صفحات مميزة

دروس من التاريخ الوطني لمسيحيي سورية والمشرق


جريس الهامس

إلى دعاة التخاذل والتبعية لنظام القتلة واللصوص الأسدي سواء كانوا من رجال الدين المسيحي , أو من المدنيين والعسكريين المتواطئين مع أجهزة الإستبداد والقمع والنهب .. أو من شراذم أحزاب جبهة شهود الزور المرتزقة التابعة لمخابرات النظام وحزبه القائد ..

وإلى البسطاء من أبناء شعبنا المخدوعين بأكاذيبهم الطائفية التي زرعها النظام الأسدي ضد ثورتنا السورية الوطنية والديمقراطية التي حطمت جدران الإستبداد والخوف والطائفية التي بناها النظام طيلة 40 عاماً .. ووحدت النضال الوطني لبناء سورية البرلمانية الديمقراطية الحرة .– رغم كل محاولات الإسلام السياسي المتمثل في الإخوان المسلمين والمتحالفين معهم مهما كان إسمهم وعنوانهم — محاولات تجيير الثورة لحسابهم وحساب أسيادهم ومموليهم التي باءت كلها بالفشل ,, ورغم مسرحية الجامعة العربية ومراقبيها المعروفة المرامي والنتائج ,, بقيت ثورتنا كالعنقاء شامخة تكتب بدماء شهدائنا ملحمة الحرية والوحدة الوطنية الديمقراطية السورية..بل تكتب دستورنا الجمهوري البرلماني العلماني المنشود … وتنتقل من نصر إلى نصربسواعد وهمّة شبابنا وشعبنا التي لاتساوم على الكرامة ولا تلين أمام العواصف ,,, هازئة بالأعداء أولاً ومشفقة على الجبناء والإنتهازيين ومثقفي الأبراج العاجية تجار المعارضة ثانياً..

إلى كل هؤلاء أتابع محطات من دور المسيحيين الشرقيين في إستعادة عروبتنا وإستقلالنا الوطني من فم التمساح التركي الذي اغتصب بلادنا مع سابقه المملوكي خمسة قرون متواصلة تحت كابوس همجي رهيب صحًر أرضنا وجبالنا الخضراء, كما صحّر عقول الناس وساق الملايين من شبابنا جنوداً ليموتوا في جبهات غزوه للعالم القديم حتى وصل إلى أبواب فيينا شمالاً وإلى القرن الأفريقي جنوباً ؟

وكان للمسيحيين الشرقيين شرف التمرد على الإستبداد التركي والفرار من الجندية العنصرية الهمجية .. رغم عقوبة الإعدام التي كانت تنتظرهم إذا وقعوا بأيدي الأتراك الوحوش وأذكر على سبيل المثال لا الحصر :: إعدام الشابين الشجاعين – بركات أبوسكة – ومحمد ياسمينة , لفرارهما من الجندية في ساحة قرية صيدنايا الصغيرة عام 1914 أمام أهلهم وذويهم ..

وقاد رجال الفكروالدين المسيحي حملة الحفاظ على اللغة العربية واّدابها ضد سياسة التتريك العنصرية الشوفينية الوحشية التي هيمنت ومازالت تهيمن على العقل السياسي التركي المغولي الأصل الذي أحتل حضارة الإمبرطورية الأولى في العالم وحولها لخدمة هذه العنصرية ,,فهم الذية يضطهدون الشعب الكردي في الشرق والشعب العربي في لواء اسكندرون وكيليكيا المحتلين ويسلبون من الشعبين أبسط الحقوق القومية والإنسانية والثقافية ..

وصان المسيحيون المشرقيون اللغة العربية وتراثها في الكهوف والأديرة كما حملوا إلى حلب أول مطبعة باللغة العربية في أوائل القرن الثامن عشر وكان لكتابات : الشيخ بطرس البستاني وقاموسه الشامل ( محيط المحيط ) وإبراهبم اليازجي ورائعته ( مجاني الأدب – وقواعد اللغة العربية ) وفارس الشدياق , وجرجي زيدان …وماري عجمي أديبة سورية الكبيرة .. وغيرهم الكثير أطيب الأثر ضد سياسة التتريك العنصرية ..

وكان لهم القدح المعلاّ والراية ,والريادةفي عقد المؤتمر السوري الوطني الأول في باريس عام 1915 الذي وضع اللبنات الأولى للتحرر من الإحتلال التركي وكان في طليعة المؤتمرين شهداء السادس من أيار 1916 الذين أعدموا بعد محاكمة صورية في عالية بلبنان أشرف عليها جمال السفاح والسفاحين أنور ونيازي وهم جميعاً أعضاء في المحفل الماسوني في سالونيك.. وتقاسم المسلمون والمسيحيون الإستشهاد على أعواد المشانق مناصفة تقريباً في ساحة المرجة بدمشق وساحة الشهداء في بيروت …كما إشتركوا في تأسيس أول الجمعيات العربية المنادية بالإستقلال في العهد العثماني كا لجمعية العربية – وجمعيات العهد – والقحطانية – واللامركزية وغيرها ..

وبعد تحرير سورية والوطن العربي من الإحتلال التركي عام 1918 تطوع الشبان المسيحيون في جيش يوسف العظمة ( جيش الشريف كما كان يسمى ) كما رأينا في الحلقة السابقة . كما ساهم المسيحيون المشرقيون في برلمان الإستقلال الأول في مملكة فيصل الذي أطلق عليه إسم ( المؤتمر السوري ) كما اشتركوا في بناء أول حزب سياسي سوري عام 1920 هو ( حزب الشعب ) الذي أسسه الدكتور الشهبندر وفوزي الغزي وفارس الخوري وحبيب كحالة وعطا الجابري وفخري البارودي وغيرهم والذي تحول فيما بعد إلى الكتلة الوطنية مع هنانو, والأطرش,,والقطامي , والبكري ,,والقوتلي , والعسلي والرّيس والحفار وغيرهم … ,,, ,وأسقط المسيحيون الشرقيون كل مزاعم المستعمرين الفرنسيين بأنهم إحتلوا سورية لحماية المسيحيين في سورية ولبنان ..

في الثورة السورية الكبرى : 1925 –

كان قا ئد الثورة سلطان الأطرش أمياً تقريباً لذلك كان القائد المسيحي المشرقي إبن جبل العرب ( عقلة القطامي ) ساعده الأيمن .. وهو الذي كتب بيان الثورة السورية الأول ,, وهو الذي كتب الرسائل بين ثورة جبل العرب وزعماء الثورة في دمشق ..ثم انتخب نائباًفي البرلمان السوري لعدة دورات ..

وفي دمشق رفض البطريرك المشرقي المستقيم الرأي –غريغوريوس حداد — أي لقاء مع قادة الإحتلال الفرنسي واقتدى به كل من فارس الخوري وحبيب كحالة وعقلة القطامي وغيرهم .. وأثناء الثورة قصفت المدفعية والطيران الفرنسي أحياء الميدان والشاغور والحريقة بدمشق وقرى المليحة وجرمانا ودوما وغيرها وشردت مئات العائلات من منازلها دون مأوى ..فتح البطريرك غريغوريوس جميع كنائس دمشق ودار البطريركية وكاتدرائية البطريركية للعائلات المنكوبة .. وشكل لجنة وطنية للإغاثة مع المفتي العام الشيخ بدر الدين الحسيني والد الشيخ _ تاج الدين الحسيني – المعروف في تاريخ سورية ..حاول الفرنسيون المحتلون إثارة فتنة طائفية في دمشق وغيرها من المدن السورية لكنهم ردوا على أعقابهم خائبين أمام وعي اللجنة الوطنية . وطلب المفوض السامي الجنرال ساراي مقابلة البطريرك حداد فرفض مقابلته كما رفض قبله مقابلة الجنرال غورو قائد جيش الغزو – ..واعتكف الإقامة في دير صيدنايا عدة أشهر ..وكان هذا البطريرك الشجاع أديباً كبيراً وشاعراً ,,

وكان المسيحيون المشرقيون في سوريا ولبنان وفلسطين ومصر طليعة النضال المتعدد الوسائل ضدالإحتلال الفرنسي والبريطاني للمنطقة وضد اغتصاب الصهيونية لفلسطين بحراب بريطانيا والغرب كله ,,

ومادام موضوعنا يتعلق في سورية حصراً أعود لمعارك الإستقلال الوطني التي ساهم فيها الجميع في جبهة واحدة ..وفي لواء اسكندرون السليب قاوم المسيحيون المشرقيون يداً بيد مع مسلمي اللواء : بقيادة المناضلين الوطنيين الكبيرين – الأستاذ المناضل — صبحي زخور المستقيم الرأيقائد مسيحيي أنطاكية — و صاحب جريدة العروبة في اللواء — والأستاذ المناضل — زكي الأرسوزي — زعيم العلويين والمسلمين في اللواء ومؤسس عصبة العمل القومي .. قاومواجبهة واحدة,, مؤامرة الإستعمار الفرنسي مع المحتلين الأتراك لتسليم أجمل منطقة في سورية وميناء سورية الطبيعي للمستعمرين الأتراك ..مقابل منح فرانسا إمتيازات ومنافع في بحر إيجة وجزره ..

وفي العدوان الفرنسي الغاشم على دمشق و الهجوم على البرلمان السوري في 29 أيار 1945 كلنت حامية البرلمان من الدرك السوري بقيادة الضابط الأرثوذكسي الحمصي الشهيد ( طيب شربل ) الذي رفض تحية العلم الفرنسي والإستسلام وقاتل مع جنوده ببنادقهم البسيطة جنود الفرقة الأجنبية لجيش الشرق الفرنسي حتى نفذت ذخيرتهم واستشهدوا جميعاً باستثناء ثلاثة من الجرحى منهم المرحوم جريس كحلا وزميليه محمد الملا والياس الشلاح ,,أنقذهم الجيش السابع البريطاني الذي أخرج القوات الفرنسية من البرلمان ونقل جثث وجرحى حامية البرلمان من الدرك السوري إلى المستشفى ,,وهكذا كان الشبان موحدين في الفداء دفاعاً عن الوطن ..

أكتفي بهذه الأمثلة دون التطرق لبطولاتهم في جميع معارك وحروب الجيش السوري ضد العدو الصهيوني إلى العدوان الثلاثي على مصر عام56 التي تحتاج لدراسة أخرى …

وفي عهد البطريرك المشرقي ألكسندروس طحان : كنت مع زملائي طلاب جامعة دمشق عام 1952 – 53 حتى رحيل الديكتاتور ” أديب الشيشكلي ” في 25 شباط 54 كنا رأس الحربة في النضال المستمر حتى إسقاطه .

حاول قائد أمن الديكتاتور إبراهيم الحسيني – وعبد الحق شحاذة قائد الشرطة العسكرية تركيعنا دون جدوى وكنا إحدى عشر طالباًجامعياً رفضنا التوقيع أمام الحسيني بتأييد الديكتاتورية من بين مئات الطلاب المعتقلين وأرسلونا إلىسجن تدمر ومنه إلة سجن المزة ثم مرة ثانية إلى سجن تدمر ولم نوقع في هذه الأثناء أبلغوا أهلنا بأنهم سيعدموننا إذا لم نوقع لذلك أحضروهم إلى سجن المزة لإقناعنا بالتوقيع .. وقد سبق نشري لهذه الوقائع تحت عنوان “” بين ديكتاتورين – أديب الشيشكلي وحافظ الأسد “” المهم بعد فشل كل محاولات تركيعنا أطلقوا سراحنا بلاقيد أوشرط .. ولكن مايتعلق بموقف البطريرك الكسندروس الشجاع هوالتالي : بقي أهلنا خائفين علينا فاجتمعوا في دمشق بتشجيع من الصديقين جورج عويشق وميشيل قوبا – وشكلوا وفداًمن والدي ووالديّ عطالله قوبا , وتوفيق أستور وأباء من حضر من حمص من أهل رفاقنا توفيق الأتاسي ونور الدين الأتاسي وسميح الجمالي وعلاء الرفاعي – وذهبوا برفقة الأستاذ عويشق إلى المريمية لرجاء تدخل البطريرك لإنقاذنا ..استقبلهم بحنان ومودة وبعد شرح القضية ..رفع سماعة الهاتف دون مقدمات قائلاً أعطني العقيد شيشكلي حالاً بعد قليل رن جرس الهاتف – معاكم سيادة العقيد – بعدالسلام قال له حرفياً : ياسيادة العقيد أولادنا طلاب الجامعة عندكم في سجن تدمر مهددة حياتهم للخطر بدنا يطلعوا فوراً ..طلب الشيشكلي منه أن يزوره رفض البطريرك – أجابه الديكتاتور طيب أنا بتشرف بزيارتكم إعتذر أيضا وقال مرة أخرة أولادنا بدنا يرجعوا لأهلهم وأغلق الهاتف .

واستمر رجال الدين المشرقيين محافظين على استقلاليتهم الوطنية وجرأتهم وتاّخيهم مع إخوانهم السنة المشرقيين أيضاً …

وبعد الكسندروس طحان جاء البطريرك المشرقي الياس الرابع وكان وطنيا مثقفاً بامتياز وبعد إغتصاب حافظ الأسد للسلطة وتوطيدها على أشلاء ودماء الوطنيين السوريين بفضل الدعم اللامحدود والتعتيم العالمي والعربي لنظامه .. عمد لخنق أية نسمة من نسمات الحرية في سورية ..بعد أن حظر السياسة والفكر والحرية في الجامعات و حوّل الجيش الوطني إلى بوليس طائفي مزود بأحدث الأسلحة لحماية عرشه ومملكته الطائفية .. وحول أكثر من 60% من الموازنة العامة للجيش الطائفي 33% منها والباقي لفروع المخابرات المنتشرة كالوباء في جميع أنحاء الوطن ولشراء الضمائروالأقلام والمنظمات الرخيصة من المحيط إلى الخليج .. في هذه الأثناء بعد حل نقاباتنا العلمية التي لم تركع عام 1980 واعتقال وتشريد مناضليها عمد لترويض رجال الدين وتحويلهم إلى حاشيته يسبحون بإسمه ويشيدون ببطولاته ويسجدون له في الجوامع والكنائس وأصبحت خطبة الجمعة وخطبة الأحد توزعها أو توعز بمضمونها أجهزة المخابرات . إلى جانب ذلك إشترى عددا ً كبيراً من رجال الدين لحساب أجهزة المخابرات والتجسس ,,

رفض البطريرك الياس الرابع التدخل الوقح في شؤون كنيسته وطرد إثنين أو أكثر من الكهنة الذين إنصاعوا لأوامر المخابرات .. لكن التضييق ازداد وقاحة فماكان من البطريرط سوى رفع شكوى للطاغية حول تدخل المخابرات في حرية العبادة .وفي شؤون الكنيسة الخاصة … أرسل الطاغية مندوباً من القصر ليلطف الجو ويطمئن البطريرك بأنه سيعاقب من يتدخل بشؤون الأديان ,, وسين وسوف إلخ ..؟

..لم يمض على ذلك أكثر من عدة أشهر حتى توفي البطريرك الياس الرابع فجأة ,, وأعلن أنه توفي بنوبة قلبية. لكن الأطباء الشرفاء أصدقاء البطريرك تأكدوا باقترابهم من الجثمان أنه مات مسموماً و أصروا على ضرورة تشريح الجثة لكن المخابرات منعتهم فوراً وبقيت محيطة با لجثمان حتى دفنه . تم ذلك في حزيران من عام 1981 …

. وبعدها أضحت أجهزة المخابرات والتجسس تشرف على كل شاردة وواردة في الكنائس كلها بما فيها المواعظ وخطب الاّحاد…وهي التي فرضت إنتخاب البطاركة الجدد في سورية ولبنان ,,

لهذا مانراه اليوم من المواقف المخزية لرؤساء رجال الدين إلى جانب الطغاة والمستبدين ضد ثورة الحرية والكرامة والخبزوالسلام المدني ..هو حصيلة خنوعهم لأجهزة القمع والجريمة واللصوصية المستمرة ,,

إن الشباب المسيحي في سورية الثائرة على الإستبداد والديكتاتورية والطائفية والفساد لن يكون إلا في قلب الثورة مع إخوانهم المسلمين يداً بيد في السراء والضرّاء ومعهم كل رجال الدين المسيحي الشبان في الداخل والمهجر ,وباستثناء أسماء مفضوحة لارتباطها بالمخابرات ونظام الترهيب والترغيب والتضليل ,, ولهم من المطران كبوتشي بطل الثورة الفلسطينية,, ومن الأب باسيليوس شهيد الثورة السورية في حماة خير قدوة في النضال الواحد لإسقاط نظام القتلة واللصوص الأسدي,, وتطهير أرض سورية من اّ ثامه إلى الأبد .. لبناء سورية الجديدة الحرة والديمقراطية لكل السوريين لكل السوريين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى