صفحات سورية

رئيس الائتلاف السوري والتعري السياسي

عمار قربي

أي تعاط عقلاني لمبادرات معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري المعارض لابد أن يقسّم لمرحلتين، الأولى عندما أعلن “الشيخ” الخطيب عن موقفه الفردي المفاجئ ودعا الى حوار النظام واضعا شرطين لذلك هما اطلاق سراح 160 الف معتقل لا يعرف أسمائهم ومنح السوريين المنفيين جوازات سفر او تجديد جوازاتهم، والمرحلة الثانية عندما تحولت عبارات الخطيب المنشورة عبر شبكة التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” الى مبادرة دولية شغلت الرأي العام العربي والدولي اضافة الى السوري وما سببته من انقسامات واصطفافات مع أو ضد ما سمي بمبادرة.

في المرحلة الأولى اعتبر الكثيرون وأنا منهم انها فشة خلق وشطحة شيوخ لا تستاهل ردة الفعل العنيفة الرافضة لهذه الفشة من زملائه في الائتلاف أو شركائه في المجلس الوطني ولا من قيادات وعناصر الجيش الحر خاصة لجهة نشرها الغير جدية في موقع دردشة اضافة للغتها الركيكة والغير مترابطة فكريا وموضوعيا ونظرياً، حتى أنني أدنت الارهاب الفكري “كما أسماه الخطيب نفسه ” الذي تعرض له باعتبار ما كتبه هو شطحة تمثل رأيه الشخصي كما قال الرجل، حتى أنني حاولت الاتصال به عدة مرات لأبدي تعاطفي معه، الا أن مريدوه الذين كانوا يردون على هاتفه حجبوه عني فما بالكم بباقي السوريين؟!

لكن أن تتحول بضعة خربشات لا تحمل مشروعا جديا ولا حامل اجتماعي أو ثوري الى مبادرة تشغل الرأي العام والخاص المهتم بالشأن السوري جعل من موقفنا يتغير لأننا اصبحنا نناقش فكرة مطروحة تؤثر على مصير الوطن وليست رأيا شخصيا عابراً.

ما سمي مبادرة طرح قضية الحوار مع نظام الأسد بداية دون اشتراط رحيله بل اشترط اطلاق المعتقلين ومنح جوازات سفر لكن مع ردة الفعل الصادمة من قبل الشعب السوري جعل الشيخ يضع سقفا أعلى هو رحيل النظام ومن ثم ليتنازل عن اطلاق سراح 160 الف معتقل الى اطلاق السجينات السوريات دون أن يحدد عددا أو يعطي أسماء مع وضع يوم الأحد الماضي كمهلة لجواب النظام لكن مع مرور الوقت وتمييع النظام لهذه المبادرة وتحويلها انتصارا له و لشبيحته واتهام المعارضة بأنها اصبحت عقلانية نوعا ما جعلت الشيخ يتنازل أكثر بحيث اشترط الاعلان عن أسماء المعتقلين بدلا من الافراج عنهم كبادرة حسن نية من النظام ثمنا للحوار معه، لكن أيضا تلقف النظام هذه الهدية المجانية ليتشبث اكثر بموقفه قائلا انه مع الحوار لكن بلاشروط مسبقة ودون الالتزام بمهلة الخطيب، ولما يلتزم بالمهلة طالما تتساقط اوراق الخطيب تباعا وطالما ان النظام نفسه لم يلتزم بالمهل الدولية وقبلها العربية من الدابي السوداني الى كوفي عنان الى الاخضر الابراهيمي عابرا “فيتويات” ثلاثة، وعشرات المحاولات لإدانته دوليا، وفعلا صحت تنبؤات النظام لان الخطيب وبعد انقضاء المهلة لم يحرك جيوشه لتحرير سورية ولم يأمر كتائبه بدك القصر الجمهوري ولم يطالب المجتمع الدولي بالتدخل واسقاط النظام باعتبارها فرصة جيدة بعد ان رمى الكرة بملعب النظام وحرك الاوراق الراكدة واثبت للعالم ان النظام غير جاد بما يطرحه عن الحل السياسي…لكن باعتبار ان هذا هو تبرير التنازل المجاني وللملمة تناثر مريديه من حوله انتقل الى الخاتمة الافظع الا وهي استمرار المبادرة مع التلويح بطلب التدخل الدولي ان تخلى النظام عن عقلانيته!!

بل وضع الخطيب نفسه خطوات ومراحل لهذا التدخل يبدأ بالضغط ويمر بالتشويش على طائراته وصولا الى التدخل، مع ان نكتة التشويش مرت بسرعة دون ان تأخذ حقها من النقاش الا من بعض من سخر منها من الخبراء العسكريين.

اذن الخطيب رئيس الائتلاف السوري المعارض يعتبر السفاح الاسد عاقلا حتى الان ويهدد بطلب التدخل ان تخلى عن هذه العقلانية، فالقنابل الملقاة يوميا على الابرياء والبراميل المحملة بالمتفجرات التي تدك الامنين في بيوتهم كل ساعة واستخدام صواريخ سكود بشكل عشوائي لتدمير البنية الخدمية في المدن وخمسة ملايين سوري مشرد دون مأوى او طعام بين نازح ولاجئ داخل الاراضي السورية وخارجها وذبح الاطفال كالنعاج والتمثيل بجثث الشيوخ واغتصاب الفتيات واعتقال الناس بالجملة عقلانية يحذر الخطيب من تجاوزها.

أفهم ان الشعب السوري قد سأم الحرب وتعب وأرهق واُستنفذ ولم يعد يتحمل ارهاب النظام الاسدي اليومي بحيث حوّل السوريين الى أرقام في ثلاجات المشافي وعلى قارعة الطرقات.

أفهم ان الشعب السوري قد سأم ايضا تجاوزات بعض الكتائب المقاتلة وايديولوجيات البعض الاخر وضاق ذرعا بقطاع الطرق وتجار الدم ومصاصي الأزمات.

أفهم ان المجتمع الدولي وبعد عامين من ذبح الشعب السوري لم يتخل عن فرجته وشماتته بنا حتى بتنا نؤمن جميعا بالمؤامرة الكونية وبأن هذا النظام مدعوم دوليا وعربيا وكونيا بالإجماع.

حتى انني وصلت الى الافتراض ان الخطيب ضاق ذرعا بأوامر امراء دولة قطر والعمل وفق رغبات ونزوات مشايخ قطر واموال قطر التي افسدت المعارضة والثورة والثوار بل جعلت امعات لم نسمع بهم طيلة حياتنا قوادا تاريخيين وجعلت من كان يشبح مع النظام زعماء ثوريين بعد دورات مكثفة في قناة الجزيرة، حتى قيل تستطيع ان تؤسس مجالس مدنية محلية بثمانية ملايين دولار وتنصب امينا عاما للائتلاف بخمسين مليوناً.

او افهم النقيض انه منفذ جيد لأوامر القطريين دون مشاورة أي صديق او حليف او زميل.

افهم كما يفهم الخطيب ان وحدة المعارضة وكتائب الجيش الحر اصبحت شبه مستحيلة لان رئيس وزراء الأمير يختلف مع ولي عهده والاثنين يختلفون مع مفتي الديار القطرية ومع المستشار فيلسوف الامة.

أفهم أن القضية السورية أصبحت أي شيء الا أنها سورية وأن اللاعبون من كل الجنسيات والملل الا السورية الوطنية، فدولة تريد وضع يدها على منابع النفط واخرى تسيطر على درعا وتعتبرها حديقة خلفية واخرى تحمي كانتونا علويا في الساحل واخيرة تحمي كانتونا كرديا في الشرق والكثير المتبقي ينتظر حصته من التركة.

لكن الذي افهمه أكثر هو ما قاله وزير الخارجية الروسي لافروف عن الخطيب حيث وصفه بالروسية ” نافي تشوك ” وتعني بالسورية ” غر ” وهي كلمة عادة ما يطلقها السوريون على من يذهب الى خدمة العلم في اول ايامه حتى ان الدورة التدريبية التي يتلقونها للانخراط في العسكرية تسمى بدورة ” الاغرار ” لكن حظ الخطيب كان أسوأ من الاغرار لأنه لم ينخرط في أية دورة في السياسية بل جيء به من منبر الجامع او من مكتب شركة “شل النفطية ” حيث يعمل.

كما أنني أفهم ان النظام لن يعير تلك الهمروجات أي أذن صاغية لأنه يعي أن الائتلاف والمعارضة من خلفه لا تستطيع فرض أي حل على الشارع لا يعبر عنها.

لم يبهرنِ الجيش الالكتروني الذي دافع عن الخطيب في الشبكة العنكبوتية كما لم يخيفني الجيش الالكتروني للنظام قبله، ولم يقنعن تعاطف تجار دمشق النص نص ولا مريدي الشيخ المستيقظين من ” سلتاتهم ” لان عباراتهم لم تقنعهم هم انفسهم ولهذا لن اضيع وقتا بتفنيدها فهي ساقطة سقوط النظام المجرم في عرين سورية، ولم تخدعن قناة الجزيرة بالترويج والتبهير لأنها لم تخدعن أصلا بجمعة المجلس الوطني يمثلني ولا بنسخته الثانية تحت اسم الائتلاف ولم تخدعن قبل هذا وذاك عندما كانت تطبل للقاتل وتصم كاميراتها عن الدم السوري في بداية الثورة.

لكن هل فاجأنا الشيخ؟ ربما فاجئ عتاة السياسيين مثل المخضرم عبد الرحمن الراشد فكتب في جريدة الشرق الاوسط مقالا يتساءل فيه عن سبب بيع معاذ للمعارضة السورية! أو فاجأ المجلس الوطني نفسه الممسوك اخوانيا لانهم كانوا يتوقعون أن التنازلات هي صفة من صفاتهم وأن التكويع هي هواية لا يجيدها في العالم سوى الاخوان ووليد جنبلاط، لكن الخطيب فاق بباطنيته باطنية كل حلفائه فخدعهم.

كثيرون لم يفاجئهم الخطيب أو مبادرته، وكثير من هؤلاء من البسطاء، أحدهم قال لي أليس معاذ الخطيب من قال في أول بيان له بعد تعيينه (وتحت تعيينه خط ) رئيس المعارضة ” يا أوباما لا تخاف لا تطرف ولا ارهاب” “اسمع اسمع يا حباب كلنا مع الائتلاف ” كما أن مبادرته اعتمدت في آلياتها على دعوة الأسد ” ليتطلع بعيون أولاده ” او انه ” ماعم يمزح أو ينكت ” ستجرنا للأسوأ.

نحن لسنا ضد الحوار ولم نكن يوما، لكن نحن مع الحوار الجدي المسؤول وليس حوارا مع شوية مطبلين كما يفهمه النظام عندما جمعهم في دمشق، اننا ومنذ الشهر الثاني للثورة دعمنا الحوار حتى أننا خرجنا بسقف مؤتمر انتاليا والذي كان أكبر وأنجح مؤتمرات المعارضة يحدد فترة انتقالية من ستة أشهر الى سنة يقودها السيد فاروق الشرع، كما أننا في كل اللقاءات الدولية كنا نؤكد على الحل السياسي العادل الذي لا نرى فيه الأسد الا خارج تاريخ مستقبل سورية، تحدثنا مع الروس والأمريكان عن وحدة الأراضي السورية واستيعاب رموز النظام الذين لم تتلوث أيديهم بالدماء و الحفاظ على ما تبقى من الجيش السوري وضم عناصر الجيش الحر اليه وتحدثنا عن ضمانات للأقليات وعلى رأسها أمان الطائفة العلوية ومنع أية انتقامات وتحدثنا عن عدم اجتثاث حزب البعث والعمل بمضامين العدالة الانتقالية التي تجعل الدولة الجديدة خصما لكل المظلومين وتعطيهم حقوقهم المسلوبة منذ نصف قرن وتحويل قضايا الحق الشخصي الى قضاء عادل مستقل يعمل تحت مظلة الشرعية الدولية ووفقا لمواثيق ومعاهدات حقوق الانسان..

والحقيقة أننا قوبلنا بعروض شتى أستطيع أن أقول أن أبسطها وأكثرها اجحافا بالشعب السوري أفضل بكثير وبمراحل عما طرحه شيخنا الجليل، حتى أن السيد ميخائيل مارجيلوف نائب رئيس الفيدرالية الروسية عرض علينا حوارا في قبرص وليس في المناطق المحررة الا من رحمة براميل النظام.

ان خيار التسليح وخيار التدخل العسكري الذي نؤيده كان خيارا اجباريا لكننا لم نخدع أنفسنا لدرجة التصديق أنه الحل بل انه سيجبر عصابات الاسد على الحل او سيجبر دول العالم على الضغط على الاسد كي ينهي مهام اعتماده لديها. اذكر هنا ان كوفي عنان والذي كان من اشد المعارضين لتسليح الجيش الحر قال في اخر ايامه السورية لا تتخلوا عن دعم الجيش الحر لأنه من سيرغم الاسد بالجلوس على مائدة المفاوضات وهو من سيقوي موقفنا بل اضاف بان الجيش الحر هو الرصيد الوحيد المتبقي لكم وبدونه سيكون ظهركم مكشوفا، طبعا عنان لم يكن يتوقع ان يأتي زمانا ليس سوريّا نترحم به على ايام البرفسور برهان غليون او الدكتور عبد الباسط سيدا ولم يتوقع ان دولة قطر ستستطيع ان تشل كفاءة الجيش الحر بتفرقته وافساده ومنع توحده وهذه قضية اخرى ربما نناقشها قريبا.

صحيح ان مبادرة الخطيب لم تؤثر على معنويات الثوار الذين لم يسمعوا بها لعدم وجود انترنت او كهرباء في سورية لكنها اعطت شرعية للنظام القاتل كما أنها أعادت الثقة لشبيحة النظام وزبانيته فبدأت صفحاتهم تتحدث عن مصداقية ورؤية ” السيد الرئيس ” وبدأنا نشاهد ونسمع أصوات أبواق كانت قد اختبأت في جحورها لأشهر مضت وبدأت مجموعات منافقة كانت شريكة للنظام واتضح انها شريكة لمصالحها فتلطت بالثورة لتحميها تقول أن المعارضة اصبحت الان عقلانية نوعا ما…ان هرطقة الخطيب أضاعت الفئة الصامتة وشوشت على أولئك الذين كانوا يتحضرون للانشقاق عن النظام.

المعارضة لم تتخل عن الحل السياسي ولا عن الحوار وكل أدبيات المعارضة تئن بتلك الجمل، صحيح أن الخطيب تلقى غمزة امريكية من نائب الرئيس الامريكي “جون بايدن” تدفعه على الحوار وغمزة اخرى من المصريين تدفعه للجلوس مع الايرانيين لكنني لم افهم لماذا رفض الجلوس مع لافروف قبلا ولم افهم لماذا قابله فجأة ولماذا قرر السفر لموسكو اخيراً..انها ذات التصرفات البرجية التي تجعل القيادات فراعينا وتجعل الشعوب رعايا..

الآن وقد حصل ما حصل..على الشيخ المهندس معاذ الخطيب أن يقدم استقالته وان لم ُيرد او لم ُترد قطر ذلك فعليه ان يقدم اعتذارا للشعب السوري اولا ولهيئة التنسيق ممثلة بالدكتور هيثم مناع وحزب الاتحاد الاشتراكي والتي طالبت بأكثر مما طالب به الخطيب نفسه، ومن ثم عليه الدعوة الى اجتماع عاجل يحضره اقطاب المعارضة كلهم من الداخل والخارج دون محاصصة او محاباة الضغوط وتشكيل جبهة انقاذ تضع تصورا جديا وتصوغ مبادرة حقيقية تستند على مواثيق مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية المنعقد في شهر تموز \يوليو المنصرم تحت قبة الجامعة العربية ورعاية الامم المتحدة بحيث اصبحت وثائقها العهدة الوحيدة المعتمدة دوليا للمعارضة الموحدة القوية.

نتاج هذا النقاش يجب ان يتسلح بموافقة اعضاء الائتلاف المعارض وموافقة المجلس الوطني السوري ومن ثم يتم التشاور مع الدول الحليفة للثورة السورية ومن ثم تعرض على رموز وقيادات الجيش الحر الميدانيين و في الخارج، كما يجب على المعارضة ان تنتج حكومة انتقالية مؤقتة بأية صورة وأي شكل حتى لو كانت صورية لان الحكومة من ينال الاعتراف القانوني ومن يتسلم السفارات وهي من سيفك تجميد اموال النظام في البنوك الدولية وهي التي ستحل مشكلة جوازات السوريين

أخيرا تقدم حصيلة النقاشات للمجتمع الدولي والسوري كآخر فرصة والا سيكون امامنا مخرجين لا ثالث لهما وهو طلب التدخل العسكري او ننضوي كلنا تحت عباءة جبهة النصرة وعندها سيتحول الائتلاف السوري الى اتلاف الثورة والمعارضة كما يحلو لقطر ان تسميه.

امين عام تيار التغيير الوطني

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى