صفحات سورية

ذكرى انتفاضة كرد سوريا أو أول الدم المسفوك!


طارق حمو

هزّ الشعب الكردي في سوريا العالم أجمع عندما ثار على ظلم النظام السوري في 12 آذار 2004 وتصدى بصدور أبناءه لآلة القتل والتدمير التي سيّرها هذا النظام الى المناطق الكردية بغية الترهيب والتقتيل والفتك. محطات التلفزة العربية والعالمية نقلت الصور والمشاهد الشحيحة الآتية من “مملكة الصمت” حول ” ثورة الأكراد ضد النظام”، بينما نقلت وسائل أخرى مشاهداً لإقتحام العشرات من الشبان الكرد لسفارات النظام السوري في أوروبا، احتجاجاً على حملة القتل المفتوحة التي قادتها أجهزة الاستخبارات والشرطة ضد الأطفال والنساء والشبان الكرد، والتي أسفرت، في حصيلة غير مؤكدة حتى الآن، عن استشهاد 35 شخصاَ.

الكرد في سوريا لم يألفوا ذلك المشهد المروّع: الثورة على الظلم وترجمة هذا الشعور والكبت إلى أفعال تتمثل في تحطيم تماثيل حافظ الأسد واضرام النيران في مقار الإستخبارات والشرطة ورفع الأعلام القومية الكردية، وحرق شعارات ورموز حزب البعث الحاكم. محاكاة واضحة لما حدث في العراق في نيسان 2003 من عمل شعبي عفوي عندما سقط نظام الطاغية صدام حسين. أما السلطة في دمشق فقد سحبت السكين ووثبت لتذبح الكرد، مثلما ذبحت أهالي حماة وغيرها مطلع الثمانينات، ومثلما تذبح الآن كل ثوّار سوريا. ولو لم تكن الظروف الدولية قد “تغيّرت” وأصبح الفضاء مليئاً بصور ومشاهد الشبان الكرد وهم ممزقون بالرصاص المنطلق من فوهات بنادق رجال الشرطة والإستخبارات، لكان للنظام رأي آخر. لكان هذا النظام قد كرر مشهد ضرب حماة، أو ربما جزءاً من هذا المشهد على الأقل.

مضت الإنتفاضة، وراجع النظام السوري سياساته تجاه الكرد( تلك السياسة التي لم تتغير حتى نيسان 2011)، ليقرر تشديدها أكثر وأكثر وتجريب مشاريع أخرى أقوى تأثيراً من مشروعي الحزام العربي( انطلق عام 1970 وتمحور حول توطين آلاف العائلات العربية المستجلبة من محافظة الرقة في مناطق كردية خصبة وفي عشرات القرى النموذجية على طول 350 كيلومترا وبعرض 15 كيلومترا) والإحصاء الإستثنائي( وقع عام 1962 وحرم عشرات الآلاف من الكرد من الجنسية السورية). مشروع قادر على إجتثاث الكرد من جذورهم دون أن يسمع أحد صوت تأوهاتهم. أما الكرد فقد لملموا أنفسهم ودفنوا قتلاهم وبدؤوا يصحون من “السكرة” التي دخلوها منذ إطلاق محافظ الحسكة سليم كبول الرصاص على الأطفال في الملعب البلدي في القامشلي في 12 آذار، وصيحته المشهودة “اقتلوا الأكراد أولاد الـ …”.

لقد كٌتب الكثير حول إنتفاضة 12 آذار 2004، وتم تمجيد “الثورة الكردية” و”نهوض الشعب” و”ردود فعل الشباب”، ولكن مرت السنون، وبدأ الوضع يعود إلى تشكّله الأول( قبل ثورة الشعب السوري العارمة في 15 آذار 2011)، ورجع الناس إلى حالتهم الأولى، لكن النظام السوري لم يعد مثل السابق، لقد وضع أسس خطط جديدة (أو حرب جديدة) تهدف إلى إقتلاع الكرد من مناطقهم وتهجيرهم إلى خارج البلاد أو الى داخلها ليتحولوا إلى عمال وخدم و”يتمرمطوا” في العمل الوضيع هنا وهناك.

السلطات السورية اصدرت مراسيماً جائرة مثل المرسوم 49 منعت بموجبه الكرد من البيع أو الشراء في مناطق الجزيرة وغيرها بحجة انها “مناطق حدودية”، وساهم الإهمال المتعمد للمناطق الكردية الى هجرة الناس للداخل. ثمة ارقام تتحدث الآن عن هجرة نصف مليون كردي الى دمشق وحدها.

الخطة الممنهجة في “تأديب” الكرد والقضاء عليهم في سوريا، لضمان عدم حدوث “12 آذار” أخرى مضت بنجاح كبير. الشعب الكردي انشغل بلقمة عيشه، والمحظوظ من تمكن من تدبير لقمة الخبز او الهجرة إلى خارج سوريا. بدأ النظام السوري في تأديب الكرد إذن. قتل أكثر من 40 جندياً في الجيش( ارتفع العدد الآن لأكثر من 100)، ليس لسبب سوى لكون هؤلاء كرداً.

وتم استهداف حزب الاتحاد الديمقراطي( الأوجلاني التوجه) بشكل خاص. هذا الحزب ومنذ اليوم الثاني للإنتفاضة عمل على تحريك الجماهير الكردية في عفرين وكوباني وحلب ودمشق مما خفف من البطش والقتل في القامشلي وبقية مدن محافظة الحسكة التي انتفضت. كان حزب الاتحاد الديمقراطي قد تأسس في 2003 ومايزال يرتب أموره، حينما فاجأته الانتفاضة على حين غرة. اختار الاتحاد الديمقراطي الانخراط في الانتفاضة بقوة وسيّر التظاهرات الكبيرة لاشغال النظام. كانت فضائية (Roj tv) تبث على مدار الساعة لتغطية الانتفاضة وفضح جرائم النظام السوري. اتصلت مع مثقفين ومعارضين ونشطاء كرد وعرب من داخل وخارج سوريا لاستطلاع رأيهم حول جرائم النظام حيال الشعب الكردي. جاهدت لمنع اندلاع صراع أهلي بين العرب والكرد، كما تمنى النظام وخطط. الجنرال محمد منصورة، ممثل بشار الأسد في المناطق الكردية، والمشهور بصفته “ملك الجزيرة” استدعى بعض مسؤولي الاتحاد الديمقراطي وهددهم بالتصفية. قال لهم حرفيّا: “انتم من تحركون الساحات. انتم من يمتلك ادوات عمل لايملكها غيركم. انتم من تقفون وراء تنظيم الشارع والشحن الاعلامي، وستدفعون الثمن”. وكتب محمد جمال باروت( منظرّ النظام الاسدي آنذاك، والباحث “المعارض” في معهد الدوحة حاليا!) مقالا بعنوان:”الأوجلانيون قادمون للاقتصاص من سوريا”!.

وكان “قصاص” النظام السوري وانتقامه من حزب الاتحاد الديمقراطي رهيبا ومكلفا…

قتل زبانية نظام دمشق القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي أحمد حسين حسين “أبو جودي” في أقبية التعذيب بفرع الأمن العسكري في الحسكة في ربيع 2004، بتهمة معاداة النظام وقيامه بانشطة سياسية “ترمي الى الانفصال”. قتلت الإستخبارات وبأمر من سلطة الجريمة المنظمة في دمشق النائب الكردي السابق في مجلس الشعب( عن لائحة حزب العمال الكردستاني آنذاك) عثمان سليمان بعد إعتقاله في (27/11/2007) وتعذيبه ومنع الدواء عنه، وهو المريض العليل، إلى ان ذوى وذاب في مشفى حلب واسلم الروح في 18/02/2008 وكانت كلماته الأخيرة لأبنائه هي “المقاومة ورفض الإستسلام والذل مهما كان الثمن”. وقتلت الاستخبارات السورية الشاب الكردي عيسى خليل ملا حسن (الأب لابنتين توأم بلغتا لحظة إستشهاده 10 أيام) لأنه شارك في تظاهرة سلمية كان حزب الاتحاد الديمقراطي قد نظمها في القامشلي للتنديد بالتهديد التركي بإحتلال كردستان العراق في 2/11/2007 في قامشلو؟.

قتلت عناصر الإستخبارات كذلك العلامة المجاهر بالحق، وشهيد الأمة الكردية الشيخ محمد معشوق الخزنوي في الأول من حزيران 2005 بعد إختطافه وتعذيبه لمدة 18 يوماً.

اعتقلت الاستخبارات التابعة للنظام في دمشق، ومازالت، العشرات من النساء الكرديات والحكم عليهن بالسجن، بل وربما قتلهم مثلما يٌعتقد انها فعلت ذلك مع المناضلة نازلية أحمد كجل.

قتلت عناصر الإستخبارات المجرمة 3 شبان كرد وجرحت آخرين في قامشلو اثناء قنصها لهم عشية الإحتفال بعيد النوروز القومي الكردي 2009.

وكان البطش الاكبر من نصيب حزب الاتحاد الديمقراطي، حيث حوكم اعضاؤه بفترات سجن مضاعفة قياسا بمعتقلي الاحزاب الكردية الاخرى المتهمين بالانفصال( آخر حكم صدر قبل اسابيع بالسجن سبعة سنوات ونصف السنة على معتقليّن وبثلاثة سنوات ونصف السنة على معتقلة، وهم جميعهم اعضاء في الاتحاد الديمقراطي، كما قمع النظام وبكل وحشية الإضراب الكبير عن الطعام الذي اعلنه أعضاءه الـ 300 في سجن عدرا الرهيب). هذا غير سياسة الأرض المحروقة في التضييق على الناس ومحاربتهم في لقمة عيشهم، واغلاق المحال التي تحمل الأسماء الكردية، في العملية التي تقودها “لجنة تمكين اللغة العربية” والتي ترسل ميليشياتها لشطب الأسماء الكردية و”لصق” الأسماء العربية مكانها.

والحال بان النظام السوري وضع خططه لسحق الكرد ومباشرة بعد آذار 2004، وما قضية “اعادة الجنسية السورية” اليهم الا لاخراجهم من معادلة تأييد الثورة الجماهيرية الناهضة الآن. لكن هيهات فالكرد هم جزء من هذه الثورة وهم في صميم الحراك المطالب باسقطاء النظام المجرم ورأسه بشار الأسد، وكل منابرهم الفضائية وامكانياتهم في خدمة هذه الثورة. هم يؤيدون الخطوط العامة للثورة ويعارضون بعض التفاصيل/الانحرافات مثل: دعوات التسليح وتسلم الاموال والاسلحة من اطراف خارجية، والخطاب الطائفي، والاستعانة بدول الجوار وخصوصا تركيا التي اصبحت محجا لبعض قوى المعارضة العربية وعلى رأسها “المجلس الوطني السوري”.

الشعب الكردي في سوريا، وحزب الاتحاد الديمقراطي على وجه التحديد، لديهم في رقبة النظام السوري دماء كثيرة، وهم يطالبونه بها. دماء كردية ودماء عربية سورية على السواء. دماء كل السوريين. ولن يٌسامح الكرد في دمائهم. ولن يتركوا الشعب السوري وحيدا، رغم جنوح بعض قوى المعارضة وطائفيتها وعنصريتها المقيتة وتآمرها مع تركيا ضد الهوية الكردية، ورغم الهجوم الموتور الذي يشنه البعض للنيل من حزب الاتحاد الديمقراطي والتشكيك في وطنيته ووفاءه لدم مناضليه. وقطعا هؤلاء لايمثلون سوى انفسهم، ولايمثلون الثوار داخل سوريا، بل ساهموا بخطابهم غير المسؤول ومراهنتهم على قوى خارجية، في تفريق الصف السوري واحداث فجوات كبيرة فيه، لم يستفد منها سوى النظام القاتل…

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى