صفحات المستقبلمالك ونوس

“داعش” الذي يؤخذ من الداخل فحسب/ مالك ونوس

 

 

يمكن تشبيه الموقف في المنطقة العربية هذه الأيام، بالموقف الذي ساد سنة 2009، حين توترت علاقة الحكومة المصرية مع حركة «حماس» و «حزب الله»، والتي قال على اثرها رئيس الكيان الإسرائيلي شمعون بيريز: «إنهم يتقاتلون بعيداً عنا وهذا أفضل لنا». إلا أن الذي يمكنه ترديد عبارة بيريز الآن هو تنظيم «داعش»، الذي أعلن المجتمع الدولي الحرب عليه، لكنه برغم ذلك، يجد نفسه في أحسن حالاته لكون الجميع يتقاتلون بعيداً عنه. لذلك، والحال هذه، ووسط عجز الحملات التي استهدفت التنظيم عن الحد من قدراته، يتضح أن القضاء عليه يحتاج إلى تقويضه من داخله وفي مناطق سيطرته.

لا نضيف شيئاً إن قلنا إنَّه خلال فترة السنة ونصف السنة التي مرت منذ إعلان التحالف الدولي حربه ضد «داعش»، لم يطرأ أي تغيير يذكر على حالة التنظيم. لا بل لوحظ أن «داعش» قد «فتح فروعاً» كثيرة له في دول عديدة، حيث ثبت وجوده القوي فيها على شكل جيش متكامل، كما في ليبيا وتونس مؤخراً. وطالت يده دولاً أخرى تفجيراً وإرهاباً، كما حصل في اعتدائه الأخير في العاصمة الإندونيسية جاكرتا في 14 كانون الثاني الماضي، وبعدها في عدن.

وبقيت قدرة التنظيم على التحرك عبر الحدود قائمة. كذلك قدرته على تجنيد المناصرين له من كل أنحاء العالم. وهنا يبرز استثماره لشبكة الإنترنيت الاستثمار الأمثل في موضوع الدعاية والنشر والاتصالات، وقدرته على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية في عملياته الداخلية والخارجية. وهو أمر لم يطرأ عليه تغيير برغم إعلان مدراء مواقع ومحركات البحث عن النية في إغلاق مواقع التنظيم على الإنترنيت والحد من قدرته على الولوج إليها.

ويحافظ التنظيم على مصادر تمويله واستمرار تدفق الأموال لمصلحته، برغم القيود التي تمارسها البنوك والشركات المالية الكبرى للحد من سيلان الأموال القذرة. وما زال النفط الذي يشكل مصدر تمويله الأساسي يجد له رواجاً في الأسواق العالمية. ويسيل من الأراضي السورية والعراقية، عبر طرق آمنة، إلى مقاصد محددة، ولم يؤثر عليه استهداف قافلة أو أكثر من قوافل نقله. وإن كان من سبيل لتجفيف مصادر تمويل «داعش»، فإن معالجة أمر تدفق نفطه إلى الأسواق العالمية هو الخطوة الأولى للقضاء عليه من الداخل، عبر حرمانه من هذا المصدر المهم. كذلك ملاحقة عمليات نقل الأموال بجدية أكثر، حيث ثبت أن التنظيم يعتمد أيضاً على الدعم المادي الذي يقدمه له أنصاره، الأفراد منهم والمؤسسات، الموزعون في كل أنحاء العالم.

لا شك بأن الضربات الجوية التي تطال التنظيم مؤثرة إلى حد ما. لكن التنظيم الذي يعتمد أساليب التخفي الفعالة عبر الاندماج بالمدنيين والتنقل بوسائل نقل مدنية، والمبيت بين السكان في المدن والقرى، يتجنب بهذه الطريقة خطر استهدافه جواً ويحافظ على سلامته وقدرته على العمل. ولدى الأخذ بالاعتبار عدد الضحايا المدنيين جراء القصف الجوي لأماكن وجود عناصر التنظيم المفترضة، فإن هذه الضربات قد تعطي مفعولاً عكسياً، فيتعاطف الأهالي مع «داعش» كرد فعل على الضحايا. ومن هنا تأتي فرصة استغلال سخط الأهالي على «داعش» في مناطق سيطرتها، لتجنيد متعاونين يكونون عيوناً لمراقبة عناصرها وبالتالي تسهيل استهدافهم، خاصة القياديين منهم الذين يتحكمون بالخلايا المتباعدة، وهو أمر لا يتحقق سوى من خلال الوجود على الأرض، سواء عبر قوات برية أو التعاون مع الأهالي.

بعد عام ونصف العام من الحرب القاصرة ضد «داعش»، يستحق الأمر التفكير بسياسة موازية لإشراك السكان في حرب جدية عليه، لهدمه وتفجيره من الداخل.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى