طريقة جديدة في الحكم تمكّن السكان المحليين من إدارة شؤونهم اليومية طالما انهم يقدّمون اليه الولاء والطاعة. وقد ضمنوا عدم لجوء الناس الى حمل السلاح ضدهم من خلال ممارسة العنف الشديد، حتى عندما لا يكون هناك أي حاجة اليه.

بعد ستة أشهر على بدء الحملة الجوية، لم يواجه التنظيم أي تهديد حقيقي له في عقر داره، أي في مناطق مثل الموصل، ودير الزور، والرقة، وغيرها. وعلى العكس من ذلك، فقد أحرز بعض التقدّم في هذه المناطق، على الرغم من خسارته أراضٍ في مناطق خارج منطقة نفوذه، مثل سنجار وديالا.

إذا لم يرَ من يعيشون في ظل حكم داعش حكوماتهم غير متمتعة بشرعية، فإنّ الحملة الجوية سوف تبقى بدون أي جدوى. فحتى لو تمكن الإئتلاف الدولي من إيجاد أفراد في هذه المناطق يرغبون بالانضمام إلى القتال ضد داعش، فإنّ هؤلاء الأفراد سوف تنظر اليهم مجتمعاتهم كمرتزقة وليس كمحررين. وسوف يبقى داعش قوة لا تُضاهى في هذه المناطق طالما أنّ الحرب قائمة في سوريا والركود السياسي حاصل في العراق. وحتى لو تم حلّ هاتين المشكلتين، فإن القتال سوف يستغرق بعض الوقت لأن داعش لا ينتظر حصول مثل هذا السيناريو. فهو يعمل على ترسيخ وجوده في تلك المناطق وعلى التخلّص من أي منافسين محتملين له، فيما أعداؤه ملتهون في في مكان آخر.

NOW: أخيراً، ثمة سؤال جوهري لا طالما طُرح حول المجموعات الجهادية، وأعيد طرحه بعد بروز داعش، وهو يتعلّق بـ”السبب الرئيس” لهذه الظاهرة. هل هم مجرّد متطرفين متدينين شديدي التقوى ينفذون وصايا الله؟ هل هم ضحايا مضطهدون لأعمال ظلم تاريخية، يحرّكهم الفقر واليأس؟ هل هم كما زعم رئيس بلدية لندن بوريس جونسون مؤخراً، مجموعة من الفاشلين المكبوتين جنسياً الذي يسعون وراء السلطة؟ ما الذي توصلت اليه بعد معاينتك لهم عن قرب؟

حسن: إن داعش هو منتج مركّب من عدة مكونات. فالناس ينجرون الى داعش لعوامل متنوعة. السياق السياسي في سوريا والعراق هو أحد هذه العوامل. فالعنف الشديد الذي مارسه نظام الأسد لقرابة الأربعين عاماً دفع حتى العلمانيين الى الانضمام الى مجموعات جهادية، بينها داعش. وهؤلاء الأشخاص غالباً ما ينضمون إلى مجموعات مثل جبهة النصرة أو مجموعات إسلامية أخرى، لكن العنف، والظلم والفوضى سيطرت على المشهد وخلقت الظروف الفضلى لداعش لكي ينمو ويزدهر.

والأمر نفسه ينطبق على العراق. فخلال أبحاثنا من أجل الكتاب، وجدنا قرابة الستة عوامل المحددة التي تدفع الناس نحو داعش. فبعض الناس ينجرفون نحو داعش بسبب مشروعه السياسي، وليس بسبب ايديولوجيته. وآخرون ينضمون اليه بسبب نجاحه عسكرياً أو في الحكم. أما الإيديولوجيا فتبقى من أبرز الدوافع. حيث تبرز أهمية المتحمسين الشباب والمتطرفين بالنسبة لداعش، حتى إن لم يشكل هؤلاء سوى فئتين من ضمن فئات عدة، وذلك كونهم يمنحون التنظيم هويته ويضمنون مرونته. فيسيطر الشباب والشديدي التطرف على أهم المراكز في المجموعة وعلى القيادة العليا لها. ودوافع العديد من أعضاء المجموعة قد تأخذهم الى أي مذهب أو منظمة إجرامية، ولكن من المهم عدم تضخيم الدور الذي يلعبونه داخل التنظيم. فلا يزال داعش مضطراً الى تبرير أفعاله من خلال التعصّب الإسلامي وكل أعضائه عليهم الالتزام بذلك، والأعضاء الذين يقودون التنظيم ويشكّلون أفعاله هم أولائك الذين يؤمنون إيماناً شديداً بمشروعه وبروحيّته.

داعش: داخل جيش الرعب، كتابة مايكل ويس وحسن حسن، صدر لدى Kindle eBook في كانون الثاني 2015. وسوف تصدر النسخة الورقية منه في 17 شباط. ويمكنكم شراء الكتاب هنا.

هذه المقابلة ترجمة للنص الأصلي بالإنكليزية

(ترجمة زينة أبو فاعور)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى