صفحات سوريةفلورنس غزلان

دور الأنتلجنسيا السورية/ فلورنس غزلان

 

 

 

وضعت الهدنة أوزارها  بقرار وتوافق روسي ــ أمريكي، رغم حوادث الخرق  ، فمازالت قائمة، ونأمل لها أن تستديم وتتخذ درباً آمنا يوصلنا إلى حل سياسي ينهي هذه الحرب المقيتة، وأن تتمكن اليد الروسية التي تراقب المناطق الحساسة شمالا ، في الراموسة وطريق الكاستيلو …لإيصال المساعدات الإغاثية لأهلنا في حلب الشرقية، المحرومين من كل شيء منذ أشهر ، حتى اللحظة لم نشاهد قافلة تمكنت من إغاثة هؤلاء الموجودون صدفة ..وخطأً في الترتيب الروسي ـ الأسدي للتوزيع السكاني، إنما لايزال الأمل معلق الأهداب حتى نرى الشبع والظمأ قد حلا محل الجوع والعطش ..

الروس هم الضمانة لاستمرار الهدنة واستدامتها، ورغم كل مالدينا من مآخذ وتحفظات على الثغرات المتوفرة في هذا الاتفاق ، لكننا لانملك إلا التعويل والتركيز على الأهم والأجدى وعلى كيفية ابتداع طرق ذات جدوى لتثبيت وتنفيذ آليات الاتفاق رغم الخوف من استمرار الخروق وما يترافق معها من محاولات لإجهاض الاتفاق وعودتنا إلى مربع الحرب الطاحنة وضياع الفرصة الأخيرة، التي يمكنها ــ ربما ــ أن تنقلنا إلى حل سياسي وحكومة انتقالية، رغم أن الاتفاق استثنى بطبيعة الحال كلا من ” داعش والنصرة : فتح الشام: ” إلا أن مايدعو للخوف هو الاختلاط الحاصل بين عناصر النصرة وعناصر المعارضة الأخرى مما يسمح للنظام وروسيا بضرب هذه القوات بحجة محاربة الإرهاب متمثلا بالنصرة، ونحن نتمنى أن تستطيع قوى المعارضة عزل نفسها عن عناصر النصرة لتفادي المأساة …وكلنا يعلم كم قتل وخطف من الجيش الحر على يد النصرة.

تعويلنا لم يأت من فراغ، وإنما من حاجة ماسة، فقد اكتفى شعبنا وجعاً وصبراً وأخذ مايكفيه من ” دوز ” الزرقات المخدرة والوعود الكاذبة ،  أو البراميل والنابالم والقذائف العنقودية والفوسفورية…المحرمة دولياً والمسموحة روسياً وأسدياً ــ لم يعد ممكناً الاستمرار بهذه الأوضاع ، وآلاف ممن تقطعت بهم السبل على حدود تركيا، الأردن ، واليونان ينتظرون فرجاً ما ، فإن استمر القتال …فلا فرج ولا  حل  بل تهجير وتجويع وإذلال وتردي فكري وكراهية تعلو مداميكها بين أفراد الشعب الواحد ، وتشظي مجتمعي لن يؤدي بالتالي إلا إلى فرض التقسيم ، لأن الأصابع التي تلعب على الأوكورديون السوري  لكل منها مطمح ونفوذ تسعى لجعله واقعاً …والفرصة اليوم مواتية …فهنا نفوذ تركي ، وهناك إيراني حزب لاتي ، وذاك روسي ، وآخر أمريكي ، وفي الجنوب أردني ــ إسرائيلي

من الذي يمكنه أن يجعل الهدنة ممكنة ويحولها لاستدامة ويوقف التجويع والتهجير والموت؟

أبناء الشعب السوري وأقصد هنا نخبته المثقفة والسياسية، التي يقع عليها العبء الأكبر والأول لتبادر وتأخذ موقعها الطبيعي ، فتتوافق على المصلحة الوطنية وتطرح برنامجا سياسياً ومخططاً لحل قابل للحياة …وتتخلى عن الأنا وعن الحساسيات والتنظير والتعفف ، فلم يعد لدينا الوقت وسيأتي الحل روسياً بالدرجة الأولى ..لأن أمريكا تخلت عن دورها وأوباما لايريد إزعاج نفسه قبل انتهاء ” صلاحية حكمه ” كما أن العد التراجعي في مواقف الدول التي تسمي نفسها “صديقة الشعب السوري ” لم يعد خافياً على أحد وبات مصير  الشعب السوري متروكاً ”  للإئتلاف الوطني السوري “، الهش والذي لايملك قراره ولا استقلاليته، أما الدول العربية …” الداعمة” !!، فلكل منها مصلحته ومعظمها غارق في وحل تردي سعر برميل البترول والحرب اليمينة التي أغرقت الجميع وعلى رأسها السعودية…التي تستنزف مالها وقوتها، وجميعها بات يتلهف لحل ويهرع نحو موسكو للتوصل لحل لايقتل بشار الأسد وينقذ  ماتبقى من السوريين.

إذن نحن أمام خيارين لاثالث لهما ــ حسب رؤيتي المتواضعة  ــ إما التقسيم وهو مطروح في الأدراج وخرائطه جاهزة …أو رفضه بمبادرة مثقفين وسياسيين ينطقون باسم الأكثرية الصامتة والمنتظرة بصبر من أبناء الشعب السوري الغيورين والمستقلين عن الأيديولوجيا والارتباط بالمال والسلاح،هم أملنا الأخير…للخروج نحو نور الحياة…أدرك تماما ً أن ماينتظرنا ليس نوراً حقيقياً ولا حلاً فيه الكثير من الرضا…وماينتظرنا مُرٌ وصعب بكل المقاييس، فلغة السلاح تطغى اليوم على لغة الحوار…لكن لمثقفينا وسياسيينا الباع الكبير في البدء والتشاور والتحاور ..والانطلاق…ولنا فيهم الأمل المنشود ونتمنى ألا يخيب رجاءنا .

باريس 14/09/2016

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى