صفحات الحوار

د. لؤي صافي: طهران تسعى بكل طاقتها لتجنب الصدام مع واشنطن في سوريا

 

 

 

وليد غانم

 

قال الدكتور لؤي صافي، إن إيران تسعى بكل ما تستطيع إلى تجنب الصدام مع الولايات المتحدة في سوريا، رغم التعاون غير المباشر بين الدولتين في العراق، بوساطة الحكومة هناك. مستدركاً في الوقت نفسه أن واشنطن لا تعترض على دعم إيران للنظام، وتوظيفها لحزب الله للقيام بجزء كبير من هذا الدعم.

 

وأضاف الدكتور الصافي أن واشنطن تتعامل مع إيران في الصراع الدائر في سورية بنفس الطريقة التي تعاملت فيها مع نظام حافظ الأسد في لبنان، ومن منطلق عدو عدو صديقي. مشيراً أن هذا الأمر مرحلي “للقضاء على القوى الإسلامية السنية ومن ثم ممارسة ضغوط لإخراج إيران من سوريا”، بشكلٍ مشابهٍ لما حدث في لبنان عام 2005.

 

واستبعد أن يصل الصراع في سوريا إلى مرحلة تقسيم البلاد، فالتفاهمات الدولية على المدى القصير هو إقامة حكم فدرالي وإعطاء المناطق حكم ذاتي، من خلال حكومات محلية تمتلك سلطة تشريعية بالتوازي مع الحكومة الاتحادية.

 

وربط صافي قضية تأجيل لقاء الأستانة بالتطورات الأخيرة في الخليج العربي ومساعي وضع نهاية لآخر معاقل المعارضة.

 

وتحدث الدكتور لؤي صافي خلال حديثه عن مآلات الواقع الاقتصادي في الداخل السوري، وما أفرزه من أمراء حربٍ جمعوا ثرواتهم من جيوب الفقراء، وعن مدى صمود الاقتصاد السوري عموماً في ظل هذا التراجع الذي شهده خلال سنوات الصراع، كما أسهب في الحديث عن سياسة التهجير القسري والموقف الدولي حيالها، ومواضيع أخرى.

 

فيما يلي نص الحوار  مع الدكتور لؤي صافي:

 

نبدأ السؤال الأول من الشأن السوري الداخلي، قبل أيام أورد تقرير لمجلة إيكونوميست البريطانية أن التطورات السورية والاقتتال أفرز طبقة جديدة من الأثرياء أو بالأحرى أمراء الحروب، وكذلك أمراء المليشيات، وأضاف التقرير أن حكومة النظام ظلت تموّل عجزها الكبير في الإيرادات من طباعة الأوراق النقدية ومن احتياطي عملاتها الصعبة، فقد فقدت الليرة السورية  أكثر من تسعة أعشار قيمتها كما انخفض احتياطي النقد الأجنبي من عشرين مليار دولار إلى مليار واحد منذ 2010، هذا الانهيار الاقتصادي كيف تكيف معه نظام بشار الأسد؟

 

أفرزت الحرب طبقة جديدة من الأثرياء ومن أمراء الحرب، الذين ورثوا الصراع السياسي بين القوى الشعبية الراغبة في التغيير، والسلطة العسكرية ومن لاذ بها من رجال الأعمال والمتنفذين. الأثرياء الجدد وأثرياء النظام يشكلون طبقة اقتصادية غير منتجة، تعتمد في تكوين ثرواتها على تطوير اقتصاد ريعي يقوم على أساس الشراكة بين المتنفذين داخل السلطة الأمنية ورجال الأعمال. هذا الاقتصاد هو الذي أدى للتراجع الكبير في معدل الانتاج المحلي خلال العقد الماضي قبل اندلاع الثورة، وبالتالي استمرار هذا النظام إلى المستقبل سيولد أزمات اقتصادية متتالية، وسيؤدي إلى إفقار البلاد بصورة أكبر مما هي عليه اليوم. استطاع النظام التكيف مع هذا الواقع المتردي بالاعتماد على الدعم الإيراني، والاستفادة من مساعدات الأمم المتحدة لسورية، التي اعتمدت على شبكة من المؤسسات المدنية المتصلة مباشرة بالنظام. وبالتأكيد على المساعدات التي يرسلها المغتربون السوريون لأهاليهم في البلاد. ولكن مثل هذه المصادر لا يمكن أن تحول دون انهيار الاقتصاد مع مرور الوقت، وتراكم الاخطاء والمشكلات.

 

إلى أي مدى سوف يستطيع الاستمرار به، وهل ستكون طبقة الأمراء التي تتزايد أفقياً وعامودياً عقبة في مستقبل سوريا؟

 

استمر النظام بسبب الدعم الدولي له، والذي كان يجري في سنوات الثورة الأولى في الخفاء، وتحول اليوم إلى دعم معلن بعد تراجع زخم الثورة. الدعم لا يقتصر على الإسناد العسكري، بل يتضمن أيضا دعما ماليا كما اشرت آنفا.

 

لكن المساعدات الخارجية لن تكون كافية لإعادة الاقتصاد السوري للإنتاج. التحدي الذي يواجه الاقتصاد السوري، اليوم وفي المستقبل المنظور، تحدي مضاعف. يرتبط التحدي أولاً بتزايد عدد المستفيدين من الاقتصاد الريعي والاقتصاد الطفيلي الذي يقوم على توفير امتيازات تجارية، وينعكس سلبا على الدخل الوطني العام.

 

الوجه الآخر للتحدي يتعلق بالهجرة السكانية الكبيرة التي شهدتها السنوات الماضية، خاصة من أصحاب الكفاءات العلمية، وشريحة كبيرة من الشباب الجامعي ورجال الأعمال. هذه الهجرة نجمت عن امتداد الصراع العسكري، واستهداف النظام خلال السنوات الثلاثة الماضية للمراكز السكانية من قرى ومدن. أضف إلى ذلك التدمير الهائل للبنية التحتية. لن يكون من السهل عودة الكفاءات العلمية والصناعية والتجارية، والتي يستبعد أن تعود طالما استمر واقع الفساد، والقمع السياسي، واحتكار السلطة على حاله.

 

تابعنا مؤخراً صفقة التهجير الخامسة التي جرت تحت مسمى المناطق الأربع، والتي جاءت بعد خمس صفقات مختلفة قبلها، شملت مناطق مختلفة، لماذا هذا الصمت الدولي، ولاسيما انها تعد جريمة حرب بحسب القانون الدولي الذي نص واتفاقيات جنيف التي وقعتها سورية والتزمت بها في المادة 129 بوضوح على أنه «لا يجوز لكل الأطراف في أي نزاع مسلح غير دولي أن تأمر بتهجير السكان المدنيين كلياً أو جزئياً لأسباب تتعلق بالنزاع»، كما أن ميثاق المحكمة الجنائية الدولية نص بوضوح على أن «تهجير السكان المدنيين لأسباب تتعلق بالنزاع، يشكل جريمة حرب»، لماذا هذا الصمت؟ وهل هو بداية صامتة لمشروع تقسيم في سوريا؟

 

سبب الصمت رغبة عدد كبير من الدول المؤثرة في الحالة السورية، وبشكل خاص روسيا وأمريكا، في تمكين النظام من القضاء على معارضيه، رغم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي وثقتها المنظمات الحقوقية والإنسانية. لذلك اتسمت معظم التحركات ضد النظام بالطبيعة الاستعراضية، التي تشبه ضرب الآباء الخفيف لأبنائهم على ظاهر اليد عند تأنيبهم. ثمة تعتيم دولي على الجرائم التي يرتكبها النظام ضد المدنيين، وعن أعداد القتلى من المدنيين نتيجة القصف الجوي من الطيران الروسي والطيران التحالف. كما تعلم توقفت الأمم المتحدة نهائيا عن إحصاء القتلى من المدنيين منذ أن بلغ عددهم حوالي 250 ألف قتيل قبل سنتين. والغاية من التوقف بالتأكيد إبعاد الحرج عن الإدارة الأمريكية وحلفائها. التهجير السكاني أثر بصورة كبيرة على أوربا، لكن دولة مثل بريطانيا آثرت الخروج من الاتحاد الأوربي وزعزعة الأمن الأوربي على الدفع باتجاه تغيير النظام.

 

هل سيؤدي الصراع العسكري إلى تقسيم سوريا؟

 

هذا سؤال يعصب الإجابة عليه على المدى الطويل. أعتقد أن الرغبة والتفاهمات الدولية على المدى القصير هو إقامة حكم فدرالي وإعطاء المناطق حكم ذاتي، من خلال حكومات محلية تمتلك سلطة تشريعية بالتوازي مع الحكومة الاتحادية. ونسخة مشروع الدستور الذي قدمته روسيا يشير إلى ذلك. ما نستطيع قوله، أننا ما نشهده في سوريا هو المراحل الأولى من تبدلات ستؤثر على خريطة المنطقة خلال العقود القادمة.

 

سوريا عقدة مركزية في منظومة دول المشرق، والمساس باستقرارها سينعكس على المنطقة برمتها.

 

يرى البعض انه قبل توحد المعارضة في كيان واحد، يفترض ان توحد رؤيتها لمشروع وطني، متفق عليه، ما هي رؤيتك لهذا المشروع، وهل هناك أمل لتطبيقه وسط هذا النزاع الإقليمي الذي نشهده؟

 

المعارضة طورت مشروعا مشتركا تمثل في وثيقتي العهد الوطني والانتقال السياسي، اللتين وقعتا أولا بحضور عدد كبير من قوى المعارضة في مؤتمر عقد في اسطنبول في مطلع عام 2013، ثم أعيد توقعهما مع تعديلات طفيفة في مؤتمر القاهرة في خريف عام نفسه. لذلك لا اعتقد أن هناك خلافات كبيرة بين قوى المعارضة السياسية حول الرؤية الوطنية.

 

المعارضة العسكرية حملت شعارات إسلامية ورؤية سياسية فضفاضة، باستثناء داعش والنصرة ذات التوجه الأممي الواضح. لكن المعارضة السياسية اقتربت بالتدريج مع حلول عام 2016، بعد مشاركتها في مؤتمر الرياض والتزامها بالخطوط العامة لمشروع وطني.

 

لذلك فإن توحيد المعارضة اليوم لا يرتبط بوجود رؤية مشتركة، فهذه موجودة كما أشرت. مشكلة توحيد المعارضة تتعلق جزئيا بطموحات الفاعلين في دوائرها، والتنافس المحموم للوقوف في الصف الأول. وتتعلق بصورة أكبر بالتدخلات الخارجية، وسعي القوى الإقليمية المتنازعة، لتوجيه دفة المعارضة باتجاهات مختلفة.

 

رغبة النظام للسيطرة على درعا له دوافع عديدة، هل أحد هذه الدوافع المنطق الثأري أم هي دفع إيراني لإعادة الوصول إلى المنطقة الحدودية مع إسرائيل؟

 

رغبة النظام في السيطرة على درعا لا علاقة لها بالوصول إلى الحدود الإسرائيلية، فالوصول إليها يتطلب التوجه نحو القنيطرة والجولان لا درعا. في تقديري الاهتمام بدرعا يتعلق بالدرجة الأولى بالقضاء على وجود المعارضة العسكرية في الجنوب، وربما رغبة حزب الله بفتح الطريق التجاري بين لبنان والأردن، نظرا لأهمية هذا الخط التجاري لتحرك المحاصيل الزراعية اللبنانية نحو دول الخليج العربي.

 

هل تعتقد ان هناك اتفاق مقايضة ضمنية غير صريحة، مفاده تخلي الحليف الروسي تحديداً عن الشريط العراقي مقابل إجراءات وترتيبات جديدة في جنوب سوريا تصب لصالح النظام؟

 

الاهتمام بالجنوب السوري يرتبط بأمن الأردن، كما يرتبط بالأمن الإسرائيلي. وهذا يفسر أيضا الاهتمام الأمريكي بتلك المنطقة. أما مسألة المقايضة على مناطق نفوذ روسية أمريكية، بما في ذلك المقايضة التي ذكرت، فهذا أمر محتمل. فنحن نعلم أن ثمة تنسيق روسي أمريكي إسرائيلي حول قواعد الاشتباك والعمليات الجوية في سورية، وبالتأكيد هناك تنسيق سياسي مواز يعود إلى اتفاقية جنيف وتفاهمات الأستانة.

 

يزور ديمستورا موسكو قبيل آستانة، لتعزيز خرائط مناطق التصعيد، أو بالأحرى لرسمها، ويراهن ديسمتورا لعقد جولة مفاوضات جديدة في جنيف، واليوم أعلن عن تأجيل آستانة، هل تم تأجيلها لانتظار النظام حتى يحقق مكاسب ميدانية في درعا؟

 

جنيف والأستانة تمثلان واجهتين سياسيين تهدفان إلى فرض الحل السياسي الدولي، وهو في الأصل حل روسي، على السوريين نظاماً ومعارضة. وهو يهدف إلى منع سقوط النظام وإدخاله بشراكة مع بعض قوى المعارضة تصب في النهاية في صالحه. العمل الحقيقي لدفع الأطراف لقبول هذا الحل يتم على الساحة العسكرية. والحل كما أعلنه الروس هو في إبقاء النظام السياسي تحت هيمنة السلطة السياسية الحالية، مع إضعاف نفوذها بتشكيل حكومات اقليمية، في نظام شبيه بالنظام العراقي بعد سقوط صدام.

 

أما عن تأجيل لقاء الأستانة، فلعله يرتبط بالتطورات الأخيرة في الخليج، ومساعي وضع نهاية لآخر معاقل المعارضة. لكنني لن أتفاجئ إذا تم إلغاء مسار الأستانة التفاوضي، مع تراجع المعارضة العسكرية وتقدم قوات النظام، لأن ذاك المسار كان المقصود منه ربط المعارضة العسكرية التي وقعت بيان الرياض بمسار جنيف والحل الروسي للصراع في سوريا.

 

إنشاء إيران الهلال الشيعي في العراق وسوريا ولبنان سيناريو يخيف أياً من الدول؟

 

اعتقد أن فكرة الهلال الشيعي يخيف تركيا ومعظم الدول العربية، كما يخيف إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة. إيران من ناحيتها تجيد اللعب على التناقضات الدولية والإقليمية، وقد قطعت شوطا كبيرا في تحقيق مخاوف الخصوم. وتناقضات التحركات الأمريكية تصب في مصلحتها بكل تأكيد.

 

يرى مراقبون ان إدارة ترامب ماضية في المقاربة العسكرية شرق سوريا إلى حين تكون روسيا جاهزة للبحث في عملية انتقال سياسي فعلي تنظم مناطق النفوذ، بينما دول أوربية تسعى لإجراء مفاوضات سياسية مع الروس لحضهم على الاستعجال في العملية السياسية، وعدم الانتظار حتى هزيمة داعش او تقليم أظافر إيران، هل نستطيع القول إن هناك اختلاف بين الإدارة الاميركية والأوربيين حول رؤية الحل في سوريا؟

 

هناك نقاط التقاء ونقاط اختلاف بين الجميع. الدول الأوربية أصبحت عملياً خارج اللعبة بعد وصول إدارة أوباما وحكومة بوتن إلى تفاهم مشترك حول الحل في سورية. وطبيعة الاتحاد الاوربي، وتماهي سياسات بريطانيا وأمريكا، منع من تشكيل موقف سياسي موحد من المسألة السورية منذ بداية الصدام.

 

ثمة خلافات بين بعض الدول الأوربية والولايات المتحدة، ولكنها خلافات غير مهم وغير جوهرية. فأوربا غير قادرة على التحرك عسكريا، وبالتالي مواقفها لا تزيد عن كونها اقتراحات. كما أن الخلافات لم تكن في أي مرحلة من مراحل الصراع حول جوهر الموقف الأمريكي، بل حول تفاصيله.

 

شاركتم في جولات جنيف الأولى، كيف تقيم جولة جنيف الخامسة الأخيرة، وماذا تفسر مشاركة واشنطن بتمثيل ليس رفيع، بل تمثيل ضعيف، ولماذا جنيف والآستانة، لماذا لا يتم الاعتماد فقط على جنيف، ولاسيما أنه تم مشاركة ممثلين لفصائل عسكرية بنسبة أكبر في الجولة الأخيرة؟

 

مشاركتي في جنيف الأولى كانت كافية لإقناعي أن الولايات المتحدة ليست جادة في دعم التغيير الديمقراطي في سورية. ولو أنها فعلت لحالت دون تدهور الوضع لما نراه اليوم. وعودها بدعم حل حقيقي للصراع السوري كان نفخة في رماد. الولايات المتحدة تتعامل مع جنيف بوصفها واجهة سياسية ضرورية لحفظ ماء الوجه، وإسكات أي ادعاء أن الولايات المتحدة تجاهلت جهود السوريين للقيام تغيير ديمقراطي ووقفت مكتوفة الأيدي أمام المجازر القبيحة. الولايات المتحدة تريد تحقيق الهدوء في سوريا والتخلص من قوى الإسلام الجهادي، وهي مستعدة لدعم أي مشروع سياسي يتبنى هذين الهدفين.

 

كيف ترى مستقبل وجود حزب الله وإيران في سوريا؟ هل التنسيق الاميركي-الايراني الذي جرى في العراق لاستيعاب الحراك السني الذي تصاعد بعيد عام 2003، يعني بالضرورة انه سيكون هناك تنسيق مماثل في سوريا، وهل تعي إيران هذه الجزئية؟

 

المبدأ السياسي هو أن الدول تملك اختيار وقت بدء الصراع العسكري وكيفيته، ولكنها لا تملك اختيار وقت وكيفية انتهائه. الاستراتيجية السياسية والعسكرية ليست لعبة شطرنج، يمكن للاعبين إحصاء جميع الاحتمالات الممكنة للخطوات الخمسة أو السبعة التالية. العلاقات الدولية أكثر تعقيدا، والمبدأ الذي يعتمده المؤرخون حول تداعيات قرار الحرب، هو ما يسمى بقانون التداعيات غير المحسوبة. ولعل المثال الأقرب ما فعلته إدارة بوش في العراق. فقد أرادت من الحرب أن تعمل على زيادة نفوذها في المنطقة، فأدت الحرب إلى زيادة نفوذ إيران. المشهد العراقي لا زال متجددا ومتغيرا بعد مرور خمس عشرة سنة على التدخل الأمريكي، وبعد ست سنوات على خروج القوات الأمريكية من أراضيه. عودة داعش كقوة كبيرة مع بداية الثورة السورية تظهر بأن التنسيق الأمريكي الإيراني لم يضع حدا “للحراك السني”، بل ولد حراكا “شيعيا” لا يختلف عنه إلا بأن خلفه دولة أقليمية ذات استراتيجية بعيدة المدى، ودهاء كبير في التعامل مع الأصدقاء والخصوم.

 

السياسة الأمريكية في المشرق تقوم على مبدأ وضع المصالح القومية الأمريكية ومصلحة إسرائيل، حليفتها الأساسية في المنطقة، فوق حقوق وأمن وكرامة شعوب المنطقة، من خلال دعم الاستيطان الصهيوني في فلسطين والأنظمة العسكرية والاستبدادية في المشرق. حركات التشدد السنية في المنطقة ولدت جميعا في سجون تلك الانظمة، تماما كما ولد النظام الإيراني في سجون شاه في الستينيات حركات التشدد الشيعي. الإصرار على اتباع الاستراتيجية نفسها وتوقع نتائج مختلفة، يعكس بالتأكيد قصر نظر السياسة الأمريكية في المنطقة.

 

إذاً، هل تعتقد ان إيران حريصة على عدم الصدام مع الإدارة الأميركية، أم ترجح وقوع هذا الصدام، هل سيؤدي خلافهم في سوريا إلى تغير في التفاهم الذي جرى ويجري في العراق؟

 

واضح أن إيران غير حريصة على الصدام، وتسعى إلى تجنبه بكل ما تستطيع، ويبدو أنها سعيدة بالاستفادة من تناقضات الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة وغياب استراتيجية عربية. ثمة تعاون غير مباشر بين الدولتين في العراق، بوساطة القيادة العراقية، ولا يبدو أن أمريكا راغبة بالتعاون المباشر مع إيران في سورية. ولكن من الواضح أنها لا تعترض على دعم إيران للنظام، وتوظيفها لحزب الله للقيام بجزء كبير من هذا الدعم.

 

أرى أن أمريكا تتعامل مع إيران في الصراع الدائر في سورية بنفس الطريقة التي تعاملت فيها مع نظام حافظ الأسد في لبنان، ومن منطلق عدو عدو صديقي. ولكن القيادة الأمريكية ترى في الوفاق الإيراني الأمريكي أمراً مرحلياً للقضاء على القوى الإسلامية السنية ومن ثم ممارسة ضغوط لإخراج إيران من سوريا، كما فعلت مع نظام الأسد عام 2005، واضطرته للخروج من لبنان. الاستراتيجية الأمريكية تقوم على مقارنة ساذجة بين الحالتين، بافتراضها أن إخراج إيران من سوريا سيكون بالسهولة نفسها. خطأ الحسابات السياسية في سورية سيكون شبيها بالخطأ الذي ارتكبته في حساباتها عند غزو العراق.

كلنا شركاء

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى