صفحات سوريةغازي دحمان

رؤية الحدث السوري بواقعية

 

غازي دحمان

 العجز صار عنوان المرحلة الأبرز، وقد فاض لدرجة أنه ملأ كل فراغ كان يسدّه الهواء. ثمة عجز عن وقف المذبحة ووقف امتدادها وارتداداتها، وعجز عن وقف تشكل المنطقة بصيغ جديدة لا تناسبها. الحقيقة الواقعية الصادمة هي أننا بتنا، في سورية والمنطقة، رهائن لعجز سيأخذنا قريباً إلى حيث تريد صيرورته، وسيعاد تشكيلنا، على وقع سخونة الحدث وجنونه، على هيئة أنماط لم تكن تشبهنا.

من هو السياسي الواقعي في هذه اللحظات العبثية؟ وإذا كانت السياسة، تعريفاً وممارسة، هي فن الممكن، فهل، وبما نعرفه من ممكنات اللحظة الدولية والإقليمية، يمكن الاستمرار بالخوض في فضاء العبث اللامتناهي؟ ذلك أن هذا النمط من التعاطي قد يصلح في تجريبيات المسرح أكثر منه في التعامل مع حيوات بشر تزهق كل يوم بالمئات وبلاد تموت وتذوي، ويجري ترحيلها قسراً إلى فضاءات الخراب والتطرّف.

لم يعد في صندوق أدوات حلّ الأزمة السورية ما يناسب لإصلاح الأضرار والأعطال الواقعة على جسد الوطن السوري. تأخر كثيراً اجتهاد المجتهدين، ومن الناحية العملية، فإن سورية لم تعد تصلح إلا أن تكون ملعباً لصراعات القوى الإقليمية والدولية، أو في أحسن الأحوال ساحة لتصفية الحسابات بمن دون خسائر، أو هي ميدان لتحقيق الربح الصافي، طالما من يقتتل هناك، في نظر الغرب والشرق، السنة الخطرون على روسيا، والشيعة أعداء أميركا.

الواقعية تقول  بأنه لا المعارضة ولا نظام الأسد باتا يمتلكان القدرة على السيطرة على مصائر الأمور في سورية، تلك فرصة عفا عليها الزمن ومرّت. الطرفان وجدا نفسيهما في إطار صيرورة مخطط ولعبة جهنمية لم يستطيعا في النهاية إلا تنفيذ مدرجاتها، وفي ظنهما أنهما يسيران صوب تحقيق أهدافهما المرسومة.

هل هو اللعب مع الكبار؟ الدول ليست جمعيات خيرية، لها مخططات ومصالح وحسابات، في أحسن الأحوال يتم إدراج بعض رغبات الأطراف المحلية ضمن إستراتيجياتها، إن توافقت مع تلك المصالح والحسابات، لكن العكس لا يحصل.

الواقعية تقول بأن ثمة عطلا إستراتيجيا كبيرا جرى إحداثه في سورية، وإصلاح هذا العطل عبر التدخل صار صعباً ومكلفا لا قدرة لأحد على  إنفاذه. صارت سورية والمنطقة برمتها في مرمى هذا العطل، وهذه الفوضى في هيكلية الإقليم برمته هي صناعة احترافية بامتياز. واللافت في الأمر أنها من صناعة الدول الضعيفة والمهمّشة في سلم القوى العالمي، الباحثة عن توصيف جديد في مراتب القوى. فهي وحدها من تناسب الفوضى مصالحها على أمل أن تحتل موقعاً أفضل في الصياغة الجديدة. فعلتها من قبل ألمانيا واليابان لتغيير قواعد اللعبة الدولية، واليوم تعيد روسيا وإيران إنتاج ذات اللعبة، على جثة سورية.

عبثاً يسعى بعض الأطراف الدولية الفاعلة إلى إصلاح الضرر بالضغط على أطراف المعارضة لقبول الحوار والتفاوض مع نظام الأسد، أو الذهاب إلى صياغة تشكيلات سياسية لا يمكن تطبيق مفاعيلها على الأرض، فيما الأمر الأكثر واقعية والأقل كلفة، على غرابته، قد يكون بابتداع سياسات رادعة لكل من روسيا وإيران تدفعهما إلى استنفاد قواهما بدواخلهما المتهرئة. وهو أمر قد يكون أكثر فائدة من تزويد المعارضة السورية بكل أسلحة الصد والفتك.

الواقعية تقول إن سورية وشعبها وجغرافيتها صارت في نظر القوى الفاعلة فائضاً عن الحاجة، أو إنها صارت في حال أخرى لقمة كبيرة على معدة أي طرف، ما يقتضي اقتسام هذه اللقمة كحلّ مريح.

الواقعية من السهل أن يجري تغييبها، ومرة اضطر شكسبير لأن يستحضر شخصية الطفل كي يكشفها لهوامير الجموع، بصرخته المدوية في الفكر والأدب الإنساني” الملك عار”.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى