صفحات الناس

داريا.. هدنة خنق جبهة الغوطة الشرقية/ صبر درويش

 

 

لا شيء يغير من حقيقة أن مدينة داريا المتاخمة للعاصمة دمشق من جهة الجنوب الغربي، كانت قد نجحت عبر أكثر من 600 يوم من التصدي لأعنف هجمات عسكرية شنتها قوات الأسد بقيادة الفرقة الرابعة، فتلقت المدينة الضربات بجميع أنواع الأسلحة الثقيلة.

اليوم، يتهيأ ما تبقى من سكان المدينة لعقد هدنة مع النظام، تبدو أنها متعثرة حتى الآن، إذ وعلى الرغم من اتفاق الطرفين على أغلب النقاط إلا أن اللجنة المكلفة بالتفاوض لم تتمكن حتى اللحظة من عقد لقاء مع طرف النظام.

ومن الواضح أن نظام الأسد يتعامل مع ملف داريا من موقع المنتصر، ويسعى إلى تجريد الهدنة من أي مكاسب من الممكن أن يحققها مقاتلو المدينة وأهلها؛ وهو ما يهدد بإفشال الهدنة من أساسها ويعيد الأمور إلى المربع الأول.

تقول نهى، الناشطة والمعتقلة سابقاً في سجون النظام لـ”المدن”: “لا اعتقد أن ما يجري هو مفاوضات بين طرفين غير متساويين، فالنظام هدم المدينة، وارتكب العشرات من المجازر بحق أهالي داريا، ونحن عبر هذه المفاوضات لا نطلب إلا الحد الأدنى من حقوقنا، أي إعادة إعمار المدينة وعودة أهلها الذين يعانون ظروف النزوح، وإخراج معتقلينا من السجون. هذه ليست هدنة، بل مطالب بالحد الأدنى من الحقوق”.

وبحسب مدير المكتب الإعلامي في داريا، حسام عياش، فإن بنود الهدنة كان متفقاً عليها من قبل جميع الأطراف الثورية في المدينة في اتفاق أطلق عليه تسمية “ميثاق الشرف”. وينص على انتشار جيش النظام على أطراف المدينة وفق خطة متفق عليها، على أن يسحب الجيش الحر جميع المظاهر المسلحة في الأحياء السكنية من المدينة، وتشكيل قوة أمنية من أهالي المدينة، والاتفاق بين جميع أطراف الثوار على عدم تسليم الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وأخيرا الكشف عن مصير المعتقلين والذي بلغ عددهم أكثر من 1800 معتقل والإفراج عنهم.

وفي كل الأحوال، تطرح مبادرة الهدنة العديد من التساؤلات: هل وصل ثوار المدينة إلى مرحلة لم يعودوا فيها قادرين على الصمود على إثر التعب والحصار الذي استمر لحوالي سنتين؟ وهل حقاً يمكن الوثوق بعهود نظام الأسد بتنفيذه لبنود الهدنة؟

بحسب شهود عيان، فقد تراجعت مساحة المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة على إثر المعارك الشرسة التي خاضوها ضد قوات الأسد لتصل إلى أقل من 20 في المئة من مساحة مدينة داريا. فالمقاتلون باتوا لا يتواجدون سوى في بعض الأحياء الضيقة على الجبهة الشمالية من المدينة، وربما يكون هذا هو السبب الحقيقي الذي دفع بقوات المعارضة إلى المبادرة في عقد هدنة تضع حداً للحرب، التي هدمت أكثر من ثلثي المدينة وهجرت أغلب سكانها.

وتعد جبهة داريا أقرب جبهة إلى عمق العاصمة دمشق، بعد جبهة حي جوبر شرقي العاصمة، ومن هنا تكمن خطورتها. فإذا ما كتب النجاح لهذه الهدنة فإن ذلك يعني أولاً إطباق الحصار على بساتين حي القدم والعسالي وعزله عن محيطه الحيوي، وخصوصاً بعدما نجح نظام الأسد بتأمين المحيط الجنوبي والشرقي للحي بعد سيطرته على بلدة حجيرة، وثانياً تعني الهدنة في داريا والتي سبقتها هدنة معضمية الشام تأمين قوات الأسد للجبهة الجنوبية الغربية للعاصمة دمشق، والتي استمرت فيها المعارك الضارية لأكثر من عامين، وهو ما سيجعل قوات الأسد تالياً تتفرغ بالكامل لجبهة الغوطة الشرقية والتي تعد اليوم الجبهة الوحيدة المتبقية في محيط العاصمة دمشق، وآخر معقل حيوي لمقاتلي المعارضة.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى