صفحات الناسوليد بركسية

“دمشق الآن”.. بعد تجنيد “الإعلاميين” في إيران/ وليد بركسية

 

 

لم يكن مفاجئاً أن يقدم موقع “دمشق الآن” الموالي للنظام السوري، قبل أيام، رؤيته “القانونية” حول ضرورة فرض عقوبات على المفطرين علناً في رمضان، فالموقع الذي انثبق عن صفحة واسعة الانتشار تحمل الاسم نفسه في “فايسبوك”، يقدم باستمرار هذا النوع من الفكر “المحافظ” الأقرب للفكر الديني المتشدد في بعض الأحيان.

وفيما قال الموقع أن المادة التي نشرها حول الموضوع، هي مجرد “قراءة قانونية” للفكرة، إلا أن طرحها بطريقة تلوم “القضاء السوري” على عدم تطبيق مواد قانونية موجودة في قانون العقوبات بهذا الشأن، والذي عدله النظام السوري العام 2011، تتجاوز النقاش نحو الدعوة لمثل هذا النوع من القوانين المتخلفة، والتي تتناقض أصلاً مع العلمانية التي يدعيها النظام أمام المجتمع الغربي، لأن الصفحة والموقع يتوجهان أساساً لجمهور الموالين في الداخل، والذين يحرص النظام على إرضائهم باستمالات متعددة، منها اللعب على الوتر الديني – المجتمعي، بحيث يظهر النظام نفسه بصورة المحافظ على الأخلاق العامة والتقاليد السورية.

يتجلى ذلك بوضوح في نهاية الموضوع الذي يدعو لضرورة تغيير القوانين السورية لأن “العديد من الدول العربية والإسلامية تطبق العقوبات على الإفطار علناً بشهر رمضان وذلك مراعاة لشعور الغالبية من المواطنين واحتراماً لطقس عبادة يمارسه المسلمون في أيام الشهر الفضيل حيث أن حرية الشخص تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين”!

والحال أن تحويل “دمشق الآن” إلى موقع إلكتروني هو خطوة نحو إعطاء الصفحة، وصاحبها وسام الطير المقرب من أسماء الأسد – زوجة بشار الأسد، شرعية أكبر في مرحلة ما بعد الحرب، بحيث يتحول الطير إلى إعلامي وليس مجرد داعم إلكتروني للنظام أو مراسل حربي كما يتم التعريف به حالياً في اللقاءات الإعلامية الكثيرة عبر الشاشات الرسمية. وبدأ ذلك خلال الشهرين الماضيين عندما تم تكريس الطير كمصدر لمعلومات وسائل إعلام النظام، التي باتت تنقل عن الطير مباشرة باعتباره مصدراً مطلعاً وليس مجرد ناقل للمعلومات.

ويتبع لـ”دمشق الآن” عدد من الصفحات التي تروج لنوع من الثقافة المجتمعية المحافظة بعيداً من السياسة والتفاصيل العسكرية. وفيما يبدو ذلك نوعاً من التماهي مع الجمهور المحافظ في البلاد، في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، باعتبار مواقع التواصل هي الأكثر قدرة على الوصول إلى تلك الجماهير، إلا أنه يحمل أبعاداً أعمق وأخطر، حيث يتهم ناشطون معارضون الطير، بأنه تابع لإيران ويعمل على نشر التشيع إلكترونياً ضمن الأوساط السنية، بموازاة جهود إيران التبشيرية في هذا المجال على أرض الواقع.

يظهر ذلك في صفحات المنوعات والدين والمجتمع التابعة لـ”دمشق الآن” وتحمل اسمها، والتي كانت الصفحات الوحيدة التي تنشر تفاصيل إحياء مناسبات دينية شيعية في دمشق مثل ذكرى عاشوراء، أو نشر الأحاديث النبوية والآيات القرانية المختلفة، ضمن سياق الحرب السورية أو من دونه.

النقاط السابقة، يؤكدها مصدر مطلع، رفض الكشف عن اسمه لاعتبارات أمنية، واكب عن كثب فترة تحضيرات النظام لإطلاق “دمشق الآن” وعدد من المشاريع الإعلامية الأخرى لنشر البروباغندا الرسمية محلياً وعالمياً.

ويوضح المصدر في حديث مع “المدن” أن “دمشق الآن” مشروع متكامل مدعوم من إيران مباشرة، ويعود تأسيسه للعام 2012 بجهود قام بها وزير الإعلام السوري السابق عمران الزعبي الذي نظم مؤتمراً انبثقت عنه ورشات عمل، من أجل تأهيل صحافيين سوريين ومراسلين ميدانيين تابعين للنظام، وتم اختيارهم حينها من كافة المحافظات السورية باستثناء الرقة، لانتمائهم لحزب البعث واتحاد الطلبة، كحالة الطير نفسه، أو بسبب ترشيح جامعة دمشق لهم من كلية الإعلام، كحالة المصدر نفسه. وتم إرسال حوالى 100 شخص إلى إيران للمشاركة في ورشات تدريبية، ولم يكن المصدر بينهم لأنه لا ينتمي أصلاً لحزب “البعث”، وتم تأسيس “دمشق الآن” كنتيجة لذلك.

ويؤكد المصدر أن من بين المراسلين الشباب الذين تلقوا ذلك التدريب في إيران، مراسل وكالة أنباء “فرانس برس” الحالي في سوريا ماهر المونس، والناشط بدوره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وإن كان التوازن الذي يقدمه المونس أعلى بكثير مما يقدمه الطير، إلا أن كثيراً من الاتهامات تطاوله حول التبعية للنظام السوري وتقديم البروباغندا الرسمية.

في ضوء ذلك، يمكن القول أن تلك الورشات أدت لتكريس الطير كوجه طازج يخاطب به النظام جمهوره الداخلي بلغة شديدة الموالاة وأقرب للتشبيح، بموازاة تكريس المونس كوجه “ألطف” بخطاب متوازن يتم فيه تمرير البروباغندا الرسمية عبر الشاشات العالمية، حيث يظهر باستمرار لتقديم مداخلات لصالح “بي بي سي” بموازاة عمله مع واحدة من أكبر وكالات الأنباء في العالم “فرانس برس”.

المدن

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى