صبر درويشصفحات الناس

دوما: المدنية تواجه الاستبداد/ صبر درويش

على الرغم من تعثر أغلب تجارب إدارة المدن المحررة من قبل الأهالي في سياق محاولتهم فرض سلطتهم المدنية وتنظيم شؤون حياتهم اليومية، إلا أن الفعاليات المدنية للنشاط الثوري لم تكف عن المحاولة والبحث عن آلية مؤقتة تتيح تعبئة الفراغ الناتج عن رحيل سلطة الدولة عن هذه المدن.

 أغلب التجارب اصطدمت بعقبات كثيرة، بينها نقص الموارد وغياب قسم كبير من الكوادر المختصة، لكن أخطرها محاولة بعض التشكيلات العسكرية وخصوصاً تلك المؤدلجة منها، فرض سيطرتها على المدن واخضاع سكانها لرؤيتها السياسية.

اليوم يثار جدل واسع حول الاعلان عن تشكيل المجلس الموسع لمدينة دوما، لا لأن ذلك يشكل سابقة من نوعها، فقد عملت عشرات المدن المحررة سابقاً على تشكيل مثل هذا المجلس، بل بسبب البيان الذي صدر عن “جيش الاسلام”، بلسان قائده زهران علوش، والذي اعتبر فيه تشكيل هذا المجلس محاولة لزرع الفتنة والشقاق بين أفراد المدينة.

 بيان علوش لا يخلو من لغة التهديد، ما استدعى ردأً فورياً من قبل الفعاليات المدنية الثورية في عموم سوريا، والتي أصدرت بياناً تدين فيه ما وصفته بتجاوزات علوش، ومحاولته فرض سلطته على المدنيين.

 وجاء في نص البيان: “يوحي السيد علوش في بيانه لأهالي الغوطة الشرقية بأن وحدة الصف لا تكون الا بالانصياع لقيادته حصراً، وأن محاولة المدنيين لتشكيل الأطر الادارية والتنظيمية التي تناسبهم بإجماعهم هو تجاوز لسلطته وضرر للمصلحة العامة. وإننا، نحن الموقعين أدناه، نجد من واجبنا أن نرفض أي محاولة من أي طرف للاستبداد بالقرار وبالعمل الوطنيين. كما نرفض أن يكون الانصياع لأية مؤسسة غير منتخبة من قبل الشعب معياراً لمصلحة الشعب أو محدداً للوطنية”.

 موقف علوش، لا ينسحب بالضرورة على كافة التشكيلات العسكرية، اذ يرفض الكثير من قادة الألوية التدخل في شؤون المدنيين. قائد لواء الشام، العامل في دمشق وريفها، سليم حجازي، أصدر بياناً أدان فيه أي تدخل بشؤون المدنيين.

 وحول موقع التشكيلات العسكرية المعارضة ودورها في الشؤون المدنية يقول حجازي لـ”المدن”، “إن فرض السلطة على المدنيين بغض النظر ان كان من الشيخ زهران او غيره هو امر مخالف لثورتنا، فعندما حملنا السلاح حملناه لأجل المدنيين وكرامتهم لا لأجل ان نحكمهم به”.

ويتابع بالقول: ” نحن نعتبر اي تدخل في أمور المدنيين أمراً لا يليق بنا كثوار، نحن جهات عسكرية يجب أن يصب عملها في الحماية العسكرية للأرض والمدنيين وحمايه حرياتهم، هذا ما يوافق عقليتنا.. وليفعل الجميع ما ارادوا، فالشعب السوري في نهاية الامر هو من سيحكم بعقليته وأخلاقه وقيمه السامية”.

 يحتمل هذا الوعي السياسي الذي يقدمه حجازي الكثير من المسؤولية الوطنية التي تبدو الثورة اليوم بأمس الحاجة إليها، إذ أن الخلاف بين العسكريين والمدنيين، يثير الكثير من المخاوف من انفجار صراعات جانبية لا تخدم أهداف الثورة السورية.

  رغم ان ذلك مستبعد حتى الآن على الأقل في محيط العاصمة دمشق، إلا أن هذه المخاوف تجد ما يبررها، وخصوصاً أنها حدثت في مدن سورية أخرى. وسبق أن أعاق سلطات المدنيين في الكثير من المناطق سلطة التشكيلات العسكرية المتبلورة حديثاً، التي راحت تسعى إلى فرض رؤيتها السياسية والأيديولوجية على السكان، وقد تكون تجربة مدينة الرقة وما سعت إليه كتائب داعش” في فرض سلطتها على المدينة، خير مثال على ذلك.

 يبقى أن السؤال الذي من الجيد طرحه هنا: من أين تستمد المجالس المشكّلة لإدارة المدن، شرعيتها؟ من السلطة التي يفرضها العسكر، أم من المدنيين ذاتهم؟

 حول ذلك يقول أحد الناشطين السياسيين المدنيين في دوما، ويدعى بسام، لـ”المدن”، ” لا أدعي ان هناك اجماعاً مدنياً لغياب الآلية التي قد نستنتج منها ان كان هناك اجماع او لا، ولكن اذا اردت مقاربة هذا السؤال فاني اقول ان المجلس المحلي لمدينة دوما هو المجلس المدني الوحيد -حسب علمي طبعا- في البلدة الذي جاء نتيجة انتخابات علنية وعامة”.

 واعتبر أنه بناءً على مشاهداته حول أداء وعمل المجلس المحلي في دوما، يمكن القول “بأن المجلس يلقى استحساناً من قبل الأهالي، وخصوصاً في ما يخص عمل لجنتي الطابو والسجل العقاري”.

 اما على صعيد الهيكلية المعتمدة في تشكيل مجلس دوما المحلي، سعى القائمون عليه إلى تفضيل أصحاب الاختصاصات والخريجين الأكاديميين، فعين احد مهندسي المدينة لرئاسة مجلس الادارة المدنية والخدمات، كما عين أحد الأطباء كممثل عن المكتب الطبي الموحد.. وكل هذا محاولة من المدنيين لاستبدال مبدأ المحسوبيات في اختيار الأشخاص بمبدأ التركيز على الخبرة والسمعة الحسنة.

 ووفقاً لبسام: “يرى اهل المدينة في اجتماعاتهم التي ادت الى انتخاب المجلس المحلي، ان الانتخاب المباشر لممثلين عن المكاتب ولجان الاحياء هو الوسيلة الامثل لإدارة البلد، ومن هنا كان الخلاف على امور ليست اجرائية بل هي في صلب الرؤية التي تقوم عليها ادارة كل طرف للبلد”.

ويتابع بالقول: “زهران علوش هو قائد جيش الاسلام الفصيل العسكري المعروف والذي يمتلك مجلس شورى يمثل الوجه المدني لجيش الاسلام، وهو ينتمي الى منظومة فكرية وايديولوجية متكاملة من حيث الناحية العسكرية والادارة المدنية للبلاد، ويحاول ان يفرض وجهة نظره في ادارة البلاد من هذا المنطلق، فيعتبر ان المبايعة هي الوسيلة الأنجع حالياً لاختيار القيادات وهي التي تضمن لهم الولاء المطلق لكل من يعمل لديهم”.

 هكذا كان من الطبيعي أن يبرز تصادم سلطات ثورية متعددة، يسعى البعض منها إلى استلهام مبادىء الديموقراطية في إدارة شؤونها المدنية كبديل ثوري لسلطة الاستبداد التي كانت سائدة قبل الثورة، فيما يسعى البعض  الآخر إلى فرض هيمنته باسم الدين وسواه،  وهو أمر لا يعدو كونه استبدال سلطة استبدادية بأخرى لا تقل استبداداً عنها. لكن هذا التصادم يبقى صحياً  للمجتمع طالما لم يخرج عن السيطرة بعد.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى