صفحات العالم

دعم ايران نظام الأسد ضد الثورة السورية –مجموعة مقالات-

إيران والديموغرافيا السورية والهزيمة الحتمية/ زيـاد مـاجد

تُدرك إيران قبل غيرها أن الديموغرافيا السورية وخصائصها الطائفية ومؤدّياتها السياسية لن تسمح لها ولنظام بشار الأسد بالتحكّم بأكثر من مساحةٍ محدودة من الأرض، مُعرَّضَةٍ من دون اتّفاق سياسي للتهديد الدائم، ومضطرةٍ لاستنفار ساكنيها دورياً وجعلهم يعيشون في قلعةٍ وفي مشروعٍ حربي يُلغي كلَّ ميزةٍ استراتيجية ممكنة، ويستنزف الموازنات والمقدّرات.

وتدرك إيران قبل غيرها اليوم تحديداً أن نظام الأسد يترنّح ببطءٍ في مواضع وبسرعةٍ في مواضع أُخرى، وأنه صار محكوماً في كل المواضع بتأمينها الموارد البشرية له. ذلك أنه أُنهِك وفَقدَ بحسب العديد من التقديرات قرابة المئة ألف جندي وضابط وعنصر “دفاع وطني”، أكثر من نصفهم من المتحدّرين من الطائفة العلوية. كما أن الإصابات وهجرة آلاف الشبّان من المناطق التي ما زال يسيطر عليها والرشاوى التي تُدفع لتجنّب الخدمة العسكرية تقلّص على نحو متسارع حجم الكتلة البشرية التي بمقدوره الاستمرار في تعبئتها. هذا دون البحث في التداعيات السياسية والاجتماعية لاستمرار النزيف البشري (الطائفي) وربطه من جديد بالديموغرافيا وتوازناتها.

وتدرك إيران كذلك أن الموارد العسكرية والمالية التي تستمرّ وروسيا بضخّها للأسد لم تعد تكفي مع فتح جبهات جديدة أو تحريك جبهات سبق أن هدأت لأشهر طويلة. كما أن الموجات المتلاحقة من المقاتلين العراقيين والأفغان والباكستانيين الشيعة الذين دَفعت وتدفع بهم لم تعد قادرة على أكثر من حماية بعض الجبهات من احتمالات الانهيار الأسدي الكامل (جبهات حلب وبعض جبهات الغوطتين والجنوب السوري)، في حين أن ما بين ثلث ونصف قوات حزب الله صارت فوق الأراضي السورية ولا تستطيع أكثر من السيطرة المتقطّعة على المناطق المجاورة للبنان، وما إن تحتفل بنصرٍ في مدينة أو تلّة أو بلدة حتى تُستأنف المعارك في جوارها فتُعيد نغمة الكلام عن قرب النصر والاحتفال به.

يُضاف الى هذا، أن سياسة إيثار خسارة مناطق لصالح “داعش” مقابل السعي للاستشراس في القتال في مناطق تتقدّم صوبها المعارضات السورية (من فصائل إسلامية الى فصائل جيش حرّ)، بهدف إرباك المواقف الإقليمية والدولية وجعل “داعش” تخلط الأوراق (وتصطدم مباشرةً بالمعارضات)، لم تعُد تجدي نفعاً إذ تضاءلت أعداد القائلين في الغرب بضرورة الاختيار بين الأسد و”داعش”، ليس لسببٍ أخلاقي (معدومٍ في اعتباراتهم أصلاً) بل لموازين قوى تبدّلت وباتت تجعل من القول بالمفاضلة المذكورة بلاهةً خالصة.

ما الذي انتظرته إيران إذاً وهي ترى ملياراتها التي أُنفقت وعشرات ألوف العراقيين والأفغان والباكستانيين واللبنانيين الذين أُرسلوا للقتل والموت في سوريا يتحوّلون للدفاع عن أقلّ من ثلث المساحة السورية ويتحضّرون لخسائر إضافية فيها؟ هل هي الأيديولوجيا التي أثّرت على التحليل السياسي والعسكري، أم هو غرور القوة الذي يُفضي أحياناً الى الخسارة؟ أم أن إطالة أمد الحرب تحوّل مع الوقت الى الهدف بما لاقى السياسة الأميركية التي لم تشأ مرّةً حسماً سريعاً وما زالت تعرقل كل مسعىً لتسليح نوعيّ للمعارضات؟

يبدو أن في الجواب عناصرَ من كلّ ما ذُكر. ويبدو أيضاً أن البعض في طهران، بعد أن توهّم بإمكانية “الحسم” السريع سورياً وتأخّر ليكتشف استحالته، صار أخيراً يُراهن على “الفتح النووي” في المفاوضات مع الأميركيين ليحتفل بإنجازٍ ويُفاوض من بعده على استمرار التعاون مع واشنطن عراقياً مقابل مقايضاتٍ سورية.

وهذا إن تحقّق، فلن يُشير لغير الخسارة المريرة لطهران ولجميع حلفائها في سوريا… المأساة أن ذلك يتمّ فوق أنقاض تلك البلاد.

موقع لبنان ناو

 

 

 

 

 

إيران “تتأهّل” للعودة إلى المجموعة الدولية الملف السوري أولاً بعد الاتفاق النووي/ روزانا بومنصف

في خضم مفاوضات ربع الساعة الاخير التي لا تزال تجري ممددة أياماً اضافية بين الدول الخمس الكبرى الاعضاء في مجلس الامن زائد المانيا مع طهران حول ملفها النووي، رمى وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ما يمكن اعتباره “طعما” للولايات المتحدة تمثل في اعلانه ان الاتفاق الذي يفترض أو يتوقع التوصل اليه، فيما كان يشتد الكباش حول بعض البنود العالقة، سيكون نقطة انطلاق جديدة لتنسيق المواقف من اجل مواجهة التطرف في المنطقة. ومع ان تنسيقا مباشرا وغير مباشر حصل بين الجانبين الاميركي والايراني في العراق في اطار مواجهة تقدم تنظيم الدولة الاسلامية حيث عجزت ايران عن الاضطلاع بهذا الدور وحدها من دون مساعدة الاميركيين كون ايران داعمة للحشد الشعبي ذات الغالبية الشيعية في مواجهة الجماعات السنية، فان كلام ظريف الذي ارفق باستعداد بلاده من اجل” ابرام اتفاق جيد ومتوازن”، شكل مؤشرا الى جملة امور. من هذه الامور في شكل اساسي ابداء ايران استعدادها واعطائها اشارة الانطلاق لأن تكون أو تعود جزءا من المجموعة الدولية عبر اقتراح التنسيق في مواجهة الارهاب والتطرف في المنطقة اي انها ستكون عاملا ايجابيا فاعلا وذلك بالتزامن مع إخراج نفسها من تهم استمرار الوقوف في هذا الموقع (وكان لافتا غداة اعلان الموقف الايراني كشف الاردن احباط “مخطط ارهابي ايراني” كان سينفذه عراقي ينتمي الى فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قبل اشهر قليلة). كما شكّل مؤشرا الى ان المفاوض الايراني البارع يسعى الى اغراء الاميركيين بورقة تهمهم هي ورقة مواجهة التنظيمات الارهابية ربما في مقابل بعض التساهل أو الليونة ازاء ما يتم التفاوض في شأنه. كما تنسحب محاولة الاغراء بالنسبة الى ما يعبر عنه الموقف الايراني من استعدادات لوضع ملفات بعض ازمات المنطقة على طاولة البحث فور الانتهاء من وضع الاتفاق النووي على طريق التنفيذ، ما ترك انطباعات قوية بان الامور قد تكون ذاهبة الى فتح ملف الازمة السورية في الدرجة الاولى في وقت قريب بغض النظر عن احتمال الوصول الى حل ام لا في هذا الشأن انطلاقا من اراء متضاربة لعواصم عدة في هذا الموضوع. والوعد الايراني في هذا المجال هو بمثابة ربط نزاع، اذا صح التعبير، ما لم يكن الموضوع السوري قد بات فعلا على طاولة البحث على هامش مفاوضات النووي على رغم تأكيدات ديبلوماسية عدة تنفي ربط اي موضوع بالنووي الايراني. لكن اعلان ايران استعدادها في هذا الاطار يعني ان الفترة المقبلة ستشهد فتح نقاش حول قضايا كانت رفضت البحث فيها علنا في السابق ومن بينها الية مواجهة تنظيم داعش وبقية الجماعات الارهابية. وهو ما يفترض ضمنا الى جانب بدء النقاش ان تتعاون ايران مع دول المنطقة من اجل مواجهة التنظيمات الارهابية انطلاقا من ان التنسيق مع الولايات المتحدة يضمر التنسيق والتعاون مع دول المنطقة لأن اي مواجهة من دون هذه الدول المعنية لن تكون فاعلة أو ناجحة. والتجربة في العراق اكبر برهان. لكن هل هي وطأة المفاوضات فحسب أو ما هو أبعد من ذلك؟

يولي مهتمون ومتابعون للوضع السوري اهتماما لحصول متغيرات ايرانية تبعا لتراجع النظام السوري الذي لا تزال تدعمه ايران بكل الوسائل، في مناطق استراتيجية حيوية شكلت ضربة قاصمة له لجهة تثبيت حال الضعف التي اصبح عليها وحسم اتجاه الامور الى نقطة اللاعودة اي احتمال تقسيم سوريا على اي احتمال آخر. هذه المتغيرات الايرانية سجلها عدم دخول ما وعد به قائد فيلق القدس في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني مطلع حزيران الماضي في سوريا اطار التنفيذ. اذ كان اعلن انه “سيفاجئ العالم بما نعد له نحن والقادة العسكريين السوريين حاليا خلال الايام المقبلة”. كما ذهبت وعود اخرى اطلقها في الاطار نفسه رئيس مركز الابحاث الاستراتيجية في مجمع تشخيص النظام علي اكبر ولايتي قبل اسبوعين أيضاً ادراج الرياح، اذ اعلن ان “الاسبوع المقبل سيشهد تطورا مهما في العلاقات الاقليمية بين ايران وسوريا والعراق”. ومع ان هذا لن يعني في اي حال تراجعا ايرانيا في دعم الرئيس السوري الذي قال ولايتي قبل ايام” ان المرشد علي خامنئي امرنا بالابقاء على الاسد ومنع سقوطه”، ما يعني عمليا تحوله ورقة كليا في يد ايران، فان ثمة ما يوحي بالتحضير لبحث جدي ولو ان الامال ليست مرتفعة بالنسبة الى كثر، نظراً الى ان الازمة السورية رهن اكثر من طرف اقليمي ودولي الى جانب القوى الداخلية.

وتفيد معلومات ديبلوماسية ان واشنطن وقفت اخيرا في شكل خاص ضد اي مبادرة تتصل بسوريا في ظل دينامية خاصة لاعضاء مجلس الامن تتصل بالتوافق على محاولة ايجاد صيغة لمنع استخدام السلاح الكيميائي والكلورين في موازاة استمرار المفاوضات مع ايران تجنبا لاي عراقيل أو عقبات تعيق ما يجري على خط الاتفاق النووي علما ان مبادرات واقتراحات اخرى حول المناطق المحاصرة والاعتداء على المدنيين هي أيضاً في نقطة الانتظار، فيما رحل تقرير الموفد الدولي الى سوريا ستيفان دوميستورا الى 28 تموز الجاري حين يكون قد انجزت المفاوضات على الارجح على رغم العقبات التي لا تزال تشهدها.

 

 

 

 

 

نصرالله يحيي “يوم الأسد”/ احمد عياش

وسط تحضيرات أقل مما جرت عليه العادة منذ أن أوصى بذلك الامام الخميني عام 1979، أحيا “حزب الله” أمس “يوم القدس العالمي” بخطاب لأمينه العام السيد حسن نصرالله. وليس من مبالغة في القول ان موضوع القدس الذي جعله مؤسس الجمهورية الاسلامية ركيزة أساسية لإطلالتها خارج حدودها في المنطقة صار حاليا هامشيا فيما أصبحت قضايا المنطقة الساخنة وفي طليعتها الحرب السورية هي الاساس الذي يعطي لنصرالله حيوية الكلام. وأتى تركيز الامين العام على الملف السوري انعكاسا لانغماس أيراني غير مسبوق في هذه الحرب. فمستشار المرشد الايراني علي خامنئي للشؤون الخارجية علي ولايتي قال قبل أيام في حوار مع صحيفة “كيهان” الايرانية ان المرشد “أمرنا بالإبقاء على بشار الاسد في الرئاسة السورية والحفاظ عليه”. بدوره قال رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام آية الله أكبر هاشمي رفسنجاني في حوار مع موقع “العهد الاخباري” التابع لـ”حزب الله” الآتي: “… تمكنت سوريا من الوقوف على قدميها بمساعدة إيران والمقاومة وحزب الله، ولكن للأسف يتم يوما بعد يوم تعزيز قدرات الإرهاب”. وبالطبع لن يقول نصرالله كم هي كلفة هذه المساعدة التي تكبدها حزبه بشريا منذ بدء المحنة السورية في آذار عام 2011 والتي تفوق تقديراتها كل ما تكبده الحزب منذ تأسيسه بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982.

لا أحد يعرف متى يأتي يوم جمعة أخير من رمضان مقبل ليعلن نصرالله أن حرب سوريا انتهت. لكن هناك أكثر من جهة دولية رصينة تعلن أن الحرب ستستمر حتى ولو بعد رحيل الرئيس السوري بشار الاسد. والمعلومات المتداولة تفيد أن الولايات المتحدة الاميركية وضعت ملف النظام السوري بيد روسيا التي تحاول إيجاد تصور حل على مستويات سورية وإقليمية ودولية. وتقول شخصية سياسية لبنانية بارزة ان واشنطن تضغط كي لا ينهار نظام الاسد من دون إيجاد بديل يعبر بسوريا الى الحل، في حين أن موسكو تعمل على أن يبقى الاسد في دمشق الى حين إنضاج التسوية التي كلفت بها. وفي آخر معطيات هذه الشخصية أن الدويلة العلوية لم تعد خياراً واقعيا للنظام السوري وحماته بعدما تبيّن ان المانع الديموغرافي أكبر بكثير من عمليات التطهير العرقي الذي نفذها النظام و”حزب الله” في مساحة هذه الدويلة الافتراضية. فعدد السكان السنّة على الساحل السوري الذي هو أساس الدولة كان 10 ملايين نسمة قبل آذار 2011 وأصبح الان نحو 14 مليون نسمة بسبب النزوح من مناطق داخلية عصفت بها الحرب. وفي المقابل تضاءل عدد السكان العلويين وسائر الاقليات الاخرى لاسباب شتى منها أن العلويين سقط منهم حتى اليوم أكثر من 80 ألف قتيل منذ بداية الحرب.

من المؤكد أن “أوامر” خامنئي بالإبقاء على الاسد تتقدم اليوم على وصية الخميني بـ”يوم القدس”. لكن إحياء نصرالله “يوم الاسد” حاليا يبدو بمثابة تأبين له

 

 

 

 

 

الخليج وإيران الجديدة/ راغدة درغام

أي إيران ستولد في أعقاب الاتفاق النووي المزمع التوصل إليه اليوم – ما لم يفشل في الساعات الأخيرة – والذي سيُطلق العصر الذهبي للجمهورية الإسلامية بمئات البلايين من الدولارات، وينصبها «قوة إقليمية ناجحة جداً»، كما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما؟

هل ستكون قوى الاعتدال داخل إيران قادرة على إحداث تغيير جذري في التوجّه الإقليمي للجمهورية الإسلامية، فتتصرف طهران كقوة إقليمية عاقلة وحكيمة وبنّاءَة؟ أم إن قوى التطرف ستملأ جيوبها بالبلايين الكافية من الدولارات لتنفيذ مشاريع السطوة الإقليمية للتحكم بالعراق وللتمسك ببشار الأسد في سورية وللتخريب في اليمن ولامتلاك لبنان عبر «حزب الله»؟

القرار سيكون إيرانياً بالدرجة الأولى في حال انتصر تيار الاعتدال أو نجح تيار التطرّف أو في حال حدوث تنسيق تبادل أدوار بين التيارين. إلا أن مسؤولية ما سيؤول إليه الدور الإيراني في الشرق الأوسط، بناءً كان أو تخريبياً تقع على عاتق الدول الست التي رعت إبرام الصفقة التاريخية مع إيران. فالولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا عقدت العزم على التعاون مع روسيا والصين من أجل التوصل إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران بكثير من التنازلات. وهذه الدول رضخت لإصرار طهران على الاستبعاد الكامل لأدوارها الإقليمية من المفاوضات النووية.

الدول الست، إذاً، وافقت على التخلي عن أدوات التأثير في التوجهات الإيرانية الإقليمية، بل إنها كانت تعي تماماً أن رفع العقوبات عن إيران سيدر عليها فوراً ما بين 100 و150 بليون دولار ستمكّن طهران من تعزيز كامل قدراتها العسكرية ومؤسساتها العسكرية، كما ستمكّن معسكرها للهيمنة الإقليمية من فرض تلك الهيمنة على الأراضي العربية. فلا أحد جاهل بما هو آتٍ إلى منطقة الشرق الأوسط ما لم يتخذ الرئيس الأميركي قرارات إقليمية جاهزة في جيبه حفظها إلى حين الانتهاء من الاتفاق النووي وينوي لها أن تكون بدورها تاريخية.

غير أن الرئيس الأميركي ليس المساهم الوحيد في صنع التاريخ في الشرق الأوسط. روسيا والصين شريكان استراتيجيان في علاقاتهما مع الجمهورية الإسلامية، وهذه الشراكة ستنمو وتتعزز كثيراً عبر نادي «شنغهاي» فيما نادي «بريكس» كان السند الكبير لإيران وحليفها في دمشق مذ كانت دول «بريكس» في مجلس الأمن.

أوروبا أيضاً متأهبة للاستفادة الاقتصادية بعد رفع العقوبات عن طهران، وشركاتها جاهزة لمزاحمة الشركات الأميركية للاستفادة من العصر الذهبي الآتي. حتى الآن، لا مؤشر إلى أي استراتيجية عربية أو خليجية جديدة أخذت في حسابها هذه التغييرات الجذرية في موقع الجمهورية الإسلامية الإيرانية أميركياً ودولياً وإقليمياً. لعل في الجيب الخليجي وعود أميركية تطمئنه أو خطط نووية في موازين الرعب. لكن ما تتطلبه هذه المرحلة الفاصلة يجب أن يكون جديداً بأفكار متجددة خارج الصندوق التقليدي. فشراء القدرات النووية للتوازن في معادلة الرعب لن يشفي المنطقة العربية من كوارثها في سورية واليمن وليبيا والعراق ولبنان وتونس ومصر، ولن ينقذها في المنطقة الخليجية.

قبيل الموعد المرتقب لإتمام الصفقة النووية للدول الست مع طهران، توجه الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى روسيا للمشاركة في عرض سياسي مهم استضافه الرئيس فلاديمير بوتين في قمتي «منظمة شنغهاي للتعاون» التي تضم روسيا والصين وكازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقيرغيزستان، و «مجموعة بريكس» التي تضم كل من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، أي نصف البشرية.

الهند وباكستان ستُمنحان عضوية كاملة في منظمة شنغهاي في قمة مدينة أوفا التي تستضيف القمتين معاً. وجميع الاستعدادات تم اتخاذها لانضمام إيران إلى هذه المنظمة فور رفع العقوبات الدولية عنها بعد توقيع الاتفاق النووي، علماً أن لطهران الآن صفة المراقب في المنظمة إلى جانب أفغانستان، فيما لتركيا صفة «الشريك في الحوار».

بوتين ينظر إلى القمتين باعتبارهما تظاهرة سياسية لتعزيز تحالفاته الإقليمية في مواجهة الغرب وتعزيز العمق الآسيوي في التحالفات الإقليمية. فالصين لروسيا «حليف استراتيجي» منذ زمن، وإيران لروسيا والصين شريك استراتيجي، وأفغانستان للصين كما هي لباكستان مع اختلاف الأسباب. والعلاقة بين الصين والهند لها تاريخها كما للخلاف بين الهند وباكستان تاريخه الطويل.

منذ البداية، تركت الصين لروسيا لعب دور العرّاب في ملف إيران النووي وحلفها الإقليمي عبر سورية، وكان ذلك في إطار التحالف الاستراتيجي بينهما. الصين استفادت سرّاً وهي ستستفيد علناً من النفط الإيراني بعد رفع العقوبات. أما روسيا فإنها مُقبِلة على سوق جاهزة لتصدير السلاح، وستكون الرابح الأكبر من استثمارها السياسي في الجمهورية الإسلامية التي باتت شريكاً استراتيجياً مهماً لها.

أوباما أيضاً عقد العزم على التوجه آسيوياً، وبالتالي يمكن اعتبار الولايات المتحدة «ضيف شرف» غائب عن قمتي أوفا على بعد 1100 كلم شرق موسكو، لكنه حاضر في «التحول نحو آسيا» بعيداً من الاعتماد التقليدي على دول الخليج والشرق الأوسط.

إيران ستصبح الشريك الشرق أوسطي الأول لكل من الولايات المتحدة وروسيا والصين بعد الاتفاق النووي الذي سيسجّل قفزة نوعية في العلاقة الثنائية الأميركية – الإيرانية. ولا يعني هذا العداء مع أي من دول مجلس التعاون الخليجي الست المنقسمة في مواقفها من طهران. عُمان رعت المفاوضات السرية الأميركية – الإيرانية، ورأيها أن السياسة الحكيمة يجب أن تعتمد إلى ركن المصالحة والتعايش والتعاون مع الجمهورية الإسلامية. والسعودية – يدعمها عدد من دول مجلس التعاون بنسب متفاوتة – ترى أن مجرد إرجاء موعد تفعيل إيران النووية لمدة عشر سنوات تطلب منها أن تتهيأ نووياً أيضاً كي لا ينتهي الأمر بها إلى «جار نووي تحكم فيه ولاية الفقيه»، وفق تعبير أحدهم. بالتالي لا بد من الحصول على القدرة النووية من باكستان أو السوق السوداء من أجل مواجهة «السطوة الإيرانية الإقليمية» الممتدة من العراق إلى سورية إلى لبنان واليمن، بهدف السيطرة على هذه المفاصل المهمة من المنطقة العربية.

جزء من الرأي العام السعودي والخليجي يدعم كلياً خيار الرد النووي عبر مبدأ «توازن الرعب»، ويقول أنه لا يمكن السعودية أن تخضع أمام إيران نووية طموحاتها الإقليمية التوسعية مباركة دولياً. هذا الجزء يرى أن لا مجال لاستعادة الثقة بالولايات المتحدة التي «خدعت» حليفها العربي واحتضنت إيران حليفاً بدل الحليف السعودي والخليجي عموماً. ويرى أن الوقت حان للمواجهة.

لكن يمكن القول أن من الأفضل أولاً الإصرار على «المظلة» النووية الأميركية التي تضمن للخليج تحييد القوى الإيرانية النووية عبر ترتيبات تشابه الترتيبات الأميركية مع اليابان مثلاً. وثانياً الإصرار على ضمان تحييد القوة النووية الإيرانية لعدم استغلالها لأغراض سياسية. هكذا، يتم التجميد الفعلي للسلاح النووي الإيراني وتعطيل السطوة الإيرانية.

الاندفاع الأميركي نحو إيران هزّ الثقة الخليجية بالولايات المتحدة، وربما لم يعد ممكناً أهل الخليج التعامل مع الرئيس أوباما. إنما هذا لا يمثل استراتيجية إزاء الحدث التاريخي في العلاقة الأميركية – الإيرانية التي تمثل أولاً اعترافاً أميركياً ودولياً بنظام الحكم في الجمهورية الإسلامية القائم على ولاية الفقيه. وثانياً إن التطبيع في العلاقة الأميركية – الإيرانية أمر تتفق عليه الإدارة والكونغرس في غالبيته والأكثرية من الرأي العام الأميركي. فأميركا قررت المهادنة ورفضت المواجهة واختارت طهران شريكاً إقليمياً لها بقرار مدروس له علاقة بغضبها من إرهاب 9 – 11 الذي أصابها في عمقها. وثالثاً إن الاتفاق النووي يقر لإيران بحقوقها النووية السلمية ويجعلها عملياً جزءاً من النادي النووي «على بعد برغي» من التصنيع العسكري، لو شاءت، فالعلماء بخير والأموال متوافرة بعد الاتفاق. ورابعاً إن الصمت الدولي على الطموحات الإقليمية التوسعية الإيرانية قد يعني عملياً مباركتها، أقله حتى الآن، علماً أن رهان الغرب على أن الاتفاق سيقوي الاعتدال وسيلجم التوسّع الإقليمي الذي يقوم به «الحرس الثوري»، كما يردد سفراء الدول الأوروبية أين ما كان.

هذه تحولات جذرية تستحق استراتيجيات جدية آنية وبعيدة المدى. لعل إشراك النفس في الجديد في العلاقة الدولية مع طهران، دعماً للاعتدال داخل إيران، يقع في المصلحة العربية والإيرانية على السواء، ولعله يساعد في تنفيس الاحتقان المذهبي المدمر للسنّة والشيعة على السواء. هكذا يمكن دول الخليج أن تكون مساهماً في دعم معسكر الاعتدال داخل إيران وأن تؤثر فيه ضمن شراكة دولية واضحة في إصرارها على لجم معسكر التطرف الذي يسعى إلى الهيمنة على الدول العربية. فالبعض في الغرب يرى فائدة في الحرب بين «داعش» و «الحرس الثوري» وميليشياته هي أن يصفّي كل منهما الآخر ويدمره. المأساة أن ساحة تلك الحرب المدمرة ليست إيرانية ولا أميركية ولا أوروبية ولا روسية، إنما هي الأرض والشعوب العربية. وهذه المأساة لن تنتهي ما دامت القرارات العربية ناقصة ومقيدة تأتي كرد فعل بدل استراتيجيات واقعية وجدية وعازمة وقادرة.

حان الوقت لاستراتيجية خليجية أساسها الكبح الإقليميregional restraint تتضمن خطة جديدة وخريطة طريق جديدة في سورية واليمن بالدرجة الأولى، وكذلك العراق ولبنان. حتى لو كانت المبادئ الأساسية ما زالت تشكل الإطار للحلول المرجوّة، توجد حاجة إلى طروحات تجديدية على ضوء التحولات التاريخية التي سيأتي بها الاتفاق النووي مع إيران، إذا أتى.

كبح النشوة المتوقعة في صفوف «الحرس الثوري» وشركائه في سورية ولبنان والعراق واليمن يجب أن يكون قراراً أميركياً وروسياً وأوروبياً وإيرانياً أيضاً، كي لا تترجم ت

“داعش” ورقة ابتزاز أميركي – إيراني في رسم خرائط المشرق/ عبدالوهاب بدرخان

كانت أزمتا سورية والعراق كافيتين لتعقيد قضية المشرق وخرائطه ومستقبل أقلياته العرقية والدينية، ولم تبدِ القوى الدولية المعنية حيال تطوّراتهما سوى التريث والانتظار، إلا أن الحروب بالوكالة مكّنتها أيضاً من تبادل الألاعيب والضربات. لكن ظهور تنظيم «داعش» وتوسّعه وتمدّده أدّت إلى مفاقمة الأزمتين، ومنحت تلك القوى الدولية عنصراً جديداً لمناوراتها، إذ إنه يبرر عودتها العسكرية ولو المحدودة، ويتيح لها حجز حصصها في أي تسويات مقبلة. روسيا وإيران ساهمتا في تمزيق سورية، تركيا وإسرائيل تتنافسان على شمالها وجنوبها، الولايات المتحدة ودول غربية تمسك بالخيوط وتراقب، ودول عربية تتطلّع إلى أدوار مهما كانت خلفية أو ثانوية. كان هناك تقاسم نفوذ في العراق بين الولايات المتحدة وإيران، لكن الإحباطات الإمبراطورية دفعت الأولى إلى الانكفاء، والأطماع الإمبراطورية الفارسية زيّنت للثانية عسكرة فئة مذهبية ضد أخرى، فكان «داعش» ثالثهما المستفيد من أخطائهما في إدارة أطماعهما.

جاء هذا التنظيم في لحظته المرسومة. لم يأتِ من فراغ، لكنه جاء ليملأ الفراغ لحظة بلغ انعدام الوزن العربي ذروته، في البلدين، وكذلك في المنطقة. دول تتفكّك، مجتمعات تتمزّق، شعوب تكاد تفقد كل يقين صحيح أو كاذب تكوّن لديها على مدى مئة عام. هي حقبة تشابه انهيار الإمبراطورية العثمانية الذي استمرّت وقائعه أعواماً قبل أن يشرع الورثة في إرهاصات الدول واستقرارها. لم تبدأ مرحلة الحلول بعد في المشرق، فالحروب لا تزال مشتعلة، و «بنوك الأهداف» لم تستنفد بعد، وثمة مدن ومقوّمات اقتصادية ومعالم تاريخية – حضارية لا بد من تدميرها. هنا يمثّل «داعش» الذريعة الأمثل، فخريطة انتشاره وسيطرته هي خريطة الدمار الذي تتوقع القوى الدولية والإقليمية أن يكون كبيراً بما يكفي لإيلام الشعوب وإتعابها وبالتالي إرضاخها لما سيكون من «ترتيبات» جغرافية ونفوذية، فهذه منطقة حكم عليها بأنها تتعذّر حوكمتها، لم يفلح دكتاتوريّوها العسكريون في ضبطها وبناء دول فيها، ولا إسلاميّوها المتوهّمون في سوسها والانخراط «الوطني» في بلدانها.

في فيينا، وعلى هامش المفاوضات النووية، وربما في صميمها، وجد وزير الخارجية الإيراني فرصة لإبداء استعداد بلاده لـ «فتح آفاق جديدة» والمساهمة – بعد الاتفاق النووي ورفع العقوبات – في «مواجهة التحدّيات المشتركة». وإذ أشار تحديداً إلى «تصاعد الخطر المستشري للتطرّف والعنف والهمجية» كتهديد مشترك، فقد دشّن الحديث عن «مقاربات جديدة لمواجهة هذا التحدّي الجديد». كان محمد جواد ظريف، في رسالته هذه على «يوتيوب»، كمَن يلوّح للأميركيين والأوروبيين بـ «هدية إكسترا» لقاء قبولهم تنازلات اقترحها ليصبح الاتفاق النووي جاهزاً للتوقيع. لكنّ الأميركيين كانوا استبقوا ذلك بـ «مغريات» لإيران في سورية وربما في أماكن – عربية – أخرى، إذا وافق المرشد علي خامنئي على صيغتهم للاتفاق وكفَّ عن المراوغة بـ «خطوطه الحمر».

تتوقّع إيران أن يؤدي حل أزمة الملف النووي إلى تثبيتها عضواً سابعاً وأصيلاً في مجموعة الدول الكبرى، أي الـ 5+1، التي ستبقى معنية بإيران وتنفيذ الاتفاق وستكون لها كلمة في المنتدى الدولي الذي سيدرس تطبيع أوضاع المنطقة. لكن الدول الغربية، وبالأخص أميركا، لا تستطيع تصوّر شراكة مع إيران ضد الإرهاب، لأنها تعني ببساطة انضواء الغرب في المحور الإيراني مع نظام بشار الأسد وميليشيات «الحشد الشعبي» العراقية وحوثيي اليمن في مواجهة العرب الآخرين.

كانت زيارة جون كيري لروسيا، عشية القمة الأميركية الخليجية في كامب ديفيد، مرتبطة خصوصاً بسورية، مع تطرّقها إلى اليمن والعراق ومحاربة الإرهاب. وتبين للطرفين أن تحليلهما لتطوّرات تلك الأزمات ربما تقارب قليلاً إلا أن توافقهما على الأفكار المطروحة للحلول خصوصاً في سورية ظلّ متعذّراً، ما يعطّل بالتالي إمكان استثمارهما الدور الإيراني فيها. وفيما تتلاقى روسيا وإيران على تفاهمات وأهداف عامة ما لبثت أن تعمّقت وترسّخت في سياق تدخلهما دعماً لنظام بشار الأسد، فإن ظهور بعض التباين بينهما في الآونة الأخيرة لم يلغِ إدراكهما أن مصالحهما بعيدة المدى في سورية تحتاج إلى اعتراف أميركي في نهاية المطاف.

أما الولايات المتحدة فانطلقت دائماً من قاعدة أنه، باستثناء إسرائيل وأمنها، لا مصالح لها تحفّزها في سورية، ثم إن شراكتها الوهمية مع روسيا في شأن سورية كشفت لها محدودية تأثير موسكو في نظام الأسد قياساً إلى التأثير الإيراني، لذلك فضّلت أن تلعب (أو لا تلعب) وحدها وأن تُلزم «الحلفاء» و «الأصدقاء» بهذا الغموض الذي أظهرت الوقائع أن نتائجه كارثية على مستقبل سورية وشعبها، وأن إسرائيل وحدها المستفيدة منه، لا السعودية مع دول الخليج ولا مصر ولا حتى تركيا. لم تتعرّض واشنطن في أي فترة للدور التخريبي الإيراني في سورية لكنها بذلت كل جهد لفرملة أي تحرك تركي أو عربي، كما استخدمت وجودها في غرفتي العمليات في أنقرة وعمّان لتحديد أدوار المعارضة السورية وأحياناً لإفشال هجماتها حتى بعد نجاحها.

كان الأميركيون والروس رفعوا حججاً وشعارات مشتركة لتبرير عدم اندفاعهما إلى حل سياسي في سورية يطيح بشار الأسد، متذرّعين بالحفاظ على الدولة والجيش والمؤسسات. وربما كان مفهوماً اعتبارهم لهذه العناصر قبل أربعة أعوام، لكنهم يعرفون الآن أنها مجرد عناوين بلا مضامين، فالنظام هو مَن بادر إلى تهشيمها وتجويفها، حتى أصبحت إشارتهم إليها تعني شيئاً آخر لا يصرّحون به، وهو أن النظام تماهى مع طهران وانتهى أمره. لذلك واظبت روسيا على المطالبة بإشراك إيران، سواء لأنها شريكتها أو اعترافاً لها بامتلاكها معظم أوراق دمشق. كانت موسكو تلحّ على المبعوثين الأمميين كي يزوروا طهران وقد فعلوا ولم يلمسوا منها أي تعاون كما أنها لم تقدّم يوماً أي مشروع سياسي يمكنهم الاعتماد عليه. وإذ أحبطت أميركا في اللحظة الأخيرة دعوة الأمم المتحدة إيران إلى مؤتمر جنيف (أواخر كانون الثاني/ يناير 2014)، فإنها تبدي حالياً استعداداً لتزكية دعوتها إلى أي «جنيف 3» يُحكى عنه، بعد توقيعها على اتفاق يضبط برنامجها النووي.

في لقاء اسطنبول بين المبعوث الأممي ستيافان دي ميستورا وقيادة «الائتلاف» السوري المعارض جرى نقاش لسيناريوات الحل السياسي بناء على «بيان جنيف» (30/06/2012) الذي نص على «إقامة هيئة حكم انتقالية» تمارس «كامل الصلاحيات التنفيذية» و «يمكن أن تضمّ أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة، ومن المجموعات الأخرى». وأشار دي ميستورا إلى أن أميركا وروسيا لا تزالان غير متوافقتين على صيغة «هيئة الحكم الانتقالية» التي تعتبر واشنطن – ولا تعتبر موسكو وطهران – أنها تعني بالضرورة «تنحّي الأسد» ورحيله. ورغم أن القرار الدولي 2118 (الخاص بتصفية مخزون السلاح الكيماوي لدى النظام، 26/09/2013) شكّل ذروة «التوافق» الأميركي – الروسي وأعطى قوة إضافية لصيغة «هيئة الحكم الانتقالية»، فقد تبيّن أن «التوافق» يشمل الشأن الكيماوي فقط. وفيما كان متوقعاً أن يقدّم دي ميستورا أوائل هذا الشهر تقريراً عن مشاوراته الطويلة مع الأطراف السورية واقتراحاته التي يقال أنها قد تمهّد لـ «جنيف 3» فقد أُرجئ التقرير بسبب تمديد المفاوضات النووية.

في كل الأحوال، تتمسّك موسكو وطهران بصيغة «جنيف 1» لأنها تمكّنهما من اللعب على غموضها. لكن، مع افتراض إزالة العقبات الهائلة أمام التفاوض بين الأطراف السورية، فإن دخول إيران معترك الحل السياسي من شأنه بل من الضروري أن يضع كل المعطيات على الطاولة، ومنها ترابط الأزمتين السورية والعراقية من خلال دورها، وحتى من خلال «داعش» ومساهمتها في ظهوره ثم مطالبتها بالمشاركة في محاربته، فضلاً عن الضمانات التي تريدها لمصالحها ولميليشياتها. إذا كانت واشنطن ترى في تطوّرات المشرق فرصة لـ «شرق أوسط جديد»، فهل انتظرت كل هذا الوقت لتركيبه وفقاً للمعايير الإيرانية؟ إما أن أميركا – اوباما اللاهثة وراء إيران مخدوعة بأساطيرها، أو أنها مصممة على هذا المشرق بؤرة توترات دائمة.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

لك النشوة بإجراءات تندم عليها واشنطن ويدفع ثمنها الاعتدال في إيران، وليس فقط هذه الدول العربية الواقعة في قبضة «الحرس الثوري».

إسرائيل حصلت على ضماناتها من الولايات المتحدة والقائمة على إبعاد القدرات النووية الإيرانية العسكرية لعشر سنوات مع وضع المفاعلات النووية تحت الرقابة، والاستعداد لإجراءات عسكرية في حال غشّت إيران وصنّعت القنبلة النووية. فما تقوله واشنطن لإسرائيل هو أنه تم «خلع أنياب» الخطر النووي الإيراني، ثم أيضاً تقديم الضمانات الأميركية للحد من الخطر الإيراني على إسرائيل. فالعلاقة الإيرانية – الإسرائيلية المهادنة أساساً ستعززها العلاقة الأميركية – الإيرانية الجديدة.

ولو كانت إسرائيل حقاً معارضة للاتفاق النووي مع طهران لجنّدت اللوبي الموالي لها في الولايات المتحدة وحشدت حقاً معارضة جدية في الكونغرس لمثل هذا الاتفاق. جميع المؤشرات تفيد بأن معارضة إسرائيل عرضية، وليست جذرية أو جدية.

الجمهورية الإسلامية ستخرج من العزل وستحصل على الأموال، وستدخل النادي النووي السلمي، وستبدأ علاقة تطبيع تاريخية مع الولايات المتحدة. كيف ستترجم قيادة إيران ولادتها الجديدة؟ المرشد أدرى، فهو الذي مكّن قوى التطرف من التوغّل في العراق وسورية ولبنان واليمن. وهو الذي أثبت قدرة إيران على المناورة وفن التفاوض والتقاط الفرصة. الأمل بأن يكون في ذهنه دعم قوى الاعتدال لتأخذ إيران إلى البناء في بيئتها الإقليمية.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى