صفحات سورية

دي ميستورا… سلال بلا عنب/ سامي حسن

 

 

يعتزم المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا، وفق البيان المنسوب إلى مكتبه، إطلاق جولة جديدة من المفاوضات في 10 تموز (يوليو) المقبل. وكانت جنيف شهدت خلال 2012 – 2017 عدداً من الجولات التفاوضية لإيجاد حل للصراع الدائر في سورية تمخض عنها ما بات يعرف بسلال دي ميستورا الأربع، والتي تتلخص بإنشاء حكم انتقالي وصوغ دستور جديد وإجراء انتخابات ومكافحة الإرهاب.

وعلى رغم ما أعلنه من أن النظام والمعارضة يتعاطيان بجدية مع سلاله، إلا أن الوقائع تقول أن لا مصلحة للنظام الأسدي في إنجاح مفاوضات ستؤدي في النهاية، بهذا القدر أو ذاك، إلى إطاحته، حاله في ذلك حال أمثاله من أنظمة الاستبداد التي لا تتخلى عن سلطتها إلا مرغمة، إما بضغط شعوبها، وإما بتدخل قوى خارجية. وحيث إن ثورة الشعب السوري وتضحياته الجسام لم تتمكن، لأسباب لسنا في صددها هنا، من إجباره على الرحيل، كما حصل في أكثر من مكان في العالم، ولأن توافقاً دولياً، في مجلس الأمن، على التدخل، لم يتحقق وكان الفيتو الروسي بالمرصاد دائماً، وحيث إن القوى الكبرى الأخرى، لا سيما أميركا، لم تتخذ قرارها بالتدخل لإطاحة النظام، فقد بقي الحل مستعصياً، في ظل استمرار محاولات النظام فرض وقائع جديدة على الأرض وتحسين موازين قواه وإفراغ سلال دي ميستورا من محتوياتها.

بالنظر إلى خبرته الطويلة في الأمم المتحدة والمناصب الكثيرة التي تولاها، فإن دي ميستورا يعرف جيداً حقيقة الأمم المتحدة وآليات عملها، وبالتالي يدرك أن صلاحياتها منوطة بالدول الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن. وأن هذه الدول عندما تريد تسويف الحلول، تكلف الأمم المتحدة إرسال مبعوثيها لإدارة مشكلة هنا أو أزمة هناك، أما عندما تقرر إيجاد الحلول، وتحزم أمرها، كما حصل في غير بلد (يوغوسلافيا، أفغانستان، العراق، ليبيا، إلخ…) فإنها لا تبتعث أحداً، بل تتدخل مباشرة. هذا لا ينفي أنه في بعض الحالات، وعندما تقرر الأطراف المتصارعة التفاوض لإنهاء الصراع، فإنها تحتاج إلى الأمم المتحدة كوسيط لنقل الرسائل، ووضع اللمسات الأخيرة على الحلول التي تكون تلك الأطراف قد توصلت إليها.

كان المبعوثون السابقون للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية (الأول كوفي عنان الذي أرسل في 2012 واستمر ستة أشهر قبل أن يعلن فشله ويستقيل، والثاني الأخضر الإبراهيمي الذي استقال بعد سنتين: 2012 – 2014) أعلنا بوضوح أن سبب عدم التوصل إلى حل في سورية يعود إلى عدم توافق القوى صاحبة الشأن. وكان الإبراهيمي صريحاً بقوله أن مهمته ليست وظيفة، ويجب أن تنجح خلال فترة أو تفشل. وأنه لا يريد الاستمرار في مهمته لأنه لا يريد أن يكذب على الشعب السوري ويوهمه بأن ثمة حلاً قريباً يلوح في الأفق.

لا شك في أن دي ميستورا، وبعد نحو ثلاث سنوات على مهمته (عين مبعوثاً للأمين العام إلى سورية في 10/7/2014) يعرف أن لا آفاق لهذه المفاوضات. مع ذلك، يستمر في عمله موحياً، في كل جولة تفاوضية، بأن ثمة تقدماً يحصل. فما الذي يفسر موقفه هذا؟ لماذا لا يقول صراحة أنه طالما استمرت المواقف الدولية على حالها، لا سيما الموقف الروسي، فلا أمل في تقدم يذكر؟ لماذا يصر على استمرار المفاوضات وتأخير إعلان وفاتها؟ وإن كان لديه قناعة أو معطيات بأن الحل بات وشيكاً، فلماذا، هو الذي يجيد ست لغات، لا يتحدث عن ذلك بلغة واضحة وبالتفاصيل؟ بانتظار إجابة مقنعة، وحيث إن الأمم المتحدة وموظفيها ليسوا بمنأى عن ظواهر كالفساد والبيروقراطية، لا يسع المرء استبعاد أن تكون المصلحة الشخصية من الأسباب التي تدفع السيد دي ميستورا إلى الاستمرار في حمل سلاله والمضي بها على رغم خلوها من العنب.

* كاتب فلسطيني سوري

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى