صفحات الحوار

رئيس «الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري لـالسفير: مطلبنا الإدارة الذاتية… وتركيا تريد شريطاً تابعاً لها

 

محمد نور الدين

يواجه الأكراد مشكلات جدية وخطيرة في معظم الدول التي يعيشون فيها. وإذا كانت المشكلة الكردية في تركيا هي الأقدم والأخطر، فإن الحركة الكردية في العراق كانت السباقة إلى تحقيق انجاز تاريخي في الاعتراف بهويتها وصولا إلى أقصى ما تطمح إليه في ظل الظروف الراهنة، وهي الفدرالية أو «الدولة الناقصة» إلا من إعلانها رسميا.

أما في سوريا فإنه حتى إلى أحداث القامشلي قبل سنوات والتي عرفت بانتفاضة القامشلي، فإن الحركة الكردية كانت ضعيفة وغير فاعلة. ومرد ذلك في الدرجة الأولى إلى قلة عدد الأكراد في سوريا الذين لا يتجاوزوا المليون ونصف المليون إلى مليونين، إضافة إلى عدم تشكيلهم منطقة متجانسة، كما في العراق وتركيا، حيث تخترق مناطقهم تجمعات عربية وتركمانية.

ويرى رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي السوري صالح مسلم محمد، في حوار مع «السفير»، ان سياسة التعريب التي اتبعت على مدى العقود الماضية أثرت في صفاء المنطقة الكردية، وهي السياسات نفسها التي مارستها بغداد أيضا على امتداد عقود تجاه شمال العراق.

لكن بعد بدء الأزمة في سوريا توجّهت الأنظار إلى دور الأكراد في المشهد السوري، ومدى تأثيره في مجريات الأحداث. غير أن نقطة التحول البارزة كانت في النصف الثاني من تموز العام 2012 عندما ظهرت فجأة في وسائل الإعلام المختلفة صور لمقاتلين من «حزب الاتحاد الديموقراطي» وهي تسيطر على عدة مدن كردية في شمال سوريا، وترفع عليها العلم الكردي وصور زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان. عندها بات أمام الجميع سيناريو مختلف عن المرحلة السابقة. لقد بدأ عهد الأكراد في سوريا عمليا. اللافت أن ردة الفعل الأولى كانت من تركيا التي للمرة الأولى تهدد بدخول سوريا عسكريا بعد هذا التطور لمنع نشوء وضع يهدد الأمن القومي التركي على ما صرّح به كل المسؤولين الأتراك. التهديد التركي هذا لم يصدر من قبل، رغم تفاقم الأزمة السورية، وهو ما يشير إلى أن عاملا جديدا قد دخل على خط المعادلة السورية والإقليمية.

اتهمت أنقرة فورا دمشق بأنها تواطأت مع «الكردستاني» لنشر قوات كردية هناك، لكن صالح مسلم ينفي أولا أي ارتباط حزبي بـ«حزب العمال الكردستاني» بل هما تنظيمان منفصلان، وإن كان «حزب الاتحاد الديموقراطي» يتبنى «الفكر الأوجلاني».

ويقول مسلم ان أفراد حزبه، إضافة إلى بعض القوى الكردية الصغيرة الأخرى، عملت مع تراجع سيطرة النظام على حماية المناطق الكردية من سعي المعارضة السورية إلى بسط نفوذها هناك. ويحمّل مسلم تركيا كل المحاولات التي جرت لاستبعاد حزبه عن كل الأطر التي كان يعمل على إنشائها للمعارضة السورية، ومنها «المجلس الوطني» الذي نشأ في اسطنبول.

ويقول مسلم ان تركيا أم المشاكل، والأتراك وضعوا خطا احمرا على مشاركة حزبه في «المجلس الوطني» ومن ثم «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» الذي تشكل في الدوحة، والذي كان برأيه «قص جوانح» غربية لتركيا، لأنها فشلت في ما هي مطالبة به من واشنطن في منطقة الشرق الأوسط ولا سيما نشر الإسلام المعتدل، فإذا بالمنطقة تعج بالمنظمات الأصولية.

ويتوقف صالح مسلم عند المعارك الدائرة منذ أسابيع في منطقة رأس العين السورية على الحدود مع تركيا (أو بالمصطلح الكردي سري كانه)، ويقول ان هذه المعارك تدخل في إطار استراتيجية تركية لاحتلال «راجوفا»، أي غربي كردستان، أي المنطقة الكردية من سوريا بواسطة مسلحي المعارضة السورية الذين يتلقون تدريبهم في تركيا وينطلقون من مدينة جيلان بينار.

ويوضح مسلم أن مدينة رأس العين مختلطة، نصفها من الأكراد ونصفها من العرب. وقد عملت المعارضة على السيطرة على القسم العربي من المدينة بعد اشتباكات مع عناصر النظام، ومن ثم كان اتفاق على الهدوء وعدم محاولة التقدم إلى القسم الكردي، لكن المعارضة أخلت بالاتفاق وأرادت طرد الأكراد منها، فواجهها عناصر «حزب الاتحاد الديموقراطي»، والمعارك حتى الآن متواصلة من دون نجاح المعارضة في التقدم الى القسم الكردي من المدينة.

ويشير مسلم إلى أن منطقة رأس العين ذات أهمية لتركيا، لأنها تقع مباشرة على الحدود التركية، وسقوطها يعني فتح الطريق أمام إسقاط مناطق كردية أخرى وصولا إلى السيطرة على كل «كردستان سوريا». ويقول إن تركيا لن تتوقف عن محاولة إسقاط المناطق الكردية واحدة تلو أخرى، ومن وقت لآخر من أجل هدف أساسي، وهو تشكيل شريط حدودي بعمق عشرة كيلومترات داخل سوريا على امتداد الحدود مع تركيا يكون تحت سيطرتها ونفوذها. ولن يحول دون ذلك سوى دفاع الأكراد عن أنفسهم، أو إنهاء الأزمة في سوريا بسرعة.

لكن صالح مسلم يبدو واثقا بأن هذا المخطط لن ينجح، لأن الأكراد مصممون على الدفاع عن أنفسهم، وسيحوّلون كما صرّح سابقا المنطقة إلى مقبرة للأتراك وحلفائهم. وهنا ينتقد مسلم «رئيس» إقليم كردستان مسعود البرزاني الذي لم يتغير في محاربته لـ«حزب العمال الكردستاني» و«الفكر الأوجلاني». ويقول ان البرزاني حاول ان يضع يده، بضغط من تركيا على المنطقة الكردية في سوريا، لكنه افتقد القاعدة الكردية هناك، ولم يقتنع الا بعد وقت طويل بإنشاء جسر بين المنطقة الكردية في سوريا وشمال العراق لنقل المساعدات الإنسانية.

واعتبر مسلم ان تحالفات البرزاني مع تركيا هدفها إضعاف «الكردستاني». ومسلم غير مقتنع وغير متفائل بنتائج المفاوضات الجارية بين أوجلان والدولة التركية، لأنه مع وجود «حزب العدالة والتنمية» ورئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان لا يمكن التوصل إلى أي اتفاق، لأن العقلية الإنكارية متجذرة لدى قادة تركيا، ولا يريد اردوغان من هذه المفاوضات سوى استمرار التلاعب بالمسألة الكردية وتقطيع لوقت، معتمدا على ان حلف شمال الأطلسي لن يضحي بتقسيم تركيا.

وهنا يرى مسلم أن السبب الأساسي الذي حال دون التدخل العسكري لتركيا في سوريا، هو أن تركيا بلد «أطلسي»، وأي هجوم من قبلها يعني انه هجوم «أطلسي» وسيواجه من قبل روسيا على هذا الأساس، الأمر الذي بات خارج الحسابات. أما السبب الذي حال دون تدخل عسكري خارجي حتى الآن في سوريا، فهو أن الغرب وإسرائيل يخشيان ردة الفعل السورية، خصوصا إذا لامست الخطوط الحمر الكيميائية المحملة على رؤوس صواريخ جاهزة للإطلاق في أي لحظة، والتي تطال كل إسرائيل، وهو ما لا يمكن لتل أبيب والغرب أن يتحملاه.

وعن وجود تفاهمات مع النظام في سوريا حول الوضع في شمال سوريا، ينفي صالح مسلم وجود أي تواصل مع النظام منذ اندلاع الأزمة. وقال انه باستثناء القامشلي فإنه لا وجود فعلي للنظام في المناطق الكردية، كذلك فإن التواصل السياسي مقطوع منذ بدء الأزمة، ولا يزال مقطوعا حتى الآن، اذ ان «حزب الاتحاد الديموقراطي»، الذي يمثل برأي مسلم الأكثرية الساحقة من أكراد سوريا، هو جزء من معارضة الداخل المتمثلة في «هيئة التنسيق الوطني» التي يرئسها حسن عبد العظيم. وقد شارك الحزب بمؤتمر المعارضة الأخير في جنيف برئاسة هيثم مناع.

ويرى مسلم أن «الفيتوات» التي توضع على حزبه، من جانب بعض الدول والقوى العربية بل حتى الكردية في شمال العراق، هي في الأساس بضغط من تركيا، وبما أن «الاتحاد الديموقراطي» عضو في «هيئة التنسيق» فإنه مع حصول تغيير سلمي وديموقراطي في النظام ومن دون تدخل خارجي، لكنه يرى أن أي مؤتمر للحوار وأي اتفاقية للتسوية في سوريا يجب أن تحظى بضمانات دولية من كل القوى الكبرى والإقليمية لتنفيذها، وإلا فلا معنى لأي اتفاقية تبرم مع النظام.

ويحدد صالح مسلم مطالب الأكراد السوريين بأنها أي صيغة تضمن أن يعبّر الإنسان الكردي عن نفسه بحرية وكرامة، وتجسيد ذلك هو في إدارة ذاتية لشؤونه ضمن الوطن السوري، بمعزل عن أي تسمية يمكن أن تتخذها هذه الصيغة. هو لا يحصرها بتسمية محددة، فدرالية أو حكم ذاتي أو إدارة ذاتية، المهم أن يُعترف بالهوية الكردية في الدستور وأن تتحقق الهوية الثقافية في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام، وكذلك في تشكيل شرطة محلية خاصة بهم، وإمكان الدفاع الذاتي عن النفس، من دون أن يعتبر ذلك بمثابة تشكيل جيش. ولا يريد مسلم أن تكون هناك حدود جغرافية لمنطقة الإدارة الذاتية، بخلاف ما هو عليه في العراق.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى