صفحات سوريةطيب تيزيني

“داعش” في أوروبا.. ما العمل؟/ طيب تيزيني

 

 

جاء في الاخبار المتلفزة لليوم الواقع في السابع عشر من هذا الشهر أن مخاوف جدية من تسلل بطيء وسلمي يقوم به تنظيم «داعش» باتجاه أوروبا، بدأت تتشكل وتفصح عن نفسها، وذلك بصيغة هجرات غير شرعية تقوم بها قوارب باتجاه أوروبا وعبر البحر المتوسط، قد يظهر هذا الخبر بمثابته واحداً من آلاف الأخبار التي تقدمها شاشات التلفاز، دون أن يترك أثراً قد يكون ذا تأثير مهم، واكتملت المخاوف إلا قليلاً، حين بُث الخبر القائل بأن مدينة «الرمادي» في العراق، أو في الغرب منه، قد سقطت تحت قبضة «داعش»، مما أفضى إلى هجرة جماعية مأساوية من المدينة المذكورة، واللافت أن الخبرين المذكورين كليهما جرى بثهما في الإعلام، مما منح العملية المزدوجة طابعاً متكاملاً في المأساوية، كما في ضرورة التفكر العميق فيهما، وفي التأكيد على ضرورة استنباط النتائج المستخرجة منها، وذلك برؤية استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار ما ينبغي أن يُقال بمنهجية قد تكون جديدة، ومن ثم قد تتطلب إجراء ما هو لازم لاستقبال «القادم».

كان الغرب قد استكان طويلاً أمام ما أحدثه هو بخصوص الأحداث العظمى، التي ألحت في حضورها ضمن العالم العربي، خصوصاً، وضمن ما سُمي «العالم الثالث» في حينه عموماً، فلقد كانت سلسلة من المواجهات العسكرية والاقتصادية والسياسية الحضارية بين الغرب المتصاعد في عنجهيته وجبروته حيال العالم العربي، واصلاً بذلك إلى خط ناظم لاستراتيجيته الاستعلائية القاهرة، التي عبرت عن نفسها في النظام الجديد، وفي سلسلة التاريخ العربي الحديث والمعاصر، فلقد اتضح من الحلقة الأخيرة من تلك السلسلة، وهي التي نعيشها ونمثل شاهدين عليها، أعني حلقة النظام «العولمي» الجديد.

وإذا استعدنا خصوصيات أو خصوصية ذلك النظام هذه المعيشة وتمعنا فيها، كما يرى أحد مفكريه الرواد وهو فوكوياما، أن البشرية الراهنة كلها مدعوة إلى اللحاق بـ«قطار» ذلك النظام العولمي، إذا حسمت أمرها لصالح البقاء على ساحة المعمورة، وهذا هو الخيار الأوحد الذي يحافظ على «وجوه» المعنيين من جماهير تلك البشرية، فإذا حدث ذلك بنجاح، فلتطمئن هذه الجماهير بوجود جيل مُشبع بالتقدم». وإنْ لم يحدث ذلك «فعلى هؤلاء السلام». ثنائية الوجود الحضاري المليء والخروج التعيس من هذا الوجود إنما هو المصير «المكتوب» للبشرية جمعاء، وإذا استعدنا الحظ الطويل التاريخي من تدمير العالم العربي على يدي الغرب الباحث عن الانتصارات، وخصوصاً في إفشال مشاريع التقدم التي وصفها بعض مفكريه وسياسييه، ومن ثم في تحويل هذا العالم إلى «حُطام» قائم على قانون الاستبداد الرباعي: الاستئثار بالسلطة وبالثروة وبالإعلام وبالمرجعية المجتمعية (القائلة بأن القائد والحزب المعني هما اللذان يقودان الدولة والمجتمع).

والآن لا يسمح ل«الغرب المعني» أن يندهش من تلك النتيجة، التي أسهم فيها بقوة، وخصوصاً في تثبيت عيون «داعش» على الغرب، لقول لا يُسمح له بالاندهاش، فهو، أي الغرب، هو الذي أسهم بقوة في إنتاجه، وعليه أن يفكر فيما يفعل.

الاتحاد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى