تهامة الجنديصفحات الثقافة

دار الإقامة الفنية في عاليه المناخ لبناني والهوى سوري: تهامة الجندي

حروبنا دمّرت الإسطبل القديم وثورتهم حوّلته محترفاً تشكيلياً

إنها رحلتي الثانية إلى عاليه بحثا عن «دار الإقامة الفنية»، وفي المرتين أضعت الدرب كعادتي، لكني لم أشعر بالاستياء، شغلني الجمال الذي يسكن البلدة: جبلها الأخضر، يعلو سطح البحر بحوالي ثمانمئة وخمسين مترا، ويطرد الحر والرطوبة المرتفعة، شارعها الطويل، يعبر مقاهيها ومطاعمها الكثيرة، الموزعة بين الأشجار والزهور، مركزها التجاري الحديث، وسوقها القديم بمحّاله ذات الواجهات والأبواب الخشبية الموحّدة التي يعود طرازها إلى عشرينات القرن الماضي، مبانيها التراثية من الحجر الصخري والقرميد… «عروس المصايف اللبنانية» ملاذ مثالي لغسل الروح من التوتر والأرق…

زيارتي الأولى لعاليه كانت في نيسان الماضي، ولم أكن أعرف أحدا من دار الإقامة، سرت عكس الاتجاه، وقادتني خطاي إلى مقهى رصيف، صاحبه الشاب الوسيم حاول مساعدتي، وأجرى عدة اتصالات هاتفية للسؤال عن المكان الذي كان مجهولا تماما على ما يبدو بالنسبة للأهالي، وائل أبدى تعاطفه الصادق مع محنة السوريين، قدّم لي فنجانين من القهوة وقطعة حلوى، ولم يرضَ أن أدفع الحساب، وحين نويت الرحيل، قال: «لا تروحي… خليك عنّا»…

زيارتي الثانية كانت في الثاني من آب الجاري، وكان رقم جوّال صاحبة الدار بحوزتي، وحين شعرت إني آتية، اتصلت بها، وأتاني الفنان حسين طرابيه لاصطحابي من أمام مبنى «مصرف لبنان» الذي لا يبعد كثيرا عن بوابة حديدية كبيرة، ما إن انفتحت حتى استقبلني بساط واسع من العشب الندي، تسيّجه المنحوتات والأشجار والورود من كل جهات باحة الدار المستطيلة، التي تزيد على الثلاثمئة متر مربع. وعلى البساط الأخضر التقيت الإعلامية بشرى عبد الصمد، التي كانت تنهي حوارها المتلّفز مع رغد. تعرفّت على الفنان حسكو حسكو وزوجته وأطفاله الثلاثة، القادمين لتوهم من سوريا، وتحدثت مع مصطفى قدور الذي يتولى تسيير شؤون المبنى وضيوفه.

«دار الإقامة الفنية في عاليه» محترف فني، يتألف من قسمين داخلي وخارجي، بمساحة قدرها أربعمئة وخمسين مترا مربعا، كان في السابق اسطبلا للخيل، دمرته الحرب اللبنانية، فرممته المهندسة رغد مارديني، وافتتحته قبل عام، في سياق مشروعها لاستضافة التشكيليين السوريين القادمين من سوريا ومن أماكن لجوئهم، بما في ذلك المقيمين في لبنان. عن تجربتها هذه تقول: «مكان مفتوح، جيد الإضاءة، لكنه مهمل ومليء بالأنقاض، عرض عليّ صاحبه الصديق زياد أن أعمل على ترميمه، أحببت المكان، أحسست بالجمال والطاقة الداخلية الموجودة فيه، أحسست أنني بمزيد من الحب والجهد بإمكاني أن أعيد الحياة إليه، كان ذلك في نيسان 2011، وكان صاحب المبنى من اللطف لدرجة أنه ترك لي مطلق الصلاحية أن أعمل كما أشاء، حافظت على الحجر القديم، نظفته، رممته، أعدت الأحجار الساقطة إلى مكانها، ملأت الفجوات، وضعت أرضية رمادية حيادية حتى يبرز لون الحجر، أضفت المدفأة (الشومينه) لأنها تخلق جوا جميلا في الشتاء، أضفت مرافق حيوية بأسلوب معاصر، المطبخ والحمام من الغرانيت الأسود، الإضافات كلها ضمن فراغات المكان، والتقطيعات إما بالقماش أو رفوف الخشب، كل المقاعد تتحول إلى أسرّة للنوم، بحيث بات لدي مساحة للعمل وأخرى للراحة».

«هذا المكان أردته أن يكون محترفا، يشبه المحترفات التي أحببتها في سوريا، مناخ جغرافي مختلف، هو لبنان، والهوى سوري، جو بسيط، نتحدث، نتبادل الآراء، نرسم، ننحت، نعزف، نطبخ، نأكل… مكان للتفاعل، نخلق فيه مجتمعا يشبهنا، ضمن الظروف الصعبة التي اضّطرتنا أن نترك بلدنا. عشنا حياتنا نائمين وعاجزين، وفجأة صار كل واحد منا يحس أنه مسؤول، ويستطيع أن يفعل شيئا لدعم الثورة والحفاظ على سلميتها، وهذه كانت مساهمتي المتواضعة».

وما هي علاقة المهندسة المدنية بالفن التشكيلي والترميم؟ سألت، وقالت: «شغفي بالرسم قديم، لكننا في سوريا ندخل الجامعة حسب العلامات لا حسب الميول، معدلي كان عاليا، رغب أهلي أن أدرس الطب، وفضلت الهندسة المدنية، لأني أحب مادة الرياضيات، «طلعت» الأولى على الجامعة، واشتغلت بالتدريس لمدة عشر سنوات، لم أكن سعيدة على المستوى الشخصي، وفي قلبي حيّز يبحث عن الجمال، وجدته في مراسم الفنانين، فتعرّفت عليهم. كنت أقضي وقتا طويلا معهم، أجواء إبداعية ليس فيها مصالح وزيف، الفنانون حسّاسون، يعيشون الحياة بعمق وبأبسط تفاصيلها، وكل المظاهر ليس لها قيمة في عالمهم. بدأت أقتني اللوحات، وصارت لي مجموعتي التي أحبها كثيراً، اللون كان قادراً أن يخترق قلبي ويبكيني، بعدها أشعر بالراحة والصفاء. في البداية كنت أرسم بورتريهات بالفحم، لم أتعلم الفن، حساسية اللون وقواعد اللوحة تعلمتها من خلال التجربة وبجهد ذاتي، وهذا ساعدني وطوّر عملي كمهندسة ومصممة، ومع الخلفية الإنشائية لدراستي، صرت أرمم الأبنية المتهالكة بطريقة مختلفة، كأني أصنع منحوتة».

في سياق مشروع «الإقامة الفنية» تستضيف الدار عددا من الفنانين السوريين، يتشاركون المكان لأربعة أسابيع، تُؤمن لهم خلالها كافة مستلزمات المأكل والمشرب والمنامة وخامات العمل، إضافة إلى منحة مادية تبلغ مئة وخمسين دولارا في الأسبوع، وتلاحظ رغد ان «المبلغ المقبوض يُحوّل على الفور للأهل في سوريا». في سنته التجريبية الأولى قَبِل المحترف كل الطلبات، واستقبل أربعة وعشرين فنانا، بينهم سبع فنانات، أغلبهم حديث التجربة، أنجزوا مئة وستين عملا فنيا، شكّلت نواة مجموعة مقتنيات الدار التي شاركت في تظاهرة «منمنمات: شهر لسوريا»، خلال نيسان الماضي، وفي معرض اللوحة الصغيرة بغاليري المصّور، كما ستفتتح المعرض الجماعي الذي سيُقام في أيلول المقبل، وستشارك ضمن معرضين في الأردن أوائل العام المقبل.

أما ضمن خطة العمل الجديدة، فسوف تستعين الدار بذوي الاختصاص لاختيار الفنانين، على اعتبار أن مشروع الإقامة الفنية بات احترافيا، له شخصيته وأصدقاؤه وموقعه الإلكتروني الخاص، وسوف يتم افتتاح معرضين في الهواء الطلق كل عام لأعمال الفنانين المشاركين، وسوف تُقام ورشات عمل، تضم ثمانية فنانين شبان، ممن لم يستطيعوا اكمال دراسة الفن، واحدة للحفر بإشراف ياسر صافي، وثلاث ورشات للتصوير باشراف جبر علوان وبهرم حاجو، وتقول رغد: « أهم قاعدة في المشروع حرية التعبير، أن يعمل الفنان بلا أية قيود، وأن يشعر بالأمان والراحة، أحد ضيوفنا وصل من سوريا، ونام على الفور بحدود 24 ساعة، قلقنا وخفنا عليه، لكنه حين استيقظ، قال: هذه أول مرة انام هكذا، أمان، ولا أسمع دوي القصف…».

أعمال الفنانين المعروضة في الدار تشمل منحوتات من الحجر والخشب، لوحات بالأكريليك والزيت، تترواح ما بين الأسلوب التعبيري والواقعي والتجريدي والخط، كتابات صوفية اشتغلها خالد البوشي، وفي كل الأعمال تظهر الطاقة وضربات الريشة القوية، وتقول رغد: «كل فنان أقام في المحترف أنجز قفزة نوعية ضمن تجربته، وذهب إلى المطارح التي كان يخاف منها، وكانت تمسك به وبعقله. أحد الفنانين من السويداء بقي عام ونصف يرسم الكوابيس والرعب بالأبيض والأسود، لكنه أثناء إقامته هنا رسم بالأحمر، وكتب لي: شكرا استعدت ألواني. الفنانة هبة عقاد خرجت من سطح اللوحة ثنائي البعد، واشتغلت ضمن علب على موضوعة «القيد»، وعرضت أعمالها في غاليري كتاني. النحات محمد عمران أول مرة يرسم لوحة، والرسام فادي الحموي أول مرة ينحت، تبادلوا الأدوار أثناء إقامتهما المشتركة. ريمي، صبية عمرها 22 سنة حبست نفسها في بيتها، ولم ترسم خطا واحد منذ بداية الثورة، وحين جاءت مع أمها، رسمت لوحات تعبّر عن الصرخة. كثير من اللبنانين زارونا، وأحبوا المشروع ودعموه، عباس بيضون قال: إذ أنا بقعد هون برسم».

فنانون في الدار

أثناء إقامته أنجز الفنان حسكو حسكو أربع لوحات بمساحات كبيرة، ووجدته منهمكا بالخامسة… وحشان متقابلان في لوحة بعنوان «حوار بارد»، والفيل المقدّس يرحل عن لوحة «آفاق»، كلب ينام في «حارس الورود»، مفرداته هي ذاتها: حيوانات، فراشات، زهور، نباتات، يفردها ضمن سلسلة «الوحش والوردة» ويقول: نشأت في عفرين، بيئة ريفية، بين الكروم وأشجار الزيتون، مساحات خضراء في الربيع، والأرض مغطاة بزهور برية فاقعة الألوان على مد النظر، هذا جعلني أعشق الطبيعة، وأحاول دوما أن أذكّر المتلقي، النباتات والحيوانات والبشر هم شركاء في الحياة، ولهم حقوق مثلنا، نحن نضع النسر على أعلامنا الوطنية، وسلوكنا إزاءه لا يدل على هذه الاحتفائية، أعتقد أن ذكاءنا يخوننا حين نتلف الطبيعة، مستقبلنا لن يكون جيدا، إن لم تكن الكائنات الأخرى بحالة جيدة».

في لوحة «طريق الحرير» الشريط الذهبي يعلو طرقات ملونة، تلتقي عندها ثقافات منطقة الشرق الأوسط، محمولة على متن البضائع، ويقول حسكو: «عمر الإنسان لا يُقاس بالزمن الفيزيائي، بل بالزمن الثقافي والحضاري، أشعر ان عمري ثلاثة آلاف سنة، أنا سوري وكردي، وجيراني آشوريين، وحين أمشي في القامشلي، أسمع سبع لغات: الأرمنية، السريانية، الآشورية، الكردية، العربية، والشركسية، الكل يفهم الكل، ويتحدثون مع بعضهم البعض، حالة غير موجودة في أي بقعة من العالم، منطقة عريقة اسمها سوبارتو، كانت قديما منشأ حضارات بين نهريّ دجلة والفرات، فيها بدأت الزراعة والحياة المدينية، وابتُكرت أول عجلة عرفتها البشرية. أحمل إرثا أحاول أن يظهر في لوحاتي بشكل حداثي، لا أخشى العولمة، لأني انطلق من محلّيتي، ولا أرسم مثل بولوك، لأني عشت في عشوائيات دمشق».

فراشة بلون الدم القاني تحتل لوحة حسكو الخامسة، لماذا الكائن الكبير، واللون الأحمر؟ سألت، قال: «أحيانا أعاين المشهد من بعيد، ومن المنظور الغربي يدعونها عين الصقر، وفي الفن الإسلامي عين الله، تبتعد، وترى كل الكائنات بالتساوي وبالعدل، وفي بعض الأحيان اقترب، فيكبر الكائن ويصير بطل اللوحة الوحيد، أولادي وضعوا أمامي فراشة تحتضر، وأصلا عمر الفراشة قصير، يسمونه رحلة الموت، كائن جميل، ملون، ليس له موطن، ينتقل من مكان إلى آخر في رحلة موته، أشبهها بالشعب الكردي، أزياؤنا ملونة، نحب الألوان الفاقعة، ليس لنا موطن، نحلم بالهجرة، ونموت في الطريق». قلت: أصبحنا شركاء في الموت.

سألته إن كان العنف قد أثر على تجربته وتجارب الفنانين السوريين قال: «هناك فنانون نقلوا الواقع، وهناك فنون تقبل هذا النقل المباشر، مثل الكاريكاتير أو الغرافيك ورسومات الكومبيوتر، اللوحة تحتاج لوقت أكبر ومراجعة أدق، وبعد هذا المخاض العسير في سوريا، سيظهر فن جديد، يحمل هما إنسانيا عميقا بطابع معاصر، ولغة بصرية متقدمة. أسكن في ركن الدين، وأصوات القصف قريبة جدا، لكني كنت أحرص كلما سمعت قذيفة، أن أرسم بحس أكبر، لأنني لا أستطيع أن أقاوم هذا القبح إلا بالجمال، أنا كفنان لا أستطيع أن أحمل سلاحا، او أن أصنع السياسات، الرسم سلاحي الوحيد كي أقاوم العنف».

وهل أعجبتك الإقامة في عاليه؟ قال: «رائعة، أولادي لم يروا الملاعب أو مدينة الملاهي او الحدائق منذ أكثر من سنتين، كانوا في سجن داخل بيت، تحيطه الأجواء المشحونة وأصوات القصف، وحين قدموا (فلتوا هديك الفلتة العجيبة) يلعبون ويضحكون، وأنا ارتحت، وصرت ألعب معهم، الإنسان جميل بداخله، والمكان قادر على استخراج هذا الجمال الكامن».

حسين طرابيه تشكيلي من مواليد السويداء 1978، درس التصوير في مركز أدهم اسماعيل، «سجن الحياة السورية لتأمين مستلزمات العيش»، أبعده عن الرسم -كما يقول- ثم عاد والتحق بكلية الفنون الجميلة بدمشق 2007، وتخرج عام 2011، شارك في أربعة معارض جماعية، قدم إلى لبنان منذ ثمانية شهور، استضافته دار الإقامة الفنية في بداية العام، وأنجز أربع لوحات تجريدية مقتصدة الألوان، تحاور فكرة الزمن، يقول: « التجريد في لوحتي لا يحمل أي إسقاط مباشر، أو أية قيمة تمثيلية للأشكال، لا أتخيل الأشياء وأجرّدها، أستخدم فقط أساسيات الرسم، الخط والمساحة، خط يبدأ بمكان وزمان، وينتهي بزمن آخر، الخط يتفاعل مع اللوحة، يمشي بشكل دائري أو مستقيم، يفعل ما يشاء، له مطلق الحرية أن يتفاعل مع كل ما حوله، حتى أنا أتفاعل معه».

الدائرة لديك أشبه بالمتاهة؟ «حياة الإنسان متاهة». لوحتك لا تقبل التفسير، تظل غير مفهومة؟ «هذا أفضل، هذا يخلق توترا لدى المتلقي ويدعوه للوقوف أمامها أطول». التجريديون يكثرون من الألوان عادة، وأنت زاهد؟ «اشتغلت على هذا الزهد، كنت أهرب من تأثير اللون، أهتم بدرجات الأبيض، أُدخل الأسلاك وقطع البلاستيك وأية مواد أخرى على القماش، من دون اسقاط تمثيلي، أشتغل ببطء، أشتغل بالسطوح، بالحساسيات». هل تقف امام بياض اللوحة بتصوّر مسبق، أم أن التشكيل يتخلّق أثناء العمل؟ «أي مشهد أراه، أتخيله في لوحة، ولا أقرب اللوحة إلا بتصور مختمر، لا أبدأ العمل باعتباطية، قد تطرأ مشاكل أثناء البناء، حينها أرتجل الحلول، وأكون سعيدا بذلك». هل تأثرت تجربتك الفنية بالثورة؟ «قبل أن تؤثر الثورة على لوحتي، أثرت عليّ، أنا من الناس الذين توقفوا تماما عن العمل».

ماذا عن أثر لبنان على الفنانين السوريين؟ «الوسط الفني في سوريا مصاب بداء الشللية، هناك كثير من الفنانين ممن يفترض أن يكونوا زملائي وأصدقائي، لم أكن أعرفهم ولم يعرفوني على المستوى الشخصي، هنا تعرفت عليهم، عندما بدأت الثورة انفتحت الناس على بعضها. عندي إحساس ان الشباب الذين أتوا أغنوا التجربة الفنية في لبنان، سمعت أن الكثير من المعارض افتُتحت، وكثير من السوريين عرضوا هنا، كثافة الحضور السوري أفرزت أثرها الإيجابي».

مصطفى قدور شاب وسيم، خجول، من بنج التي تشتهر بزراعة الزيتون والقمح والتين، كان يدرس البكالوريا حين قامت الثورة السورية، شارك في التظاهرات، واضطر إلى مغادرة بلدته في أيار 2011، قبل أن يقدّم الامتحانات، بعد أن طُلب للالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية، في لبنان تعرف على رغد، عمل معها، وسكن دار الإقامة الفنية، قال: «حبيت لبنان، وصرت حاسس أنو ما بقدر اترك عاليه، صار عندي معارف كتير، المكان صار مثل بيتي».

سألته عن علاقته بالفنانين، ماذا تعلّم منهم، وبمن أُعجب؟ قال: «كنت أساعدهم، وما كنت حاطط ببالي أنو اتعلم شي، بس من خلال متابعتي لهم، صار عندي معرفة وخبرة، من لحظة شد اللوحة وحتى ختامها، حتى صار فيني أنقد اللوحة، أعرف إن كان متعوب عليها، أو لا، حاولت أعمل منحوتة صغيرة، بس ما كملتها، بسبب ضغط الشغل، أكيد ما كان في حدا سيئ، بس في حدا أحس من حدا، وأنا تعلمت من حدا أكثر من حدا، عجبني من بيناتون محمد عمران وحسين طرابية، ومن البنات هبة العقاد، هدول كانت صداقتنا كتير قوية، وهم فنانين على مستوى أكتر من أنو طلاب جامعة ومتخرجين جديد». بدك تكفي دراستك؟ «طبعا، عم حاول أنو قدّم الشهادة الثانوية، وأدخل الجامعة هون، وأنا عم بشتغل، حلمي أدرس فلسفة».

لماذا خرجت للتظاهر؟ قال: «ما كنت عضو مهم في المظاهرات، كنت مجرد مواطن، بدي اطلع وصّل صوتي، عبّر عن الحرية اللي بدي ياها، طلعت من الظلم والفساد الموجودين بالبلد، من عدم المساواة بين المواطنين، قبل الثورة ما كنا نقدر نحكي، كان مضغوط علينا كتير، ما كنا نقدر نذكر اسمه، ما كنا نسترجي نقول بشار الأسد، كنا نقول سيادة الرئيس».

هل تعرضتم للضرب أو إطلاق النار؟ «في البداية لا، ضيعتي كانت كتير متحضرة، وما كان عنا أمن ولا مخابرات، وكل ما هنالك عبارة عن مخفر صغير ومجموعة من الشرطة، الضابط المسؤول عن المخفر كان كتير قريب منا، كان يقلنا ما رح احكي معكن شي، طلعوا، تظاهروا، بس المهم بسلّمية، وفعلا طلعنا نتظاهر، كنا نصلي الجمعة، ونطلع بعد صلاة من الجامع لساعة أو ساعتين، وهو كتير ساعدنا انو ما حدا يمنعنا من التظاهر، ما حدا يضرنا، وهدا اللي صار لحد سنة ونص من الثورة، بعدين سمعت أنو الوضع تأزم كتير، صار في خطف ونعرة طائفية، الضابط ترك المخفر، وما ضل في وسيط يساعدنا، صاروا يضربونا، وما نقدر نقولهن ليش، وحتى صار أكتر من الضرب، صار قصف بالمدفعية وراجمات الصواريخ والطيران، ودخلت الكتايب وجبهة النصرة». قولك بتنتصر هالثورة؟ «انشا الله رح تنتصر، لأنو الحق لازم ينتصر، ولو كان بعد زمن طويل».

وماذا بعد…؟ مشروع «دار الإقامة الفنية» أشبه بخيمة، تجمع التشكيليين السوريين من كل المناطق والمشارب، الأديان والطوائف… نجحت مؤسسته رغد مارديني في تحقيق رغبتها، أن تعكس للبنانيين صورة جميلة عن سوريا، تختلف عن صور عمال البناء وضباط الأمن، الذين عرفوهم قبل الثورة ومقتوهم، صورة شخصيات موهوبة، أحلامها بعدد النجوم، ودروبها مازالت موصدة.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى