سميرة المسالمةصفحات سورية

درعا وحدود “سورية المفيدة”!/ سميرة المسالمة

 

 

يخوض النظام السوري آخر معاركه، ضمن خريطة ما يسميه “سورية المفيدة”، في درعا، التي كان تحدث عنها رئيس النظام أكثر من مرة، وخاصة في خطاب تموز عام 2015، الذي اعتبر فيه أن “الوطن لمن يدافع عنه، وليس لمن يسكن فيه ويحمل جنسيته”، وقد حدد، أيضاً، مناطق اعتبرها الأكثر أهمية للدفاع عنها، ومناطق دون ذلك يمكن التخلي عنها. وقتذاك ضجّت وسائل الاعلام حول هذا الأمر، ثم عادت المعارك اليومية لتتصدر الأخبار، إلا أن النظام ومعه إيران كانا يسيران باتجاه تطبيق مخطط “سورية المفيدة”، على مسارين:

أولهما، المسار الديمغرافي حيث تيسره وتمكنه عمليات التهجير من خلال إحلال بيئة شعبية مناصرة له بديلة عن بيئة شعبية يعتبرها بمثابة حواضن للثورة، بدأ ذلك في ريف دمشق الغربي وحمص متابعا طريقه إلى حلب.

ثانيهما، المسار الجغرافي حيث استطاع، من خلال المعارك الوحشية التي ساندته بها كل من روسيا جواً وإيران أرضاً عبر ميلشياتها الطائفية المتعددة من حزب الله وفاطميون وزينبيون وعصائب الحق وغيرهم، من قضم مناطق المعارضة وفق خريطة واضحة. وطبعا فإن فصائل المعارضة العسكرية لم تستطع مواجهة ذلك المخطط إن بسبب امكانياتها المحدودة، او بحكم ارتهاناتها أو القيود المفروضة عليها، بل إن بعضها أسهم بطريقة أو بأخرى، بتسهيل مهمة النظام في بعض مناطقها، (ريف دمشق) من خلال انشغالها في معاركها البينية مع بعضها بعضاً، والتي أفقدتها صدقيتها وحاضنتها الشعبية، كما أفقدتها بوصلة حراكها، مرة بتفاهماتها وتوافقاتها مع جبهة النصرة المصنفة إرهابية، ومرة بعقد صفقات خارج اطار الموافقة الشعبية، وثالثة بالمشاركة في محادثات الآستانة التي نفذت مهمة قطع الطريق على مسار جنيف التفاوضي من أجل حل سياسي، لتترك الفرصة متاحة للحل العسكري تحت غطاء وقف اطلاق النار أو تخفيض مناطق التوتر.

ووفقاً لذلك فإن لمعركة درعا أهمية وجودية لكل الأطراف المشاركة أو المتفرجة، فالنظام ومعه إيران، وهي إحدى الدول الضامنة لاتفاق مناطق خفض التوتر، يستكمل طريقه إلى الحدود الأردنية منتهجاً كل ما يستطيعه من عنف وتدمير وقتل، بحيث أخرج المدينة من صلاحيتها كمكان للعيش، إذ تحولت اليوم إلى مجرد موقع جغرافي متنازع عليه لهدف استراتيجي، قوامه وصل أجزاء سوريته المزعومة مع بعضها، وتمكين إيران من البقاء في منطقة التوتر الدولي حيث إسرائيل على الحدود والإدارة الأميركية. وإذا ربطنا ذلك مع الاجتماعات السرية والصمت المريب على ما يحدث على حدود البادية غرباً نجد أنفسنا أمام تساؤل عن حقيقة مزاعم الإدارة الأميركية بشأن تحجيم دور إيران في المنطقة، في الوقت الذي تستطيع فيه، رغم تواجد القوات الأميركية، فتح طريق إلى الحدود العراقية بعرض 5 كلم من التنف إلى البادية، وتتركز قواتها على الحدود مع الأردن وإسرائيل.

أما الطرف الآخر في هذه المعادلة فهم المقاتلون من أبناء منطقة حوران الذين يدافعون اليوم بشراسة عن مهد الثورة، مع إدراكهم حجم الكارثة في حال خرجت درعا من معادلة الصراع، رغم أن هذه المعركة تمول من أبناء المحافظة دون امدادات لها من أي جهة داعمة حسب تصريحات مقاتلين من الداخل.

اما الطرف الثالث الذي تشير إليه منشورات الناشطين الإعلاميين فهو يتمثل بالفصائل المشاركة في اجتماعات الآستانة والتي لا تريد خسارة دورها التفاوضي على مستقبل سوريا، وهي المشاركة برسم خريطة سورية المفيدة في ذلك الاتفاق، عن قصد أو من دونه.

لن يوقف النظام معركته حتى يتمكن من تأمين الطريق الدولي من الأردن حتى دمشق، وهذا يعني متابعة حملته للسيطرة على المناطق الواقعة شرق الطريق وربطها بالمناطق التي تقع تحت سيطرته في مدينة السويداء، بالإضافة الى سعيه للسيطرة على مناطق غرب الطريق، بعرض لا يقل عن ثلاثة كيلومترات بهدف تأمين طريقه وصولا للمنطقة، التي ماتزال تبعيتها مجهولة وفق الخريطة التي رسمت في الآستانة، وهي الممتدة من خط الجبهة في نوى (حيث اقتتال الفصائل المعارضة في ما بينها الان)، وحتى الجولان المحتل غرباً إلى أطراف ريف دمشق ومحافظة القنيطرة شمالاً.

السؤال اليوم، أيضاً، لمن ستكون أيضاً تبعية المنطقة الممتدة من التنف شمال شرق البادية إلى جنوب شرق السويداء؟

باختصار، فإن معركة درعا تعيد رسم خريطة “سوريا المفيدة” جنوباً، بعد ان أصبحت الخريطة الجديدة شمالاً قيد الإنجاز، تاركة أحلام من تقاسموها في الآستانة تتبخّر مع دخول قوى وأطراف جديدة في المعادلة بإرادة أميركية وصمت دولي وحيرة السوريين أمام مصير سوريا التي ما عادت كما يعرفونها أو تلك التي خرجوا من اجلها.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى