صفحات سوريةفاطمة ياسين

داعش.. والأربعة الكبار/ فاطمة ياسين

 

 

في روايتها “الأربعة الكبار”؛ تخيلت الكاتبة البريطانية، أغاثا كريستي، وجود أربع شخصيات نافذة تسيطر على العالم، من خلال مقدرات تقنية ومادية تملكها، تساعدها على التحكم بكل ما يجري، أو سيجري، على سطح الكرة الأرضية، أو في باطنها، أو في الفضاء الخارجي. تجتمع سراً وتقرّر خططاً من دون علم أحد.

في مشهد مختلف؛ اجتمع، أخيراً، وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا وتركيا والسعودية، ليوحوا للعالم أنهم يريدون أن يقدموا حلاً لما يجري على الأرض السورية. وبالتالي، سيوفرون راحة بال لدول الجوار والعالم الذي يعاني من مشكلات اللاجئين والمتطرفين. لكن الاجتماع هنا لم يكن سرياً، بل إنه عقد بمعرفة جميع سكان الكرة الأرضية، وبتصريحات من “الكبار” أدلي بها قبل، وبعد الاجتماع، أمام كاميرات الفضائيات، ومكبرات صوت الإذاعات.

ظهر من هذه التصريحات، وخصوصاً التي أعقبت الاجتماع، خلاف “الأربعة الكبار”، واختلافهم حول حل مشكلة تجري على أرض تشكل بقعة صغيرة من العالم تدعى سورية، واستدعوا لحلها، في اليوم التالي، خمسة عشر زعيماً يمثلون أدوار وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي والصين وبعض الدول العربية والإقليمية، وخرجوا، جميعاً، ببيان يحتوي نقاطاً محددة ومهمة، لإنهاء الحرب السورية وإقامة الديمقراطية واستبعاد عوامل الطائفية والاقتتال. ولكن، افتقد البيان لأبسط شروط تحقيق نقاطه، بسبب غياب آليات تطبيقها. بالطبع، لم يخفَ ذلك عن أذهان واضعي البيان، لكنه كان الشكل الواقعي الأفضل الذي يمكن صياغتُه في ظل الخلاف المستمر بين الأوصياء على أمراء الحرب الموجودين على الأرض السورية، فالمنظمات الإنسانية والحقوقية تطالب بحل، وها هو الحل قد خرج على أيدي الكبار، من دون آليات تطبيق حقيقية.

يبدو أن روسيا كانت تعرف بنتائج اجتماع فيينا قبل عقده. لذلك، استدعت حليفها بشار الأسد، قبل أيام، ليخرج الأخير بعدها، ويصرح بأنه مستعد لإجراء انتخابات، لكنه اشترط القضاء أولاً على الإرهاب في بلاده، في خطوة استباقية منه لما سينجم عن مؤتمر فيينا الذي قرر جمع المعارضة والنظام، ومن ثم تشكيل حكومة، وصياغة دستور، وإجراء انتخابات كان قد رهنها بشار مسبقاً بإنهاء الإرهاب على أرض سورية. الإرهاب الذي يعني، وفق مفهوم بشار الأسد وحلفائه، كل ما هو مختلف معهم في الرؤية، أو يقاتل ضدهم وموجود على الأرض السورية، أو حتى ذاك الذي يعارض حكمهم في الخارج.

استمد الأسد إصراره في الإعلام على إنهاء الإرهاب قبل كل شيء من حلفائه الروس الذين استمدوا، أيضاً، هذه النشرة الجاهزة من الولايات المتحدة، خلال قيامها بتدخلات في أفغانستان والعراق، فجاء الروس ليقرأوها في أثناء عزمهم قصف بيوت الشعب السوري، مساندةً لقوات بشار الأسد.

خُلِقَ تنظيم داعش، فيما يبدو، ليحمل عن الجميع أوزارهم، وليحاربه الجميع، ويختبئ هذا الجميع به؛ فداعش، إعلامياً، هو من يقاتل الدولة في سورية، وهو من يقاتل المعارضة، وهو من يفتعل تفجيرات إرهابية على أراضي الدول المجاورة، والبعيدة أيضاً. وأخيراً أعلنت قيادة التنظيم أن داعش هو الذي أسقط طائرة ركاب روسية فوق سيناء! ناهيك عن قتاله الأكراد في كوباني، وفي مدن شمال شرق سورية وفي العراق.. على الرغم من ذلك يقف الأربعة، أو الخمسة الكبار، عاجزين أمام وجود هذا التنظيم. لذلك، ضَمَّنوا بيانهم، الناتج عن اجتماع فيينا، بندَ محاربة تنظيم داعش والقضاء عليه.

في قصة “الأربعة الكبار”، كان هؤلاء الكبار أشراراً، ويحبون السيطرة، ويفتعلون المشكلات ليحصلوا على الكسب الدائم، قبل أن يكتشف البطل هيريكل بوارو أمرهم، ويتخلص منهم واحداً واحداً. الخشية كل الخشية من أن يكون داعش بطل هذه الرواية.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى