صفحات سورية

دولة المخابرات السورية

 


محمد زهير الخطيب

في سورية ومنذ الحركة الانقلابية لاسد الاب عام 1970م جرت عدة تحولات في بنية النظام في منتهى الخطورة، انتفلت بها السلطة على مراحل من حالة حكومة إلى الحزب الواحد الذي يقود الدولة والمجتمع إلى سيطرة الجيش ثم إلى هيمنة أجهزة الامن التي أصبحت أفعى بسبعة رؤوس لا يعلم كل رأس منها ما يدور في الرؤوس الاخرى، ثم استقرت السلطة في يد عائلة أسد أقارباً وأصهاراً، وأصبح جهاز الدولة التنفيذي عبارة عن هياكل وأشباح تدار بالتحكم عن بعد (روموت كونترول) من فروع المخابرات والقصر الجمهوري الذي غدا فرع المخابرات رقم واحد، وتدربت أجهزة الدولة على التعايش مع هذه الحالة المَرَضيّة، فيكفي مجلس الشعب بقضه وقضيضه ورقة صغيرة من المخابرات فيها تعليمات لينهض رئيس مجلس الشعب طارحا مضمون القصاصة وليصوت عليها المجلس بالاجماع مع تصفيق حاد، ومشهد توريث ابن الرئيس خير شاهد على ذلك، ويكفي أي وزير هاتف من الرئاسة لينفذ مضمونه مهما كان استثنائيا أومخالفا للانظمة والقوانين.

الخطط والسياسات كلها تعد في أروقة المخابرات وبميزانيات مفتوحة لانقاش فيها ولا محاسبة، والهياكل الديكورية من مجلس شعب إلى وزارات إلى إدارات تنفذ وتنادي بالروح بالدم نفديك…

كيف ننتظر أي تطور لبلد هذه هي حاله!! هذا ليس بلداً!! إنه مسرحية كبيرة فيها آلاف الممثلين يأتيهم كل يوم نص جديد من المؤلف (أجهزة الامن) بعد أن يمر على أجهزة السيناريو والحوار فلاسفة النظام ومنظريه لكي يضعوا لمسات أخيرة عليه تجعل مراره مستساغاً وقبحه مموهاً.

هذه المسرحية الكبيرة يجب أن تتوقف، وعلى الممثلين أن يقولوا كفى كفى، لقد سئمنا التمثيل، لقد أصبحنا اضحوكة الدنيا بحركاتنا السخيفة وتصفيقنا المنافق وهتافاتنا مسبقة الصنع، آن لنا أن نخرج عن النص التافه الذي يزودنا به المؤلف الفاشل كل يوم (المخابرات) دعونا نكون بشراً نفكر ونحاور ونوافق ونعترض، دعونا نلغي وزارة الاعلام التي الغتها الدول المتحضرة منذ عقود فلم نعد نسمع من الاعلام الحكومي إلا قصصاً مفبركة لا يصدقها أحد… قصص عن مندسين وقناصين وأشباح يختبئون بين الاشجار ويعتلون أسطحة السجون والمرتفعات، يقتلون المتظاهرين ورجال الشرطة،

ثم هناك قصص عن دور الشرطة الحنونة التي جاءت لتنظيم أمور المتظاهرين وحمايتهم لان سورية دولة متحضرة تقر بشرعية التظاهر السلمي وتقر بضرورة حماية المتظاهرين، وأن هذه الشرطة لم تقف مكتوفة الايدي في البحث عن القناصين، ولذلك اضطرت لاعتقال مئات الاشخاص الذين كانوا في ساحة الحدث بحثاً عن القناصين، ولتمييز الخبيث من الطيب والقناص المندس من المتظاهرالمسكين ذو الطلبات المحقة الذي كان حظه عاثراً بظهور هذه الشرذمة الغامضة شرذمة المندسين والقناصين التي لم تعثر الشرطة المهذبة على أي واحد منهم رغم اعتقالها للمئات والتحقيق معهم بشكل مهذب ودون تعذيب لان سورية بلد متحضر موقع على الاتفاقيات الدولية لمنع التعذيب، وبالمناسبة، ماجرى من تعذيب أطفال درعا الصغار وإسالة دمائهم وتقليع أظافرهم كان بلا شك شيئاً استثنائياً و(خطأ اللحظة) كما أسماه الرئيس في خطابه التاريخي أمام مجلس الشعب مؤخراً.

أيتها الاجهزة الحكومية التي تعبث بكِ أجهزة المخابرات، طريقة المخابرات هذه طريقة مهينة وغير محترمة ونحن الآن في لحظة تاريخية تسمح بالاعتراض والصدع بالحق، فكونوا رجالاً وأعلنوا خروجكم من خشبة المسرح إلى الحياة الحقيقية، انقسموا في مجلس الشعب إلى يمين ويسار كما في مجالس البشر، كفوا عن التصفيق وابدؤوا بالتفكير، اسمعونا كلمة لا، انقلوا هموم الشعب وسيروا على نبضه وأحسنوا تمثيله إن كنتم حقاً ممثليه، كما فعل عضو مجلس الشعب السيد يوسف أبو رومية الذي أشاهد بالثائرين من أهل درعا وبمطالبهم المشروعة، والسيدة سميرة مسالمة رئيسة تحرير صحيفة تشرين التي أدانت فرضية القناصين وحمّلت الدولة مسؤولية هذه الروايات غير المقنعة، وعشرات خطباء المساجد الذين صدعوا بكلمة الحق مثل الشيخ راجح كريم والدكتور إحسان بعدراني، وعشرات الفنانين والمفكرين الذين انتهزوا الفرصة ليساهموا في تصحيح الخلل ونقد الاستبداد والفساد، كالفنان أيمن رضا والفنان سميح شقير في اغنية (ياحيف) الحزينة التي ترثي زهور درعا التي غيبها الظلم،

أيها المسؤولون السوريون الذين يفترض أنكم مسؤولون أمام الناس ولكنكم لا تملكون من الامر شيئاً، إنكم أناس محترمون جاءت بكم أجهزة المخابرات إلى سدة الحكم لتحكم باسمكم ولتجعلكم واجهة لظلمها وقبائحها، فلا تتركوا هذا النظام البائس المخابراتي يعبث بكم ويضعكم في مواقف مخجلة لم تعد تخفى على أحد. اليوم اللحظة مناسبة وكل الناس تتكلم عن الاصلاح والتغيير والحرية، فليكن لكم صوت حقيقي يصدع بالحق ويقول الصدق، ولن ينسى لكم التاريخ ذلك، فكل كلمة حق وصدق هذه الايام سيسجلها التاريخ لانها ستسهم في إنقاذ سورية الحبيبة من براثن الاستبداد والفساد الذي أقر بوجوده الصديق والعدو فهل أنتم فاعلون؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى