مراجعات كتب

“داعش”: عمق الأزمة… سطحية الحلول/ ياسر غريب

 

 

استطاع “تنظيم الدولة الإسلامية”، أو داعش، في العراق والشام، في فترة وجيزة، أن يكون اللاعب الأكبر في ساحة الجهاد العالمي، متجاوزاً تنظيم القاعدة، بفضل ابتكاره أشكالاً غير مسبوقة من التجنيد والدعاية والتشغيل.

كان الصراع بين تنظيم القاعدة التقليدي، وفرعه المستحدث في العراق، مكتوماً لفترة طويلة، فالواقع الذي أفرز منه التنظيم مبادئه القتالية وأبرزها الالتزام بمواجهة العدو البعيد الممثل في الولايات المتحدة وحلفائها؛ لم يكن مناسباً تماماً من وجهة نظر أبي مصعب الزرقاوي الذي رغب في إحداث طفرة نوعية في العمل المسلح.

كانت رسائل الزرقاوي المتعددة للقيادة (بن لادن ثم الظواهري) تحاول أن تقنعهم باستراتيجيته الجديدة؛ فالنصر على العدو البعيد لن يتحقق إلا إذا تم القضاء على العدو القريب الممثل في شيعة العراق والجيش المدعومين مباشرة من الولايات المتحدة وإيران.

انفجرت الخلافات بعد سقوط الموصل، مولدة شقاقاً كبيراً أسفر عن مواجهات دامية بين تنظيم الدولة وجبهة النصرة التي لا تزال على عهدها القديم مع القاعدة.

وبعيداً عن نظرية المؤامرة أو التسطيح الذي تمارسه العديد من وسائل الإعلام الموجهة حول نشأة هذا التنظيم، جاء كتاب “تنظيم الدولة الإسلامية: الأزمة السنية والصراع على الجهادية العالمية” لمؤلفيه حسن أبوهنية والدكتور محمد أبورمان؛ ليرصد عملية ولادة التنظيم وظروف انفصاله عن القاعدة، وأسباب نموه، موضحاً المرتكزات الأيديولوجية للتنظيم، مع وصف الواقع السياسي والعقائدي الذي يعد البيئة الحاضنة لنمو التنظيم واتساع نفوذه.

كان سقوط الموصل هو اللحظة التي انتبه العالم فيها إلى تنظيم الدولة الإسلامية بصورة أكثر جدية من ذي قبل. فقد استيقظت الولايات المتحدة وحلفاؤها على تنظيم سريع التمدد عبر الحدود، ولاعب إقليمي يسيطر على مساحات واسعة من الأراضي، ويمتلك ترسانة متطورة يجيد استخدامها، ويمتلك خبرات مختلفة تضمن له التنامي.

ولا ينكر المراقبون أن تنظيم الدولة استطاع قراءة الواقع الجيوسياسي المحلي والإقليمي والدولي، وتوظيف الصراع الإقليمي وتضارب مصالح الدول في المنطقة والعالم بما يخدم مصالحه.

ثم إنه، وهو الأهم، تمكن من استثمار الفوضى والفراغ السياسي والواقع الطائفي المقيت في العراق وسورية، والحصول على غطاء مجتمعي لم يتوفر لأي من التنظيمات السابقة من قبل، باعتباره حامي حمى السنة في مواجهة التمدد الشيعي.

الإدارة الأميركية اعترفت مؤخراً بارتباط الأزمة السنية بحالة تنظيم الدولة الإسلامية الفريدة، بعد عدة أعوام من إنكار المشكلة الجوهرية. وأدركت أيضاً أن الحرب على تنظيم الدولة معقدة، فالأبعاد العسكرية فيها متشابكة مع السياسة. فقد بات لدى فئات المجتمع السني المهمشة أداة للدفاع عن النفس، سواء أقبلوا بها أم رفضوها، لكنهم لم يجدوا بديلاً لها، في مسار المقاومة الفعالة التي تهدد هويتهم ومصالحهم، بل ووجودهم ذاته.

لكن رغم اعترافها ذلك؛ فإن الولايات المتحدة لا تزال تمارس حلولاً سطحية، مثل تخلصها من نوري المالكي بدعوى أن سياساته أدت إلى تعزيز الروح الطائفية في العراق، وأضعفت من شرعية النظام السياسي الجديد هناك. وهو الحل الذي يتغاضى عن الدور الإيراني الذي لا يزال فاعلاً في بناء شبكة كبيرة في المنطقة العربية بأسرها.

التصرفات الأميركية عموماً لا تنبئ بحل المشكلة، فالتحالف قرر ضرب التنظيم في العراق وسورية، بقصد إضعافه، متجاهلاً الشروط المؤسسة له ولصعوده هناك، وأهمها قمع النظام السوري للاحتجاجات السلمية وبطشه بالمعارضة، مما أدى لاحقاً إلى عسكرة الانتفاضة السلمية، ثم بروز القاعدة وانشطارها بين تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة هناك! ثم الواقع الطائفي الذي استثمره التنظيم بحرفية عالية لمواجهة خصومه.

ويؤكد الكتاب، وفقاً لتاريخ الحركات الجهادية، أنه بالرغم من أن تلك التنظيمات تكون طارئة في التاريخ، ومرتبطة في نشأتها ونموها بظروف وأسباب خاصة، فإن حل معضلة “تنظيم الدولة الإسلامية” لا يبدو قريباً، بل إنه ينبئ بمزيد من القلق والاضطراب في سياق الفوضى الطاحنة في ليبيا، والفراغ السياسي ونمو الجماعات المرتبطة بالسلفية الجهادية هناك. كذلك الأمر في صحراء سيناء، وفي اليمن، بعد أن صار الحوثيون اللاعب الأهم، وتمددهم المستمر، ثم مع الأزمة البحرينية والأزمات الداخلية العربية.

فالواضح أن هناك حالة متنامية من تفكيك المجتمعات وانهيار السلطة الأخلاقية للدولة. وهو المناخ الذي يخلق جاذبية لنموذج تنظيم الدولة الإسلامية وقابلية استنساخه وتطبيقه في العديد من المجتمعات، طالما أن المسارات البديلة مغلقة حتى الآن.

(كاتب مصري)

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى