صفحات سوريةمحمود زعرور

دماء ودخان.. جوهر الإصلاح السوري

 


محمود زعرور

تدخل حركة الاحتجاجات السورية أسبوعها الرابع، وهي تنتقل من طور إلى طور آخر، أكبر وأشمل، محافظة على طابعها السلمي من جهة، وعلى التمسك بشعاراتها الوطنية، عبر التركيز على الهدف الرئيسي، المتمثل بالمطالبة بالحرية والكرامة من جهة أخرى.

لكن اللافت هنا، أن النظام السوري يقابل هذه الانتفاضة بمعهود الرد الرسمي، الذي ما انفك يستخدمه عبر كل الأزمات السياسية والاجتماعية، التي يواجهها منذ عقود، غير آبه بكل ما يترسب أو يعتمل في المجتمع السوري من تراكمات، قد لا تنفع معها الحلول الماضية، وهي كذلك بالفعل، فما كان يصلح في السابق، فقد نجاعته الآن، بفعل عوامل عديدة تتصل بالناس أنفسهم، وبالعصر ومتغيراته.

تواجه الانتفاضة اليوم أشكالاً جديدة من القمع الممنهج والتضليل الإعلامي، وبجهود متسارعة من أجل احتوائها درءاً أو تأخيراً لنهاية أكيدة لنهج فقد صلاحيته وأصبح بالتالي خارج التاريخ، لأنه ببساطة، سليل بنى متقادمة عاجزة عن تقديم حلول جوهرية وصحيحة.

أول هذه الأشكال، قدمها الرئيس السوري عبر ما سمي بالكلمة التوجيهية للحكومة الجديدة، على هيئة خطاب ثان له منذ اندلاع الاحتجاجات، حيث لوحظت القراءة الخاطئة نفسها لثورة الشباب السوري، والإصرار في سوق الحزمة المألوفة ذاتها من الردود، التي تضمنت سوء الفهم والتضليل وإشهار سيف الوعيد عبر اعتماد القمع.

لقد تجسد سوء الفهم بالإشارة إلى أن (المواطن بحاجة إلى خدمات، إلى أمن)، وكأن الشعارات التي أطلقها المحتجون من أجل حريتهم وكرامتهم، لم تصل الأسماع بعد، لدرجة أن البعض في إحدى ساحات التظاهر أطلق نداءاته من أجل الحرية باللغة الانكليزية تندراً!

واشتمل التضليل على التعهد (برفع حالة الطوارئ)، وإعداد (قانون لمكافحة الإرهاب) يحل محل قانون الطوارئ. وهذا يجسد الاعتماد على الحلول الأمنية ذاتها، وإن جاءت عبر الإلغاء الشكلي لحالة الطوارئ (مثل ما تم عبر قرار الحكومة يوم الثلاثاء في التاسع عشر من نيسان/ابريل الجاري)، كما أنه يفاقم أزمة النظام مع شعبه ومع قواه وتعبيراته المختلفة، في تحويل الرأي الآخر، إلى (جريمة إرهابية).

وتمثل التضليل أيضاً بدراسة (قانون للإعلام)، على الرغم من أن النظام السوري منع ويمنع، حتى الآن، أية وسيلة إعلامية مستقلة، من تغطية ونقل الأحداث الجارية.

وينطبق الأمر نفسه، كذلك، على الحديث حول (قانون الأحزاب) وضرورة (دراسته)، أو طرحه (للنقاش العام)، في الوقت الذي تمضي الأجهزة الأمنية قدماً باعتقال قيادات وكوادر المعارضة الوطنية الديمقراطية والناشطين والمثقفين، حيث تم اعتقال كل من غياث عيون السود، جورج صبرا، فايز سارة، أحمد معتوق، بالإضافة إلى عشرات، بل مئات من المواطنين، في مختلف المدن السورية إثر التظاهرات الشعبية.

يأتي حديث الأسد قبل وبعد وأثناء عمليات القتل الموجهة للمتظاهرين المحتجين، حيث تم إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين في كل من حمص (قبل اعتصام المدينة في الثامن عشر من أبريل وبعده)، وتلبيسة والرستن واللاذقية والسويداء والمعضمية، والأنباء الموثقة تحدثت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.

تزامن ذلك كله مع الاستمرار في حملة تسويق أضاليل (المؤامرات)، التي تساق مشفوعة مع (ضبط السلطات لكميات الأسلحة التي تصدر للأراضي السورية).

هذه المرة تتنوع الاتهامات، فمن الإشارات السابقة حول دور (الحدود مع الأردن)، ثم إلى (ضلوع مواطن مصري في تسريب صور للخارج) تم بعد ذلك الإفراج عنه، وقد فضح في مقابلة تلفزيونية ذلك الضغط الذي مورس عليه من أجل أن يقدم تلك الاعترافات المضحكة، مروراً باتهام فريق سياسي لبناني (نائب من تيار المستقبل) وصولاً إلى (ضبط شحنات أسلحة قادمة من العراق)، لتتعزز ببيان وزارة الداخلية حول اكتشاف (مجموعات سلفية)، تقوم (بتمرد مسلح) يهدف إلى إنشاء (إمارات سلفية)، تستمر المحاولات الرسمية السورية التي يسوقها النظام بأن البلاد تواجه (مؤامرة) تهدف إلى (التخريب وزرع الفوضى) وتهدد (الاستقرار).

هل يتجه النظام السوري إلى اعتماد الخيار الليبي في الرد على ثورة شعبه السلمية والمدنية، وقد تجلى فيها الطابع الوطني، بحيث لم يرفع المتظاهرون شعاراً واحداً يشي بالسمة العنفية أو الطائفية، مبرهنين على أن الشعب وقواه المتعددة أثبتا نضجاً وتفوقاً أخلاقيين على الأجهزة الأمنية، وعلى الإعلام الكاذب، وكذلك على نخب النظام الفاسدة، بكل حججهم المتهافتة.

أعتقد أن الشباب السوري أدرك أنه سيواجه من النظام السوري (رداً ليبياً) على طريقة الطاغية الهمجي القذافي، حيث دأب المعتوه الليبي على قتل شعبه، وقد أراد تسويق ذلك للعالم بحجة أنه يقمع (تمرداً إرهابياً) تقوده (عصابات القاعدة)، فعمد المتظاهرون السوريون، على نحو مبكر، برفع شعار (زنقة.. زنقة ..دار .. بدنا نشيلك يا بشار..).

يأتي هذا كله مع إطلاق قنبلة دخانية من العيار الثقيل كان (بطلها) محمد سعيد بخيتان، الأمين القطري المساعد لحزب البعث الذي أكد، حسب وكالة سانا، أنهم (دعاة الحرية) و(جدد العهد) على المضي من أجل (إنجاز المشروع الإصلاحي الديمقراطي)! فعن أي مشروع يتحدث السيد بخيتان؟

هل يتحدد هذا (الإصلاح) بقمع الشعب وهو يطالب بحريته وكرامته، وقد تظاهر سلمياً؟ أو يتمثل باعتقال الكوادر الحزبية المعارضة، والناشطين والمثقفين، في الوقت الذي لا يكف الإعلام السوري عن تسويق نوايا السلطة لطرح قانون الأحزاب (للنقاش)، أو بالتعتيم الإعلامي، على الرغم من الضجة المفتعلة حول (قانون الإعلام) المزمع إصداره؟ أم بماذا يتحدد جوهر الإصلاح هذا؟

أم هو، هكذا، وببساطة، المزيد من الدم المراق، والكثير من سحب الدخان المضللة، علّ الوقت يسعف نظاماً فاته الوقت؟!

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى