صفحات الثقافة

رحم بحالة جيدة للبيع/ رجاء غنايم

 

 

جمعتنا وجبة إفطار في العمل وكنا متعبات ومحملات بالكثير من هم الدنيا وحمولتها. لم أعرف كيف تطور الحديث إلى أن قالت إحداهنّ: رحمي حزين، أعرف أنه حزين.

توقف كل شيء حولي ولم أكمل الطعام ولا رأيت شيئأ سوى صورة الرحم وهو حزين كيف يبدو حزن الرحم يا ترى؟

لماذا تقولين هذا؟

تعلمين ذهبت إلى الطبيبة وأخبرتني أن لديّ مشكلة ألياف في الرحم وقد حاولنا معًا أن نعالجها بأنواع مختلفة من الأدوية ولا نتيجة. إلى أن سألتني الطبيبة السؤال الذي أتوقعه دومًا وأتمنى ألا يُسأل: لست متزوجة؟ آه نعم أنت عذراء. تصمت الطبيبة وأذهب أنا في دهاليز صمتي ووحدتي.

تعرفين؟ الأطباء لا يعرفون شيئًا أنا أعرف أن رحمي حزين لأنه لم يخلق حياة لم أستخدمه في شيء. هذا المسكين لم يعمل سوى في إنتاج مئات البويضات وتجهيزها للحظة الحاسمة. ولكن اللحظة الحاسمة لم تأتِ وظل ينتظر وينتظر. أتخيله حزينًا مكتئبًا تأكله الألياف وتلفه كأنها أفاعٍ تنتظر أن تلتهمه وتنهي أمره.

أحيانًا أتساءل: ولم خلق الله لديّ رحمًا إن لم يكن لإنجاب حياة ومواليد يضجّون بالفرح والصراخ؟ ابنة الرابعة والأربعين تحدثني عن رحمها الكهل، عن حزنه وكآبته عن وجوه أطفال كثر رأتهم في أحلامها يبتسمون، يدمعون، يأكلون، يفعلون أي شيء يفعله أطفال خرجوا من كل رحم ليس رحمها.

تضيع الكلمات مني لا أعرف ما يجب قوله لها، بم يمكن أن يواسيها وماذا أقول وأنا التي جربت الأمومة مرتين وأعطيت معنى ما لرحمي الذي ينتظر أن يأخذ دوره. لحظة هل أعطيته أم أعطاني؟ ولم كل هذه القيمة إذًا لعضو رئيسي في أجسادنا نحن النساء نلعنه ونسبه شابّات لمعاناة وآلام دورتنا الشهرية؟ ثم نستعطفه ونرجوه أن يعمل كما يجب عندما نريد أن نصبح أمهات؟ هل رحمنا هو اللعنة أم الهبة؟ هل هو كل شيء أو لا شيء؟

وماذا عن رحم الرجل؟ هل يتألم هو الآخر؟ هل تتعبه الدورة الشهرية؟ وترهقه الاحتمالات اللانهائية لوظيفته العضوية والروحية؟

ثم ماذا عن الجنس؟ والحب؟ عذراء برحم صالح ومعدّ لاحتمالات الأمومة كلها، رحم صالح لإقامة بيت وعائلة وحب. ولكن هذه العملية المتممّة لفعل آخر هو فعل الحب بين جسدين؟

قفزت زميلة أخرى لنا وقالت وكأنها قد قرأت للتوّ ما يدور في ذهني: أتعرفين، ليس الرحم ما يؤلمني ولا أكترث كثيرًا لمسألة الأمومة، ولكنني أريد الجنس.

كادت عيون النساء تخرج من مكانها عندما لفظت كلمة الجنس، الضحكات المكتومة وتغطية الوجه لم تمنع إحداهنّ من ترديد جملة الذهاب إلى بوابة الجنة: أستغفر الله العظيم.

التفتت إليها صديقتنا وأكملت: لا حاجة للاستغفار فأنا لستُ خجلة من حاجتي. نعم أحتاج الجنس وأحتاج جسدًا آخر بقربي في الليل أتعرفين كيف يمر الليل علي؟ جسدي يئن وكأن ألف إبرة تخزّه طوال الليل؟ ماذا أفعل بجسدي؟ أعرف طريق الله وأؤدي واجباتي الدينية على أكمل وجه ولكنني لم أعد أطيق الصبر على هذه الحال. مالي ومال الرحم؟ لست رحما فقط، أنا روح وجسد وكلاهما يتعذبان ليل نهار.

لم أجد ما أقوله مرة أخرى وأنا أراقب مجموعة من خمس نساء ممتلئات بالحياة والحب والانكسارات يبحثن عن ضفة يصلن إليها. لم يشغل تفكيري من قبل كم تعاني النساء العزباوات في مجتمعي ولم ألمح معاناتهن بهذه الدقة كما الآن.

تعرفن هناك فتاة عزباء عقدت اتفاقًا مع شاب مثليّ الجنس كلاهما كان سيموت لينجب طفلا، وقد كان ورغم أنف المجتمع والدين والعادات والتقاليد. أصبحت أمًا منذ أشهر وهو يكاد يطير من فرحته بالمولودة الجديدة. وفي القرية التي جاؤوا منها كان الحديث كله عن إنجاب سيدة مسيحية طفلة من رجل مسلم!

أفكر، هل يضرّ الله في ملكوته الأعلى أن كائنين قد حققا سعادتهما في النهاية بدون إحداث ضرر أو شر لأي كان؟ هل سيغضب من عقد زواجٍ أقل؟ أو من قدوم طفلة إلى العالم تحيطها المحبة والاهتمام والرغبة في حضورها؟ هل يفضل ملايين الأزواج الذين لا يحبون بعضهم البعض؟ وينجبون أطفالاً يلقونهم إلى جحيم العالم بدون رغبة أو استشارة؟

في لحظة ما كان سقف الغرفة ينفتح وتظهر سماء زرقاء بغيوم بيضاء متفرقة ورضعٍ يحومون فوقنا بخفة وكأنهم ما زالوا في الأرحام. في لحظة انقلبت الغرفة إلى رحم كبير نحوم فيه كلنا خفيفات مثل فراش في سهل ربيع مفتوح.

أستغفر الله العظيم منكنّ ومن هذا الحديث، لا ينقصني بعد الآن سوى أن أنشر إعلانًا في الجريدة يقول: رحمٌ بحالة جيدة للبيع أو للاستئجار. ما رأيكنّ؟

ضفة ثالثة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى