صفحات الناس

“دفاتر العشاق”.. ثلاث سنوات من عمر الثورة السورية/ كمال شيخو

 

 

“دفاتر العشاق فيلمنا الجديد: إياد، وعليا، وعلي، دفاتر العشاق، حيطان سراقب، اللي رفعت صوت الحرية عالي للسما، وقالت أنا صوت الناس”، بهذه الكلمات أعلن المصور إياد الجرود والمخرجة علياء خاشوف والكاتب علي سفر، عن قرب الانتهاء من تصوير فيلم “دفاتر العشاق”. الإعلان جاء عبر صفحة خصّصت للفيلم على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” بتوقيع الأصدقاء الثلاثة.

فيلم “دفاتر العشاق” هو أhttps://syria.alsafahat.net/wp-admin/post-new.phpول عمل وثائقي طويل لإياد الجرود، المصور والناشط الإعلامي الذي حقّق عدداً من الأفلام القصيرة الوثائقية قبل هذه التجربة. صوّر الفيلم بعدسته طوال ثلاث سنوات، منذ بداية 2011، حتى بداية 2014، ووثق اللحظة، والتقط كل ما كُتب على جدران بلدته الصغيرة.

اختار إياد اسم فيلمه من الشباب الذين كتبوا على الحيطان، وتدور قصة الفيلم وبنيته السردية حول “قصة الثورة السورية من خلال كتابات جدران مدينة سراقب، التي بدأت وبشكل مبكر بالتعبير الفني عن ذوات الثائرين الحالمين”، وفي حديثه لجريدة “المدن” يقول إياد إن “لا قصة دون فاعلين، سنرى في الفيلم شخصيات كان لها دور أساسي في صناعة ظاهرة حيطان سراقب”.

إياد من مواليد مدينة سراقب، عاش تحولات الثورة السورية منذ بداية حراكها السلمي، انتهاءً بعسكرتها. صرّح أنّ الفيلم تم تصويره على مدى ثلاث سنوات، مؤكداً في حديثه على أن الجدران “كانت بكتاباتها وطريقة طرحها تتطور بخط مواز لتطور أحداث الثورة وحراكها، تحاكي الواقع بألمه وأمله وتحاول توثيقه حيناً ورسم مستقبل وحلم في حين آخر”، فقد رصدَ الفيلم كل ما يكتب على جدران البلدة التي أصبحت مرآة الثورة. “كانت الصورة تواكب وتوثق تطور الجدران محاولة المزج بينها وبين من كانوا يقفون أمامها ليكتبوا لأناس، وعن أناس آخرين يعيشون بين هذه الجدران. الجدران التي كانت متراساً لهم أمام الموت في بعض الأوقات وكانت موتهم في أوقات أخرى”.

“دفاتر العشاق” فيلم يسلّط الضوء على الطابع السلمي للثورة السورية من خلال جدران- حيطان- بلدة سراقب بريف إدلب شمال غرب سورية. تلك البلدة التي تحوّلت جدرانها إلى لوحات تؤرخ ثلاث سنوات من عمر الحراك الشعبي المناهض لنظام الحكم، ليُضاف إلى المئات من الأفلام التسجيلية والوثائقية التي لم يتوقف السوريون المناهضون للنظام عن إنتاجها رغم المصاعب والمخاطر التي كانت تواجههم.

تقول المخرجة علياء خاشوف ل”المدن” إن الفيلم في مراحل إنتاجه الاخيرة “ونحن دخلنا العمليات الفنية لتكون مدته ٥٢ دقيقة بعد الانتهاء من المونتاج الأولي وسيكون جاهزاً للعرض في وقت قريب”. وأشارت خاشوف إلى أن “الناس في الفيلم هم الأبطال، بمعنى البطولة الجمعية التي أعادت الثورة تعريفها وصياغتها في وجه البطولة الفردية التي اضمحلّت أمام طوفان الناس وهديرهم”، وعن اختيار الجدران كموضوع رئيسي للفيلم، ترى خاشوف أن “الحيطان هي مرايا الناس ومرايا الشارع الذي يفيض بالحكايا والمرارة اليومية، فالحيطان هي شخصية مقابلة ومحاورة أو هكذا يفترضها الفيلم، تأخذ روحها وأنفاسها من الناس فتحيا فيهم وبهم”.

في إحد مقاطع الفيلم (مدّته دقيقة و46 ثانية)، نُشر على موقع “فايسبوك”، يظهر اجتماع لنشطاء يتبادلون الحديث مستنيرين بشمعة تضيء مساحة قليلة من المكان، وفي الخلفية موسيقى تصويرية يعزفها فنان شاب على آلة البزق. في الثانية 58 يظهر شاب يحمل ريشة ليكتب على جدران الشارع، كتابات ورسائل عن الثورة والثوار المناهضين للنظام، في حين تُسمع في الثواني الأخيرة همسات العامّة يعبّرون عن رفضهم الكتابة على حيطان الشارع بحجّة أنهم يشوهونها. وينتهي المقطع بوقوف أحد ابطال الفيلم وهو من رسامي جدران سراقب مع ابنته الصغيرة وخلفهما تظهر عبارة كتبت بخط كبير “بيني وبينك في أسرار”.

الكاتب والشاعر علي سفر قال ل”المدن” إن “الفيلم وثائقي، مع ما تعنيه حمولة الكلمة من مفردات إبداعية. الفيلم هو زمن بوصفه حامل التحولات، تحولات الثورة، تحولات الجدران وخطاباتها، تحولات الأشخاص، وتحولات الأنا العامة”.

بهذا التفصيل وتفاصيل أخرى، يمكن للمشاهد أن يتابع عبر عدسة كاميرا إياد الجرود التي لم تتوقف عن الدوران لمدة ثلاث سنوات، كل الانتقالات المطلوبة لتحقيق فكرة الوثائقي. ويرى سفر أن “الفيلم لا يبحث عن جماليات مفتعلة أو يتوسّل لحظة دراماتيكية؛ بل إنه يمضي في رسم المسار التراجيدي للشخوص الذين رأوا في الثورة أملاً للتغيير”، وأضاف أن “كل هذه التفاصيل يتتبع مسارها على جدران سراقب، التي احتوتها عيون السكان، من صغيرهم إلى كبيرهم، وفي هذا التداعي يصبح بطل حكاية الفيلم هو السوري في هذه المدينة وفي كل المدن الأخرى التي خرجت لتعبّر عن رغبتها بالتغيير بطريقة سلمية”.

فالفيلم يصور ناشطين ومعارضين يجدون في الرسم والكتابة على الجدران متعة ووسيلة لإيصال أفكارهم، يجهزون ريشهم ويمزجون ألوانهم ويبرون أقلامهم، يبحثون عن الجدار الأنسب لتجسيد فكرتهم، يتعاملون معه برقة ويشعرون أنه لوحة فنّية حتى قبل أن يباشروا عملهم، وهو الجدار الذي لا بديل منه. يعملون بجرأة في النهار، وأحيانا في الليل خوفاً من القصف والقتل، يستنيرون بضوء الشموع أحياناً، ترافقهم الموسيقى كظلّ وملهم لهم، وجه الرجل العادي البسيط في الشارع ملهم آخر لهم، وكذلك الأطفال الفقراء حاضرهم وأحلامهم ومستقبلهم، يرسمون ويكتبون للغد الذي لا يعرفون متى سيأتي ويخشون أن يتأخر كثيراً.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى