صفحات الناس

دير الزور: في مواجهة الخيارات الصعبة/ فراس علاوي

 

 

تتجه الأنظار والبنادق إلى دير الزور وريفها مع انتهاء معارك الموصل، واقتراب معارك الرقة من نهايتها، وأيضاً مع فرض روسيا لمعادلتها التي وافق عليها الأمريكيون في سوريا، وهي إيقاف المعارك ضد نظام الأسد وتحويل المسألة كلها إلى حرب على «الإرهاب» تحت بند مناطق تخفيف التصعيد، وهو ما تبعه تجميع لقوات النظام والمليشيات المساندة له في مناطق جديدة، تركزت في البادية السورية وصولاً إلى ريف الرقة الجنوبي والشرقي، وتخوم محافظة دير الزور الغربية.

كانت دير الزور الغنية بالثروات، النفط والغاز خصوصاً، والتي تم تهميش وإفقار شرائح واسعة من سكانها في عهد نظام الأسد، من مناطق الزخم الثوري في بدايات الثورة، وبعدها أصبحت أحد أبرز مراكز الحراك الثوري والقوة العسكرية المتمثلة بالجيش الحر الذي حرر ما يقارب ال 90 % من المحافظة حتى نهاية العام 2013، لكن تحولات باتت معروفة للجميع، قادت إلى سيطرة داعش عليها منتصف 2014.

غابت دير الزور عن المشهد الثوري والإعلامي بعدها، رغم ما تم ارتكابه فيها من مجازر على يد داعش وطيران النظام وحلفائه الروس والتحالف الدولي، ولم يكن هذا الغياب على الصعيد الجغرافي فقط، بل ابتعد أبناؤها أيضاً عن المشهد الثوري والإعلامي، إذ تفرق مقاتلو المحافظة وناشطوها، وتوزعوا على الجغرافية السورية، وعلى الخريطة السورية للفصائل المقاتلة.

بعد دخول داعش وبيعة بعض الفصائل لها، خرج مقاتلو دير الزور من فصائل الجيش الحر وجبهة النصرة وأحرار الشام، والتحقوا بفصائل المناطق التي خرجوا اليها، أو عملوا على تشكيل قوى مستقلة تقاتل في تلك المناطق. ويحدثنا الإعلامي الميداني، وأحد أبناء دير الزور، عهد الصليبي عن توزع المقاتلين من أبناء دير الزور:

«توزعت الفصائل ومقاتلوها على أغلب المناطق السورية، خرجت مجموعات النصرة باتجاه درعا ومن ثم عادت باتجاه ادلب، كذلك اتجه مقاتلو عدد من الفصائل إلى حلب وإدلب وأريافهما وشكلوا قوى مستقلة، أو التحقوا بقوى أخرى مثل الجبهة الشامية وجبهة النصرة وأحرار الشام وغيرها، وخاضوا معارك تحرير إدلب وريفها ومعارك حلب، كما التحق عددٌ منهم بقوات درع الفرات التي شكلتها تركيا لقتال تنظيم الدولة في ريف حلب. وهناك مقاتلون اعتزلوا القتال، وهم منتشرون في بلدان مجاورة أبرزها تركيا وفي أوروبا أيضاً، والأرجح أن كثيرين منهم على استعداد للعودة للقتال في دير الزور لو توافرت ظروف مناسبة.

توزعت قوى أخرى بين القلمون الشرقي والبادية السورية، وهؤلاء قاموا بتشكيل الفصيل المعروف بجيش أسود الشرقية. وفي البادية الجنوبية الشرقية على الحدود الأردنية تم تأسيس جيش سوريا الجديد من أبناء دير الزور، الذي تحول الى جيش مغاوير الثورة بعد عملية الهجوم التي قام بها على مدينة البوكمال، التي فشلت في تحرير المدينة ما تسبب بحدوث خلافات تسببت بانسحاب بعض المقاتلين.

كذلك هناك قوات النخبة التي اتجهت إلى الشمال الشرقي حيث محافظة الحسكة، وتخوض بالتحالف مع قوات سوريا الديموقراطية معارك الرقة وأريافها. وهناك أيضاً إلى جانب كل هذه التشكيلات والتجمعات، تجمع يُعرف باسم المجلس العسكري في محافظة الحسكة، ومجلس دير الزور العسكري الموحد في ريف حلب».

ومن مصادر خاصة ومتقاطعة، استطعنا الحصول على أعداد تقريبية للمقاتلين في أغلب هذه الفصائل والتشكيلات، وهي موزعة على الشكل التالي: جيش أسود الشرقية في البادية والقلمون الشرقي/1300 مقاتل، جيش مغاوير الثورة في التنف/400 مقاتل، أحرار الشرقية في ريفي حلب وادلب/800 مقاتل، درع الشرقية في ريف حلب/150 مقاتل، أبناء الشرقية في ريف حلب/100 مقاتل، الجبهة الشامية في ريف حلب/250 مقاتل، أحرار الشام في ريفي حلب وإدلب/615 مقاتل، جيش الإسلام/75 مقاتل، مجموعة أبو خالد حوايج في ريف حلب/160 مقاتل، قوات النخبة في الجزيرة/1000 مقاتل.

لا تخوض كثيرٌ من هذه المجموعات أي معارك الآن، نظراً لتواجدها في مناطق خفض التصعيد، ومن الفصائل التي لا تزال تخوض معارك على جبهات مختلفة، قوات النخبة وقوات مجلس دير الزور العسكري، التي تقاتل الى جانب قوات قسد في الرقة وريفها. وتقول قيادة قوات النخبة إنها لا تنضوي تحت قيادة قسد وإنما تقاتل معها كحليف وشريك، وهو ما يفسر بعض حالات الخلاف التي استدعت انسحابها من بعض المعارك كما حدث في الرقة مؤخراً، وهي كما تصرح قيادتها جاهزة للمشاركة في معارك دير الزور المقبلة.

جيش أسود الشرقية، أحد أبرز فصائل دير الزور، خاض ويخوض معارك ضد النظام وداعش في البادية والقلمون الشرقي، كان آخرها معركة الأرض لنا، والتي تصد حتى اللحظة محاولات تقدم النظام في مناطق سيطرة الجيش وتكبده خسائر كبيرة على جبهات محروثة وأم الرمم. وكان هذا الجيش منذ تشكيله قد قام بتحرير مناطق واسعة في البادية من تنظيم داعش والنظام، وهو يقاتل بدعم من الجبهة الجنوبية المدعومة من غرفة الموك، التي أعلن الأمريكيون مؤخراً أنهم أوقفوا دعمهم لها، وهو ما ينفيه الأسود حتى اللحظة. ويقوم مشروع جيش أسود الشرقية على الوصول إلى دير الزور عن طريق البادية السورية، الأمر الذي بات يصطدم بمعوقات كثيرة أهمها تقدم النظام كحاجز أمامهم في البادية، ما سيستدعي قتال النظام والتنظيم معاً وسيشكل عبئاً على المقاتلين واستنزافاً للذخيرة، لكنهم يعلنون إصرارهم على مشروعهم حتى اللحظة.

جيش مغاوير الثورة المدعوم من البنتاغون، والذي له قواعد متوزعة في البادية السورية أهمها التنف والزكف، خاض عدة اشتباكات مع تنظيم الدولة في البادية في سياق مشروعه لدخول دير الزور من مدينة البوكمال، لكن هناك معوقات اليوم هي ذاتها التي واجهت وتواجه الأسود، يضاف إليها رفض التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة دعم أي قتال ضد قوات النظام في البادية.

بدأت التطورات الأخيرة بما يخص المنطقة تظهر بعد لقاء بوتين ترمب في هامبورغ مؤخراً، وتوقيع اتفاق مناطق خفض التوتر التي أفضت إلى عملية إيقاف إطلاق النار في الجنوب، والعمل على توسيعها لتشمل ريف حمص والغوطة الشرقية وغيرها، وهو ما جعل دير الزور في عين العاصفة، كونها الحصن الأخير لداعش بعد سقوط الموصل والمعارك في غرب العراق، وبعد تقدم قسد في معركة الرقة واقتراب نهايتها.

هكذا يبدو أن انطلاق معركة دير الزور بات قريباً، وهي التي ستكون نقطة تقاطع لمسارات عدة مشاريع كبرى في الإقليم كله. هي بداية النهاية لمشروع الخلافة الذي أطلقه تنظيم الدولة، ومحطة أساسية وفاصلة في مشروع روسيا المتعلق بتثبيت نفوذها في هذا الجزء من العالم، وكذلك في المشروع الإيراني الذي يقضي بالسيطرة على سوريا، ومد خط إمداد بري متصل من إيران باتجاه العراق ثم عبر البادية السورية حتى لبنان.

يبدو أن الاتفاق الروسي الأمريكي، مجهولَ البنود حتى اللحظة، قد بدأ تطبيقه على الأرض فيما يخص دير الزور، ولهذا بدأ الحديث عن مشاريع كثيرة يبدو أن آخرها وأكثرها جدية هو المشروع الذي أطلقه الأميركيون حول إيجاد قوة من أبناء دير الزور في شمال المحافظة، في منطقة الشدادي تحديداً، تكون قاعدة انطلاق نحو دير الزور. وقد وجدَ هذا المشروع وجد قبولاً لدى أبناء دير الزور عامة، مع تحفظ بعض القوى والتجمعات على نقاط فيه.

المقدم مهند الطلاع، قائد جيش مغاوير الثورة، أكدّ في أكثر من مناسبة أن المفاوضات مع الأمريكيين قادت إلى اتفاق مع مغاوير الثورة، وبوجود ممثل سياسي هو رياض حجاب، رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، وتم تقديم رؤية جدية للمنطقة تقوم على أسس أهمها تشكيل قوة عسكرية من أبنائها لإخراج داعش، والعمل على إدارة المنطقة وتحقيق السلم الأهلي فيها، بعد الآثار الكارثية التي تركتها داعش من تدمير للبنية الاجتماعية وزرع للشقاق وثقافة الثأر فيها عبر سياسة الإغتيالات التي كانت تنفذها بيد أبناء العشائر، بغية ضرب بعضهم ببعض من خلال إصدارتها التي عملت على توزيعها كرسائل بين الحين والآخر.

حتى اللحظة، لم تقدم صياغة واضحة لمشروع المغاوير، ولعل ذلك لعدة أسباب يمكن تلخيصها فيما يلي:

1_ في وقت لا تبدو فيه قوات المغاوير كافية لوحدها لفتح معركة باتجاه دير الزور، فإن القوات الكردية تبدو غير راغبة بدخول دير الزور لحسابات كثيرة، أهمها رفض الحاضنة الشعبية لها، والتي تحمل إرثاً من الخلافات العشائرية والمناطقية، عدا عن تخوف الأهالي من الأحاديث والتقارير حول أعمال الثأر والتهجير التي رافقت دخول القوات الكردية إلى لمناطق العربية في الرقة والحسكة، وهو ما يحرج الأمريكيين الذين يحاولون الاستفادة من تجربة الرقة بتشكيل فصيل عربي قوي.

2_ التشرذم وعدم الاتفاق بين الفصائل المحسوبة على المنطقة حول عدد من النقاط، وتتعلق أبرز الخلافات الجوهرية بينها برؤيتها للمعركة من جوانب لها علاقة بمواقع الفصائل وإمكانية التحرك، وهي الخلافات التي وصلت حدَّ التخوين والتراشق الإعلامي. وقد دفعَ مناخُ عدم الثقة بعض الفصائل لإطلاق مشروع مناقض لمشروع المغاوير تحت ذرائع مختلفة، أبرزها عدم الثقة بالأمريكيين وعدم قبول العمل تحت مظلة قسد، وهو الأمر ذاته الذي يرفضه فصيل مغاوير الثورة أصلاً.

تعطي هذا الخلافات انطباعات غير مشجعة للجهات التي قد تدعم أي عمل لهذه الفصائل نحو دير الزور، وتعمل شخصياتٌ وجهاتٌ متعددة من أبناء المنطقة على رأب الصدع وتوحيد العمل، إلا أنها حتى اللحظة لم تنجح بذلك.

3_ تقدم النظام باتجاه دير الزور من أكثر من محور، أبرزها محور تدمر/السخنة/دير الزور، ومحور الريف الشرقي، ويعتمد في تقدمه على مليشيا محلية تعمل تحت إشراف النظام وبالتنسيق مع قسد، ما قد يجعل النظام وحلفاءه طرفاً قوياً في المعركة في حال فشلت الفصائل بالتوحد والتنسيق لعمل موحد.

4_تشتت الجبهات، فالدخول من البادية يعني ترك جبهة الريف الغربي سهلة لدخول النظام وحلفائه إلى دير الزور، وبالتالي تشتيت الجهد العسكري وربما سقوط مناطق كبيرة بيد النظام وفتح طريق أمامه إلى دير الزور. لذلك يبدو أنه من الأفضل العمل على جبهتين معاً، هما البادية السورية والشدادي، وهو ما يبدو بعيد المنال اليوم.

5_ استماتة تنظيم داعش المتوقعة في الدفاع عن مواقعه الأخيرة، لأنه سيعتبرها معركة موت أو حياة، ما سيجعلها معركة بالغة الصعوبة، وربما ذات خسائر كبرى بشرية ومادية.

ويبقى السؤال الأبرز، هل سينتظر الأمريكيون طويلاً حتى تتفق تلك الفصائل فيما بينها؟ أم أن الحلول البديلة جاهزة؟ إذ ربما تكون قوات سوريا الديموقراطية، والحشد الشعبي الذي يجهزه الروس والنظام، بدائل مقبولة من وجهة نظر الأمريكيين والتحالف الدولي، وبذلك تكون الفصائل قد أضاعت فرصتها الأخيرة من أجل استعادة دير الزور من عين العاصفة.

موقع الجمهورية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى