صفحات العالم

ذرائع غربية

 


حسان حيدر

على رغم الخلل الفادح في تكافؤ القوى بين الحكم في سورية والمعارضة السلمية التي تُستهدف منذ أربعين عاماً بكل أنواع الضغوط السياسية والمعنوية والجسدية في ظل نظام أمني متمرس وفاعل، فإن هذه استطاعت في فترة لا تزيد على الشهرين أن تمارس ضغوطاً جادة على الحكم، ما دفعه الى استخدام قوته العسكرية الحاسمة لمحاولة وأدها، بعدما تبين له فشل المعالجات التجميلية والصورية في إقناعها بجديته، وعدم نجاح الحملات الإعلامية الساذجة في تشويه صورتها وإلصاق صفة العمالة للخارج بها.

لكن، ومع التأكيد القاطع على رفض أي تدخل خارجي في المواجهة الجارية في بلاد الشام، فإن قدرة المعارضة السورية العفوية والفتية على الصمود في وجه مدافع الدبابات ورشاشات «الشبيحة» وحملة الاعتقالات الواسعة، تحتاج بسرعة الى دفع معنوي قوي لم يقدمه العالم لها بعد على غرار ما فعل مع ثورتي تونس ومصر وانتفاضة ليبيا. إذ لا يزال التردد والتحفظ والتحليل البارد يطغى على مواقف عواصم القرار المؤثرة، أولاً بسبب ما تقول إنه «الخوف من المجهول القادم»، لأنها لا تعرف قيادات المعارضة ولا تركيبتها أو توجهاتها، وثانياً لأنها حريصة على «أن لا ينتقل الوضع في المنطقة الى الفوضى» في حال اهتزاز الاستقرار في سورية.

وقد يكون صحيحاً أن العالم لا يعرف قيادات بارزة للمعارضة السورية التي تضم مروحة واسعة من اليساريين والإسلاميين والوسطيين والناشطين الليبيراليين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، بالإضافة بالطبع الى المواطنين العاديين، وأن هؤلاء يرفعون شعارات مختلفة تتراوح بين المطالبة بالمزيد من الحريات وحق تشكيل الأحزاب ورفع جور الأجهزة الأمنية عن الحياة اليومية للمواطنين، وبين المطالبة المباشرة بإسقاط النظام مثلما رددت بعض التظاهرات بعد بدء القمع الدامي. لكن هذا المعطى لم يكن حاسماً في انتفاضتي تونس ومصر اللتين تخطى الشباب فيهما القيادات التقليدية للمعارضة أو تلك التي حاولت أن تستفيد من الموجة، بل أن الذين حسموا وضع الحكم في مصر كانوا في معظمهم من الشبان غير المنضوين في إطار حزبي أو تنظيمي، بل مجرد مطالبين بحقوق وباحثين عن مستقبل أفضل. كما تخطت نتائج هاتين الثورتين كل المخاوف من «بعبع الإخوان» واحتمال وصولهم الى السلطة.

أما ما يحكى عن الاستقرار في الشرق الأوسط، فأسطوانة قديمة لم تعد تقنع أحداً. ذلك أن الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، طالما وجهت الى الحكم السوري تهمة زعزعة الاستقرار في المنطقة وحمّلته المسؤولية عن حروب بالوكالة عرف لبنان والفلسطينيون دمارها ومآسيها على مدى عقود. ويحق لنا أن نتساءل: لماذا إذن كان الغرب يؤكد في شكل دائم خلال السنوات الماضية، ولا يزال، أن الحلف القائم بين دمشق وطهران يهدد الاستقرار في المنطقة بسبب تسليحه «حزب الله» وحركة «حماس»؟ وهل المقصود بالاستقرار فقط توفير أمن إسرائيل؟

والحقيقة أن هناك تناقضاً واضحاً بين تشديد الغرب على ضرورة قيام الحكم السوري بإصلاحات جذرية وبين رغبته في المحافظة على استقراره، لأنه يعرف تماماً أن طبيعة النظام في دمشق لا تسمح بأي تغيير حقيقي.

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى