صفحات الناسناصر الرباط

“داعش” والناس –مجموعة مقالات متنوعة-

 

«الغارديان»: هذه قصة «داعش» من الداخل

ترجمة: صلاح تقي الدين

نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية تحقيقاً أجراه مراسلها في الشرق الأوسط مارتن شولوف، استند فيه إلى مقابلات أجراها مع أحد قادة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) والذي كان سجيناً في قاعدة «بوكا» الأميركية في بغداد أثناء الغزو الأميركي للعراق، وبدا أنه نادم على انضمامه إلى ما أسماه «أكثر مجموعة إرهابية في العالم».

ويكشف أبو أحمد، الاسم الحركي للقائد في «داعش» عن كيفية نشوء التنظيم الذي يزعم أنه تعرّف إلى قائده ابو بكر البغدادي أثناء وجودهما في الفترة نفسها في سجن «بوكا» وكيف تحوّل الجهاد الذي خاضه على أساس أنه ضد «الجيش الأميركي المحتل» ليصبح قتالاً ضد الشيعة العراقيين الذين تعاونوا مع المحتل الأميركي لاضطهاد السنة الذين خسروا كل شيء مع الإطاحة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

واستناداً لأبي أحمد، فإن النظام السوري للرئيس بشار الأسد كان يشكل جسر الإمداد والعبور الرئيسي للمجاهدين من مختلف أنحاء العالم الذين انتلقوا إلى العراق بعد وصولهم إلى مطار دمشق ورافقهم مسؤولو أمن وضباط من الاستخبارات السورية إلى الحدود العراقية.

ويروي الكاتب أن العلاقة بين رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي والأسد أصبحت عدائية بعد حصول الاستخبارات العراقية على معلومات عن هجوم إرهابي يجري التخطيط له في دمشق بين ضباط أمن واستخبارات سوريين وبعثيين عراقيين وجهاديين، بهدف زعزعة استقرار العراق وتقويض حكومة المالكي فيه. وتنشر «المستقبل» في ما يلي الترجمة الحرفية للنص كما ورد على موقع الصحيفة الالكتروني على العنوان التالي: http://www.theguardian.com/world/2014/dec/11/-sp-isis-the-inside-story

في صيف العام 2004، كان عدد من الجنود الأميركيين يسيرون ببطء مع أحد الجهاديين الشبان مقيداً بالأغلال والسلاسل إلى داخل سجن قاعدة «بوكا» في جنوب العراق. لقد بدا عصبياً حين اقتاده جنديان أميركيان إلى باحة داخلية بين ثلاثة أبنية مضاءة بشكل ساطع، ثم عبر ممر من الأسلاك الشائكة ليصل إلى باحة أخرى مفتوحة، كان فيها عدد من الرجال يرتدون الزي الموحّد للسجناء وهم يحدقون به.

قال لي في الشهر الماضي، «لقد تعرّفت على عدد منهم فوراً. كنت مرتعباً من نقلي إلى قاعدة بوكا وأفكر بقساوة الأمر طيلة الوقت الذي استغرقته رحلة نقلي بالطائرة. لكن في الواقع كان الأمر أفضل بكثير مما اعتقدت من جميع الأوجه».

الجهادي الشاب الذي يستخدم اسم «أبو أحمد»، دخل إلى قاعدة «بوكا» شاباً في مقتبل العمر قبل عقد من الزمن، وأصبح اليوم أحد كبار المسؤولين في الدولة الإسلامية «داعش»، حيث تسلّق المناصب والرتب برفقة عدد آخر من السجناء الذين التقاهم في «بوكا». ومثلما حدث معه، كان السجناء الآخرون في قاعدة «بوكا» من الذين اعتقلتهم القوات الأميركية من المدن والقرى العراقية، ونقلوا إلى القاعدة التي نالت شهرة واسعة، إذ إنها قلعة بُنيت في الصحراء، وشكّلت أحد معالم الوجود الأميركي في العراق.

يضيف أبو أحمد «لم يطل الأمر بالسجناء الآخرين للترحيب بي». لقد كانوا أيضاً مرتعبين من شهرة قاعدة «بوكا» لكنهم سرعان ما تبيّن لهم أنها لا تشبه أسوأ مخاوفهم. لقد وفّر لهم السجن الأميركي فرصة فريدة من نوعها.

وقال «لم يكن بإمكاننا أن نجتمع لو بقينا في بغداد أو أي مدينة أخرى. كان الأمر ليكون خطيراً جداً. في القاعدة لم نكن آمنين فحسب، بل كنا على بعد مئات الأمتار فقط عن كامل قيادة تنظم القاعدة».

في قاعدة «بوكا» التقى أبو أحمد للمرة الأولى بأبي بكر البغدادي، خليفة «داعش» والذي يوصف بأنه أكثر الإرهابيين العالميين خطورة. وقال أبو أحمد إنه «منذ البداية، بدا أن السجناء يطيعونه. حتى في تلك الأثناء كان اسمه أبو بكر. لكن لم يخطر ببال أحدنا أن الأمر سينتهي بأن يصبح قائداً».

وكان أبو أحمد عضواً رئيسياً منذ المراحل الأولى لنشأة التنظيم. لقد أصبح لديه حافز للجهاد منذ شبابه نتيجة الاحتلال الأميركي الذي اعتقد مثله مثل الكثيرين بأنه جاء ليفرض تغييراً بالقوة في النظام العراقي، منحازاً إلى جانب الأكثرية الشيعية ضد الأقلية السنية المهيمنة. وقاده دوره المبكر في التنظيم الذي سيتحول لاحقاً إلى «داعش»، إلى المنصب القيادي الذي يحتله اليوم مروراً بالتمرّد الناشئ الذي انتقل عبر الحدود إلى سوريا. وينظر معظم رفاقه إلى الفوضى التي تتخبط بها المنطقة، تنفيذاً لطموحاتهم في العراق الذي ظلّ بالنسبة إليهم هدفاً لم يتمكنوا من تحقيقه إلى أن وفرّت لهم الحرب في سوريا ساحة جديدة.

لقد وافق على الحديث علناً بعد سنتين من النقاشات، والذي تناول المسار الذي كشف عن ماضيه كواحد من أشرس المقاتلين في العراق، وعبّر عن قلقه العميق من تصوّر «داعش» للمنطقة. ومع الفوضى التي غرق فيها وسوريا، والشرق الأوسط الذي يرجّح أن ينتقل إلى مرحلة جديدة من الثورات الدموية على يد المتطرفين من أمثاله، بدا أبو أحمد بالتفكير بخياراته مرة ثانية. الوحشية التي يتميّز بها «داعش» تتناقض كلياً مع مبادئه، التي نضجت مع تقدّمه بالسن وبعدما أصبح مؤمناً بأن تعاليم القرآن يمكن تفسيرها وليس واجباً تطبيقها حرفياً.

لقد كانت الخيبات التي تعرّض لها سبباً دفعه إلى الحديث مع صحيفة «الغارديان» من خلال سلسلة من المحادثات المطوّلة، والتي توفّر نظرة معمّقة عن القائد الغامض والأيام الأولى للمجموعة الإرهابية تمتد من العام 2004 عندما التقى أبا بكر البغدادي للمرة الأولى في سجن قاعدة «بوكا» حتى العام 2011 عندما انتقل التمرّد إلى سوريا.

وفي العودة إلى قاعدة «بوكا»، كان السجين الذي سيتحول لاحقاً إلى أكثر الإرهابيين المطلوبين في العالم، قد عزل نفسه عن باقي السجناء الذين كان ينظرون إليه على أنه مبهم وغامض. غير أن أبي أحمد يتذكر أن السجانين الأميركيين كانوا يملكون فكرة مختلفة عن البغدادي كانوا يعتبرونه تصالحياً ونافذاً وله تأثير مهدئ في بيئة غير متيقنة من مصيرها، وكانوا يلجأون إليه لمساعدتهم على حل الخلافات التي تنشأ بين السجناء. وقال أبو أحمد «هذا كان جزءاً من دوره. لقد شعرت أنه كان يخفي شيئاً في داخله، جانباً مظلماً لم يكن يريد إظهاره أمام الآخرين. كان نقيضاً عن باقي الأمراء الذين كان أسهل التعامل معهم. كان بعيداً ومنعزلاً عن بقيتنا».

البغدادي

ولد البغدادي باسم إبراهيم بن عوض البدري السامرائي في العام 1971 في مدينة السامراء العراقية. اعتقلته القوات الأميركية في الفلوجة إلى الغرب من بغداد في شباط 2004، بعد أشهر من إنشائه مجموعة مقاتلة باسم «جيش السنة الجماعة» التي امتدت جذورها إلى المجتمعات السنية المنتفضة في مسقط رأسه. وقال الدكتور هشام الهاشمي، المحلل ومستشار شؤون «داعش» لدى الحكومة العراقية لـ«الغارديان» إن البغدادي «اعتقل في منزل أحد أصدقائه ناصيف جاسم ناصيف، ثم نقل إلى سجن قاعدة بوكا. لم يعرف الأميركيون أبداً من هو». وبدا أن معظم السجناء زملاء البغدادي حوالى 24 ألف سجين موزعين على 24 مخيماً- لم يعرفوه أيضاً. وكان السجن يدار وفقاً لهيكلية متشددة ويفرضون زياً ملوّناً موحداً للسجناء ما يتيح للسجانين والسجناء على السواء التعرّف على مكانة كل سجين. وقال أبو أحمد «كان لون الزي الذي نرتديه يعكس وضعيتنا. إذا كنت أتذكر جيداً، فالأحمر كان للأشخاص الذين ارتكبوا أفعالاً داخل السجن، والأبيض للسجين القائد، والأخضر للمحكومين لفترة طويلة والأصفر والبرتقالي للسجناء العاديين».

عندما وصل البغدادي إلى قاعدة «بوكا» في سن الـ33، كان التمرّد السني ضد الاحتلال الأميركي بدأ يأخذ مداه في وسط وغرب العراق. الغزو الذي برّر على أنه حرب تحرير وتحوّل إلى احتلال قمعي. والسنة الذين همّشوا نتيجة الإطاحة بزعيمهم صدام حسين، قادوا التمرّد ضد القوات الأميركية، وسرعان ما حوّلوا قتالهم ضد المستفيدين من الإطاحة بصدام، الغالبية الشيعية في البلاد.

والمجموعة المقاتلة الصغيرة التي أنشأها البغدادي، كانت واحدة من العشرات التي نشأت من الثورة السنية الواسعة، والعديد منها ستتوحد تحت راية تنظيم «القاعدة» في العراق، ومن ثم تحت راية الدولة الإسلامية، والتي اجتاحت بقيادة البغدادي، معظم مناطق غرب ووسط العراق وشرق سوريا، واجتذبت الجيش الأميركي مجدداً إلى منطقة مضطربة بشكل كبير بعد أقل من ثلاث سنوات على مغادرتها وتعهّدها بعدم العودة.

لكن أثناء وجوده في سجن «بوكا»، لم تكن المجموعة المقاتلة للبغدادي معروفة، وكان هو شخصاً اقل أهمية من قائد التمرّد السني العام أبو مصعب الزرقاوي والذي كان يثير هاجس ومخاوف الكثيرين في العراق، أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. غير أن البغدادي كان يملك أسلوباً فريداً في تمييز نفسه عن باقي الزعماء الطامحين في «بوكا» وخارج شوارع العراق الموحشة: النسب الذي سمح له الزعم بأنه من سلالة النبي محمد (صلعم). كما أنه يحمل درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية في بغداد، وسيستند إلى هاتين الميزتين لشرعنة تنصيب نفسه خليفة العالم الإسلامي في تموز 2014، الأمر الذي حقق شيئاً من المصير الذي كان رسمه لنفسه أثناء وجوده قبل عقد من الزمن داخل سجن «بوكا».

يضيف ابو أحمد «البغداد كان شخصاً هادئاً. كان لديه كاريسما. كنت تشعر بأنه شخص مهم. لكن كان هناك من هم أكثر أهمية. بصراحة لم أعتقد أنه سيصل بعيداً إلى هذا الحد».

وكان للبغدادي وسيلته مع السجانين أيضاً. واستناداً لأبي أحمد واثنين من السجناء الآخرين في «بوكا» في العام 2004، رأى فيه الأميركيون مدبّراً كان بإمكانه حل الخلافات بين الفصائل المتنافسة في السجن وإبقاء المخيم هادئاً. وأضاف «لكن مع مرور الوقت، في كل مرة كان هناك مشكلة في المخيم، كان البغدادي في وسطها. أراد أن يكون قائد السحن وعندما أتذكّر الآن- كان يستخدم سياسة السيطرة والتقسيم ليصل إلى مبتغاه، وهو المركز. ونجح ذلك الأسلوب معه». ومع حلول كانون الأول 2004، وجد سجّانوه أن البغدادي لم يعد يشكّل خطراً وسمحوا بإخلاء سبيله.

بناء الدولة الإسلامية

وقال أبو أحمد «كان الجيش الأميركي يحترمه جداً. إذا أراد زيارة أشخاص في مخيم آخر كانوا يسمحون له ولا يسمحون لنا بذلك. وفي كل تلك المدة، كانت هناك استراتيجية جديدة ينظّمها من تحت أنوفهم، وهي إقامة دولة إسلامية. لو لم يكن هناك سجن أميركي في العراق، لما قامت الدولة الإسلامية. بوكا كانت مصنعاً. لقد صنعتنا جميعنا وبنت ايديولوجيتنا».

وفيما كان «داعش» ينتشر في المنطقة، كان من يقوده رجال أمضوا أوقاتاً في مراكز الاعتقال الأميركية خلال فترة الاحتلال الأميركي للعراق فإلى جانب «بوكا»، أدارت القوات الأميركية أيضاً «كامب كروبر» بالقرب من مطار بغداد الدولي، لفترة 18 شهراً في بداية الحرب، سجن «أبو غريب» في الضواحي الغربية للعاصمة. والعديد من الذين خرجوا من هذه السجون – وبعض كبار الضباط الأميركيين الذين كانوا يديرون هذه المعتقلات، كانت لديهم تأثيرات نارية على التمرد السني.

وقال علي الخضيري، المساعد الخاص لجميع السفراء الأميركيين الذين خدموا في العراق بين العامين 2003 و2011، ولثلاثة قادة للقوات الأميركية في العراق «لقد شاركت في العديد من الاجتماعات التي كان يأتي فيها شبان ليبلغونا كيف كانت جميع الأمور تسير بشكل جيد». غير أن العديد من كبار القادة العسكريين الأميركيين خلصوا إلى الاعتقاد بأنهم كانوا في الواقع «يدفعون عناصر إلى التطرّف. كانوا غير منتجين في العديد من النواحي. كانوا يستخدمون من أجل التخطيط والتنظيم، وتعيين القادة وشن العمليات».

وقال أبو أحمد «كنا نسجّل تفاصيل كل واحد منا على الجانب الداخلي من ملابسنا الداخلية وعندما خرجنا من السجن اتصلنا ببعضنا البعض»، مضيفاً «في السجن، كان جميع الأمراء يجتمعون بشكل دوري. لقد أصبحنا مقرّبين من جميع الذين سجنوا معنا. كنا نعرف قدراتهم. كنا نعلم ما بمقدورهم أن يقوموا به وما لا يستطيعون لأي سبب كان. وأهم الذين كانوا في بوكا هم أولئك المقربون من الزرقاوي. لقد تم الاعتراف به في العام 2004 بأنه زعيم الجهاد».

أضاف «كان لدينا الوقت الكافي للجلوس والتخطيط. كانت البيئة المثالية. اتفقنا جميعاً على الاجتماع معاً بعد خروجنا من السجن. كانت طريقة التواصل سهلة. كنا قد دوّنا جميع تفاصيل أرقامنا على «مطاط» ألبستنا الداخلية. عندما خرجنا تواصلنا مع بعضنا. كل ما هو مهم بالنسبة إلينا كان مدوناً على «المطاط». كانت لدي أرقام هواتفهم وعناوينهم في قراهم. ومع حلول العام 2009، عاد معظمنا للقيام بما كان يقوم به قبل اعتقالنا. لكن هذه المرة، كنا نقوم به بشكل أفضل».

واستناداً لهشام الهاشمي المحلل المقيم في بغداد، فإن الحكومة العراقية قدّرت أن 17 من أصل أهم 25 قائداً في الدولة الإسلامية الذين يقودون الحرب في العراق وسوريا، أمضوا أوقاتاً في السجون الأميركية بين 2004 و2011. بعضهم تم نقله من السجون الأميركية إلى أخرى عراقية حيث حصلت سلسلة من عمليات الفرار الجماعية في السنوات القليلة الماضية التي أتاحت للعديد من كبار القادة الفرار من السجون والانضمام إلى صفوف المتمردين. وشهد سجن «أبو غريب» أكبر عملية فرار وأكثرها ضرراً في العام 2013، حيث فرّ حوالى 500 سجين، كان العديد منهم من كبار الجهاديين الذين تم تسليمهم من قبل القوات الأميركية التي غادرت العراق في تموز من العام نفسه، إثر اجتياح قوات الدولة الإسلامية للسجن، ومن ثم شنها لهجوم ناجح آخر على سجن «تاجي» القريب.

وأغلقت الحكومة العراقية في نيسان 2014 سجن «أبو غريب» الذي يقع على بعد 15 ميلاً إلى الغرب من بغداد بالقرب من الخط الفاصل بين «داعش» والقوات الأمنية الحكومية العراقية التي تبدو دائماً غير مستعدة وتراقب الطريق السريع الذي يربط بين الفلوجة والرمادي.

لقد تحولت بعض مناطق هاتين المدينتين إلى مناطق محظورة على القوات الحكومية العراقية التي تتعرّض للضرب والاذلال من قبل «داعش»، هذه المجموعة من اللصوص التي لم تشهد لها بلاد ما بين النهرين منذ أيام المغول. عندما زرت السجن المهجور في أواخر الصيف الماضي، كانت مجموعة من القوات العراقية قد أقامت نقطة للتفتيش على الطريق الرئيسية إلى بغداد، انهمك عناصرها في تناول البطيخ فيما كانت أصوات القذائف المدفعية تُسمع من بعيد. كانت الجدران الشاهقة لأبو غريب خلفهم في ما كان أعداؤهم المجاهدون يحتشدون على بعد مئات الأمتار على الطريق.

لقد كان لكشف الانتهاكات الكبيرة في سجن «أبو غريب» تأثير على العديد من العراقيين الذين اندفعوا في التطرف بعدما شاهدوا أن ما يزعم أنها مدنية وحضارة الاحتلال الأميركي، لم تكن تفرق بكثير عن وحشية صدام. ورغم أنه لم يتم الإبلاغ عن الكثير من الانتهاكات في سجن «بوكا» قبل إغلاقه في العام 2009، غير أن العراقيين كانوا ينظرون إليه على أنه رمز لسياسة ظالمة تجلت باعتقال أزواج وآباء وأبناء بعضهم من غير المقاتلين- خلال حملات المداهمة في الضواحي، أودعوا بعدها السجن شهوراً وبعضهم سجنوا سنوات.

وفي تلك الفترة، كان الجيش الأميركي يعتبر أن عمليات الاحتجاز شرعية وأنها ممارسات مشابهة لتلك التي اعتمدتها قوات أخرى ضد حركات التمرّد، كما البريطانيين في أيرلندا الشمالية، الإسرائيليين في غزة والضفة الغربية، وممارسات النظامين السوري والمصري.

وحتى الآن، وبعد خمس سنوات على إغلاق «بوكا»، يدافع البنتاغون عن السجن ويصفه بأنه كان سياسة حكيمة خلال أوقات مضطربة. وقال المقدم مايلز ب. كاغينز الثالث، أحد الناطقين باسم وزارة الدفاع الأميركية لشؤون الاعتقالات «خلال العمليات العسكرية في العراق بين العامين 2003 و2011، اعتقلت القوات الأميركية آلاف الأشخاص وفقاً لقوانين الحروب. هذا النوع من الاعتقالات ممارسة طبيعية خلال النزاعات المسلحة. اعتقال أشخاص خطيرين محتملين، هو الوسيلة القانونية والإنسانية لتأمين الأمن والاستقرار للسكان المدنيين».

إطلاق سراح أبو أحمد

وفي منتصف العام 2005، وبعد ستة أشهر تقريباً على خروج البغدادي من «بوكا»، أطلق سراح أبو أحمد. وبعدما نقل إلى مطار بغداد، أقلّه رجال كان التقى بهم في «بوكا». أخذوه إلى منزل في غرب العاصمة، حيث انضم مباشرة إلى الجهاد، والذي تحوّل من معركة ضد جيش محتل إلى حرب دموية لا تهدأ ضد الشيعة العراقيين.

كانت «فرق الموت» تجول في حينها في شوارع بغداد ومعظم أنحاء وسط العراق، تقتل أبناء المذهب الآخر بوحشية ظاهرة، وتطرد السكان من الضواحي التي تسيطر عليها. سرعان ما تحوّلت المدينة التي غادرها أبو أحمد قبل عام تقريباً، إلى مكان مختلف كلياً. لكن ونظراً للوفود المستمر للسجناء إلى «بوكا»، كان أولئك الذين في داخل السجن قادرين على مراقبة التطورات التي تحوّلت إلى حرب مذهبية. وكان أبو أحمد يعرف البيئة التي انتقل إليها وكان لقادته في السجن مخططات له.

وكان الشيء الأول الذي قام به عندما أصبح آمناً في غرب بغداد، نزع ثيابه وقص الرباط المطاطي لملابسه الداخلية. وقال «قطعت الرباط المطاطي لسروالي الداخلي وكانت جميع الأرقام عليه. اتصلنا ببعضنا وبدأنا العمل». وفي جميع أنحاء العراق، كان السجناء المفرج عنهم يقومون بالشيء نفسه. «فعلاً كان الأمر بسيطاً» أضاف أبو أحمد الذي ابتسم للمرة الأولى خلال أحاديثه الطويلة معي، بعدما استعاد مشهد خداع سجانيه. وقال «لقد ساعدتنا الثياب الداخلية على كسب الحرب».

واستنادأً لأبي أحمد، أراد الزرقاوي لحظة شبيهة بـ 11/9 لتصعيد الحرب الشيء الذي سينقل الصراع إلى قلب العدو. في العراق، كان ذلك يعني واحداً من هدفين مقر قيادة شيعي، أو ما هو أفضل، تحديد هدف مذهبي. وفي شباط 2006، وبعد شهرين لاحقاً، دمّر انتحاريو الزرقاوي مقام «الإمام العسكري» في السامراء إلى الشمال من بغداد. لقد اشتعلت الحرب المذهبية ووصلت إلى الذروة، وتحققت طموحات الزرقاوي.

ولدى سؤاله عن مكاسب هذا الاستفزاز الدموي قال أبو أحمد «هذا كان سبباً لإشعال الحرب. لم يكن الأمر لأنهم شيعة، بل لأن الشيعة كانوا يسيرون إليها. لقد كان الجيش الأميركي يسهّل عملية السيطرة على العراق وإعطائهم السلطة. لقد كانوا متعاونين في هذا الأمر».

ثم أضاف متحدّثاً عن الرجل الذي أعطى الأوامر «الزرقاوي كان ذكياً جداً. كان أفضل رجل استراتيجي حصلت عليه الدولة الإسلامية». وقال «أبو عمر (البغداد) كان بلا رحمة» في إشارة إلى خليفة الزرقاوي، بعدما لقي الأخير مصرعه في غارة أميركية استهدفته في نيسان 2010، مضيفاً «أما أبو بكر فهو أكثر المتعطّشين للدماء بينهم جميعهم».

وتابع «بعد مقتل الزرقاوي، أصبح الأشخاص الذين يحبون القتل أكثر منه، مهمّين جداً داخل التنظيم. لقد كان فهمهم للشريعة والإنسانية ضيعفاً جداً. لا يفهمون معنى التوحيد كما يجب أن يكون. لا يمكن فرض التوحيد بالحرب».

ورغم التحفظات التي بدأ يشعر بها، كانت الحرب تستعر في العام 2006 وأصبح أبو أحمد جزءاً من آلة القتل التي عملت بسرعة قصوى خلال العامين التاليين. لقد هجّر ملايين الأشخاص، وطهّرت الضواحي إلى الحدود المذهبية، وأخضع عدد كبير من السكان إلى وحشية لا يمكن وصفها. وفي ذلك الصيف، تمكّنت القوات الأميركية أخيراً من الزرقاوي بمساعدة من الاستخبارات الأردنية، واغتالته بواسطة غارة جوية في شمال بغداد. ومنذ أواخر العام

006، تراجع نمط التنظيم إعاقته ثورة قبلية اقتلعت معظم قياداته من الأنبار وقلّصت تواجده في مناطق أخرى في العراق. لكن استناداً لأبي أحمد، فإن التنظيم استغل هذه الفرصة للتطوّر، والكشف عن براغماتية إلى جانب الأيديولجية المتطرفة. وبالنسبة للدولة الإسلامية، كانت السنوات بين 2008 و2011 سنوات هدوء وليس هزيمة.

لكن هذه المرة، برز أبو بكر البغدادي بشكل ملحوظ في صفوف المجموعة، وأصبح المساعد الموثوق لزعيمها أبو عمر البغدادي ونائبه «الجهادي المصري» أبو ايوب المصري. في تلك المرحلة، استناداً لأبي أحمد، بدأ «داعش» بمقاربة بقايا البعثيين من النظام القديم الأعداء الأيديولوجيين الذين لديهم العدو نفسه: الولايات المتحدة الأميركية والحكومة المركزية الشيعية في بغداد التي تدعمها.

وتحت شعار «عدو عدوي هو صديقي» بدأ التواصل بين «داعش« والبعثيين الذين فقدوا كل شيء بعد الإطاحة بصدام حسن. غير أن ابي أحمد ومصادر أخرى قالت إنه في مطلع العام 2008، بدأت الاجتماعات بين «داعش« والبعثيين تحصل دورياً لكن في مناطق بعيدة، والعديد منها حصلت في سوريا.

لطالما أثار المسؤولون الأميركيون في بغداد والحكومة العراقية مسألة العلاقات بين سوريا والمتمردين السنة في العراق. لقد كان الفريقان مقتنعين بأن الرئيس السوري بشار الأسد سمح للجهاديين بالسفر إلى مطار دمشق ثم مرافقتهم من قبل مسؤولين عسكريين سوريين إلى الحدود مع العراق. وقال أبو أحمد «جميع الأجانب الذين أعرفهم وصلوا إلى العراق بهذه الطريقة. لم يكن الأمر سراً».

وبدءاً من العام 2008، عندما بدأت الولايات المتحدة مناقشة مسألة نقل سلطاتها إلى المؤسسات الأمنية العراقية الضعيفة والتحضير بالتالي لعملية خروجهم من العراق لجأ الأميركيون الى عدد قليل من المسؤولين في الحكومة العراقية الذين يمكن الوثوق بهم. وأحد هؤلاء كان اللواء حسين علي كمال، مدير الاستخبارات في وزارة الداخلية العراقية. وكمال، كردي عراقي علماني، نال ثقة المؤسسة الشيعية، وكانت إحدى مهامه الرئيسية تأمين بغداد ضد الهجمات الإرهابية.

شكوك عراقية في دور سوريا

ومثل الأميركيين، كان الجنرال كمال مقتنعاً بأن السوريين يزعزعون استقرار العراق، وهي قناعة ترسّخت نتيجة استجواب العديد من الجهاديين الذين اعتقلتهم قواته. وطيلة العام 2009، وفي سلسلة من المقابلات، بيّن لي كمال أدلته مستخدماً خرائط وضع عليها علامات تظهر الطرق التي يستخدمها الجهاديون لعبور الحدود إلى غرب العراق، والاعترافات التي تؤكد علاقة ضباط من الاستخبارات السورية بعملية انتقالهم من سوريا.

ومع انحسار نشاط «داعش» في العراق في تلك الفترة، ازداد هاجس الجنرال كمال باجتماعين عقداً في سوريا مطلع العام 2009، جمعا جهاديين عراقيين مع مسؤولين سوريين وبعثثين من البلدين. وسمح لي كمال (الذي شخصت إصابته بنوع نادر من السرطان في مطلع العام 2012 وتوفي في وقت سابق من العام الحالي)، بنشر تفاصيل محادثاتنا. وقال لي في الاجتماع الأخير الذي عقدناه في حزيران 2014 «قل الحقيقة». عندما التقيته للمرة الأولى في العام 2009، كان يغوص في قراءة تفاصيل تسجيلات عن احتماعين سريين عقدا في منطقة الزبداني بالقرب من العاصمة السورية دمشق في ربيع ذلك العام. وكان من بين الحضور كبار البعثيين العراقيين الذين فروا إلى سوريا منذ الإطاحة بصدام، ومسؤولين رفيعين من الاستخبارات السورية، وعدد من كبار المسؤولين في ما كان يسمّى آنذاك «تنظيم القاعدة» في العراق. لقد طوّر السوريون علاقاتهم مع الجهاديين منذ الأيام الأولى للانتفاضة ضد الأميركيين، واستخدموهم من أجل زعزعة الأميركيين ومخططاتهم للعراق.

وقال علي الخضيري المستشار السابق للسفراء الأميركيين وكبار القادة العسكريين الأميركيين في العراق «منذ العامين 2004 و2005، بدأ الجهاديون الإسلاميون والبعثيون المشتتون بالانضمام إلى بعضهم البعض. كانوا بطبيعتهم منضبطين ومنظّمين جيداً، ويعرفون الأرض وطبيعتها. ومع الوقت، تحوّل بعض الذين كانوا بعثيين إلى إسلاميين واستعرت الانتفاضة. ومع حلول العام 2007، كان الجنرال دافيد بترايوس يقول إن هناك معلومات مؤكدة وواضحة عن التعاون بين الاستخبارات العسكرية السورية والجهاديين، رغم أن الحوافز لم تلتق بينهما 100%».

وشدّد أبو أحمد على العلاقة السورية بالتمرد العراقي وقال «جاء جميع المجاهدين من سوريا. لقد عملت مع العديد منهم. الذين كانوا في بوكا سافروا إلى دمشق، وعدد قليل منهم جاء عبر تركيا أو إيران. لكن معظمهم جاء إلى العراق بمساعدة السوريين».

وكان المسؤولون العراقيون ينظرون إلى خط الإمداد هذا على أنه تهديد وجودي للحكومة العراقية، وأنه المصدر الرئيسي للعلاقة السامة بين نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي آنذاك، وبشار الأسد. لقد كان المالكي مقتنعاً في مطلع الحرب الأهلية بأن الأسد كان يحاول زعزعة نظامه كوسيلة لإحراج الأميركيين، والإثبات الذي حصل عليه من الاجتماع في دمشق في العام 2009، زاد من كراهيته للرئيس السوري وذهب بمعاداته إلى مستوى جديد.

وقال الجنرال كمال في تلك الفترة «كان لدينا مصدر في غرفة الاجتماع مزوّد بجهاز تنصّت. كان أعلى مصدر لدينا. وبحسب معلوماتنا، كان هذا الاجتماع الأول الذي يعقد على هذا المستوى الاستراتيجي بين هذه المجموعات. لقد شكّل ذلك مرحلة جديدة في التاريخ».

واستناداً لمصدر الجنرال كمال، ترأس البعثيون الاجتماع الذي كان يهدف إلى شن سلسلة من الهجمات النوعية في بغداد، وبالتالي تقويض حكومة المالكي الشيعية في العاصمة العراقية التي كانت بدأت للمرة الأولى تمسك بزمام بعض المراكز القيادية في الحكومة بعد الحرب الأهلية. وحتى تلك الفترة، كانت «القاعدة» في العراق والبعثيون على عداء أيديولوجي شديد، لكن ازدياد سلطة الشيعة، وداعميهم في إيران، دفعهم إلى الاجتماع والتخطيط لشن هجوم كبير في العاصمة العراقية.

ومع حلول تموز 2009، عزّزت وزارة الداخلية العراقية التدابير الأمنية على جميع نقاط العبور على نهر دجلة باتجاه بغداد، ما جعل حركة المرور في جميع أوقات النهار، صعبة ومرهقة أكثر من السابق. في تلك الفترة، تلقى الجنرال كمال رسالة من مصدره في سوريا. لقد أبلغه أنه تم رصد جميع الجسور والإجراءات الأمنية على نقاط العبور من قبل مخططي الهجمات، وأنه تم تحديد أهداف جديدة لكنه لم يكن يعرف ما هي، أو متى موعد مهاجمتها. وخلال الأسبوعين اللذين تليا، كان الجنرال كمال يعمل بكد حتى أوقات متأخرة من المساء في مكتبه المحصّن في ضاحية عراسات الجنوبية من بغداد، قبل أن ينتقل بموكب مصفّح يجتاز جسر «14 تموز» الذي استهدف قبل أيام قليلة- إلى منزله داخل المنطقة الخضراء. ولبقية الشهر، ظل الجنرال كمال يمضي ساعات طويلة بممارسة الرياضة داخل مكتبه آملاً أن يتمكّن من تصفية ذهنه ليتمكن من استباق المخططين. وقال لي في الاجتماع الأخير قبل أن يتمكن المنفّذون من شن هجومهم «قد أكون أخسر بعض الوزن، لكني لا أستطيع إيجاد الإرهابيين. أعرف أنهم يخططون لشيء كبير».

هجوم إرهابي في بغداد

وفي صبيحة 19 آب، انفجرت أولى ثلاث شاحنات نقل كبيرة تجر خزانات مياه سعتها ألف ليتر مليئة بالمتفجرات، بالقرب من مقر وزارة المال في جنوب شرق بغداد. وسمع صوت الانفجار في جميع أنحاء المدينة، وبعد ثلاث دقائق، انفجرت الشاحنة الثانية بالقرب من وزارة الخارجية على الضفة الشمالية من المنطقة الخضراء، وبعد وقت قليل سُمع انفجار الشحنة الثالثة بالقرب من وزارة المالية. قتل في سلسلة الهجمات أكثر من 100 شخص وجرح أكثر من 600 آخرين. لقد كان واحداً من أكثر الهجمات الدموية خلال الانتفاضة العراقية التي قامت منذ ست سنوات.

وقال لي الجنرال كمال في ذلك اليوم «لقد فشلت. لقد فشلنا جميعنا». وبعد ساعات قليلة على التفجيرات، استدعي الجنرال كمال إلى مكتب المالكي الذي كان موجوداً برفقة مسؤوليه الأمنيين. لقد كان رئيس الوزراء غاضباً. أضاف كمال «لقد قال لي بأن أقدّم المعلومات التي معي إلى السوريين. لقد دبّرنا المسألة مع تركيا لكي تكون وسيطاً وسافرت إلى أنقرة للاجتماع بهم. لقد أخذت الملف معي، ولم يكن بإمكانهم المجادلة مع الأدلة التي لدي وأظهرتها أمامهم». لقد كانت القضية قوية والسوريون يعرفون ذلك. لقد كان اللواء علي المملوك رئيس الأمن السوري هناك. أضاف كمال «كل ما فعله هو النظر إلي والابتسام قبل أن يقول لن أعترف بأي مسؤول من دولة لا تزال تحت الاحتلال الأميركي. إنها مضيعة للوقت». لقد استدعى العراق سفيره من دمشق، وردّت سوريا باستدعاء سفيرها من بغداد. وخلال بقية ذلك العام وحتى مطلع العام 2010، ظلت العلاقات بين المالكي والأسد مسمومة.

وفي آذار 2010، وبناء على معلومة أميركية، اعتقلت القوات العراقية قائداً من الدولة الإسلامية يدعى مناف عبد الرحيم الراوي، والذي تبيّن أنه احد القادة الرئيسيين للتنظيم في بغداد، وأحد القلائل الذين يتواصلون مع زعيم الدولة آنذاك أبو عمر البغدادي. واستجوب الراوي وكشف عما يملكه من معلومات. وفي لحظة نادرة، تعاونت الأجهزة الاستخباراتية العراقية الثلاثة الرئيسية، بما فيها جهاز الاستخبارات التابع للجنرال كمال، وخططت من أجل إيصال جهاز تنصّت ورصد بواسطة الأقمار الصناعية زرع داخل باقة من الورود تم إيصالها إلى مقر أبو عمر.

وبعد التأكد من وجود أبو عمر ونائبه أبو أيوب المصري في منزل يبعد ستة أميال إلى الجنوب الغربي من تكريت، شنت القوات العراقية هجوماً بقيادة أميركية عليه. وفجّر القائدان سترتين كانا يرتديانها لتجنّب وقوعهما في الأسر. تمت مصادر أجهزة كومبيوتر وجدت فيها رسال موجهة إلى أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. وكما المنزل الآمن لبن لادن في باكستان والذي قتل في داخله بعد أقل من عام، لم يكن في منزل أبو عمر أي اتصال بواسطة الانترنت أو خطوط هاتفية وجميع الرسائل المهمة كان يتم نقلها بواسطة ثلاثة رجال فقط. أحدهم كان أبو بكر البغدادي.

وقال أبو أحمد «كان أبو بكر رسولاً لأبي عمر. لقد أصبح مساعده المقرّب. لقد كان يكتب هو شخصياً بعض الرسائل التي تنقل إلى أسامة بن لادن، لكن جميع الرحلات كانت تبدأ من عنده. وبعد مقتل أبي عمر، تولى القيادة أبو بكر. وفي ذلك الوقت أصبحنا جميعنا الذين كنا في بوكا مهمين مرة أخرى».

لقد شكّل مقتل أبي عمر البغدادي وأبي أيوب المصري ضربة قوية لـ»داعش»، لكن الأدوار التي خّلفوها سرعان ما تم ملؤها بواسطة «نادي سجناء بوكا»، والذين كانت القيادة العليا فيه قد بدأت التحضير لهذه اللحظة منذ وجودها خلف القضبان في سجنها جنوب العراق. وقال أبو أحمد «بالنسبة لنا، كان أكاديمية. لكن بالنسبة لهم كبار القادة- كانت مدرسة إدارة. لم يحدث فراغ أبداً لأن الكثير من الجهاديين تم تعليمهم داخل السجن».

وأضاف «عندما أصبحت الحرب الأهلية السورية خطيرة، لم يكن صعباً نقل كل الخبرات التي لدينا إلى ميدان معارك جديد. العراقيون أصبحوا من أهم الأشخاص في الهيكلية العسكرية ومجالس الشورى في الدولة الإسلامية، وكل ذلك يعود إلى سنوات التحضير لمثل هذه الظروف. لقد قللت من شأن البغدادي، والولايات المتحدة قللت من الدور الذي لعبته في جعله ما هو عليه اليوم».

لا يزال أبو أحمد عضواً في «داعش». وهو ناشط مهم في عمليات الدولة في العراق وسوريا. وخلال محادثاتنا، صوّر نفسه على أنه رجل متردد بالبقاء مع المجموعة، لكنه مع ذلك، غير راغب بالمخاطرة في محاولة الابتعاد عنها.

وقال إن الحياة مع «داعش» تعني السلطة، المال، الزوجات والمكانة- وجميعها مغريات لشبان لديهم قضية لكنها تعني أيضاً القتل والسيطرة بطريقة لم يعد يؤمن بها بعمق. وأضاف إن «مئات الشبان مثل الذين اجتذبوا إلى الجهاد السني عقب الغزو الأميركي، لا يؤمنون بأن المظاهر الأخيرة التي تكشّفت عن الحرب المستمرة منذ عقد من الزمن، لا تزال متعلقة بحقيقة جذورها».

وقال أبو احمد «أكبر غلطة ارتكبتها هي الانضمام إليهم»، لكن أضاف بأن ترك التنظيم اليوم يعني «أني سأقتل وعائلتي بالتأكيد». البقاء مع التنظيم وتعزيز نظرته الوحشية للأمور، رغم رفضه لها، لا تشكل مشكلة لأبي أحمد الذي يرى أن لديه خيارات عدة أخرى.

أضاف «ليس أني لم أعد أؤمن بالجهاد. لا أزال مؤمناً. لكن ما هي الخيارات التي لدي؟ إذا ابتعدت أموت».

ويختم «هناك آخرون ليسوا عقائديين» في إشارة إلى بعض كبار قادة «داعش» المقربين من البغدادي، مضيفاً «أناس ابتدأوا من بوكا مثلي. ثم كبرت القضية وأصبحت أكبر من أي منا. لا يمكن وقف ذلك الآن. لم تعد تحت سيطرة أي رجل. ليس البغدادي ولا أي شخص آخر في دائرته».

المستقبل

 

 

 

 

الصحافي السوري بين سجني «داعش» والنظام/ رنا الصباغ

حراس «مهنة المتاعب» العرب المصرون على الحياد والمهنية يلعبون بالنار الآن في منطقة تموج بالاستقطابات واحتكار الحقيقة، يرفض حكامها بقاء الصحافي في المربع الرمادي، بل يصرون على حشره في خانة: «إما معنا أو ضدنا».

من مصر إلى سورية ومن ليبيا إلى اليمن تتقلص مساحة الحرية أمام توغل أطراف النزاعات، فيما تتراجع مؤشرات جميع الدول على سلم الشفافية وحرية التعبير تحت سطوة ثنائية السلطة ورأس المال. والدول التي انحنت أمام عواصف التغيير – مثل الأردن والمغرب – ليست استثناء، فالكل في تكميم الأفواه سواء.

فكيف حال الصحافيين في سورية مذ أحيلت إلى مقبرة للصحافيين مع اشتعال المواجهات بين النظام ومجموعات تنشد إصلاحات مشروعة عام 2011، قبل أن تدخل على الخط قوى أصولية متشددة لتصادر «سلمية» الثورة وسط جبهة حرب مفتوحة على شتّى الاحتمالات؟

الصحافيون هناك يعملون في مناطق متعددة المرجعية والولاء. يستيقظون وينامون على هواجس القمع والحبس وأصوات القصف والانفجارات. يحاصرهم أنين الموت والمرض وانقطاع الماء والكهرباء ونقص الأدوية فوق انعدام الأمن والاستقرار.

يتأرجحون بين جبهتين: نظام الرئيس بشار الأسد، حيث يوصم الصحافي الذي يرفض شروط اللعبة بـ «الخائن» و «العميل» و بـ «جاسوس الصليبيين»، والقرى الخاضعة لبطش «داعش»، حيث تحظر الموسيقى والتدخين وسفور المرأة. هنا يحلل «داعش» قتل كل من لا يحمل فكره الظلامي.

في مناطق تابعة للحكومة السورية الموقتة أو ائتلاف المعارضة ومجالسها المحلية، يبقى حال الصحافيين أفضل بكثير من زملائهم في مناطق النظام أو «داعش»، ليس لإيمان أصحاب النفوذ هناك بأهمية حرية الإعلام والديموقراطية، وإنما بسبب ضعف مؤسساتهم التنفيذية والسيادية وقوة إعلام الثورة الذي يقف بالمرصاد لكل من يحاول الاستبداد بقراره. فجوّ الثورة لم يمت بعد.

كاميرا الموبايل تظل العدو الأول لنظام الأسد والعامل الأخطر منذ انطلاق الثورة. فالتظاهرات، وفق ما أعلن في أحد خطاباته، لا تزعجه بمقدار من يصورها.

كل صحافي مشتبه به حتى يثبت العكس، ما جعل سجون النظام تغص بالإعلاميين لمجرد الاشتباه أو التفكير بأنّ ما يكتبونه قد يفسر لمصلحة «المؤامرة الكونية» ضد سورية. ومن لم يقبع في الزنزانات، تعرض للتصفية أو تكسير الأطراف كما حصل مع رسام الكاريكاتور علي فرزات.

النظام لا يطيق النقد حتى أقلّه، وبات يشك في كل من حوله. رجاله الذين يتحكمون بالوجبات الإعلامية على اقتناع بأن «المتآمرين» قد يصنعون مجسمات لدمشق وللرئيس في دولة أخرى لفبركة فيلم السقوط الأخير. وفق اقتناعاتهم، قد تحمل النشرة الجوية على قناة «العربية»، مثلاً، أوامر عمليات مشفرة يتحرك المتمردون على الأرض بموجبها. كل من يتحدث في شأن النقد المحلي ونسبة التضخم يساعد المتآمرين على إسقاط النظام من خلال تدمير العملة من دون أدنى اكترات لمنطق تأثير العقوبات الاقتصادية واستنزاف الحرب. الكثيرون من الصحافيين اعتقلوا على خلفية العملة المحلية والتضخم. واعتقل آخرون لأسباب تتعلق بنشر أخبار عن القمح أو بعض المزروعات التي تعتبرها السلطات «محاصيل استراتيجية». منهم من احتجز لأنه بث فيلماً يظهر أولى طلعات مقاتلات الميغ على مدنيين عزل، حال هذا الصحافي الذي قبع في فرع الأمن العسكري في (كفر سوسة) لثمانية أشهر قبل أن يفرج عنه ضمن صفقة تبادل أسرى بين النظام والمعارضة. وهو يعمل الآن خارج وطنه مع وسيلة إعلام عربية. ألصقت به تهم تمويل ودعم الإرهاب بعد انتزاع اعترافاته بالتعذيب.

كوابيس الاحتجاز لا تزال تطارد هذا الشاب وفق ما قال في مقابلة مع كاتبة المقال، إذ كان بين معتقلين سخرّوا لنقل جثث من تمت تصفيتهم من خلال «كسر العنق» أو «طق عظمة الرقبة» يتم ذلك بتمديد المعتقل على بطنه مكبل اليدين على كرسي من حديد قبل أن يصعد السّجان عليه ويثني ظهره إلى الخلف حتى يلتقي جذعه بقدميه في زاوية قائمة.

هذا المعتقل شهد موت الكثير من النزلاء بفعل المرض والجوع. يتذكر بألم كيف كانت الجثث ترمى في الحمام، حيث يطاولها رذاذ بول السجناء قبل أن يأمروا معتقلين بحملها إلى ساحة السجن في الساعة الخامسة صباح كل يوم لرميها في «السيارة المصندقة» الخاصة بنقل الجثث إلى مقابر دفن جمعي في ريف دمشق.

لا تزال حشجرات معتقل ترن في أذن هذا الصحافي، الذي أمر برميه في سيارة الموت مع أنه لم يلفظ أنفاسه الأخيرة. وفعل ذلك فقط لينجو من تهديد كبير السجانين لكن معاناته النفسية مستمرة.

تحت وطأة «داعش»

في مسارح «داعش»، الوضع ليس أفضل، يأتمر

الصحافي بتعليماته. لا تؤخذ صورة أو ينشر مقال إلا بموافقته. تعامله مع صحافيين تابعين لمؤسسات إعلامية ثورية أو منتمين إلى تنسيقيات المعارضة، يتم عبر مصادرة أدواتهم لمصلحة مكاتب «داعش» الإعلامية، وفق ما حصل مع أحد الزملاء. وإذا خالفوا التعليمات فإن مصيرهم السجن، الجلد أو الإعدام ذبحاً حسب التهمة. أما التعامل مع صحافيين أجانب فله اعتبارات أخرى: إذ يشكلون غنيمة أو مشروع تبادل منفعة أو ورقة مقايضة. لا يفارق مخيلتنا مشهدا جيمس فولي وستيفن سوتلوف اللذين أعدما على يد «داعش». قبل أيام وبطريقة رخيصة ومقززة تعكس حجم الضغوط النفسيه عليه، خرج علينا الصحافي البريطاني المحتجز لدى «داعش» جون كانتلي لتفنيد أخبار رحيل «المجاهدين» بفعل المواجهات بين التنظيم والتحالف الدولي عن «عين الإسلام»، الاسم «الداعشي» لكوباني أو عين العرب.

زميل سوري يستذكر مأساة اعتقاله لدى تنظيم «داعش» في سجن الرقة ضمن مبنى المحافظة أشهراً قبل أن يطلق سراحه. كانت الأشهر الثلاثة كفيلة بتغيير «ملامح جسدي وفكري»، كما يقول. في هذا المكان معتقلون لا يعرف بهم العالم الخارجي. أصوات التعذيب لا تترك لك مجالاً للتفكير سوى بـ «الأنا»، مثلما كانت عليه الحال في سجون النظام، حيث أودع أشهراً لأنه نقل أحداث تظاهرة في شوارع دمشق كانت تهتف «يا درعا نحن معاكي للموت».

لا وجود للزمن داخل سجون «داعش» والنظام، كما يستذكر. فالصورة ثابتة والوقت لا يتحرك. فقط أخبار الوافدين من الخارج تبقيك على قيد الحياة وتعطيك أملاً بالخروج من قبضة السجان. القتل والتعذيب اللذان تشاهدهما يوصلانك إلى حال من البلادة أو «التَمْسَحة».

للخروج من مطرقة النظام وسندان «داعش» ينشط صحافيون مهنيون في نشر الحقيقة بأسماء وهمية وحسابات مبهمة على «فايسبوك» و «تويتر». يعملون بسرية وينشرون فيديواتهم وقصصهم، ويتحدثون إلى المحطات العالمية عبر سكايب بأسماء باتوا مشهورين بها لكنها وهمية.

النظام و «داعش» يتمنيان القبض عليهم. بعضهم يغذي فضائيات «الجزيرة» و «العربية» و «سكاي نيوز» بتقارير من جوبر والمليحة وداريا، بل ومن قلب دمشق من دون أن يستطيع النظام التعرف إلى أشكالهم الحقيقية. و «داعش» يضيق ذرعاً بمجموعة إعلاميين ناشطين من قلب الرقة، باتوا يضايقون التنظيم بتقاريرهم تحت عنوان «الرقة تُذبح بصمت».

زميل في مدينة سراقب – عقدة الوصل بين إدلب وحلب – يستيقظ كل يوم على صفارات الإنذار التي تنبّه إلى اقتراب مروحيات في سماء مدينته على وشك تنفيذ هجوم أو إسقاط براميل متفجرة. يخطف إنترنت وحاسوبه الشخصي المركب بساتلايت والمشحون ببطاريات ليراقب المشهد ويغطيه بتقارير موثقة. لم يعد يفرّق بين الحياة والموت، ويقف مكتوف اليدين أمام صرخات الأمهات والأطفال لأنهم يترددون في الحديث إلى الإعلام خشية كشف مناطق نزوحهم، أو لأن الإعلام عجز عن تغيير الرأي العام الدولي أو حتى المحلي من أجل نجدة أهل سورية.

هذه الصورة الكئيبة تؤطرها تصنيفات لجنة حماية الصحافيين الدولية، وفق تقريرها الصادر عام 2014. ظلت سورية للسنة الثانية البلد الأشد فتكاً بالصحافيين الذين يواجهون تهديدات جديدة بعد أن عززت الجماعات الإسلامية المتطرفة نفوذها في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، واحتدام الاقتتال في ما بينها.

اختطف عدد غير مسبوق من الصحافيين عام 2013، ويعتقد أن عدداً كبيراً منهم محتجز لدى تنظيم «داعش» المرتبط بالقاعدة. لكن عمليات الخطف والترهيب لا تقتصر على هذه المجموعات المتطرفة. فالفصائل المسلحة المرتبطة بالنظام وتلك المرتبطة بقوات الثوار، متورطة أيضاً في انتهاكات ضد الصحافة بما في ذلك عمليات قتل واحتجاز. وعلى امتداد العام نجحت الجماعات المسلحة في إسكات الأصوات المعارضة والإفلات من العقاب.

وسط هذه التحديات يواصل الصحافيون السوريون «الجهاد بالقلم» لكشف الحقائق بعد تناقص عدد الصحافيين المحليين والأجانب المستعدين لتحمل الأخطار من أجل تغطية الحرب في سورية. ويستمر فرار الصحافيين السوريين إلى المنافي خشية تعرضهم للبطش والقتل.

* المديرة التنفيذية لشبكة «إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية» www.arij.net

 

 

 

نسبة مؤيدي «داعش» بين مسلمي أوروبا أعلى من نسبتهم بين مسلمي الشرق/ محمد خلف

لا يكاد يمر يوم من دون أن يخرج مسؤول أوروبي رفيع من الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ليعلن وجود مواطنين يحملون جنسية بلاده يقاتلون في صفوف الدولة الإسلامية (داعش)، والجماعات الجهادية الأخرى، ويقول منسق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل دي كريشوف إن عدد هؤلاء يرتفع باستمرار بحيث وصل حتى الآن إلى أكثر من 3 آلاف مقاتل يشكلون بتأكيده تهديداً خطيراً لأمن مجتمعاتهم بعد عودتهم إلى بلدانهم، وقد اكتسبوا خبرات ومهارات في العمل الإرهابي. وهذا يحصل أيضاً في سويسرا وأستراليا وجميع دول البلقان وحتى في الصين وماليزيا وإندونيسيا والهند والباكستان وغيرها.

تواجه الحكومات الأوروبية تحديات كبيرة نتيجة تنامي التيارات الإسلامية المتشددة في مجتمعاتها التي لا تعاني من التعصب الديني وينعدم فيها في شكل كامل دور الكنيسة في الحياة السياسية، بفضل دساتيرها التي تبعد الدين عن السياسة وهو ما جعلها متيقظة وحساسة إزاء الجاليات الإسلامية، خصوصاً بعد العمليات الإرهابية في مدريد ولندن وبلجيكا والسويد وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي. واعتبر تقرير أصدرته الوكالات الأميركية الـ16 في عنوان (اتجاهات الإرهاب العالمي وتداعياته على الولايات المتحدة) أن أوروبا أصبحت بؤرة مركزية يستخدمها الجهاديون للهجوم على المصالح الغربية» و «أن الخلايا المتطرفة داخل الشتات الإسلامي الواسع في أوروبا، تسهل عمليات التجنيد وشن الهجمات في المدن كما حدث في واشنطن ونيويورك وبرلين ولندن وغيرها». ونبه الخبير السويسري في قضايا الإرهاب دورون زيمرمان حكومات أوروبا إلى أن «دولها تقف على قنبلة أمنية موقوتة لافتقارها إلى ميكانيزم يتيح التصدي لخطر التطرف الإسلامي».

وتنشط حملات تجنيد الإسلاميين في بعض المساجد التي تنتشر في مدن أوروبا، وكثير منها سري وليس مرخصاً، ويتحدث تقرير صادر عن دائرة منسق الإرهاب الأوروبي عن أربع مجموعات ناشطة في هذا المجال هي: «المجموعة السلفية للدعوة والقتال، والمجموعة الإسلامية للمقاتلين المغاربة، والتكفير والهجرة، والدولة الإسلامية». ورصد تقرير أعدته لجنة الأمن والدفاع في البرلمان الهولندي «أن خلايا الإسلام المتشدد تعمل لجذب النساء إلى صفوفها وتجنيدهن للعمل الجهادي المسلح».

وتواجه بعض البلدان الأوروبية التي فيها أقليات أو جاليات مسلمة، أخطار نشوب توترات على أساس ديني، وهو ما حذر منه الخبير الأميركي في قضايا الإسلام روبرت سبنسر الذي يترأس مؤسسة (جهاد ووتش) المختصة بدراسة ظواهر التطرف الديني في العالم، مشيراً إلى أن التوتر بين المسلمين والمسيحيين في أوروبا يتنامى باضطراد مهدداً بتكون ما سماه في تقريره «جيوباً إسلامية»، في شكل خاص في ألبانيا ومقدونيا والبوسنة التي يشكل فيها المسلمون فيها نسباً، هي على التوالي 70 في المئة و30 في المئة و60 في المئة من عدد السكان الإجمالي». ويتحدث سبنسر عن توجهات مثيرة للقلق في أوساط هذه المجوعات وهي ميلها إلى الانعزال في غيتوات دينية وإثنية في ضواحي المدن الأوروبية مورداً كمثال على ذلك ما سماه» الغيتو الإسلامي والحلقات العرقية المرتبطة به في الضواحي التي تحيط بالعاصمة الفرنسية باريس». وقالت جريدة (لوسوار) الصادرة في بروكسيل، إن الكثير من الرعايا البلجيكيين يقاتلون في صفوف «القاعدة» في سورية والعراق. وأشارت إلى البلجيكية موريل دغوك التي فجرت نفسها في العراق خلال فترة الاحتلال الأميركي». وموريل كانت بدلت اسمها إلى مريم بعد تزوجها بمغربي يحمل الجنسية البلجيكية قتل هو الآخر في العراق أثناء تنفيذه هذه العملية. وفي ألمانيا حيث توجد واحدة من أكبر الجاليات الإسلامية في أوروبا، حيث يزيد عدد أفرادها على ثلاثة ملايين مسلم، تعمل تنظيمات متشددة من أجل تقويض نظام القيم الذي ينص علية الدستور الألماني بوسائل إرهابية، وفق ما ورد في التقريرالسنوي لجهاز الاستخبارات الداخلية الذي يظهر من محتواه أن هذه التيارات المتطرفة تنشط لإقامة مساحات حرة للعيش بمقتضى الشريعة».

مراكز بحوث وبيانات صادمة

وتولي مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية في أوروبا وأجهزة استخباراتها المختلفة اهتماماً مركزياً لقضية الإسلام المتشدد وسط جالياتها الإسلامية. ويشير الخبير الألماني بقضايا الإرهاب الدولي رولف توبهوفن إلى وجود 40 ألف إسلامي متشدد في أوروبا يهددون أمنها القومي بينهم 13 ألفاً في ألمانيا و10 آلاف في بريطانيا، فيما يتوزع الآخرون على الدول الأخرى. وهذه التفاصيل تجعل من الحكومات الأوروبية مرتبكة وقلقة، وعاجزة عن فهم هذه الظاهرة، ما يجعل من إجراءاتها وقراراتها لمواجهتها في كثير من الأحيان، مثيرة للسخرية. ولعل المشكلة الأكثر تعقيداً هي أن أفراداً من الجاليات العربية والإسلامية ليسوا هم وحدهم من يسافر للجهاد العالمي، فلقد تبين أن شباناً مسيحيين من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا وهولندا وغيرها يعتنقون الإسلام، وينضمون للقتال في صفوف «داعش» و «جبهة النصرة» وغيرهما، ويرتكبون الفظائع والجرائم نفسها بما فيها حز رؤوس (الكفار)، وهذا يفرض أيضاً ضرورة البحث عن العوامل والأسباب التي تدفع مواطنين مسيحيين إلى الجهاد العالمي وارتكاب أفعال شنيعة وغير إنسانية ومدى ارتباطها بالأزمات التي تعيشها المجتمعات الأوروبية، وربما بوصول الثقافة الأوروبية إلى طريق مسدود!

إن عجز الدول الأوروبية عن إيجاد الحلول الفعالة يزيد من الارتباك والتخبط وعدم القدرة على المواجهة. فمشكلة التطرف في أوساط الجاليات العربية والإسلامية في المجتمعات الأوروبية ليست جديدة، ولكنها كانت محدودة وضعيفة، ولم تنظر إليها المؤسسات المعنية بجدية، وهي منذ سنوات تشهد تصاعداً، وتتمدد ومعها تبرز ظاهرة موازية هي التطرف المسيحي الأصولي والتشدد القومي الشوفيني والكراهية الدينية والإثنية تجسدها أحزاب أوروبية يتعزز نفوذها في الواقع الاجتماعي والسياسي وتحقق إنجازات فعلية في الانتخابات، وممثلوها يحتلون الآن مواقع مؤثرة في البرلمانات الوطنية والبرلمان الأوروبي وبمقدورهم التأثير في مسارات القرارات والقوانين التي تهدد المشروع الأوروبي الرافض العنصرية والكراهية الدينية والعرقية والساعي إلى مجتمعات متعددة الدين والثقافة. وفي الواقع لم تخطئ المستشارة الألمانية مركل حين أعلنت قبل فترة فشل مشروع اندماج المهاجرين في بلدها، وهذا للأسف هو حال جميع مشاريع وبرامج الاندماج الأوروبية، بما في ذلك السويد التي كانت تعد النموذج الناجح والمتطور لاندماج المهاجرين وبناء مجتمع متعدد الثقافة.

في استطلاع أعِد قبل 4 سنوات في النمسا شارك فيه 500 من أفراد الجاليات العربية والإسلامية أعلن 76 في المئة منهم أنه يصنف نفسه على أساس الدين الإسلامي وليس الجنسية التي يحملها، فيما قال 79 في المئة منهم في ردهم على سؤال عن موقفهم من الدولة التي يحملون جنسيتها أنهم يعتبرونها (عدو)! وينقسم المسلمون في النمسا إلى أربع مجموعات وفق تصنيف أعدته وزارة الداخلية وهي: (متزمتة دينياً وتشكل 18 في المئة) و (دينية تقليدية 27 في المئة) و (معتدلة 31 في المئة) و (علمانية 24 في المئة). ويبلغ عدد مســـلمي النمسا حوالى 400 ألف نســمة من مجمــوع 8 ملايين، أي أن نسبتهم 4.35 في المئة من مجموع السكان الكلي. وتكشف بحوث أعدتها مؤسسات مختصة «أن 45 في المئة من المســلمين في النمسا يرفضون الاندماج في المجـــتمع ولا يوجد في هذا فروق بين من يعتـــبرون جيـــلاً ثالثاً أو أول ولا في الأصـــول بين من قدم من تركيا أو الشيشان أو الدول العربية».

ووفقاً لنتائج استطلاع قام به مارك سيغمان الباحث الأميركي في مجال الإرهاب والطب النفساني، وشارك فيه 400 شخص مرتبطون بـ «القاعدة» في الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا وشمال أفريقيا وأوروبا فإن «85 في منهم أصبحوا متشددين في الغرب وليس في بلدانهم الأصلية». وتقول الباحثة في هارفارد جيسكا شتيرن: «إن كثيرين من الإرهابيين الشباب الذي تطوعوا للقيام بعمليات انتحارية، نما فيهم التطرف نتيجة شعورهم بالذل والتهميش في المجتمعات الأوروبية».

سويسرا وأستراليا: تعددية إرهابية

وحتى سويسرا التي تعتبر واحة للاستقرار والثروة أصبحت تخشى من تمدد أصولي في أراضيها وتهديده أمنها القومي، ما استدعى وفق تقرير أصدرته وزارة الداخلية الفيديرالية من الأجهزة الأمنية تكثيفاً للمراقبة والمتابعة لمواجهة التكتيكات المتغيرة في عمل المجاهدين الإسلاميين داخل البلاد بعد أن كان يقتصر على الداخل. أستراليا البعيدة جغرافياً عن مركز الفكر الإسلامي المتشدد لم تسلم هي الأخرى من امتداد تأثيراته إلى أراضيها وأعلن المجلس الاستشاري الإسلامي في البلاد وجود ثلاثة آلاف خلية عقائدية نائمة.

تكشف الأحداث والمتغيرات التي يعيشها العالم الآن حقيقة أن قضايا الهوية، بمعنى اللغة والدين والتراث الثقافي ستلعب دوراً مركزياً في السياسة داخل كل دولة وعلى مستوى العالم. الثقافات تمثل الخلفية العميقة للصراعات التي نعيشها اليوم. لا شيء أكثر من نزاعات الهوية بمقدوره أن يشحن المشاعر في الزمن الراهن. ظهور «القاعدة» وتنظيم الدولة الإسلامية و «طالبان» و «بوكو حرام» وغيرها من الجماعات الجهادية هو نتيجة لظاهرة العولمة وهي نتاجات جديدة مثلها مثل مايكروسوفت ويوتيوب وتويتر وفايسبوك. فمع تنامي الدور الذي تلعبه العولمة في إزالة الحدود ومحو ما يعرف بالسيادة الوطنية للدول، وتطور الإنجازات العلمية والتقنية والتكنولوجية للعالم الغربي تتعمق أزمات المجتمعات العربية والإسلامية التي ترضح لعقود متواصلة لأنظمة استبدادية قمعية وشبكات مافيات وأوليغارشية متحالفة مع السلطات تستخدم الدوغما الدينية لإبعادها من قضاياها ومشاكلها الملحة، وهي أنظمة كانت حليفة للغرب وتحظى بدعمه، لهذا فالسخط والغضب موجه إلى الطرفين وبمستوى أكبر للغرب الذي يظهر مدافعاً عن القيم الديموقراطية وحقوق الإنسان.

تشعر المجتمعات العربية والإسلامية بالمذلة والإهانة والتهميش والتخلف والفقر، ولكنها بدلاً من أن تبحث عن العلل والأسباب في عجزها وتخلفها وتعاطيها مع منجزات الحضارة العالمية، توجه اتهامها للغرب المسيحي الذي يريدها متخلفة، والاستعمار الكولونيالي والإمبريالية والصهيونية العالمية، وهي مفردات ومفاهيم كرستها الأنظمة الحاكمة في وعي هذه المجتمعات عبر الأجيال من خلال منظومة التعليم.

إن البيانات التي تعلنها مؤسسات الاتحاد الأوروبي المختصة بالأمن ومكافحة الإرهاب الدولي، صاعقة فهي تكشف أن الجيل الجديد من جهاديي «الدولة الإسلامية» من أوروبا تتراوح أعمارهم بين 16 و25 سنة، فيما كانت أعمارهم لدى «القاعدة» ما بين 30 و45 سنة، وتشير إلى أن غالبية هؤلاء من حاملي الشهادات العليا، ولكن من دون عمل مع أنها تمتلك المال الكافي لتمول بنفسها الانتقال إلى تركيا، ومن هناك إلى ساحات القتال في سورية والعراق.

في استطلاع أعدته مؤسسة (غالوب) تبين أن نسبة 44 في المئة من المتطرفين تلقوا تعليماً جامعياً أو أنهوا الثانوية العامة فيما لم تتجاوز نسبة من تلقوا تعليماً ابتدائياً من المتطرفين 23 في المئة فقط». وتوصل تحليل عالمي تناول أكثر من مليون منشور إلكتروني باللغة العربية إلى «أنا عداد مؤيدي داعش» بين مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي المتحدثين باللغة العربية في بلجيكا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة يفوق أعداد نظرائهم داخل معاقل الجماعة في سورية و العراق.

وفي إطار ما يعد أول بحث شامل لمؤيدي هذا التنظيم الدموي الاكبر في العالم ومعارضيه، توصل أكاديميون إيطاليون إلى أنه على امتداد ثلاثة أشهر ونصف منذ تموز (يوليو) وحتى تشرين الأول (أكتوبر)، إلى استنتاج مفاده أن المحتويات التي نشرها أوروبيون عبر موقعي «تويتر» و «فايسبوك» أكثر تأييداً لـ «داعش» من المحتويات المنشورة من داخل الدول الواقعة على خط المواجهة في الصراع الدائر مع التنظيم. ففي سورية على سبيل المثل أعلن ما يقارب 92 في المئة من التغريدات والمدونات والتعليقات عبر المنتديات، رفضاً مطلقاً وعداء كبيراً لمقاتلي التنظيم الذين اجتاحوا مناطق واسعة من البلاد وأعلنوا ما يسمى دولة «الخلافة» الدينية.

الخلافة والجهاد الأوروبي

ويسعى الجهاديون في أوروبا كغيرهم في القارات الأخرى من خلال العنف إلى إعادة نمط حكم الخلافة الإسلامية. ويرى الخبير ستيفن آلف في مؤسسة «جيمستاون»، «أن الخلافة هي رمز جميع الإسلاميين الأصوليين»، وقال: «إن هذه الحركات ترى أن العالم العربي يمتلك ثروات كبيرة كالنفط ولكن تنقصه القيادة التي تلتزم حكم الشريعة الإسلامية وتتبع الجهاد الذي يخشاه العالم، وأن عودة الخلافة ستشجع المزيد من الناس على اعتناق الإسلام». وتقول الخبيرة في معهد «هادسون» زينو براون: «إن رسالة هذه المجموعات تقول للمسلمين في أوروبا إن عليهم خلق مجتمعات موازية وإنه لا يجدر بهم اتباع نمط الحياة الغربية». وكان الصحافي في جريدة «كريستين ساينس مونيتور» الأميركية جايمس براندون نقل في أحد تقاريره قبل سنوات عن إسلاميين أجرى معهم حوارات في الأردن، طموحهم ورغبتهم في «إلغاء الحدود بين دول العالم الإسلامي لتأسيس دولة الخلافة الإسلامية التي ستمتد من إندونيسيا إلى المغرب وتضم أكثر من 1.5 بليون مسلم».

* كاتب وصحافي عراقي مقيم في صوفيا

الحياة

 

 

 

 

النفط سبب للصراع بين داعش والكرد في القامشلي/ سميان محمد

ترتب على انسحاب النظام السوري من حقل الجبسة في الشدادي لصالح تنظيم الدولة الإسلامية، وحقل رميلان لصالح حزب الإتحاد الديموقراطي، في محافظة الحسكة، أن ترك المناطق الممتدة بين الحقلين ساحة صراع بين الطرفين منذ أكثر من سنتين. وتمتلك تلك المناطق كافة مقومات استمرار الصراع، حيث يتداخل فيها نشاط كل من التنظيم والحزب، فضلاً عن وقوعها على الحدود العراقية، حيث يقوم كلا الطرفين بتهريب النفط إلى الأراضي العراقية.

وجود الكثير من الآبار النفطية المهمة، كتلك الواقعة جنوبي بلدة الجوادية (علي آغا ، كرهوك)، أهّلها لتكون مسرحاً للصراع بين تنظيم الدولة وحزب الإتحاد الديموقراطي، أكثر من مرة. وتتوزع الآبار بشكل أساسي، ابتداء من الريف الجنوبي لمدينة القحطانية “تربسيبيه”، مروراً ببلدة الجوادية وانتهاء بمدينة رميلان، حيث تشكل حقلاً رئيسياً على مستوى سوريا وريفها الشرقي والجنوبي، يتواجد فيه أكثر من ألف بئر، كما يتواجد في الريف الجنوبي لحقل رميلان محطات لتجميع النفط الخام كالسويدية، كراتشوك وكزيرو.

وكان حزب الإتحاد الديمقراطي قد سيطر على تلك المنشآت النفطية بعد انسحاب النظام السوري من منطقة القامشلي في 19 تموز/يوليو 2012. واقتصر وجود النظام الأمني والعسكري على المربع الأمني في مدينة القامشلي، ووكّل مهمة ملاحقة ناشطي المعارضة للقوات العسكرية والأمنية التابعة لحزب الإتحاد. وذلك بعد أن عقد النظام صفقات اقتصادية مع الحزب، تفوضه حراسة المنشآت النفطية وفق عقود سنوية، بعد أن حظر المجتمع الدولي شراء النفط السوري. معظم الآبار النفطية توقفت عن الإنتاج، وبقي القليل منها ليستخدم في انتاج الوقود، من خلال المصافي البدائية “الحراقات”، التي أقامها الحزب في محطتي كرزيرو وكراتشوك، وتلك التي أنشأها الأهالي في قرى الريف الجنوبي لبلدتي الجوادية والقحطانية، حيث يقومون بشراء برميل النفط الخام من الحزب بمبلغ ألفي ليرة سورية.

القيادي في حزب الإتحاد الديمقراطي ألدار خليل، أكد سابقاً بأن الأكراد “سعوا إلى ضخ النفط عبر الأنابيب المخصصة لها إلى المصافي الحكومية، مقابل الحصول على مادة الغاز وموارد أخرى تفيد أبناء المنطقة، إلا أن المجموعات المسلحة لجأت إلى تفجير هذه الخطوط إمعاناً في سياستها الساعية إلى خنق المنطقة”. وأضاف بأن تلك الاتفاقيات كانت “تكتيكية بهدف تحييد المنطقة الكردية من نيران المعارك”.

ومنذ عام ونصف، أسَّس حزب الاتحاد شركة “توزيع محروقات الجزيرة” لتمارس الاختصاصات ذاتها التي كانت تقوم بها سابقاً شركة “سادكوب” الحكومية، بعد توقف الأخيرة عن العمل، بالتزامن مع توقف الآبار النفطية نهائياً عن الإنتاج في 8 آذار/مارس 2013. وأوضح الإداري في شركة توزيع محروقات الجزيرة علوان مصطفى، في وقت سابق لوسائل الإعلام “هناك مجموعة من الآبار ذاتية الدفع نقوم باستخراج البترول الخام منها، وتكريرها في مصافٍ كهربائية عدة، قمنا بشرائها على نفقتنا الخاصة وبيع المشتقات النفطية بأسعار رمزية لمحطات البيع والمواطن”. ويبلغ إنتاج هذه الآبار، ذاتية الدفع، ما يقارب 400 ألف ليتر من مادة المازوت يومياً، (سعر الليتر 30 ليرة سورية)، إضافة إلى 150 ألف ليتر من مادة البنزين، التي يصف علوان جودتها بالـSuper، مقابل 150 ليرة سورية لليتر الواحد.

صاحب إحدى المصافي البدائية “الحراقة” أحمد قور، مواطن من قرية أبو مناصب، القريبة من معبر اليعربية “تل كوجر” الحدودي، يقول إنه يبتاع النفط من أصحاب الصهاريج، الذين بدورهم يشترون النفط الخام من المنشآت النفطية التابعة إما لتنظيم الدولة، أو لحزب الإتحاد الديمقراطي. وأضاف بأن منطقة جزعة، كان يسيطر عليها تنظيم الدولة، قبل أن يسيطر عليها مقاتلو حزب الإتحاد الديمقراطي قبل أكثر من شهرين.

يحرص الميسورون من أهالي المنطقة الممتدة بين معبر تل كوجر ورميلان، على شراء الصهاريج والعمل في مجال نقل النفط الخام وخاصة بعد تزايد الطلب عليه. ويؤكد صاحب أحد تلك الصهاريج، وجود أكثر من سبعين صهريجاً لنقل النفط الخام في قريته سبع جفار شمالي اليعربية قرب الحدود السورية. ويقوم أصحاب الصهاريج بتوزيع النفط إما لأصحاب المصافي البدائية، أو ينقلونها ليلاً إلى الأراضي العراقية وتركيا، حيث يباع البرميل بحوالي 15 دولاراً. كما أن ثمة صهاريج أخرى مخصصة لتهريب المازوت.

وأكد صاحب الصهريج بأن المنطقة تشهد منذ حوالي شهر تقريباً، استقراراً تاماً بعد أن قامت قوات البيشمركة بالتعاون مع وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الإتحاد، بتحرير معبر ربيعة الحدودي من مقاتلي تنظيم الدولة. ونوه إلى عدم وجود مخاطر عليهم، إن استمروا في نقل النفط ليلاً، مشيراً إلى تعرض محطة كرزيرو للقصف من قبل قوات النظام، قبل ستة أشهر. وذلك في الوقت الذي كانت عملية نقل النفط الخام إلى العراق تتم نهاراً، فيما اعتبر إنذاراً من قبل النظام، بعدم نقل النفط إلى الأراضي العراقية.

تعتبر تجارة النفط الخام ومشتقاته مكوناً اقتصادياً رئيسياً، رسخ من خلاله حزب الإتحاد وتنظيم الدولة سيطرتهما في سوريا. وهذه التجارة تشكل أبرز عوامل الصراع بينهما، وذلك في إطار سعي كل طرف لتوسيع نفوذه على حساب الآخر، خاصة بما أن المناطق المتداخلة بين الطرفين، تتميز بكونها مناطق غنية بالنفط، ومن المرجح أن تشهد تلك المناطق تقلبات سياسية، وحالة عدم استقرار أمني بشكل دائم.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى