صفحات المستقبلمحمد دحنون

ديموقراطية سراقب واستبداد “المدينة”

 

محمد دحنون

 متوّقعٌ، طبيعيٌ، وربما كان “مستحباً” ما جرى في قرية سراقب يوم الجمعة الماضي. اختلف المتظاهرون في الهتافات؛ صرخ البعض مطالباً بخلافة إسلاميّة في حين هتف آخرون مطالبون بدولة مدنيّة. مدة مقطع الفيديو الذي ظهر خلاله الخلاف السياسي والشجار مع جانب من التظاهرة لا تتجاوز الثلاث دقائق، تابعت بعدها التظاهرة سيرها وبدت أعلام الاستقلال كما بدت أعلام الإسلاميين السوداء. خلاف الدقائق الذي شهده شارع سراقبي لحظة التظاهر، تلقفته وسائل إعلام كثيرة، وطال على يد الناشطين والمثقفين على صفحات الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي لمدة يوم وأكثر.

الهلع هو ما أصاب بعض الناشطين المدنيين والعلمانيين جراء الحادثة الصغيرة التي تتكرر في سراقب نفسها لأسبوع آخر، وتقع في مناطق سوريّة منتفضة أخرى.

 الهلع يجرّ الشكوى و”النق”.

يتعامل هؤلاء مع أيّ ميل لأسلمة الثورة السوريّة، “الأمر الذي حصل فعلاً لأسباب لا تتعلق أساساً بالمنتفضين السوريين”، بردّة فعل ارتكاسيّة تليق أكثر ما تليق بالأقليات… الثقافيّة والدينية.

 ثمّة خوف وجودي، أو ربما كان جزعاً، يصيب شرائح من الطيف المدني في سوريا جراء هذا النوع من حوادث “ديموقراطيّة الشارع”.

إلى ذلك، يتكفل الميل السلمي (المبالغ به) لدى بعضهم والتسميات الإسلاميّة للكتائب الشعبيّة المسلّحة بإضفاء صفة الذعر عليهم. ينعكس هذا الأمر في خطاب إلغائي يتبناه البعض؛ يبدو أنّ أحطّ تجلياته تلك التي تتحدّث عن “شعب غير واع” وعن “انعدام الثقافة” في أوساطه.

 الخطاب الإلغائي، المؤسَّس أوّلاً على العقل الثقافي التقليدي الذي يصدر عنه معظمهم، هو ما يجعلهم يتحدّثون، دون أن يرفّ لهم جفن، عن “سرقة الثوّرة” وعن “حرفها عن مسارها”؛ الوجه الآخر لهذا النوع من الطرح هو لا أقل من: الثوّرة ثورتنا، ومسارها محفور في أذهاننا، وكل من يخالف ما هو موجود في “صندوق رأسنا!” يُفقد الثوّرة صفتها هذه لتتحوّل إلى: حرب أهلية أو حراك طائفي.

 وهذا الأخير هو ما حاول نظام الطاغيّة أن يسم به الحراك السوري في أيامه الأولى (بثينة شعبان ـ 25 آذار 2011 ـ الحديث عن الفتنة). هنا يحدث الالتقاء مع “عقليّة النظام الاقصائيّة”، ومن هنا تبدأ عمليّة إعادة إنتاج النظام القديم، الأمر الذي لا ينفك بعض مدنيي وعلمانيي الثوّرة في سوريا عن التحذير منه!

 ربح هؤلاء أنفسهم أوّلاً، ووجودهم السياسي ثانياً، حينما تجاوزوا خوف الأقليّة الثقافيّة من حراك مجتمعي مباغت في بلد سُحق فيه العمل السياسي والمبادرة الذاتيّة المستقلة، وانعدمت فيه “سلطة الشعب”، حيويته، وحريته. ويخسر هؤلاء أنفسهم واحتمال تشكّلهم السياسي حينما يعيشون، حيال الطيف الإسلامي في الثوّرة، خوفاً “نخبويّاً” يصيّرهم شكّائين لا أكثر؛ الأمر الذي قد يعطي لشكواهم المبالغ بها فرصة لتتحقق بصورة أكبر وأشدّ سوداويّة مما يتخيّلون.

 بالطبع، ليست غاية الحديث عن ردّة فعل ارتكاسيّة وعن “خوف نخبوي” لدى شرائح من الطيف المدني والعلماني باعتباره تجاوزاً أو تغييباً لميل الطيف الإسلامي الثابت و”المكتوب” في “علمه السياسي” إلى الطغيان والإقصاء والإلغاء. الغاية هي مساءلة العقليّة الثقافيّة “المدنيّة” و”العلمانيّة” التي بقدر ما تدين هذه الميول وترفضها في المعسكر الإسلامي فإنها تتغافل عن إمكانيّة إعادة إنتاجها من داخل معسكرها بالذات.

 يمكن المرء، صباح مساء، أن يسقط “جبهة النصرة”؛ أفكاراً وأيديولوجيّة وأسلوب عمل. يمكنه أن يتثبّت على الخصم فـ”يربح” شيئاً من خصائصه. فكيف إذا كان “سليل” أحزاب وعقائد وأيديولوجيات علمانيّة شموليّة؟!

 ثمّ، وفي المحصلة، ساذج أكثر مما ينبغي من يعتقد فعلاً أنّ معركة الشعب السوري لنيل حريته وكرامته ستنتهي عند سقوط الأسد. أليست الثوّرة “بأحرف كبيرة” مستمرة؟!

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى