صفحات الناس

“داعش”: مال الخراب

 

 

أن تأتي، متأخراً، أفضل من ألا تأتي، غير أن هذه المقولة غير صالحة في سياق الحرب الدولية على التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمها تنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف إعلاميّاً باسم داعش.

ويرى خبراء أن المنظومة الاقتصادية لـ”داعش” لا تقل خطورة عن نظيرتها العسكرية كونها تمول الخراب، الذي ينشره التنظيم من المشرق إلى المغرب.

ويبدو أن قرار مجلس الأمن الدولي بشأن تجفيف موارد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، على تأخره، غير كاف لحصار التنظيم أو حتى لتجفيف 20% من موارده على الأكثر، وفق ما ذهب إليه مراقبون دوليون في مقابلات لـ”العربي الجديد”.

كما أن القرار لا يضع قيوداً على إيرادات “داعش” التي يجنيها من الداخل، والمتمثلة في الجزية ومبيعات النفط الداخلية والضرائب على التجار.

الأسد يموّل ” تنظيم الدولة”/ عبسي سميسم

يعتمد تنظيم الدولة الإسلامية داعش، في جزء من إيراداته على النظام السوري، بتمويلات جزء منها يقدم بشكل ظاهر وعلني، على شكل تبادل خدمات وسلع، فيما يقدم الجزء الآخر عن طريق وسطاء، يساهمون بترويج المنتجات التي يسوقها التنظيم ويحتاجها النظام، والتي يأتي في مقدمتها مصادر الطاقة.

وعلم “العربي الجديد” من مصادر، لم يتسنَّ التأكد من صحة بياناتها، أن تنظيم داعش لا يزال يزود محطات توليد الكهرباء التابعة للنظام بالغاز والنفط الخام مقابل مبلغ 6 ملايين ليرة يومياً، وأكدت المصادر أنه لولا هذا الاتفاق مع تنظيم الدولة لتوقفت محطات التوليد عن العمل.

وبالنسبة لإدارة المؤسسات الخدمية والتعليمية في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش، يساهم النظام بتوطيد أركان التنظيم من خلال تحمل عبء تشغيل تلك المؤسسات ودفع مرتبات موظفيها، فيما يتولى التنظيم رسم السياسات العامة لها والإشراف على سير عملها، بما يتوافق مع رؤى التنظيم، وحتى فرض عقوبات على من يقصر من موظفيها والخصم من مرتباتهم في حال اقتضى الأمر.

يقول المدرس وليد .ع من محافظة الرقة لـ “العربي الجديد”، إن التنظيم هو الذي يرسم السياسة العامة للتدريس سواء لناحية الفصل بين الذكور والإناث أو لناحية التعديل في المناهج أو حتى الإشراف على الالتزام بالدوام. فيما يدفع النظام مرتبات المدرسين، مبيناً أن هذا الموضوع ينسحب على معظم المؤسسات الخدمية في البلد التي يتقاضى موظفوها مرتباتهم من النظام، فيما يقوم تنظيم داعش بالإشراف على سير العمل فيها.

ويوضح المهندس سامي.ن، الذي يعمل في المؤسسة العامة لسد الفرات لـ “العربي الجديد” العلاقة بين النظام وداعش في إدارة هذه المؤسسة التي تدير سد الفرات، الذي يغذي محافظات دير الزور والرقة والحسكة بالكهرباء، كما يساعد في سد النقص بمناطق أخرى أثناء حدوث أعطال في محطات التوليد، مبيناً أن تنظيم داعش قد أبقى على الموظفين التابعين للنظام بعد سيطرته على مدينة الطبقة كما أبقى على رواتبهم التي يتقاضونها من النظام، مقابل إبقاء السد بالخدمة وتقديم الكهرباء إلى مناطق سيطرة النظام في كل من الحسكة ودير الزور.

وأضاف: يبدو أن هناك اتفاقاً غير معلن بين النظام وداعش يقوم على تقديم النظام العمال والفنيين لإدارة السد، بالإضافة إلى تقديم الدعم اللوجستي لعملية توليد الكهرباء من خلال إرسال ورشات صيانة إلى محطات التحويل ومحطات التوليد، التي تحتاج إلى صيانة بشكل دائم، إذ يقوم النظام بإرسال تلك الورشات مع كافة معداتهم عن طريق الهلال الأحمر ثم يعودون إلى مناطق عملهم في مناطق النظام، وبالمقابل يقدم التنظيم خدمة الكهرباء لمناطق النظام في كل من الحسكة ودير الزور وبعض مناطق حلب وأعتقد أن هناك مبالغ مالية تدفع للتنظيم مقابل الإبقاء على هذه الخدمة.

وفي جنوب سورية، تصل إلى مناطق النظام في محافظتي السويداء ودرعا كميات كبيرة من النفط شبه الخام أو المكرر بطرق بدائية مصدرها تنظيم داعش.

موازنة ومصرف وعملة وبطاقة تموين لتنظيم داعش

نجح تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” خلال العام الجاري في إقامة عدد من المؤسسات المالية والاقتصادية التي يتم من خلالها إدارة ما لديه من موارد مالية، وبدأ التنظيم وكأنه دولة لها عملتها وقطاعها المصرفي وموازنتها السنوية وحتى بطاقات التموين التي يتم من خلالها صرف السلع الرئيسية كالسكر والزيوت.

ومنذ بداية عام 2015 شهد الوضع المالي لـ “داعش” تطوراً ملحوظاً، فبعد اتهامه بالاستيلاء على أموال وودائع مصارف عراقية وسورية، ثم بيع النفط في السوق السوداء من الآبار التي تقع في المناطق التي يسيطر عليها، شرع التنظيم في صك عملات خاصة به، ثم الإعلان عن فتح مصرف إسلامي يستبدل العملات ويقبل الودائع.

وفي خطوة ملفتة للنظر أقر التنظيم يوم 4 يناير/كانون الثاني الماضي موازنته المالية لعام 2015، والتي تقدر بنحو ملياري دولار، وبفائض متوقع 250 مليون دولار، وقال الخبير في شؤون الجماعات المسلحة في العراق فؤاد علي، في تصريحات سابقة إلى “العربي الجديد” إن التنظيم باتت لديه مصادر دخل كثيرة، لا يمكن تجاهلها ومنها النفط والإتاوات والزكاة والصدقات من التجار الذين يدفعونها مكرهين، فضلاً عن هجماته على القوات الأمنية والقواعد العسكرية والقوافل التي تحوي مرتبات موظفي الدولة، كما أنه استولى عند دخوله الموصل وتكريت والفلوجة و13 مدينة أخرى، على الأموال الموجودة في 62 مصرفاً حكومياً وأهلياً.

واعتبر علي أن إعلان موازنته بملياري دولار قليل مقارنة بما حققه التنظيم مؤخراً، مبيناً أن أغلب إنفاقه يذهب على مرتبات المقاتلين والبالغة بين 500 إلى 650 دولاراً شهرياً لكل مقاتل، فضلاً عن وجبات الطعام اليومية والمساعدات التي يقدمها في المدن ضمن محاولاته كسب المواطنين.

وقبل إقرار الموازنة بخمسة أيام، كشفت مصادر عراقية في مدينة الموصل أن “داعش” افتتح أول مصرف خاص به لاستبدال النقود وإيداعها، موضحة أن المصرف أطلق عليه اسم “المصرف الإسلامي”.

وأثار المصرف، الذي افتتحه “داعش”، قلقاً واسعاً داخل العراق، فقد أبدى اقتصاديون مخاوف من وجود عمليات غسل أموال أو مخطط للتنظيم من أجل سحب السيولة من الأسواق العراقية في المدن الخاضعة لسيطرة الحكومة، بالتزامن مع أزمة البلاد المالية، ما يشكل ضربة قاضية للاقتصاد الوطني تعادل حرب الدبابات والطائرات الحالية.

وعقب افتتاح مصرف في الموصل سرت مخاوف افتتاح مصارف في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في سورية، وسحب السيولة من مناطق الرقة ودير الزور وريف حلب، أو غسل أموال بيع النفط أو تلك التي سُرقت من المؤسسات الحكومية من جانب موظفين، استغلالاً لحالة الفوضى التي حدثت بعد سيطرة داعش على مناطق شاسعة شمال وشمال شرق البلاد.

موارد داعش في العراق مؤمَّنة/ عثمان المختار

قد يكون مجلس الأمن نفسه غير مقتنع بجدوى قراره، الذي وصفه كثير من الخبراء بالشأن العراقي (بروتوكولي) أو (شكلي لا يسمن ولا يغني عن جوع)، فيما ذهب آخرون بتفاؤل أكثر من سابقيهم بوصفه قرارا سيقطع ما نسبته 20% فقط من موارد تنظيم داعش بالعراق على نحو خاص، ذلك لأن داعش تمكن فعلا من اتخاذ خطوة استباقية لهذا القرار بتنويع مصادر تمويله ودخله اليومي في جناحيه العراقي والسوري، وهو ما يمكن وصفه بعمليات تمويل ذاتية في الغالب.

ويرى الخبير بشؤون الجماعات المسلحة في العراق، حارث الحديثي، أن مصادر تمويل داعش بالعراق كثيرة ومختلفة لا حصر لها ولا سيطرة عليها بالنسبة للغرب أو الحكومة ببغداد، قائلا: “مصادر داعش بالعشرات وكلها محلية وبعضها من المستحيل السيطرة عليه الآن، والقرار جاء بعد خراب البصرة”.

ويضيف أن من مصادر تمويل داعش، الإتاوات التي يفرضها التنظيم على التجار ورجال الأعمال في المدن التي يسيطر عليها حيث يفرض شهريا على كل تاجر ما بين سبعة إلى عشرة آلاف دولار شهريا، مقابل أن يضمن داعش حماية كاملة للتاجر، فضلا عن أن بضاعته تتنقل بحرية داخل مناطق سيطرة التنظيم أو حتى عبورها إلى مناطق سيطرة الحكومة العراقية، إضافة إلى فرض رسوم على الشاحنات الكبيرة وصهاريج النقل العملاقة المارة في الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم، وعلى شركات الهاتف المحمول وشركات أخرى محلية مختلفة بحجمها التجاري.

وأوضح الحديثي، أن التنظيم يمتلك تسعة مصانع ضخمة عاملة في العراق هي الإسمنت والطابوق والفوسفات والأسمدة ومساحيق التنظيف والتعليب الغذائي، إضافة إلى مئات الآلاف من الهكتارات الزراعية المنتجة للقمح والشعير والفواكه والخضروات، والتي تعتمد عليها بغداد وباقي مناطق سيطرة الدولة، حيث من المعلوم أن مناطق شمال وغرب العراق تعتبر منذ القدم سلة غذاء العراقيين.

ويتابع الحديثي، أن “داعش يجني يوميا من تلك المصادر ما معدله مليون إلى مليون و800 ألف دولار على طول مساحة سيطرته بالعراق التي تقدر بنحو 48% من إجمالي الدولة”، وتشمل محافظات ومناطق مختلفة في نينوى والأنبار وصلاح الدين وكركوك وديالى وحزام بغداد الغربي والجنوبي وجزء من الحزام الشمالي. “كما يتقاضون من عمليات تهريب النفط التي يتورط بها تجار أكراد بتواطئ من مسؤولين فاسدين في كردستان ما قيمته 700 ألف دولار يوميا، وكان الرقم أعلى بكثير قبل انخفاض أسعار النفط عالميا”، حيث يسيطر التنظيم بالعراق على حقول بطمة وشورة وعين زالة وقصبة ونجمان والكيارة وجوان وباي حسن.

وأضاف الحديثي، أن تلك أبرز خطوط إمدادات داعش وكلها محلية وهي تدر له الأموال التي تمكنه من تجاوز قرار مجلس الأمن، الذي لن يؤثر عليه إلا بالمساعدات التي يتلقاها من خارج العراق وسورية؛ وهي لن تكون مؤثرة ولا تشكل سوى 20% من مجموع تمويله”.

إلا أن الخبير الاقتصادي العراقي محمد محسن الطيار، يؤكد وجود مصادر تمويل أخرى غير التي ذكرها الحديثي، وهي ما يمكن وصفها بالمخفية عن الأنظار.

ويسرد الطيار، تلك المصادر الأخرى لـ “العربي الجديد” بقوله: ” لدى داعش أصلا وفرة مالية من خلال استيلائه على العشرات من المصارف الحكومية والأهلية خلال اقتحامه المدن العراقية، ولديه عمليات تفكيك مستمرة لمنشآت عراقية يقوم ببيعها لجهات مختلفة وعبر مافيات وشبكات تهريب، فضلا عن عمليات تهريب الأغنام والاستيلاء على السيارات”.

ويتابع: “من المصادر أيضا، المبالغ المالية الكبيرة التي يحصل عليها كفدية لقاء إطلاقه سراح العراقيين والأجانب الذين يتم اختطافهم من جانبه، وتبدأ من خمسين ألف دولار وتنتهي بمائة مليون دولار، إضافة إلى بيع المواقع الأثرية، واللقى التي يعثر عليها هناك، وغير ذلك عمليات غسل الأموال مع عدد من دول الجوار والدول الأوربية.

ويرى الطيار، أنه من الممكن ملاحظة أن خيوط وقنوات دعم التنظيم لن تتأثر بشكل كبير بقرار “تجفيف الموارد”، من خلال مراقبة توسعاته العسكرية، لافتاً إلى أن مسألة ديمومة السلاح ووفرته بيد داعش لا تتعلق بالمال الذي لديه على الإطلاق، حيث إن داعش تعتمد على سلسلة هزائم الجيش العراقي وسيطرتها على قواعده ومعسكراته التي تضم أسلحة ثقيلة وخفيفة.

ضربات واشنطن لا تُعطّل ماكينة تنظيم داعش/ منير الماوري

لا يبدو تنظيم الدولة الإسلامية مكترثاً بقرار مجلس الأمن الدولي، الذي صدر الأسبوع الماضي، بهدف تجفيف موارده المالية وقطع طرق حصوله على الأموال، ضمن مساعي تضييق الخناق على التنظيم وإضعافه.

إذ إن أحد الأسباب التي جعلت تنظيم داعش يحظى باهتمام العالم هو ثروته الكبيرة، فهو يجمع عشرات الملايين من الدولارات شهريًا من خلال بيع النفط المسروق، وفرض دفع فدى على

ضحايا الخطف، وإلى حد أقل تلقيه تبرعات من داعمين له من خارج سورية والعراق.

ولهذا لا تنظر الولايات المتحدة والغرب إلى تنظيم الدولة الإسلامية بذات الطريقة التي تنظر بها إلى تنظيم القاعدة أو التنظيمات الأخرى، من حيث القدرات الاقتصادية أو مصادر التمويل. فتنظيم داعش لديه اقتصاد دولة بالفعل، ولا يلجأ إلى التخفي كما تفعل التنظيمات المسلحة الصغيرة.

ويعتبر عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، أحمد عبيد، عقوبات مجلس الأمن غير فاعلة، لكونها تركز على الجانب التنظيمي والإداري في محيط العراق وسورية الخارجي. من دون الاكتراث بموارد التنظيم الداخلية.

ويسيطر التنظيم، على نحو 48% من مساحة العراق، بالإضافة إلى 35% من مساحة سورية. وتصل إجمالي المساحة التي يسيطر عليها في البلدين لنحو 277 ألف كيلومتر مربع، أي ما يزيد على ثلاثة أضعاف مساحة دولة بحجم الأردن.

ويضيف عبيد لـ “العربي الجديد” أن “الأمر أكبر بكثير من فرض عقوبات، إذ إن داعش وصل إلى مرحلة الاكتفاء أو التمويل الذاتي، ويبدو أنه يتوقع تلك الخطوة منذ أشهر”.

ويقترح عبيد معالجة عسكرية لا مالية أو قانونية للموضوع من خلال ضرب مصادر تمويله جوا”.

إلا أن الاقتراح هذا لاقى اعتراضا كبيرا من قبل مفوضية حقوق الإنسان العراقية، التي عدته غير مجدٍ، وسيتسبب بتجويع مئات الآلاف من العراقيين.

ويقول عضو المفوضية، محمد العلواني لـ “العربي الجديد”، إن تدمير المصانع والحقول الزراعية وقطع التعامل مع التجارة بين مناطق سيطرة الدولة وتلك التي تسيطر عليها داعش يعني تجويع مئات الآلاف من العراقيين ممن يسكنون في تلك المناطق، ويجب البحث عن طريقة أخرى لجعل داعش في ضائقة مالية غير سياسية حرق الأرض الشاملة التي ينادي بها بعضهم.

ويردد المسؤولون الأميركيون دوماً أن استراتيجية الحطّ من قدرة تنظيم داعش ودحره ماليا تتألف من ثلاثة عناصر متشابكة: العنصر الأول، هو قطع مصادر عائدات تنظيم داعش لحرمانه من المال، والثاني هو الحد مما يمكن أن يقوم به تنظيم داعش بالأموال التي نجح حتى الآن في جمعها من خلال تقييد قدرته على الوصول إلى النظام المالي الدولي. أما العنصر الثالث فهو الاستمرار في فرض عقوبات على الذين يسهلون أموره المالية لتقويض قدرته على العمل وتخويف هؤلاء من عواقب تسهيل أعمال داعش ماليا.

إلا أن المسؤولين الأميركيين والغربيين يدركون أن الأدوات المالية وحدها لن تهزم تنظيم داعش. إذ إن ما يجنيه التنظيم من ثروات مصدرها الأساسي السكان القاطنون في المدن والأراضي الشاسعة التي يسيطر عليها داعش وتمنحه قدرات دولة بالفعل.

ومن أجل القضاء على مصدر تمويل مثل هذا ينبغي شنّ حملة عسكرية لطرد تلك الجماعة من الأراضي التي تعمل فيها، أما الحلول المالية فلن تكون في حد ذاتها كافية لوضع حد لمشكلات عسكرية وسياسية.

ويقول الأستاذ المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بجامعة جورج تاون، باول سولفيان، إن الولايات المتحدة تواجه صعوبة كبيرة في جهودها لحرمان تنظيم الدولة من الانخراط في العمليات الاقتصادية الحيوية المتعلقة بقطاع النفط والغاز والتجارة مع العالم الخارجي.

ويعتقد الأميركيون والبريطانيون أن سيطرة داعش على مدن عراقية كبرى أتاحت للتنظيم جني أموال طائلة من خلال استيلائه على المصارف.

وطبقا لما ذكرته صحيفة ذي تليجراف البريطانية في أغسطس/آب الماضي، فإن داعش استولى على ما يقارب الربع مليار جنيه إسترليني (385 مليون دولار) من فروع مصارف الموصل وحدها، وهو ما حاولت الحكومة العراقية نفيه لكن المصادر الغربية ما تزال تؤكد الرقم.

وفي الوقت الذي يعتقد فيه الغربيون أن الموصل هي المحافظة التي يجني منها داعش الكثير من مصادر دخله، فإن استحالة السيطرة على مصادر التمويل المباشرة من الرسوم التي تفرض مباشرة على المواطنين من دون تحرير الموصل يجعل الغرب يتجه خارجيا.

وكان أهم مصدر من مصادر التمويل الذي نجحت الدول الغربية إلى حد كبير في الحد منه،

رغم عدم توفر أرقام رسمية، هو التبرعات القادمة من متبرعين أفراد ومجموعات ومساجد في دول الخليج، إذا إن الضغوط الأميركية الأوروبية على الحكومات الخليجية أدت إلى تجريم التبرع أو جمع الأموال لصالح داعش وجعلت الأمر أكثر صعوبة عما كان يتم عليه قبل تمدد داعش في رقعة واسعة من سورية والعراق.

وتقول المصادر الغربية، إن أهم ما يؤكد وجود قدرات مالية ضخمة لدى داعش هو حجم الرواتب التي يدفعها لعناصره، بما يتراوح بين 300 وألفي دولار شهريا، حسب موقع العنصر في السلم الوظيفي الخاص بتنظيم الدولة.

ولا يُعرف كم عدد العناصر المنتمين إلى داعش الذين يتقاضون مثل هذه المبالغ، لكن هذه الرواتب تكاد تزيد عما يتقاضاه العاملون لدى بعض دول المنطقة. وإضافة إلى مصادر التمويل المحلية من غنائم وضرائب وزكاة وتبرعات، فإن ما أثار الخلافات الحادة بين دول التحالف الدولي تجاه تمويل داعش هو ما يجنيه التنظيم من أسر المختطفين الأوروبيين الذين أفرج عن بعضهم مقابل فدية كبيرة تقدر بالملايين عن كل مفرج عنه.

ويرى المسؤولون الأميركيون أن الدول الأوروبية أخطأت في السماح لأسر الضحايا أو أي مصادر مساندة بتقديم الأموال للإفراج عن المختطفين؛ لأن ذلك شجع داعش على الاستمرار في لعبة الاختطاف لجني المكاسب المالية والسياسية على حد سواء.

وكانت الجهود الأميركية والدولية الساعية لتقويض القدرة المالية لتنظيم الدولة الإسلامية قد اتخذت مسارا جديا منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث وصف وكيل وزارة الخزانة الأميركي لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، ديفيد كوين، تلك الجهود في محاضرة ألقاها بمعهد بروكين، قائلا: إنها استراتيجية شاملة لإعاقة تنظيم داعش، وإضعاف قدراته وفي نهاية المطاف هزيمته.

لكن أهم خطوة جماعية قد يكون لها آثار عملية هي تلك الصادرة عن الأمم المتحدة ومن المفارقات أنها جاءت باقتراح من روسيا وليس أميركا وعلى ضوئها صدر في الثاني عشر من هذا الشهر قرار لمجلس الأمن الدولي بشأن قطع تمويل الجماعات الإرهابية.

تبني مجلس الأمن مشروع القرار الذي طرحته روسيا، بالإجماع يقضي بتجفيف منابع تمويل تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، ولوحظ في القرار أنه لم يقتصر على مداخيل داعش من النفط بل أشار إلى مصدر دخل لم يكن ملحوظا من قبل وهو ما يجنيه تنظيم الدولة من تجارة الآثار.

حيث يطالب القرار الدول أن تقوم بالخطوات اللازمة لقطع الطريق أمام الاتجار بالآثار التي لها قيمة دينية أو تاريخية أو ثقافية أو علمية، والتي تم تهريبها من العراق منذ تاريخ 6 أغسطس/آب 1991 ومن سورية منذ مارس/آذار 2011.

ويؤكد النص ضرورة أن يتواصل ذوو الشأن مع منظمة اليونيسكو والإنتربول وغيرهما من المنظمات الدولية. وكان قد تردد أن داعش نقل آلاف القطع الأثرية الموجودة في محافظة نينوى، والتي تعود إلى الحضارة البابلية إلى سوريا قبل بيعها إلى مافيات تجارة الآثار.

كما ينص قرار مجلس الأمن، على بذل الجهود في منع الإرهابيين من الحصول على مكاسب مباشرة وغير مباشرة من احتجازهم الرهائن، وهو ما يلبي رغبة أميركية في هذا الشأن، ويؤيد

وجهة نظر واشنطن بخصوص مطالباتها السابقة لحليفاتها بالتعاون الوثيق في تحرير آمن للرهائن، من دون دفع فدية تشجع التنظيم على تكرار عمليات الخطف.

وما ينطبق على تنظيم الدولة في قرار مجلس الأمن، ينطبق كذلك على جبهة النصرة وغيرهما من الجماعات المتطرفة التي تجني الأموال من خلال ممارسة الإرهاب.

ويدعو القرار إلى محاربة توريد الأسلحة بالإضافة إلى المواد والمعدات ذات الاستخدام المزدوج بشكل مباشر أو غير مباشر لتنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وغيرهما من الجماعات الإرهابية، وخصوصا أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف.

وتعود أهمية قرار مجلس الأمن الأخير وقوته إلى أنه يستند إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يوجب استخدام القوة لفرض تنفيذه، وهو ما يعني أن القوة لن تستخدم ضد داعش فقط، بل ضد كل من يخالف القرار من دول أو جماعات أخرى.

أثر محدود للضربات الأميركية على أعمال داعش في سورية/ رامي سويد

يبدو قرار مجلس الأمن الأخير بتجفيف موارد التنظيمات الإرهابية، محدود الأثر خصوصاً بالنسبة لتنظيم الدولة الإسلامية داعش الذي يسيطر على مناطق واسعة شرق سورية تتصف بغناها الزراعي وبوجود عدد كبير من آبار النفط، وبالتالي فالتنظيم يملك مجموعة كبيرة من مصادر التمويل المحلية التي يصعب تطبيق أي إجراءات للحد منها.

فعلى العكس من جبهة النصرة، التي تسيطر على مناطق واسعة في ريف إدلب شمال سورية، يفرض داعش رسوماً وغرامات مالية على السكان في مناطق سيطرته، ويحصل على مردود مادي كبير من تصدير أنواع كثيرة من المواد الخام، بالإضافة لتصديره النفط والغاز لمناطق سيطرة قوات المعارضة السورية في الشمال السوري، ومناطق سيطرة النظام السوري وسط

البلاد، ويحصل التنظيم على موارد مالية كبيرة من تهريب كميات من النفط الخام والمشتقات رديئة النوعية إلى السوق السوداء التركية.

وقال الناطق باسم حملة “الرقة تُذبح بصمت”، أبو ابراهيم الرقاوي، لـ “العربي الجديد”، إن قرار مجلس الأمن الأخير يكاد يكون عديم الجدوى في التأثير على مصادر تمويل داعش المحلية، في ظل استمرار سيطرته على مناطق واسعة شرق سورية.

ويوضح الرقاوي، أن داعش في سياق سعيه لتنويع مصادر دخله وزيادة غزارتها، فرض على سكان مدينة الرقة وعلى سكان ريفها، رسوماً شهرية للنظافة، ومبالغ شهرية ثابتة لقاء خدمات لا تصل إلى بيوت السكان في معظم الأوقات، كخدمات المياه والكهرباء والهاتف الأرضي، كما فرض داعش بالإضافة إلى ذلك لائحة مخالفات مرورية وتموينية، وتعرفات جمركية على البضائع التي تدخل أو تخرج من مناطق سيطرته، تختلف بحسب نوع البضاعة وكميتها.

ويشير الرقاوي إلى أن التنظيم قام بتحصيل “زكاة” على المحاصيل الزراعية والماشية من سكان المناطق التي يسيطر عليها، كما أنه أقر نظاماً للغرامات الجزائية التي تفرض على من يخالف قواعد التنظيم الخاصة بإغلاق المحلات التجارية وقت الصلاة ومنع التدخين وغيرها.

ويقول الرقاوي، إن داعش يقوم بتهريب النفط ومشتقاته المكررة محلياً إلى الأراضي التركية عبر الحدود السورية التركية، كما أن التنظيم يقوم ببيع الغاز للنظام السوري من حقل توينان الواقع إلى الغرب من مدينة الطبقة في ريف الرقة، ويقوم بإمداد مناطق سيطرة النظام السوري شرق سورية، كمدينة الحسكة، بالكهرباء من سد الفرات الذي يسيطر عليه التنظيم مقابل مبالغ مالية، ويستبعد الرقاوي أي أثر لقرار مجلس الأمن الأخير على مصادر تمويل داعش المحلية وعلى مصادر تمويله الناتجة عن تصديره للبضائع والمشتقات النفطية إلى مناطق سيطرة النظام السوري والمعارضة السورية.

وحسب الناطق باسم حملة “الرقة تُذبح بصمت”وينوه، فان الغارات التي شنها طيران التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية على آبار النفط والمصافي محلية الصنع المتواجدة في مناطق سيطرة داعش شرق سورية، قد أثرت بشكل طفيف على عملية استخراج وتسويق داعش للنفط، دون أن تؤدي إلى قطع مصادر تمويله من هذا القطاع، كما أن التنظيم قد تمكن من تعويض النقص في الإنتاج برفع أسعار المشتقات النفطية في مناطق سيطرته، الأمر الذي انعكس سلبياً على السكان.

في المقابل، يؤكد الخبير الاقتصادي يوسف الحمود، لـ “العربي الجديد”، أن قرار مجلس الأمن الأخير ذو أثر محدود على مصادر تمويل داعش والنصرة في سورية، حيث أن إدراج مجلس الأمن للقرار الأخير تحت الفصل السابع يهدف إلى زيادة التهديد بعقوبات ضد من يتعامل مع التنظيمات المشمولة بالقرار، ويؤدي ذلك، بحسب الحمود، إلى رفع تكلفة رأس المال بالنسبة للتنظيمات المتطرفة من خلال زيادة نسبة المخاطرة التي يتكبدها من يتعامل مع هذه التنظيمات، وبالتالي تخفيض العائدات التي يحصل عليها داعش أو “جبهة النصرة” من بيع النفط أو المواد الخام أو أي بضائع أخرى.

ويوضح الحمود، أن التنظيمات المتطرفة في سورية تقوم بتصريف النفط والبضائع التي تريد بيعها عن طريق التعامل مع وسطاء تجاريين يقومون بشراء البضائع من داعش أو النصرة قبل

بيعها في السوق المحلية السورية في مناطق سيطرة النظام السوري أو المعارضة السورية أو في الأراضي التركية، وهؤلاء الوسطاء هم أكثر من يشكل قرار مجلس الأمن الأخير تهديداً عليهم، الأمر الذي سيؤدي لزيادة المخاطر بالنسبة لهم، مما سيدفعهم للامتناع عن التعامل مع التنظيمات المتطرفة، أو لشراء البضائع التي تبيعها بأسعار أقل، مما سيؤدي إلى تخفيض عائدات هذه التنظيمات.

ويرى الحمود، أن تأثير القرار على مصادر تمويل داعش و”جبهة النصرة” في سورية سيقتصر على الأثر غير المباشر وفق مبدأ زيادة المخاطر وبالتالي تخفيض العائدات، دون أن يكون للقرار تأثير مباشر على مصادر تمويل التنظيمات المتطرفة، ذلك أن اقتصاد هذه التنظيمات غير متصل بشكل مباشر مع أي جهات رسمية يمكن أن تتعرض لعقوبات من مجلس الأمن، كما أن هذه التنظيمات لا تستخدم الطرق المتعارف عليها في نقل الأموال وتحويلها عبر الأنظمة البنكية المستخدمة دولياً.

ويبدو أن أثر القرار قد يكون أكثر وضوحاً على جبهة النصرة من أثره على داعش، فالنصرة لا تملك مصادر دخل محلية متنوعة كما يملك داعش، فهي لا تقوم بتحصيل رسوم وغرامات من السكان، كما أنها لم تقم سابقاً بتحصيل “الزكاة” من سكان المناطق التي تسيطر عليها، كما أن هذه المناطق خالية من منابع النفط والغاز الذي يمكن أن تتأثر عمليات تسويقه بقرار مجلس الأمن الأخير.

لمن يبيع داعش نفط سوريا ؟/ حنان المنوري

لم يكن تحرك داعش صوب منطقة الجزيرة السورية واستيلاؤه على أجزاء كبيرة منها اعتباطيا، فالتنظيم الذي غدا أغنى التنظيمات الإرهابية في العالم، أغوته رائحة النفط الآتية من هذه المنطقة الغنية منذ البداية، فسيطرته عليها ضمنت له أهم مورد لبقائه وتمدده إلى جانب مصادر تمويل أخرى ثانوية.

وإذا كان من الصعب تحديد قيمة المداخيل التي تدرها تجارة النفط السوري على التنظيم بدقة، فالتقديرات تتحدث عن موارد تتراوح بين 1.2 إلى 3 ملايين دولار يوميا.. أرقام مهولة تدفع لطرح سؤال مفاده لمن يبيع داعش النفط؟

من الواضح أن النظام السوري ما زال يحصل على الطاقة رغم استيلاء داعش على معظم آبار النفط السوري الواقع معظمها في منطقة الجزيرة، ورغم الدعم الإيراني والروسي المستمر منذ اندلاع الثورة في سوريا، إلا أن هذا الدعم بحسب خبراء لا يستطيع تأمين حاجات النظام اليومية من النفط بالشكل القائم حالياً، ما يؤشر لوجود صلة بين اكتفاء النظام لجهة الطاقة ووجود قنوات اتصال بينه وبين تنظيم داعش، تضمن له شراء النفط من التنظيم ذاته الذي يدعي محاربته.

يقول الدكتور أسامة قاضي، رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا: “في ضوء الأزمة الخانقة التي يعاني منها الاقتصاد السوري والمحاولة المستميتة من قبل النظام للظهور بمظهر المتحكم باقتصاد البلاد، لجأ الأخير إلى جانب الدعم الإيراني الذي يصل إليه عن طريق العراق، إلى التعامل مع تنظيم داعش المسيطر على غالبية نفط سوريا”.

صفقة داعش مع النظام السوري

تشير المعلومات إلى أن ما يسمى بـ “والي الرقة” المدعو بأبي لقمان يشكل حلقة الوصل بين تنظيم داعش والنظام السوري، فهو المكلف بإدارة عمليات تزويد النظام اليومية بالنفط والغاز.

يوضح رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا: “هناك معلومات تفيد بوجود صفقة عقدها النظام مع تنظيم داعش فيما يخص حقل توينان، بإشراف ما يسمى بـ “والي الرقة” أبو لقمان في بداية أبريل 2014، حين فرض داعش سيطرته على الحقل وعلى جميع أملاك الشركة النفطية في المنطقة، وباستشارة من أحد عناصر لواء “أويس القرني” المنضمّين إلى داعش، تم حينها التوصل إلى اتفاق مع النظام السوري لتوقيع عقد ينص على قيام التنظيم بحماية الحقل وتأمين وصول المواد الخام إلى مصافي النظام، فيما يقوم الأخير بتأمين الصيانة والمهندسين لإدارتها، على أن تقسم الأرباح إلى قسمين: 60% للنظام و 40% لتنظيم داعش”.

يتابع د. قاضي: “لقد قام النظام بإرسال عدّة ورشات لصيانة تلك المصافي آخرها منذ فترة ليست بالبعيدة، وتفيد معلومات بأن النظام يشتري مادة المازوت من تنظيم داعش بـ 55 ليرة سورية ليبيعها للمواطن السوري بـ 125 ليرة”.

ويرى د.قاضي أن “التفاهمات بين النظام وتنظيم داعش في ما يخص الحصول على الغاز أكبر بكثير من مسألة النفط، خاصة من معمل توينان جنوب مدينة الطبقة ومعمل كونيكو قرب دير الزور، بالإضافة إلى إمدادات الغاز لمحطات توليد الكهرباء التابعة للنظام في دير الزور كذلك، وخط نقل الغاز العربي لمحطات توليد الكهرباء لدى النظام في كل من محردة واللاذقية ودمشق والسويداء”.

خريطة النفط السوري

استولى تنظيم داعش على 95 في المئة من حقول وآبار النفط السوري، فيما تسيطر الميليشيات الكردية والنظام على ما تبقى، بعد أن كانت خريطة القوى المسيطرة على حقول النفط السورية إلى غاية يونيو من العام 2014 مختلفة تماما، إذ كانت حينها بيد القوى العشائرية والجيش الحر وقوى أخرى معارضة.

يقول د.قاضي: “على سبيل المثال كانت حقول الحباري جنوب الطبقة وحقل الثورة موزعة ما بين لواءي التوحيد والأحرار، لكنها باتت بعد يناير 2014 تحت سيطرة داعش. كذلك الأمر بالنسبة لحقول العمر وبعض حقول دير الزور والفرات والجفرا التي كانت تحت سيطرة جبهة النصرة، لكنها باتت بعد يونيو الماضي تحت سيطرة داعش، بينما ظل حقل الشاعر شرق حمص متنازعا عليه أو “بانتظار إجراء تفاهمات” بين داعش والنظام، أما حقول الرميلان والمالكية في الحسكة فهي تحت سيطرة الميليشيات الكردية”.

ويرى د.قاضي أنه “مما لا شك فيه أن تنظيم داعش وبالوسائل البدائية التي يستخرج بها النفط ويكرره، لم يتمكن من إنتاج ربع الكمية المنتجة سابقا والتي تقدر حينها بـ 350 ألف برميل يوميا، فضلا عن مسألة الأمان في نقل المشتقات النفطية والكوارث البيئية التي تخلفها طرق التكرير التي يتبعها داعش، مشيرا إلى أنه “على الرغم من عدم وجود إحصائية دقيقة حتى الآن بسبب التكتم الشديد الذي يلف هذه العمليات، إلا أن إنتاج تنظيم داعش قد لا يتعدى 50 ألف برميل يوميا، خاصة بعد التخوف من ضربات التحالف، حيث يبيع التنظيم البرميل الواحد بسعر يصل إلى 15 دولارا”.

في المقابل، تفيد تقديرات لجهات أخرى مطلعة بأن إنتاج داعش من النفط السوري يصل إلى 100 ألف برميل يوميا، تذهب غالبيتها إلى النظام السوري، أما الباقي فيشتري به داعش “صداقات تركية” تندرج ضمن تعاملات أخرى تشمل شراء الأسلحة والسيارات وحتى المعلومات الاستخباراتية من جهات تركية، وفقا لما صرح به مصدر مطلع.

الأسد ومافيا النفط

يقول المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه أيضا إن “هناك مافيا لتجارة النفط السوري القادم من داعش داخل سوريا تنشط تحت غطاء من النظام، خاصة إذا ما علمنا أن من يدير تلك المافيا شخصيات من عائلة الأسد هم إيهاب مخلوف وأيمن جابر وعمار الشريف وياسر عباس الذين يصدرونه من ميناء طرطوس تحت إدارة تجار روس ينقلونه إلى أوروبا، ومن ميناء بانياس عبر الحكومة السورية نفسها”.

وفي الوقت الذي أعلن فيه التحالف الدولي لمحاربة داعش الذي تقوده واشنطن أن عمليات قصف استهدفت آبارا في الجزيرة ومصافي نفط تابعة لداعش، تثار شكوك حول فعالية تلك الضربات في الحد من قدرة التنظيم الإنتاجية.

ويعتقد رئيس مجموعة اقتصاد سوريا أن “الإمكانات النفطية لداعش لم تختلف مع بدء توجيه التحالف ضربات ضد مواقع التنظيم، فتلك الضربات لم تستهدف حقولا تذكر، بل إن جميع المصافي والحراقات التي قصفها طيران التحالف كانت مصافي بدائية لتجار وأهالي، اللهم بعض المنشآت المساعدة لحقل الجفرا شمال دير الزور التي تعرضت سابقا للقصف”.

ويقول المصدر المطلع إن “منصات النفط التي دمرت جراء قصف التحالف يتم إصلاحها لتعاود العمل خلال بضعة أيام فقط، فتستمر عمليات الإنتاج”.

على الحدود مع تركيا

ولـ “نفط داعش” مشترون آخرون، فشمالا تنشط سوق أخرى للتنظيم هذه المرة على الحدود مع تركيا، يقول د.قاضي إنها تتم عبر وسطاء فيما يخص المشتقات النفطية وليس النفط خام، عبر طريق يطلق عليه داعش الطريق العسكري، يقع غرب مدينة جرابلس من قرية “عرب عزة” مدخل نهر الساجور إلى الحدود السورية – التركية، وتتم عمليات هذه السوق السوداء أيضا عبر منطقتي “تل أبيض” و”سلوك” الحدوديتين اللتين توجد فيهما العديد من مصافي التكرير والأنابيب الضخمة لتهريب النفط.

من جهته، يفيد المصدر المطلع بأن الحكومة التركية تعرضت لضغوط غربية نتيجة تحقيقات سرية أجراها مجلس الأمن الدولي بناء على معلومات أميركية وعربية، أعلنت بعدها أنقرة عن مصادرة ٨٠ مليون برميل من “نفط داعش” كانت الدول الغربية قد وجهت إلى تركيا استفسارا حولها بعدما تبين أنها كانت مجهزة للتصدير من ميناء تركي، مما اضطر الحكومة التركية لإيقاف تلك الصفقة التي أبرمت مع شركة صينية كانت تنوي شراء الكمية كاملة وتولي عملية نقلها، وبعد مصادرتها تم استخدامها داخليا في الأسواق التركية”.

ويضيف المصدر بأن “الحكومة التركية قامت تحت نفس الضغوط بتدمير أربعة أنابيب لنقل النفط إلى مواقع على الحدود التركية كانت تستخدم لبيع النفط العراقي والسوري”، مشيرا إلى أن “العملية اعتبرت شكلية لأن تلك المنصات كانت متوقفة وفارغة”.

يقول المصر المطلع أيضا إن “داعش تبيع النفط للوسطاء من مواقع منصات الإنتاج بمبلغ ١٢ دولارا، ومن الحدود بسعر ١٨ دولارا، حيث يشتريه التجار الأتراك المحميون من شخصيات سياسية تركية بمبلغ ١٨ دولارا للمشتريات المباشرة من داعش ومن الوسطاء بقيمة ٢٠ دولاراً، ليبيعونه بسعر ٢٥ دولار لشركة النفط الوطنية التركية اللي يقودها محمد يوسال، وللشركات الخارجية بسعر ٣٠ دولار عن طريق يوسال شخصياً”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى