صفحات الناس

داعش تحاول إعادة ترسيم الشريط الحدودي السوري مع تركيا لإقامة إمارتها الإسلامية من اللاذقية إلى الأنبار العراقية/ موناليزا فريحة

يواصل تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” معركته في شمال سوريا على جبهتين، معبر باب السلامة، والجيب الكردي، وكلتاهما على الحدود مع تركيا وتشكلان عائقين أساسيين في خطته الاوسع لاقامة إمارته الاسلامية المفترضة، وقت تسعى فصائل سلفية الى رص صفوفها لمواجهته.

يستمر خلط الاوراق في صفوف الفصائل السورية المعارضة، وبذلك يزداد الوضع تعقيدا. فمع اعلان زعيم “لواء الاسلام” زهران علوش أخيراً تكتل نحو 50 فصيلاً كانت تنشط خصوصاً حول دمشق في ما سمي”جيش الاسلام”، “يزداد تهميش “الجيش السوري الحر” في أجزاء من سوريا كانت تعتبر معقله.

وجاء تشكيل هذا “الجيش” بعد تمرد 11 من أقوى الفصائل الاسلامية، أكثرها في شمال شرق البلاد وتضم أيضا جماعة” لواء الإسلام”، على”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”.

وليس خافياً أن الهدف الاساسي لـ”جيش الإسلام” هو تقوية قبضة السلفيين الجهاديين في مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) الذي انتزع في الأسابيع الأخيرة السيطرة على إعزاز من “لواء عاصفة الشمال” ومناطق في شمال سوريا وشرقها والذي يركز جهوده حالياً على معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا. وتذكر هذه الاستراتيجية بمجالس الصحوة التي أنشأتها واشنطن لمواجهة مقاتلي “القاعدة”.

وعلى غرار “داعش”، تقاتل الفصائل السلفية من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية في سوريا، غير أنها لا تشاطر الجهاديين الذين ينتمون الى “القاعدة”، وغالبيتهم أجانب، طموحهم الى الجهاد العالمي.

والى وقت قريب، كانت الجبهة الجنوبية تعد حلبة “الجيش السوري الحر” الذي سعت قيادته السياسية طوال أشهر الى تعزيز المجموعات المسلحة التابعة له في دمشق ومحافظة درعا في اطار هيكلية واضحة، وحصلت لهذه الغاية على دعم بالاسلحة والتدريب من الغرب ودول خليجية تتطلع الى اقامة سد ضد المتطرفين قرب دمشق. ولكن مع الخلط الاخير للأوراق في صفوف الفصائل المعارضة، صار السلفيون القوة الرئيسية في هذه المناطق المحررة، وبات “لواء الاسلام” أكثر نفوذا في المنطقة من كل من “الجيش السوري الحر” وميليشيات راديكالية مثل “أحرار الشام” و”جبهة النصرة”.

وفي معرض تبريره تشكيل “الجيش الاسلامي”، انتقد علوش اخفاق “الائتلاف الوطني” في رص صفوف المعارضة، لكن خبراء يرون في تكتل المجموعات السلفية فرصة لمواجهة المتطرفين الآخرين المرتبطين بتنظيم “القاعدة”، مثل “النصرة” و”داعش” اللتين بدأتا تعيثان فساداً في شرق سوريا وشمالها، وذلك بالاقتتال في ما بينها، ومقاتلة مجموعات معتدلة أخرى.

ويعد “لواء الإسلام” الذي يتزعمه علوش بضعة آلاف من المقاتلين، وهو من أكبر جماعات المعارضة وأفضلها تنظيماً، ويحظى باحترام حتى بين المعارضين غير الإسلاميين لنزاهته وفاعليته.

ونسبت “رويترز” الى ديبلوماسي مقيم في الشرق الأوسط أن ” لواء الإسلام وحلفاءه لم يشعروا بالارتياح لايجاد القاعدة موطئ قدم لها في الغوطة”.

ويبدو واضحا أن تشكيل “جيش الإسلام” أزعج “داعش” فعلاً، إذ ان تعليقات بعض المقربين من “الدولة الإسلامية في العراق والشام” على “فايسبوك” و”تويتر” تعكس نظرة هؤلاء إلى الكيان الجديد على أنه منافس.

ومع ذلك، يبدو أن ” جيش الإسلام” يرغب في تجنب القتال مع “داعش” في الوقت الحاضر، ربما نظرا الى القدرات القتالية العالية للتنظيم. فبعدما أبلغ رجل يدعى سعيد جمعة قال إنه نقيب في “جيش الإسلام”، تلفزيوناً معارضاً أن صراعاً مفتوحاً قد ينشأ مع “الدولة الإسلامية في العراق والشام” إذا واصلت ما وصفه بالفوضى، تبرأ علوش من تصريحاته في تغريدة بموقع “تويتر” الثلثاء، معتبرا أن كلامه “خطير” ويهدف الى بث الفتنة في صفوف المسلمين.

باب السلامة

وعلى الجبهة الشمالية، استمر الاقتتال بين كتائب “عاصفة الشمال” ومسلحي “داعش” الذين يحاولون السيطرة على معبر باب السلامة الاستراتيجي مع تركيا. وأحصى “المرصد السوري لحقوق الانسان” الذي يتخذ لندن مقراً له سقوط قتيل من “عاصفة الشمال” أمس.

وكان الاقتتال في إعزاز دفع أنقرة في 19 أيلول الماضي الى اقفال معبر باب السلامة الواقع على مسافة خمسة كيلومترات تقريبا والذي يمثل شريان حياة للمناطق الشمالية في سوريا، باعتباره منفذاً لعبور اللاجئين ودخول الامدادات الغذائية ومواد البناء اضافة الى المساعدات للثوار.

ومنذ سيطرتهم على إعزاز، أقام مقاتلو “داعش” حواجز حول البلدة وسيطروا على قواعد لفصائل معارضة أخرى. وفي المقابل، رص ثوار من “عاصفة الشمال” وفصائل أخرى صفوفهم عند معبر باب السلامة، على مسافة كيلومترات قليلة، وهم يستعدون لرد أي هجوم إذا تقدم الجهاديون في اتجاههم.

وفشلت على ما يبدو المحاولة الاخيرة للتوصل الى هدنة بين الجانبين. فقد دعا بيان لناشطين الخميس إلى “وقف فوري للنار” بين الجانبين، وطالبهما بنقل نزاعهما إلى محكمة شرعية في حلب على مسافة نحو 30 كيلومترا جنوباً. وقال: “نربأ بهم عن الوقوع في دماء المسلمين والمسارعة إلى وصفهم بالكفار”.

ووقع البيان قادة عسكريون من حركة “أحرار الشام” و”لواء التوحيد” و”ألوية صقور الشام” و”جيش الإسلام” وأوردت صفحة “عاصفة الشمال” في موقع “فايسبوك” نسخة منه.

وقال مسؤول في فصيل “أحرار الشام” لـ”رويترز”: “هذا إعلان وقعته أكبر ألوية المعارضة في سوريا. الرسالة واضحة”.

وشكل صعود “داعش” في مناطق شمال سوريا وشرقها مشكلة للمعارضة السورية. فمع أن غالبية الثوار في المنطقة اسلاميون، فان هدفهم الرئيسي هو اطاحة نظام الاسد، بينما تقدم “داعش” أهدافها الجهادية وطموحها الى اقامة امارتها الاسلامية العابرة للحدود.

الأكراد

وعلى جبهة أخرى على الحدود التركية أيضاً، سقط 18 قتيلاً في اشتباكات بين مقاتلين من “داعش” و”جبهة النصرة” ومقاتلين اكراد في محافظة الحسكة بشمال شرق البلاد .

وقال “المرصد السوري لحقوق الانسان”: “تأكد مقتل 14 مقاتلاً من مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة، في اشتباكات مع مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردي في محيط قرية صفا القريبة من ناحية جل آغا (الجوادية) في محافظة الحسكة. كما لقي اربعة مقاتلين من وحدات حماية الشعب الكردي حتفهم”.

ومنذ منتصف تموز، تدور اشتباكات عنيفة احيانا وتتراجع حدتها احيانا اخرى بين مقاتلين اسلاميين متطرفين وأكراد في مناطق عدة من الحسكة ومحافظة الرقة.

… في باب السلامة كما في الحسكة، تسعى “الدولة الاسلامية” الى تحقيق أجندة مختلفة لا تمت بصلة الى الاهداف الحقيقية للثورة السورية، ولا مكان فيها لاطاحة نظام الرئيس بشار الاسد. هناك، تحاول “داعش” رسم إمارتها العابرة للحدود السورية، مستغلة تزايد سيطرتها على منطقة تمتد من ريف اللاذقية في الغرب حتى الحدود مع العراق شرقاً وصولا الى الانبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى