بنكي حاجوصفحات سورية

دمشق الحرائق

بكر صدقي

استيقظ سكان دمشق، فجر الأحد 5 مايو (أيار)، على هجمات جوية وصاروخية من إسرائيل، هزت أرض المدينة تحتهم. أخيراً دخل بلطجي المنطقة على الخط. ربما كان المتوقع أن تضرب إسرائيل حزب الله المتورط في قتل السوريين جنباً إلى جنب مع شبيحة الأسد، لكن الهدف كان السلاح السوري الكيماوي ومواقع عسكرية عدة على سفح جبل قاسيون ومواقع أخرى قريبة. ترى ما الذي غيَّرَ الأولويات الإسرائيلية من إيران وحزب الله إلى سوريا؟

لعل أقرب ما يمكن الركون إليه من تفسير هو أن القرار أميركي بتنفيذ إسرائيلي، وأنه تم ترتيبه أثناء زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى إسرائيل في شهر آذار الماضي. أما في الإعلام فقد ظهر الأمر بصورة مقلوبة، فبدت إسرائيل وكأنها أحرجت الرئيس الأميركي بإعلان مسؤولي استخباراتها عن أن نظام بشار استخدم السلاح الكيماوي في حربه على سوريا، إضافة إلى إعلان بريطاني مماثل. وهكذا أمضينا الأسابيع الأخيرة في جدال غريب حول هذا الاستخدام من عدمه، بهدف امتحان “الخط الأحمر” الذي كان أوباما رسمه أمام سفاح دمشق. امتلأت الصحافة عبر العالم بالنقاش حول مدى استعداد الإدارة الأميركية للتدخل العسكري الرادع في سوريا، وشكل ذلك ضغطاً معنوياً كبيراً عليها. بهذه الوسيلة تمكنت واشنطن من استعادة زمام المبادرة في السياسة الدولية، بوصفها القوة العظمى الوحيدة في العالم، وإن كان ذلك بطريقة سالبة. في غضون ذلك كانت الأهداف العسكرية تحددت، والاستعدادات جارية بصمت للضربة التي فاجأت السوريين على حين غفلة.

عبرت صفحات الفيسبوك عن صدمة السوريين وتمزقهم الوجداني أمام هذا الحدث. فاختلطت في قلوبهم مشاعر متضاربة تراوحت بين الشعور بالإذلال أمام وقاحة عدوهم التاريخي في انتهاك سيادتهم الوطنية، والشماتة بالنظام المجرم الغارق في دمائهم طوال عامين. يمكن المجادلة مع الموقف الأول بالقول إن هذه السيادة منتهكة أصلاً من قبل إيران وحزب الله اللبناني وميليشيات شيعية عراقية، ولن يضيرها انتهاك إسرائيلي جديد يضاف إلى سلسلة انتهاكات منذ ضربة موقع عين الصاحب قرب دمشق في العام 2003، ظل النظام “الممانع” أمامها متفرجاً. بالمقابل يمكن المجادلة مع الموقف الثاني بالقول إن إسرائيل حين تضرب مواقع عسكرية سورية، إنما تستهدف الامكانيات الوطنية والمستقبل الوطني، لا النظام المجرم. غير أنه لا يمكن لوم من تقصف بيوتهم ومدنهم وقراهم بالصواريخ البالستية والغارات الجوية والسلاح الكيماوي، إذا عبروا عن فرحتهم بالتخلص من جزء من هذا السلاح الذي لم يوجهه النظام قط نحو إسرائيل، في حين استخدمه بلا تردد ضد الشعب الثائر طلباً للحرية والكرامة.

أما توقيت الضربة من زاوية النظر الأميركية، فلا بد أنه مرتبط بلقاء القمة المرتقب بين أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد أسابيع قليلة، ومن المتوقع أن تحتل المشكلة السورية موقعاً متقدماً على أجندة المباحثات بينهما.

فروسيا التي صالت، طوال سنتي الثورة السورية، وجالت، كما لو أنها استعادت موقع الدولة العظمى الند للولايات المتحدة، وصلت في مغامرتها هذه إلى نهاية الطريق، منهكة سياسياً وأخلاقياً بأوزار نظام تفوق بوحشيته في سوريا على وحشيتها في الشيشان، ولا يسعها إزاء إسرائيل المدللة، منها أيضاً، سوى الغمغمة الخجول. أتساءل هل سيسمح بوتن لحليفه السوري بتقديم شكوى ضد إسرائيل إلى مجلس الأمن، وهل يصوت المندوب الروسي فيتالي تشوركين لصالح قرار يدين الغارة الإسرائيلية على جبل قاسيون، بعدما تعبت ذراعه من استخدام حق النقض مراراً وتكراراً ضد أي مشروع أممي لإدانة مجازر الأسد؟ وما الذي سيقوله وزير الخارجية الروسي – السوري سيرغي لافروف عن الضربة الإسرائيلية، بعدما قرر قبل أيام معدودة أن زيارة أعضاء مجلس الأمن إلى مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن أمر مرفوض؟

سيكون أوباما في لقائه مع بوتين مرتاحاً إذن ومعززاً بالورقة الإسرائيلية في الموضوع السوري، مقابل إنهاك سياسي روسي ناتج عن تصلب موقف بوتن في مقاربة المشكلة السورية، وضيق هامش المناورة أمامه.

ماذا عن إيران؟

لعلها هي الخاسر الأكبر من الضربة الإسرائيلية، بل لعلها هي المستهدفة أصلاً لا نظام بشار الذي بلغ درجة من الهوان، لم تعد معها ضربة من هذا النوع تشكل أي إضافة. فلم يمض سوى يومان على كلمة حسن نصر الله التي كرر فيها التهديدات الإيرانية بأنها لن تسمح بسقوط النظام السوري، وبذل فيها جهوداً كبيرة غير مجدية لتبرير تدخله في الحرب السورية إلى جانب النظام ضد الشعب.

وسط كل هذه الأجندات الاقليمية والدولية المتضاربة، يبقى السوريون هم الخاسر الأكبر من كل التدخلات، بما في ذلك هذه الضربة الإسرائيلية.

(عنوان المقال مستوحى من عنوان مجموعة قصصية للكاتب السوري زكريا تامر)

موقع 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى