صفحات الرأي

رحيل تزفيتان تودوروف

 

 

العالم يودع أبرز رموز النقد الأدبي في العصر الحديث/ عواد علي

لا تراجع عن دور النقد في إثارة التساؤلات وكشف الحقائق، في إنجاز إنساني لصيق بالفلسفة والفن والوعي، وقليلون هم النقاد والمفكرون الذين تحلوا بالشجاعة وقدموا أعمالهم بجرأة بعيدا عن الحسابات الأيديولوجية أو غيرها، فانتصروا للفكرة قبل الانتصار لصاحبها، ومن هؤلاء كان الفيلسوف والناقد الفرنسي البلغاري الأصل تزفيتان تودوروف، الذي غادرنا مساء الثلاثاء السابع من فبراير الجاري، في وقت حرج من تاريخ الإنسانية الذي يتصاعد فيه التطرف والعنف يوما فآخر، ولا بديل عن دور المفكرين من أمثاله في تقويم مساره.

صوت الحقيقة ضد جموح السياسة

فقد النقد الأدبي الحديث، برحيل الناقد والمفكر الفرنسي، البلغاري الأصل تزفيتان تودوروف (1939 2017-)، واحدا من أبرز رموزه في النصف الثاني من القرن العشرين. بدأ مسيرته النقدية عام 1965 بكتاب “نظرية الأدب: نصوص الشكلانيين الروس”، بعد فراره من نظام شمولي يحكم بلده بلغاريا إلى باريس.

ومن خلال هذا الكتاب عرّف الغرب بنصوص هذه الجماعة التي أحدثت ثورة في مجال تحليل الخطاب الأدبي، وفق منهج موضوعي، خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين، بتأكيدها على خصوصية لغة الشعر والأدب واستقلاليتها، ورفضها مناهج النقد الأدبي الاجتماعية والنفسية والتاريخية التي كانت سائدة حينها. لكنها قُمعت بتهمة تقاطعها مع المنظور الاشتراكي للأدب.

الشعرية والحوارية

تواصلت مسيرة تودوروف لينشر 20 كتابا نقديا وفكريا، منها: “الشعرية”، “شعرية النثر”، “فتح أميركا”، “ميخائيل باختين: مبدأ الحوارية”، “حول التنوع الإنساني”، “مفهوم الأدب”، “الأمل والذاكرة”، “الحديقة المنقوصة: تركة الإنسانية”، و”الأدب في خطر”، وهو آخر كتاب له صدر عام 2007 يستذكر فيه ماضيه الشخصي والفكري.

من الشعرية إلى ألف ليلة وليلة ومن البنيوية إلى فكر الأنوار

رغم أن فرنسا منحته بحيويتها الثقافية، وجامعاتها ومراكزها البحثية، فرصة شحذ ملكاته التأملية والمعرفية، وافتخرت بإنجازاته، فإنها ضاقت أحيانا بجرأته وحكمته المنحازة للعدل والحقيقة ضد جموح السياسة عندما تنفصل عن الأخلاق والحس الإنساني، وفضحه خيانات الغرب الديمقراطي للأسس التي بنى عليها مجده، وللقيم الإنسانية التي بشّر بها.

بتأثير من التوجه الألسني، وجهود الشكلانيين، خاصة جاكوبسن، التي تمحورت حول القواعد الجمالية التي يتشكل منها النص الأدبي، والتحول من الشكل إلى البنية، وإقصاء المؤلف، والانشغال بالأنساق الداخلية للنص، انصبّ الاشتغال النقدي لتودوروف على موضوع “الشعرية” (البويطيقا)، ليخلص إلى أن العمل الأدبي ليس في حد ذاته موضوع الشعرية، فما تستنطقه هو خصائص هذا الخطاب النوعي (الخطاب الأدبي)، وكل عمل عندئذ لا يُعدّ إلاّ تجليا لبنية محدودة وعامة، وإنجازا من إنجازاتها الممكنة. وبتعبير آخر تُعنى الشعرية بالخصائص المجردة التي تصنع فرادة الحدث الأدبي، أي “الأدبية” التي تشكّل مجالا أشمل منها، كون موضوعها هو علم الأدب الذي يُعنى بالآليات، وطرائق الصياغة والتركيب.

اهتم تودوروف بمفهوم “التناص” من خلال المفهوم المعادل له، وهو “الحوارية”، مؤكدا أنه من الوهم الاعتقاد بأن العمل الأدبي له وجود مستقل، ذلك لأنه يظهر مندمجا داخل مجال أدبي ممتلئ بالأعمال السابقة، وعليه يتحول كلّ عمل فني عبر دخوله في علاقة معقدة مع أعمال الماضي.

واقترح المفكر في كتابه “ميخائل باختين، المبدأ الحواري” تقسيم المبدأ الحواري إلى مفهومين: مفهوم “الحوارية”، بمعناه الضيق، ومفهوم “التناص” كما حددته جوليا كريستيفا، مع احتفاظه بـتسمية “الحوارية” لبعض الحالات الخاصة للتناص، مثل تبادل الأجوبة بين متحاورين، أو في التصور الذي أعده باختين عن الشخصية الإنسانية. ورأى أن مفهوم “الحوارية” ينتمي إلى الخطاب وليس إلى اللغة، فالعلاقة الحوارية تنشأ بين النصّ السّابق والنصّ اللاحق، ويتسم الخطاب الأول بسمة أحادية، بوصفه حدّا، أما الخطاب اللاحق فهو متعدد القيم.

ألف ليلة وليلة

انطلق تودوروف في كتابه “شعرية النثر” من تحليل دقيق لأشكال المسرود ووظائفه ووجد نفسه ملتزما بتفكير يتم فيه التساؤل حول تقدم الداخل على الخارج والأصيل على المنسق والحضور على الغياب والكائن على الآخر. واستعرض خصائص النص المسرود في الأوديسة، مبينا أساليب استخدام الكلام المموه، ومؤكدا أن الأوديسة لا تحوي أي مفاجأة، فكل شيء قد قيل سلفا، وكل ما قيل فيها حصل، معتبرا أن هذا يضعها في تناقض كبير مع المسرودات اللاحقة، إذ تلعب المفاجأة دورا أكثر أهمية بكثير.

وفي دراسته لحكايات “ألف ليلة وليلة”، ذهب تودوروف إلى أن أحداثها غير المتعدية هي التي تجليها، فالحدث يقتضي نفسه، ولا يقتضيه غيره ليكون أثرا دالا على هذه السمة الشخصية أو تلك. ولذا عدّها من “الأدب الإسنادي”، حيث يكون التركيز فيها دائما على المسند، وليس على المسند إليه في الجملة. ويرى أن المثل الأبرز على اختفاء المسند إليه تعبّر عنه حكايات السندباد البحري، فهي، رغم كونها تُحكى على لسان الشخص الأول، تبقى غير شخصية (مبنية للمجهول).

ولاحظ تودوروف، في السياق نفسه، أن الشخصية في “الليالي” هي الحكاية المحتملة، إنها حكاية الشخصية، وإن كل شخصية جديدة تعني عقدة جديدة، ويصف ذلك بـ “مملكة البشر- الحكايات”، فما إن تظهر شخصية جديدة حتى تنقطع الحكاية السابقة لتبدأ حكاية أخرى تُتلى علينا. وهكذا تشتمل الحكاية الأولى على الثانية. وهذه الطريقة تسمى “التضمين”. وثمة حكايات في “الليالي” تبعث على الدوار، مثل حكاية “الصندوق الدامي” التي تضرب الرقم القياسي في التضمين. وتُعدّ الحكاية الأخيرة من الدرجة الخامسة. وتصل طريقة التضمين إلى ذروتها مع التضمين الذاتي، أي عندما تجد الحكاية المتضمنة نفسها وقد تضمنت ذاتها في الدرجة الخامسة أو السادسة.

وربط تودوروف بين استمرار رواية الحكايات وتعددها في “الليالي”، وبقاء الرواة على قيد الحياة (فـ “روى” يساوي “عاش”)، والمثل الأكثر بداهة هنا هو شهرزاد نفسها، التي تعيش فقط ما دامت تستطيع أن تتابع الحكي، وإذا ما توقفت فإن مصيرها الموت على يد شهريار، ويتكرر هذا الموقف في داخل الحكايات.

الخاصية البنيوية الأخيرة التي وجدها تودوروف في “الليالي” تتمثل في حاجة الحكاية المتضمنة إلى أن يُعاد أخذها في حكاية أخرى لأنها لا تكتفي بذاتها، بل تحتاج إلى تطويل، وإلى إطار تصبح فيه جزءا بسيطا من حكاية أخرى، وكأنها تمتلك شيئا تتمه، أو فائضا، أو ملحقا يبقى خارج الشكل المغلق الذي ينتجه تطور العقدة. وتأخذ هذه التتمة عدة أشكال، أكثرها شيوعا هو البرهان والحجة.

قدّم تودوروف في هذه الدراسة تحليلا بنيويا بارعا، من خلال ملاحظته التقاليد السردية التي تنفرد بها حكايات ألف ليلة ولية، يبرز ثراء هذه الذخيرة العربية وخصوصيتها البنائية من جهة، ويكسر القواعد التي استنبطها النقد الغربي، ممثّلا بهنري جيمس. في تحليل مفهوم وسلس لا يغرق القارئ في ترسيمات وتهويمات شائكة.

العرب

تزيفيتان تودوروف.. رحيل من الموطن الثاني

بينما كان بصدد وضع اللمسات الأخيرة لكتاب سيصدر الشهر المقبل، رحل في باريس المفكّر البلغاري الفرنسي تزيفيتان تودوروف عن 77 عاماً، كما أعلنت أسرته صباح اليوم.

تودوروف الذي ولد في العاصمة البلغارية صوفيا سنة 1939، توجّه إلى فرنسا للدراسة وهو في سن الرابعة العشرين. فرنسا التي تحوّلت إلى موطن ثان حيث حصل على جنسيتها، وخصوصاً اعتمد لغتها في كتابة كل أعماله.

عرفت مسيرة صاحب “الأدب في خطر” تطوّرات متنوّعة، حيث انطلق من دراسة الأدب، مراوحاً في تناوله بين المقاربات اللسانية والسيميولوجية. كانت أبرز أعمال هذه المرحلة “نظرية الأدب” (1965) و”الأدب والدلالة” (1967) و”مدخل إلى الأدب العجائبي” (1970).

تُمثّل السبعينيات، فترة الاعتراف الأكاديمي بمساهمة تودوروف، خصوصاً وأنه أظهر بُعداً تنظيرياً لافتاً ومقدرة على الانتظام في النشر. كانت أبرز أعمال هذه المرحلة كتاب “الشعرية” الذي ظل إلى أيامنا مرجعاً في الدراسات الأسلوبية للكتابة الإبداعية، وقد ختم عقد السبعينيات بإصداره “القاموس الموسوعي لعلوم اللغة” بالاشتراك مع أوسفالد دوكرو.

كان عمله “غزو أميركا: مسألة الآخر” أوّل خطوة خارج دائرته الأكاديمية، وفيه ظهرت عناصر مكوّنة جديدة، سيواصل تطويرها في أعمال لاحقة حيث بدأ ينهل من منهجيات الأنثروبولوجيا والتاريخ ويهتم أكثر فأكثر بقضايا الحياة العامة، حتى بدا أن الناقد والمنظر الأدبي قد توارى خلف مهمّات أخرى.

تبرز لدى تودوروف نزعة إنسانوية تترفّع عن الخطاب الهوياتي، كما تبرز قدرته على توليد الأفكار حيث أن خلفياته الأدبية كانت عامل تخصيب لقراءات تاريخية ثاقبة، سنجد أثرها في أعمال مثل “مديح اليومي” (عمل حول رسامي القرن السابع عشر في هولندا) و”التراجيديا الفرنسية” (يعود إلى تفاصيل حركة تحرير فرنسا من الغزو النازي) وصولاً إلى آخر إصداراته “الجامحون” وفيه يرسم ثمانية بورتريهات لشخصيات متمردة مثل مارتين لوثر كينغ  ونيسلون مانديلا وإدوارد سنودن.

ضمن هذه الأعمال التي تجمع التاريخ والسياسة والفلسفة، يظل كتيّبه “ما الأنوار؟” أحد أبرز المراجعات للتاريخ الحديث من خلال الحفر في الجذور الفكرية للحداثة معتبراً أنه من دون فهم القرن الثامن عشر سيظل الحاضر غامضاً.

في كتاب شهير آخر، “اللانظام العالمي الجديد”، الذي أصدره في الذكرى الثانية لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، يظهر بالأساس وجه المفكر السياسي الذي يقول رأيه في ما يشغل البشرية اليوم، مقدّماً رؤية “أوروبية” في مواجهة الهيمنة الأميركية الصاعدة.

يمكن اعتبار سنوات الألفية الجديدة مرحلة نجومية ساطعة عاشها تودوروف حيث تحوّل إلى جانب أسماء مثل أمبرتو إيكو ونعوم تشومسكي إلى أحد مراجع الرأي في العالم، رغم أن مجرى الأحداث كان يأخذ مسارات لم تكن تسرّ تودوروف.

العربي الجديد

روح تودوروف/ شوقي بن حسن

“الكلام على الكتب سيكون مهنتي”، هكذا كتب تزيفيتان تودوروف (1939 – 2017) الذي رحل عن عالمنا أوّل أمس، في عمله “الأدب في خطر” (2007). كان يتحدّث، بصيغة أوتوبيوغرافية، عن قرارٍ اتخذه في بداية العشرينيات من عمره، حين كان لا يزال يعيش في بلده الأصلي بلغاريا.

لن يحيد عن قراره هذا، غير أنه بمرور العقود، ومع انتقاله في 1963 إلى فرنسا، سيوسّع دوائره ليصبح “كلامُ”ـه مهتماً بما هو أكثر من الكتب؛ حيث سيتناول سِير الفنانين والسياسيين، والسرديات التاريخية، والعلاقات الدولية وغيرها.

هذا التشعّب يمكن تفسيره بعبارة له يقول فيها “الأدب لا ينشأ في الفراغ بل في حضن مجموعة من الخطابات الحية”، وكأنه بعد سنوات من التخصّص الأكاديمي التي غلب عليها الجانب النظري، قرّر “الارتماء في حضن” هذه الخطابات الحيّة المتعدّدة، وفي النهاية لم يكن الأمر سوى “عملية توسيع لحقل الأدب”.

تحرّر تودوروف من الاختصاص سبقته عمليات تحرّر أخرى. فمساره يوحي بداية بتخلّص/ تملّص من الهوية الوطنية، البلغارية في مرحلة أولى ثم الفرنسية في ثانية، وهو الوجه الآخر من النزعة الإنسانوية التي حكمت أعماله.

قصة وصول تودوروف إلى فرنسا هي الأخرى نابعة من رغبة في التحرّر، وقد روى ذلك في أكثر من عمل من أعماله، فهو لا ينكر بأنه “هرب” من بلاده التي أصبحت فيها الدراسات الأدبية محكومة بقيود أيديولوجية ثقيلة، وكان الطالب العشريني وقتها قد عثر على حلّ لمواصلة دراسة الأدب دون الاحتكاك بغضب السلطة، من خلال دراسته من زاوية اللسانيات.

الانتقال من بلغاريا إلى فرنسا كان أشبه بالانتقال من قمقم إلى متاهة، فقد طوّحت به شهوات المعرفة المتعدّدة في بلد تحوّلت فيه دراسة الأدب إلى صناعة منذ قرابة قرنين. كان من المفترض أن تدوم بعثته إلى فرنسا سنة واحدة، وتصوّر تودوروف أنه لن يتجاوزها، لذا فلا بديل له عن طرْق جميع الأبواب المعرفية الممكنة، ليوزّع نفسه بين أكثر من مسار. قبل أن يضعه في مداره أستاذ شاب كان يحاول أن يؤسّس لعلم للسرديات؛ جيرار جينيت (1930).

نقطة الالتقاء تلك، هي نفسها نقطة انطلاق تودوروف، فمع جينت سيفهم بأنه وبحكم ثقافته الشرق-أوروبية يمكن أن يكون حلقة وصل بين أكبر تيّارين في اللغويات؛ بحيث يصبّ الشرق والغرب في مجرى نهر واحد.

كان أوّل إصدار يحمل إمضاء تزيفيتان تودوروف كتاب “نظرية الأدب.. نصوص الشكلانيين الروس” (1965) وفيه ترجم النصوص الأساسية في الدراسات الأدبية واللسانية من اللغة الروسية مع تقديمها وتنسيقها بحيث بدت عملاً تأليفياً رغم تعدّد الأصوات فيه من فلاديمير بروب إلى رومان جاكبسن.

بعد سنتين، أصدر تودوروف عملاً جديداً لافتاً بعنوان “الأدب والدلالة”، وفي 1969 نشر دراسة بعنوان “نحوُ الديكاميرون”. أعمال مكّنته من التقدّم في الدرجات الأكاديمية، قبل أن يجعل منه مشروعاً مشتركاً مع جينيت أحد أبرز وجوه الساحة الأدبية حين أطلقا ثم أشرفا على مجلة “الشعرية” بداية من 1970 وهي السنة التي أصدر فيها كتاباً بعنوان “مدخل إلى الأدب العجائبي”.

يمكن اعتبار عقد السبعينيات مرحلة التنظير في مشوار تودوروف، وفيها وضع أعمالاً لا تزال تحتفظ بأبعادها المرجعية إلى يومنا هذا، أبرزها “شعرية النثر” (1971) و”الشعرية” (1977) و”نظريات الرمز” (1977)، وهو عقد اختتمه بإنجاز “القاموس الموسوعي لعلوم اللغة” مع أوسفالد دوكرو، ويستنتج متابعُ بقيةَ مشوار تودوروف بأنه كان بذلك العمل يغلق قوساً من حياته، هو الذي أشار في كتاب “الشعرية” إلى “خطر فائض التنظير” لينقطع عنه ويبدأ في الخوض في الشؤون العامة.

لم يختر تودوروف أية بداية كانت للمرحلة الجديدة، فكتابه “غزو أميركا.. مسألة الآخر” (1982) يعود إلى لحظة انبلاج العصور الحديثة برؤية نقدية تعتمد على أدوات تخصّصاته الأكاديمية وتتجاوزها إلى عملية تفكير مرحة مع الوقائع والنصوص. ويسمّي 1492 عام اكتشاف الآخر وهو أيضاً سنة البدء في محوه، مشيراً إلى أن كلمة “اكتشاف” ليست سوى تعبير عن مركزية أوروبية متغطرسة، فالقارة “المكتشفة” ليست جديدة بالنسبة إلى أهلها.

سنعثر على أميركا ثانيةً حاضرة في عمل مختلف تماماً لتودوروف بعنوان “اللانظام العالمي الجديد” (2003). تختلف زوايا الرؤية هنا وهناك، وكذلك المواضيع والأطروحات، غير أن تحليل الكاتب البلغاري الفرنسي للوضع الجيوسياسي العالمي، يُظهر بأن “اللانظام العالمي الجديد” ليس سوى نهاية خيط يبدأ في كتاب “غزو أميركا”.

هذه الخيوط كان صاحب “نقد النقد” يعرف جيداً كيف يربط بها الأفكار والحوادث والاستشرافات، مصعّداً بقدرة عجيبة إشكاليات حادّة كما فعل في كتاب “روح الأنوار” (2006) حين بيّن بأن نفس الجوهر الذي يُنتج قيم الحرية والمساواة ويدفع التطوّر العلمي ويفتح المجال للفن والفكر، يصنع الاستبداد والبربرية.

معظم أعمال تودوروف عبارة عن كتيّبات تتراوح بين مئة ومئتي صفحة. قد يكون ذلك سبباً من أسباب سهولة تداول وترجمة أعماله. رغم ذلك لم يكن راضياً عن حال القراءة في العالم، وتفكّك المعارف وطغيان الأحادية بداية من طرق قراءة الأدب وصولاً إلى استراتيجيات تسيير العالم.

العربي الجديد

تودوروف الذي تنبأ بكل شيء/ بدر الراشد

ورحل الفيلسوف البلغاري – الفرنسي تزفيتان تودوروف، في الوقت الذي رأى، قبيل وفاته، كل مخاوفه التي قضى عمره في التحذير منها، تتجسّد أمامه في أكبر الديمقراطيات الغربية، الولايات المتحدة.

رُسمت توجهات تودوروف باكراً، عندما قضى سنواته الأربع والعشرين الأولى في ظل نظام شمولي، هو النظام الشيوعي البلغاري، قبل أن يغادر صوفيا، ليستقر في فرنسا، ويصبح أبرز مفكريها، أو أبرز “مؤرخ أفكار”، كما يصف تودوروف نفسه، وهو الذي انطلق من النقد والأدب، للدخول إلى تأريخ الأفكار والإيديولوجيات.

يمثل تودوروف حالة بارزة عالمياً، بتمسكّه بـ “قيم التنوير”، في الوقت الذي بدا الكثير بتجاوزها، إما رفضاً لـ “المركزية الأوروبية”، باعتبار التنوير حالة غربيةً لا تحمل أبعاداً خارج القارة القديمة، أو لأن التنوير أصبح سلطة أخرى، أو وهماً آخر، و”سردية كبرى” يجب أن تذوي، في وقتٍ بدأ البشر فيه بالتحرّر من أوهام كثيرة بعد الحرب العالمية الثانية، كما في “سرديات” ما بعد الحداثة.

إلا أن تودوروف نافح عن الأنوار، في مقابل تحريرها من سياقها الأوروبي، ومحاولة إعطائها بعداً عالمياً، فكانت رؤيته قائمة على “حضارةٍ” يمكن أن يشترك فيها جميع البشر، في الوقت الذي لا تنفي هذه الحضارة ثقافات البشر وهوياتهم وتعدّدها. يكتب تودوروف في “الخوف من البرابرة”: لا توجد إنسانية شاملة. .. لو حرمنا البشر من أية ثقافة خاصة، فإنهم بكل بساطة لن يعودوا بشراً.

رأى تودوروف مبكّراً مهدّدات الديمقراطية في عالم ما بعد انهيار جدار برلين. واعتبر في كتابه “أعداء الديمقراطية الحميمون” أن الديمقراطية مهدّدة من الداخل. صدرت الطبعة الفرنسية الأولى من الكتاب في 2012، والترجمة الإنجليزية في 2014، أما الطبعة العربية فكانت في 2016، ليظهر الكتاب وكأنه نبوءة “تفصيلية” للتحذير من انهيار الديمقراطية في أوروبا وأميركا تحت وطأة صعود اليمين المتطرف، والخطاب الشعبوي، إضافة إلى هيمنة “الرأسمالية المتوحشة”، باعتبارها أبرز مهدّدات الديمقراطية من وجهة نظر تودوروف الذي اعتبر أن “غطرسة” الديمقراطية العنوان العريض لنقاط ضعفها. فبعد انهيار جدار برلين، وسقوط الاتحاد السوفييتي، لم يعد هناك خطر خارجي كبير يهدّد الديمقراطية التي هزمت خلال قرابة نصف قرن أشد أعدائها قوةً وصلافةً: النازية والشيوعية.

حارب تودوروف على الجبهة التي ترفض اعتبار الإسلام العدو البديل للديمقراطية بعد نهاية الحرب الباردة، وعارض بشدة أفكار صامويل هنتغتون عن صراع الحضارات، وردّ ببساطة: الصراع بين دول، ومصالح سياسية، لا بين ثقافات وأديان.

يرى تودوروف أعداء عدة للديمقراطية، يتحدّث عن بعضها، أو عن التي يصفها بالأقرب إلى تجربة حياته في ظل نظام شمولي. يتحدّث عن “الشعبوية”، والتي يراها مضادّة للعقلانية، وساحقة للحريات الفردية. وكما يرى الخطر في الليبرالية القصوى أو الليبرالية المتطرّفة (Ultra Liberalism)، والتي جعلت الاقتصاد والرأسمالية المتوحشة محور كل شيء، في هيمنةٍ على السياسة والإعلام والقضاء، بدل أن تصبح هذه المجالات مفصولةً عن بعضها، كما يشير إلى خطر الأيديولوجيات الخلاصية (Messianism).

يأسف تودوروف على تغيّر مفهوم “الحرية” في أيامه، حتى أصبحت أحزابٌ أوروبيةٌ كثيرة تجعل الحرية شعاراً لها، تتبنّى سياساتٍ معاديةً للأجانب، أو ترسخ أجندة الإسلاموفوبيا، أو تتبنى أيديولوجية وطنية متطرّفة، بينما يرى الحرية مرحبةً بالتعدّدية وقائمة على القبول بالاختلاف. لكن التحول الأهم الذي شهده تودوروف، عطفاً على موضوعه، سيكون صعود اليمين المتطرف في أوروبا الغربية من جهة، وتربع الخطاب الشعبوي على سدة الحكم في أكبر الديمقراطيات الغربية، الولايات المتحدة، بعد دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

العربي الجديد

رحيل تزفيتان تودوروف: “انتصار الفنان

محمد الخضيري

ساهم تودوروف في تطوير المشروع النقدي للأدب، ودافع عن حق الآخر في الاختلاف، وعن الديمقراطية وكان ضد لقطائها، كما فكك الشمولية منددا بها. الراحل كتب إلى آخر أيامه، وسيصدر له، في 14 فبراير، كتاب يلخص عنوانُه مشوار حياته: “انتصار الفنان”

رحل الكاتب عن عمر يناهز 77 عاما، من دون أن يرى كتابه الأخير “انتصار الفنان”. المنظّر ومؤرخ الأفكار الذي شغل سماء النقد الأدبي لعقود، تُوفي في باريس بعد تعقيدات صحيّة. اهتمامات الراحل لم تقتصر على تحليل النص الأدبي، بل امتدت إلى الأنثروبولوجيا وتاريخ المعرفة والكتابة الفكرية.

وكان التأريخ للشمولية (بجميع أشكالها) والبحث في جانبها المظلم، شاغلا له، وهو الذي عاش تحت “الستار الحديدي” في الاتحاد السوفييتي، قبل أن ينتقل إلى الجانب الغربي، ويكتشف في باريس متعة النص وتأويلاته، ويجعل من البحث العلمي مادة في خدمة “الإنسية”.

اللغة كمدخل للإنسية

ولد تزفيتان تودوروف في العاصمة البلغارية صوفيا في عام 1939. وقضى فيها العقدين الأولين من حياته. فترة اكتشف فيها الأدب العالمي ووقف في غرام كبار الكتاب كفيكتور هيغو ومارك توين، واختبر في حياته اليومية صرامة النموذج الشمولي والسلطوية المتحكمة في رقاب الشعوب.

في سن الرابعة والعشرين من عمره، بعد دراسات أدبية في جامعة صوفيا، رحل إلى باريس “بالصدفة”، كما يقول في واحدة من شهاداته. “فوالداي هما اللذان قررا، وكانت لديهما إمكانية إرسالي إليها”.  كان يفترض أن يدرس سنة واحدة ويعود إلى بلاده، لكنه قرر طلب اللجوء السياسي، ونشأت علاقة حب بينه وبين المدينة، ليعيش فيها إلى الرمق الأخير.

في المدينة التي كانت حينها ملجأ للكثير من المثقفين الهاربين من المعسكر السوفييتي، كجوليا كريستيفا وآخرين، وجد غايته. فالمدينة كانت تشهد ولادة الحركة الأدبية بعد الأخرى، ومختبرا للعديد من التجارب الفلسفية والنظرية المجددة. سرعان ما استطاع أن يجد بوصلة تُحرّكه. فرغم صعوبات التأقلم في الحياة اليومية، بحكم أنه كان على مسافة من الحراك السياسي اليساري في صفوف الطلاب الفرنسيين، إلا أنه انطلق بسرعة في مشروع بحثي سيمتد لسنوات. ترجمته نصوصا مؤسسة للشكلانيين الروس وتقديمه لها، وضعه في قلب المشهد النقدي الفرنسي. الكتاب “نظرية الأدب” (1965) أثّر بشكل كبير في تصور الشعرية المعاصرة.

في الفترة التي تلت حرب الجزائر واستقلالها، كانت الجامعة الفرنسية تعيش فورة حقيقية، أدت إلى حراك ماي 1968 الذي حوّل بعمق المجتمع الفرنسي. لكن الشاب كان يعيش حينها فورته الخاصة. في 1967، نشر “الأدب والدلالة”، الذي شكّل علامة فارقة في المشهد النقدي الفرنسي وانتشر صداه إلى قارات أخرى، وترجم إلى العديد من اللغات لاحقا، (أضحى في العالم العربي كما في بقاع أخرى، إنجيلاً للعديد من الباحثين في مجال الدراسات الأدبية). وفي العام 1970 نشر “مدخل إلى الأدب العجائبي” وحصل على شهادة الدكتوراه.

فترة السبعينيات كانت حاسمة في مسار الرجل، الذي كان يؤسس إلى جانب آخرين البنيوية، ويرفعونها على عرش النقد الأدبي. لتتوالى الكتابات ويتساءل مع القارئ النهم إلى هذا الاتجاه النقدي عن “شعرية النثر” (1971) و”ما البنيوية؟” (1977) و”أجناس الخطاب” (1977) ويرسم أفقا جديدا لدراسات النص وتأويله.

كتابات الرجل ستجعله في قلب الحياة الأدبية، ليرتبط بصداقات عميقة مع منظّرين فرنسيين، لعل أبرزهم كان جيرار جونيت الذي أنشأ برفقته المجلة الفصلية “poétique” (شعرية) التي انطلقت في تحليل دلالات النص الأدبي وأبعاده السيميوطيقة.

مجهود الرجل الجامعي وتأثيره في الدراسات النقدية دفع إلى تعيينه أستاذا باحثا في “المعهد الوطني للبحث” CNRS الذي يعتبر أهم مركز للأبحاث في مجالات مختلفة. كما درّس في المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية.

وعلى الرغم من أنه كرّس الجزء الأكبر من حياته للدفاع عن الديمقراطية الغربية، هو الذي لطالما صرح أنه حينما يترعرع الواحد في دولة غير ديمقراطية، تصير الديمقراطية في وعيه أغلى ما يمكن أن يملكه المرء، إلا أنه تصدى لأشكال التهميش وتغييب الذاكرة، الذي طبع إيديولوجيا طاغية داخل “الدول الديمقراطية”.

رجل الذاكرة

في الثمانينيات من القرن الماضي، اتجه تودوروف إلى كتابةٍ تقاوم المحو، وتجاوز الصمت على أحداث تاريخية تعرضت فيها شعوب للإبادة والمحو. كتابة تعيد الجسور مع “الآخر” وأُخْرَوِيتّه. أي وجوده المستقل واختلافه، ولو داخل المجتمعات الغربية متعددة الأصول. “غزو أمريكا: سؤال الآخر” (1982) يحكي “اكتشاف” القارة الأميركية ومعها الآخر، وبالتالي جدلية سؤال “الأنا” الذي يطرحه. ثم “سير الآزتيك عن الغزو” (1983) و”نحن والآخرون” (1986). وهي كلها كتب دفعته إلى إعادة مساءلة مواضيع كانت مغيّبة حينها نسبيا في الأوساط الأكاديمية الغربية كالكولونيالية والعنصرية وسؤال الحضارات الأخرى، والتعدد الثقافي، كما يؤكد لورونس دوكوك. الكاتب، الذي ينتمي إلى المجلس الوطني لإعداد المناهج الدراسية الفرنسية، نشر مقالا مهما في جريدة Mediapart عن دور تودوروف داخل المدرسة الفرنسية، ونضاله بعد تعيينه من طرف وزير التعليم حينها وصديقه، لوك فيري، كعضو في المجلس. رسائل المفكر واقتراحاته وتقاريره، صبّت جميعها في هذا الاتجاه، وحاول أن يعيد التوازن إلى مناهج الدرس التاريخي من أجل أن “يكون تقاطعا ما بين الفلسفة والتاريخ ومجالات أخرى”. أراد أن يجعل من هذه الأسئلة، أكثر من مجرد أحداث تاريخية (كانت أصلا مغيّبة من المناهج)، بل بوصلة لفهم علاقات اجتماعية أعقد تنحدر من الإرث الثقيل للحقبة الاستعمارية. لكن مشروعه “الدليل المرجعي”، كما أراد أن يسميه للمناهج الدراسية في الثانويات، لم ير النور، بسبب حسابات سياسية حالت دون إنجازه.

مع الحرية ضد “لقطاء الديمقراطية”

في العام 2012، حاورت الجريدة السويسرية “لوتون” المفكر. تحدّث تودوروف عن أعداء الديمقراطية. ولم يتّبع أبواق الجوقة، كما اختار دوما. لنصغِ إلى صوته: “في السنوات الأخيرة، صدمني أن المطالبة الحصرية بالحرية، صارت علامة أحزاب أقصى اليمين الأوروبية. هذا يجعلني أعيد التفكير في الحقبة الحالية من الديمقراطية. فصفحة طويت: لم يعد للديمقراطية أعداء يهددونها من الخارج. الأنظمة الشمولية ماتت. ولا يوجد مشروع اجتماعي لمنافستها- محاولات تقديم الإسلام كذلك فشلت، لكنها الآن تتآكل من الداخل. أعداؤها هم أبناؤها غير الشرعيين”.

أُجري هذا الحوار بعد صدور كتابه “الأعداء الحميمون للديمقراطية”، وفيه يُبدي الرجل موقفا شجاعا، طوّره في الكثير من الكتابات، ويُظهر نبوءة الرجل عن التطور السرطاني الذي يشهده الغرب ووصول أحزاب اليمين إلى السلطة.

تودوروف وقف إلى صف الديمقراطية، كأغلى ما يمكن امتلاكه. لكنه، في الآن ذاته، ضد الخطاب السياسي باسم الديمقراطية الذي يبرر التدخل العسكري في البلدان الفقيرة، والمستعمرات القديمة، والتباينات الطبقية التي تعيشها دول الغرب. ولطالما دافع عن المهمشين والمستضعفين، وساند الكثير من القضايا العادلة، ومن ضمنها القضية الفلسطينية.

هذه المواقف تشكلت منذ قراءاته عن العنصرية وتاريخ الاستعمار، وطوّرها باقترابه من المشهد الجامعي الأميركي، رغم انتقاده لبعض وجوهه. إذ لطالما رأى في كتابات الجامعيين الأميركيين تبريرية لا تسائل الذات، بقدر إلقائها اللوم على عاتق الآخر.

اهتم تودوروف كثيرا بالمقاومات الاجتماعية والسياسية، وكان من قدّم “استشراق” إدوارد سعيد في اللغة الفرنسية. كما أحب هؤلاء العصاة الذين غيّروا التاريخ، فكتب “المتمردون” (2015) الذي استعاد فيه شخصيات تاريخية ونضالها، من قبيل مالكولم إكس، نيلسون مانديلا، ألكسندر سولجنيتسين. اهتمامه بالشخصيات كان رهينا بفكرة لطالما دافع عنها: عظمة الأدب في حياة الأفراد، وعظمة الإنسان، وحياته اليومية خارج الكتب.

وكان آخر مشاريعه عن “انتصار الفنان” أمام الشمولية. جريدة لوموند الفرنسية، نشرت نصا من هذا العمل الذي سيصدر في منتصف الشهر الحالي (فبراير 2017) يشرح فيه اختياره لسِيَر مبدعين عاشوا في ظل النظام السوفييتي. يؤكد تودوروف أن اختياره ليس اعتباطيا، فها هو يكتب: “إذا ما انخرطتُ في هذه الاستعادة فليس (فقط) لأنني أعتبر قَدَرَ شخصياتي مؤثرا أو لأنه يشكل قصصا تراجيدية، وليس فقط اهتماما بتاريخي كرعية سابق لدولة شمولية، أو لتاريخ بعض المقربين مني الأكبر سناً، لكن أيضا لأنني أعتقد أن في هذا التاريخ القديم بقرابة القرن، والذي وقع في بلد اختفى (الاتحاد السوفييتي) شيئا ما يقدم تعاليم لنا عنا، نحن مواطنو العالم الغربي في القرن الواحد والعشرين. لكن، تأكيد إمكانية القراءة هذه، اعتراف في الآن ذاته باستمرارية أو تشابه بين هذين النوعين المختلفين من الدولة، الأنظمة الشيوعية من الماضي والديمقراطيات الليبرالية في الحاضر”.  تحذير هو إذن من الانزلاق نحو أطروحات اليمين المتطرف، وتأكيد على انتصار الإنسية أمام كل أنواع الشمولية. انتصار الأدب والحياة ضد العنصريات باختلاف أسمائها.

ضفة ثالثة

تودوروف.. شكرٌ عربي/ نجم الدين خلف الله

أذكره بقامته الفارعة، وشَعره الكثيف، بعد أن غزا سوادَه البياضُ، وهو يَتهادى على مدارج “المكتبة الوطنية فرنسوا ميتران” في باريس. وأراه بعدها، يتمطّى بين رفوفها العالية، يجوس خلال الموسوعات والمراجع العتيقة يتصفّحها بشغفٍ، أو على مَكتبه يُحبّر صفحات أحد كتبه الغزيرة، على ضوء فوانيس المكتبة الفاترة.

أذكر تودوروف، هذا الناقد الفرنسي، البلغاري الأصل، ذاك الذي ظلَّ اسمُه يَرنُّ، طيلة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، في أروقة المعاهد والجامعات التونسية، مُجدّداً مناهج دَرس الأدب، ومروّجاً للشكلانية والبنيوية والسردية في فهم النصوص الكونية.

وقد شاع في كتاباته، التي سرعان ما تُرجمت إلى العربية، أنه ممّن لا يقول بالمعنى مضموناً مباشراً تعكسه مقاطع الأدب، بل هو قيمةٌ شكلية تتناتج من تزاوج الأبنية وتلاحمها، ومن فرادة العلاقات المنعقدة بين عناصره، ذوباً في كلٍّ كلاميٍّ.

وأُثِرَ عنه أنه يولي الدلالة مكاناً ثانوياً، إذ الجمالية – في كتاباته جلّها – كامنة في تحاور الأبنية السردية والشعرية وفي مدى التناسب البنيوي بين السرد والحكاية، بين وسائل القصِّ وأنماط حضور الراوي أو غيابه، وتداول الرواة على فعل الحكي، عبثاً بالقارئ، وإرباكاً له، حتى لا يكون الأدب تتابعاً خطيّاً هزيلاً، وكذلك في الروابط المنعقدة بين الشخصيات وتفاعلها في الفضاء الزماني والمكاني، محكومةً جميعُها بتطوّر الحبكة وسريان منطقها الداخلي، أكان تاريخياً خطيّاً، أو عجائبياً متموّجاً.

قضى تودوروف الخمسين سنة الأخيرة في باريس، أو أستاذاً زائراً في أكبر جامعات أميركا. تجاوز إنتاجه الأربعين كتاباً، كانت محكومة عموماً بمحورين: النظرية الأدبية التي تنهض على مقومات الشعرّية في مجال السرد خاصة، والنظرية الثقافية ومقوّمات الهوية والمغايرة في عالم تتصارع فيه الهويات وتصطدم الحضارات.

خصص تودورف كتبه الأولى للبحث عن جمالية البناء السردي، لا من حيث أنه رسالةٌ ومضمون، بل من حيث هو تشغيل لمستويَيْن في الكلام: القصة والخطاب، أو الحبكة والتعبير عنها بواسطة نحو سرديٍّ، تتوالى فيه المقاطع الحكائية، حسب علاقات شكلية وتداخلات صورية تعبر عنها صيغُ الخطاب وسجلات القول واختيارات المعجم. ولذلك عرض أولاً الى الشكلانيين الروس وتَرجم نُصوصهم إلى الفرنسية، وأبان في كتابه عن نظرية المعنى في الأدب، أنَّ الدلالة، في هذا الجنس من الكلام، تتركز أساسًا في البُنى السردية، وهي التي تصنع المعنى من خلال ما توفره من تعالقات وتداخلات.

وقد كان للترجمات المبكّرة نسبياً لأعماله النقدية إلى العربية فضلٌ كبير في تطوير مناهج النقد الأدبي عند العرب، وإتاحة أدوات مفهومية فعالة، يقرأ من خلالها نقَدةُ الكلام عندنا سيلَ الروايات العربية، الحديثة والمعاصرة، فكأنما أمدَّ البلاغة التقليدية بالوسائل التي تعوُزها، بعد أن أشرفت على الهلاك، ووفَّر لها الآليات في تناول الخطاب الروائي وهي فيها منعدمة تماماً، وبذلك نقل صاحب كتاب “الأدب في خطر”، ومريدوه من العرب، الجمالية من التأويل المُسقط إلى التحليل النصي، بعد أن “مات المؤلف”، كما كان يردّده صديقه وأستاذه رولان بارت، فعَوَّضه الراوي اللعوب، وخبا المعنى فقام على أنقاضه الشكل بعلاقاته، وانطفأت الخَطابة، فنابت عنها السردية الخارقة التي تستبطن أغوار النفسيات، وتعكس تحوّلات الثقافة وتموّجات المجتمع.

اغترف النقّاد عندنا من تراث المفكّر الفرنسي البلغاري الراحل، ولا سيما شاعرية السرد، فحلّلوا على ضوئه عشرات الروايات، وهمّشوا مضامين أدب الالتزام والواقعية والمباشَرة، وجعلوا منه مجرّد لعبة وميثاق بين المبدع والقارئ، بَعضها عجائبيٌّ، وبعضها علائقيٌّ، وقيمة الأثر إنما تعلو بحسب براعة الحوار المعقود بين الأبنية الشكلية وتتابع العالم المتخيّل، وبحسب انعقاد جمالية التحاور بين النصوص المتقادمة والمجاورة، والأدب عنده حواريٌّ أو لا يكون.

مثلت “تركة” تودوروف نقلة نوعية في تذوّق الكلام وتحليل مبانيه، وتراثُه ثورة فعلية في مناهج دَرس الجودة في الكلام السردي، وأكثر من أفادَ منه العرب، وسنظل له شاكرين.

* كاتب وأكاديمي تونسي مقيم في باريس

العربي الجديد

دافع عن استشراق إدوارد سعيد وانتقد ديموقراطية الغرب: تزفيتان تودوروف… تفكيك «التثاقف» والغيرية/ عبدالدائم السلامي

«أنا منفيٌّ بشكل عَرَضي» هكذا وصف تزفيتان تودوروف إقامته في باريس منذ أن وصلها عام 1963 قادما من بلغاريا لاستكمال دراساته العليا، حيث ظلّ – على امتداد نصف قرن قضّاه فيها- يعيش معزولا عن وسطها الثقافي، يمشي وحيدًا، مُتَكتِّما عن كلّ شيء، لا تربطه صلة حميمة بفئة المثقّفين فيها، ولا يتردّد عليه من الناس سوى نفرٍ من طلبته.

ونحن واجدون في كتابه «الإنسانُ المُهَجَّرُ» الذي خصّصه لكتابة سيرة منفاه ما يُحيلُ إلى إحساسه الدائم بمرارة الغربة، حيث يفتتحه بالقول: «منذ فترة طويلة استيقظُ مذعورا»، ويكتُبُ على ظهر الكتاب ذاته قوله: «يبدأ الإنسانُ يتألّم عندما يُقْتَلَعُ من وطنه: من الأفضل لنا أن نعيش بين أهالينا». وقد اتكأ على تجربته الخاصة ليجعل من المنفى، منذ ثمانينيات القرن الماضي، سؤالَه الوجوديَّ ومبحثًا سوسيولوجيَا جديدا انصبَّ جهده وكدُه فيه على تفكيك مسائل التثاقف والغَيْريّة والغربة، وصدمة التمثُّلات الثقافية، وبسبب ذلك أُعجب بمفهوم الاستشراق لدى إدوارد سعيد، وعاد إلى كتاباته مُحلِّلاً ومناقِشًا، معتبرا إياه أفضل مثال للمثقّف المنفي الذي يخوض أكبر حرب وجوديّة ظلّ فيها يعيش على أرضٍ هنا ويبحث عن أخرى هناك. يذكر أن تودوروف رحل عن عالمنا ليلة 7 فبراير/شباط 2017 جرّاء مرض عصبي، وترك كتابا قيد النشر سيظهر في شهر مارس/آذار المقبل عن دار فلاماريون الفرنسية بعنوان «انتصار الفنّان».

وحسبما جاء في سيرته، فإنه وُلد في الأول من مارس عام 1939 في مدينة صوفيا البلغارية لأبٍ هو تودور بوروف، يعمل أستاذا جامعيا، ولأُمّ هي هارتينا بيفا مسؤولة مكتبة. وجليّ أن هذا الوسط العائلي المثقّف سيكون له أثره الإيجابيّ في تكوين الطفل تودوروف، إذْ هو يذكر أن بيتهم كان مليئا بالكتب، وأنه قرأ كثيرا من الروايات وعمره لم يتجاوز الثامنة. عمل تودوروف مدرّسَ أدب بعد تخرّجه من جامعة صوفيا، ثم حصل على منحة دراسية غادر بمقتضاها بلغاريا إلى باريس، حيث نال درجة الدكتوراه في الآداب عام 1970 في كلية الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية. وفي عام 1973 تحصّل على الجنسية الفرنسية.

تتوزّع رحلة تودوروف الفكريّة على مرحلتيْن: مرحلة أولى اهتمّ فيها بالدراسات الأدبية، وما اتصل منها بالشكلانية والبنيوية والسيميائية، حيث فتح أعينَ الغرب والشرق على آراء الشكلانيين الروس، عبر ترجمة أهمّ كتبهم، وأسّس مع جيرار جينيت مجلة «الشعرية»، وكان أشهر كتاب له في هذه المرحلة هو «مدخل إلى الأدب العجائبي». وثاني المرحلتين هي تلك التي اهتمّ فيها بتاريخ الأفكار، وبكلّ ما هو من صُلب وظائف الإبداع، أي بجوهره، حيث ركّز اهتمامه على البحث في قضايا الإنسان في صلته بغيره على غرار مسائل حوار الثقافات، وأزمة الدّيمقراطية، وسوسيولوجيا المنفى، والتربية، ونقد الأنظمة الشمولية. وما ميّز هذه الفترة هو جرأتُه على نقد مساره الفكريّ، حيث أخضع مواقفه وآراءه السابقة إلى كثير من الأسئلة، على غرار ما جاء في كتابه «الأدب في خطر». تزوّج تودوروف من الكاتبة الكندية نانسي هيوستن عام 1979، وألّف معها كتاب «غناء البستان»، غير أنها تخلّت عنه بسبب ازدياد مصاعبه النفسية، وطلّقته سنة 2014 لتقترن بالفنان التشكيلي السويسري غي أوبَرْسون، ولعلّ في هذا ما يؤكّد غربة تودوروف ويُكَمِّل إطارَ مَشْهدِ منفاه.

عمل تزفيتان تودوروف ما بين عامي 1983 و1987 مديرا لمركز البحوث للفنون واللغة في فرنسا، ثم أستاذا زائرا في أمريكا في جامعات نيويورك، وكولومبيا، وهارفارد وييل، وكاليفورنيا، ونال مجموعة من الجوائز والأوسمة مثل جائزة أمير أستورياس في عام 2008.

تتميّز لغة تودوروف بالصرامة والتقشّف، وهو غير مهتمّ في كتاباته بالميل إلى البلاغة، على غرار ما نلفي في كتابات بارت ودولوز على سبيل المثال، وهو أمر ينبئ بحذره في التعامل مع لغة غير لغته الأصلية، ومع وسط ثقافي يشعر فيه بأنه «آخر» رغم مساهمته الفكرية الثرّة فيه. وهو إلى ذلك كثير الاطلاع على آداب العالَم وثقافاته، يستمع إلى الناس أكثر مما يتكلّم معهم، وفي خلال ذلك كان يسعى إلى فهم أوسع لأخلاقيات عصره ونقد انزياحاتها الجديدة المؤلمة، على حدّ ما جاء في كتابيه «الفوضى العالمية الجديدة» و«ذاكرة الشرّ، غواية الخير».

القدس العربي

رحيل تزفيتان تودوروف… الرديف الفرانكوفوني لنعوم تشومسكي/ محمد حجيري

المنظر الكوني

مع رحيل الباحث والمنظر البلغاري الاصل الفرنسي الجنسية، تزفيتان تودوروف (1939_ 2017)، تخسر الثقافة “الكونية” اذ جاز التعبير، ركناً بارزاً من أركانها وصناع أفكارها، وطالما كانت كتبه البحثية ومواضيعة الاختلافية ومفاهيمه، محط اهتمام النقاد والقراء وأصحاب وجهات النظر، وكونية تودوروف لأنها بأفكاره تخطى منطق الهويات والعصبيات والحدود والمركزيات الأوروبية والغربية، ويؤمن بأن جوهر الحضارة يكمن في الاعتراف بالإنسانية الكاملة وبالتعدد الثقافي للآخرين، ويقول “أنا أساسا إنسان ولست فرنسيا سوى بالصدفة”، وفي رأي الكاتب مارتن والاس: “يعد تودوروف، مترجم المقالات، أشمل النقاد البنيويين وأكثرهم نظامية وتظهر كتابته الخاصة عن السرد كيف يمكن دمج النظريات الروسية والفرنسية … وهو يدمج كذلك النظريات النافذة لدى النقاد الإنجليز والأميركيين مظهرا علاقاتهم بالاهتمامات الأوروبية”… وشكل تودوروف مع جوليا كريستيفا ورولان بارت وجيرار جينيت وميخائيل باختين وامبرتو ايكو ورومان ياكوبسون وغيرهم، محطة مهمة في تاريخ الكتابة والنظريات الأدبية التي امتد تأثيرها الى العالم العربي، وان بوتيرة نخبوية. وتودوروف تحديداً كانت له حيثية فكرية وتشعبات هنا وهناك بسبب تنظيراته “الكونية”، فهو المنفي الآتي من بلغاريا العام 1963، في زمن النظام الشيوعي- السوفياتي، كان آتياً للدراسة في باريس، سرعان ما طلب اللجوء وعاش في بلاد الأفكار والتحولات. عدا ذلك التحق تودوروف في الجامعة ليحصل العام 1970 على دكتوراه دولة في الآداب، في مرحلة كانت فرنسا، تضح بالأفكار والأحلام، فهي الخارجة من موجة الثورة الطلابية العام 1968، كان مكنونها الثقافي بين وجودية سارتر ونفسانية جاك لاكان ونقدية رولان بارت ونسوية سيمون دي بوفوار، من دون أن ننسى “فتوحات” فوكو ودولوز وجان جينيه… وفي موازاة ذلك، كانت أوروبا الشرقية منبعاً لصعود الكثير من المثقفين المنشقين والكثير من “نجوم” الفكر والفلسفة، فمن رومانيا سيسطع يوجين يونيسكو وميرسيا إلياد وأميل سيوران، ومن بلغاريا الياس كانيتي، ومن تشيكيا ميلان كونديرا وكذا من بلدان اخرى.

أيضا كان تودوروف مهتماً بالباحثة الفرنسية المتخصصة في علم الجناس، جيريمان تييون، والمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد. ساعدته أعمال الأولى على تفكيك الخطاب الاستعماري، فيما وفرت له دراسات الثاني حقلاً سياسيًا وأنثروبولوجيًا لتعميق المقاربة لمسألة الآخر بصفته صورة مبتكرة تنهل منها بسخاء الأيديولوجيا الاستعمارية. علاقة تودوروف بهاتين الشخصيتين ليست علاقة أكاديمية، بل “قرابة فكرية يتصاهر فيها العلمي بالسياسي” بحسب وصف أحدهم. رافق تودوروف جيرمان تييون في مشوارها الإثنولوجي الملتزم. كما وقف مناصرًا للقضية الفلسطينية وشعبها وشعرها…

وتدوردوف الذي قضى طفولته في بلغاريا يوقل “كلما عادت بي الذكريات إلى الماضي البعيد، إلاّ ووجدتني محاطاً بالكتب، لأن والدَيّ كانا يمتهنان الوراقة، وكانت الكتب تملأ علينا البيت. وكانا منهمكين باستمرار في تدبير أمر رفوف جديدة لتدكين هذه الأعداد الهائلة من الكتب. وفي انتظار إيجاد ذلك، كانت الكتب تتراكم في الغرف والممرات، مشكلة طغوات آيلة للسقوط. وإذا ما أردتُ المرور أجدني مضطراً إلى الزحف وسطها. وهكذا تعلمت القراءة بسرعة، وبدأت أقرأ بنهم شديد القصص الكلاسيكية الموجهة للشباب والمنشورة بتصرف، كألف ليلة وليلة وحكايات كريم وأندرسين وطوم سويير، وأوليفر تويست والبؤساء”. هكذا امضى صاحب “فتح اميركا” طفولته بين أكوام من الكتب، الشيء الذي جعل انتسابه إلى كلية الآداب أمراً محتوماً “الكلام عن الكتب سيكون مهنتي”.

انخرط تودوروف في زخم التيار من بوابة النقد الأدبي، خصوصاً تقديمه، ترجمته، وتحليله للشكلانيين الروس، الذين لعبت نظرياتهم في مجال التنظير الأدبي، سواء منه الشكلاني، الوظيفي، الإستيطيقي، دورًا إشعاعيًا بامتياز. وأول من قدم مصطلح narratologie وهو مصطلح يراد به علم السرد أو السرديات… ولم يكتف الراحل بتأسيس السرديات إلى جانب رولان بارت وجيرار جينيت، بل ألّف دراسات في الفلسفة والسياسة والأنثروبولوجيا والتاريخ… وساهم كتابه “الأدب والدلالة” في إعادة إحياء البلاغة. ومنذ صدورها أصبحت كتب تودوروف: “مدخل الى الأدب الفنتازي(العجائبي)” (1970)، “شعرية النثر” (1971)، “نظريات الرمز” (1977) من كلاسيكيات الدراسات الأدبية. لكن الحال تغير، بعدما أمضى عشرين عاماً يدرس بدقة متناهية الأشكال الدلالية، التي كان متحمساً لها للغاية. وشكلت الثمانينات من القرن الماضي منعطفًا حاسمًا في مسار تودوروف بعد ترهل المدارس النقدية التي اتبعها، إذ انكب على دراسة الظاهرة الاستعمارية، الاستشراقية وموقع الآخر في التصور الغربي لحظة اكتشاف أميركا أو إنشاء المستعمرات الأوروبية. خصوصاً في كتبه المهة “نحن والآخرون”، “فتح أميركا” (1982)، “مواجهة المتطرف: الحياة الأخلاقية في معسكرات الاعتقال” (1991)، “حول التنوع الإنساني” (1993)، “الحديقة المنقوصة: تركة الإنسانية” (2002)، “الأدب في خطر”، “الخوف من البرابرة: ما وراء صدام الحضارات”، “أعداء الديموقراطية الحميمون”.

عالج تودوروف في “فتح أميركا” رحلة كولومبوس الى القارة التي كانت مجهولة لدى الأوروبي، ليظهر أن تلك القارة كانت تنطوي على حضارة وثقافة، وعامرة بسكانها الأصليين مثل الآزتيك والإنكا والمايا وغيرهم. لم تكن مجهولة لدى سكانها، فما سُمّي “الاكتشاف” كان كذلك نسبة الى كولومبوس ومن يقف وراءه. فهذا “الاكتشاف” لم يكن – إذاً – سوى غزو أو “فتح”. وبحسب فريال جبوري – في تقديمها الكتاب بترجمته العربية – فإن كلمة “اكتشاف” هي التي استخدمتها أوروبا التوسعية “حاملة في ثناياها إيديولوجية تضخم الذات الأوروبية، وتغييب الآخر اللاأوروبي. وإضافة إلى أن العام 1492 هو عام “اكتشاف” الآخر الذي أدى إلى القضاء على هذا الآخر، فقد كان أيضاً العام الذى بدأ فيه مسلسل طرد الآخر من أوروبا، وهو العام الذي سقطت فيه غرناطة وبدأت أسبانيا حملة التطهير، ولهذا يمكن أن يقال أن العام 1492 هو عام القضاء الرسمى على التعددية فى أسبانيا وعام بداية اختراق الآخر عالمياً.  واعتمادًا على روايات الغالبين والمغلوبين في آن معًا من أجل فهم عملية الإزاحة والهيمنة وطمس الهوية التي حدثت للحضارات الاميركية، ومن هنا كانت عودة تودوروف إلى مئات من الوثائق المتضمنة مذكرات كولومبوس وكورتيس وشهادات شفاهية لهنود حمر وثَّقها بعض القساوسة الإسبان في كتاباتهم… إنَّ أسباب تفوق إسبانيا آنذاك لم تكن بسبب تفوق عسكري ولا عددي وإنَّما كان السبب أنَّ بعض حضارات العالم الجديد ومنها “الآزتيك” كانت منكفئة على نفسها…

وُصف تودوروف بالرديف الفرانكوفوني لنعوم تشومسكي، (الرجل الذي أتى هو الآخر من عالم اللغة، وتحديدا من حقل الألسنيات، ليصبح رمزاً للمناهضة الفكرية للأمبريالية)، واستمر في أبحاثة المثيرة للجدل. ففي كتابه “نحن والآخرون”، بحث في العلاقة بين “تنوع الشعوب والوحدة البشرية”. فالشعوب تتنوع، لكن البشرية وحدة متكاملة، متكافئة. ويعتبر بقوله إن “سجاداً تقليدياً قد يكون أروع من لوحة تجريدية”. في كتابه “الخوف من البرابرة.. ما وراء صدام الحضارات”، يتناول تودوروف تنامي شعور الخوف من الاجتياح الإسلامي، إن مادياً عبر قوافل الهجرة والتكاثر الديمغرافي بين المسلمين، أو رمزياً عبر القيم وأنماط الحياة الإسلامية التي ينظر إليها كتحدٍّ لمكتسبات الحضارة الغربية المتمثلة أساسا في حقوق الإنسان والحرية. يحذر من انتشار عدوى الرهاب من الإسلام والمسلمين، بوصفه يفتح باب الارتداد عن القيم الغربية نفسها ولو باسم الدفاع عنها. فالخوف يصبح خطراً بالنسبة إلى الذين يشعرون به… يحذر تودوروف من النتائج العكسية لسياسات الخوف من الإسلام، التي حرضت على شن حرب ضد الإرهاب والتطرف، تبين في النهاية أنها، وبالطريقة التي شنت بها، قوت مشاتل الإرهاب وأنعشت شبكاته.

في عمله “أعداء الديموقراطية الحميمون”، يختبر تزفيتان تودوروف، اللحظة التي غدت فيها الآثار المنحرفة للديموقراطية تُهدّد وجودها في حدّ ذاته. وفي كتابه “روح الأنوار”، يكتب “كل سكان المعمورة كائنات إنسانية. ما يجمع الناس أكثر أهمية مما يفرقهم”، ويستدعي مونتيسكيو في قوله: “أنا أساساً إنسان، ولست فرنسياً سوى بالصدفة”، وفي كتاب “الأدب في خطر” يكتب: “حينما أتساءل اليوم لماذا أحب الأدب، فإن الجواب الذي يراود ذهني تلقائياً هو: لأنه يساعدني أن أحيا… يتيح لي اكتشاف عوالم وفهمها”. فالخطر الذي يتهدد الأدب، بحسب تودوروف، لا يأتي من الأيديولوجيا، ولا من انصراف القراء عن كتب الأدب، ولا من تكنولوجيا المعلومات المستجدة، وكذلك ليس من منافسة الأنواع والمجالات المعرفية الأخرى.. مصدر الخطر، وببساطة، مدارس النقد المعاصرة المهيمنة، التي عزلت الأدب عن الواقع وعن العالم. ويعتبر تودوروف ان الأدب يستطيع “أن يفعل الكثير. ويمكنه أن يمد لنا يد العون عندما نكون محبطين بعمق، ويقودنا نحو الكائنات الإنسانية الأخرى التي تُحيط بنا، وأن يجعلنا نفهم على نحو أفضل العالم، ويُساعدنا على العيش. وليس هذا لأنه يمثل تقنية لمعالجة الروح قبل كل شيء، فهو يستطيع ايضاً، في هذه الأثناء، أن يحول كل واحد منّا من داخله. ولذا، فإن للأدب دوراً جوهرياً يقوم به”.

وكان تودوروف قد انتهى من كتابة آخر كتبه “انتصار الفنان” المرتقب صدوره في آذار/مارس المقبل، وهو صاحب مقولة “إن الخوف من البرابرة شعور يوشك أن يجعلنا نحن أنفسنا برابرة”، وكرّس كتابه “متمردون” للتمرد. يبين المؤرخ المعارك الفردية، بوصفها أشكالاً أخلاقية ملتزمة تنتهي بالقيام بدور سياسي في الفضاء العام. ومتمردو تودوروف “ليسوا غزاة”، ولا يبحثون عن إنشاء مجتمع مثالي، وإنما يرفضون “القوى التي تريد إخضاعهم”.

بالطبع لا يمكن، في مقالة، استعراض لمحات عن أعمال كاتب موسوعي ومنظّر له أفكار مغايرة، ولقد تربى جيل ثقافي بكامله على نصوصه النقدية والنظرية مثل “شعرية السرد”، “ما البنيوية؟”، “نظرية الرمز”، “أجناس الخطاب”، وصولاً الى نظرته المختلفة في “فتح أميركا”، و”الأدب في خطر”.

المدن

تودوروف رجل الاعتدال/ أبو بكر العيادي

بدأ اهتمامي بتودوروف في أواسط الثمانينات مع كتابه “نقد النقد” الذي ودّع فيه شبابه البنيوي، لينطلق في تاريخ الأفكار، لا سيما فكر الأنوار من خلال أعلامه الكبار أمثال روسو وفولتير وديدرو، وكذلك عبر أسلافهم البارزين كمونتاني والبارون دو لاهونتان، قبل أن يمر إلى فيكتور سيغالين وكلود ليفي ستراوس ليتأمل بروز صورة المتوحش الطيب، التي مثلت اللحظة المؤسسة للأنسنة الغربية. لم يكن تودوروف من أولئك الذين يتمسكون بتخصصهم الأكاديمي، ويقنعون به، فمن النظرية الشعرية إلى النقد السياسي لعصره ومديح المتمردين الرافضين الخضوع، ما انفك يبسط فكرا عميقا إنسانيا في جوهره، بوأه مكانة مرموقة على الصعيد الدولي.

فبعد أن ترجم الشكلانيين الروس، وجدد تحليل الحكي بالاستفادة من السيميائية وعلم العلامات والدلالة، ووضع في “مقدمة الأدب الفنتازي” أصول نظرية في الجنس الأدبي من خلال تقسيم ما فوق الطبيعي إلى ثلاثة أجزاء هي الفنتازي والعجيب والغريب، وساهم مع جيرار جينيت في تأسيس مجلة “شعرية”، هجر منذ مطلع الثمانينات أشكال الكتابة وأجناس الخطاب والتنظير لها، وفتح طريقا جديدة تقع بين التاريخ الأدبي والفلسفة والأنتربولوجيا، فركّز على الأنسنة وتاريخ الأفكار ونقد الحياة السياسية الراهنة، كما في كتبه الأخيرة “الخوف من البرابرة”، و”التجربة التوتاليتارية: التوقيع البشري”، و”أعداء الديمقراطية الحميمون”.

وقد شكّل تخليه المفاجئ عن اللسانيات لغزا، فسّره بعض النقاد بسيرة تودوروف نفسها، فهو بلغاري النشأة، شهد في شبابه سطوة الشمولية الشيوعية التي تسحق الفرد بلا رحمة، واحتفظ، بعد الهجرة إلى فرنسا والاستقرار فيها منذ العام 1963، باهتمامه باللسانيات وعلوم اللغة والبنيوية كإرث من تربيته البلغارية، فقد كان التأكيد على الجانب العلمي لدراسة الآداب وتقنيات اللغة وسيلة لتجنب الظنون الأيديولوجية التي كان يُقذف بها المثقفون زمن هيمنة الاتحاد السوفييتي، وزاد عليها أن اهتم بالشكلانيين الروس، عسى أن يوهم الطغمة الشيوعية الحاكمة بأنه من الأوفياء للمشروع الاشتراكي.

وظل على وفائه للبنيوية واللسانيات حتى صدور “أرخبيل الغولاغ” سنة 1974، الرواية التي استند فيها ألكسندر سولجينتسين إلى تجربته الخاصة، وإلى شهاداتِ أكثر من مئتين وخمسين سجينا لتصوير القمع الذي كان يمارس ضد الشعب الروسي منذ اندلاع الثورة البلشفية حتى نهاية المرحلة الستالينية. هذا العمل حرر تودوروف نهائيا من الهيمنة الشيوعية على الفكر، ليوجه اهتمامه إلى ما يسميه الفحوى، وإلى مقاربة الفن مقاربة أخلاقية تقريبا، ومؤسِّسة.

وخلافا للألباني إسماعيل قدري الذي كان من مبجَّلي نظام أنور خوجة، ولما سقط سلَقه بألسنة حِداد من منفاه الفرنسي، لم يدّع تودوروف تعرضه لقمع أو ملاحقة في بلاده بلغاريا، بل كان يتحدث عن سطوة الشيوعية، وموانعها الدائمة التي تسلطها على الحياة والفكر، ما ولّد لديه ارتيابا من كل أشكال اليوتوبيا الثورية، وافتتانا بالغرب، وهوسا به دفعه إلى تأييد الحرب الأميركية على فيتنام. وهو ما لم يغفره لنفسه، حتى بعد تنديده بالعدوان الأميركي على العراق ووقوفه ضد دعاة حقّ التدخل، الذي قال عنه “هو مفهوم خطير يمكن استعماله لتبرير أي عدوان، مثل مفهوم ‘حضارة’ زمن الحروب الكولونيالية. أنا أدافع عن واجب المساعدة، الذي يجد جذوره في تاريخ السامريّ الصالح”.

قالت عنه الكاتبة والصحافية كاترين بورتفان، التي حاورته طويلا “كان رجل اعتدال. حاول أن يعطي فكرة الاعتدال قوة، وهذا صعب”. كان يقول “لنحذر تطرف الجانبين، ولا نخجل من أن نختار طريقا وسطى”.

وبرغم الظروف المشحونة بالخوف من العنف والكساد الاقتصادي والتلوث البيئي، ظل تودوروف متفائلا حتى وهو في خريف العمر، ولم يغادرنا إلا بعد أن انتهى من صياغة كتاب سوف يصدر الشهر القادم يبشر عنوانه “انتصار الفنان” بغد أفضل.

كاتب من تونس

العرب

تودوروف أنموذج ساطع للمثقف/ أحمد برقاوي

ذهب تزفيتان تودوروف إلى باريس متمردا مبعوثا من دولته الشمولية لمدة عام، فاختار باريس مكانا دائما، فيها كتب ما كتب ومنها رحل.

كل مفكر هو مغترب عن معطيات ولادته، كما كتب يقول. ولعمري بأن تودوروف الذي وجد في عالم الغرب الديمقراطي حقل حريته في الكتابة والتفكير، ظل بوصفه مثقفا لا يعجبه العالم المعيش مغتربا ككل الكتاب المتأففين من العالم.

من هو تودوروف؟ سؤال ينطوي على اعتداء من جهة وعلى رغبة في التحديد الضروري لمثقف كتب في صنوف معرفة متعددة. وكل تحديد لمثقف بعينه اعتداء من نمط ما؟

“حاولت أن أكتب… نظمت قصائد رديئة ومسرحية من ثلاثة فصول موضوعها حياة الأقزام والعمالقة، بل وشرعت في كتابة رواية، لكني لم أتخط الصفحة الأولى. أحسست سريعا بأن تلك ليست سبيلي، ودائما غير متيقن من الآتي، اخترت مع ذلك دون تردد في نهاية الثانوية مسلكي الجامعي، سأدرس الأدب”. هذا ما كتبه تودوروف في “الأدب في خطر”.

يحيل هذا النص المعبر عن التجربة الذاتية إلى معنى عميق، الكاتب ذو روح تمت إلى الأدب إلى الشعر والرواية. لكنه وجد نفسه ليس أهلا للإبداع في هذين الصعيدين. ومع ذلك اختار طريق دراسة الأدب، وهكذا فعل.

لكن دارس الأدب هذا، وقد عاش تجربة تداخل النقد الأدبي وعلم اللغة والفلسفة والأنثروبولوجيا في مرحلة شهدت ثراء بهذا كله في فرنسا، راح يكتب فيها كلها، فمثل حالة من حالات المثقف المزدهر، ولم يكن الوحيد في ذلك عالميا، حسبنا أن نذكر في هذا الشأن إدوارد سعيد.

والحق إن نموذج المثقف المزدهر نموذج يعود إلى وحدة العلوم الإنسانية والأدبية والفلسفية وتداخلها. من ذا الذي باستطاعته تجاوز الفرويدية والبنيوية والفنيومينولوجيا في دراسة النص الأدبي مثلا.

بل إن وحدة هذه المباحث هي التي حملت تودوروف وسواه على أن يكتبوا في مواضيع متنوعة ومختلفة.

كان هذا العقل النقدي المغترب ذا نزعة إنسانية قوية، مناهضا للمركزية الأوروبية وللصلف الغربي-الأميركي تجاه العالم الآخر، ورافضا لتبرير الجرائم “بدواعي حماية ذواتنا” كما يقول، جاعلا من الاعتراف شرطا ضروريا للحياة المشتركة.

نعود لنؤكد القول إن تودوروف أنموذج ساطع للمثقف المزدهر. صحيح أنه لم يكن له معجمه الخاص المبدع، ولم يقدم جديدا في حقل المناهج في أي من الأصعدة المعرفية التي كتب فيها، لكنه قدم مثالاً للمثقف الثري والمجتهد فيما يكتب.

العرب

تودوروف في فخّ أحلامه/ محمود منير

غادر تزفيتان تودوروف (1939 – 2017) بلغاريا إلى عاصمة الأنوار مطلع ستينيات القرن الماضي التي كانت تعيش تياراتها الفكرية والاجتماعية ذروة تحرّرها وحداثتها، هارباً من حكم شمولي أسّس لهويةٍ واحدة وأيديولوجيا مطلقة، فانطلقت مغامرة بحثه الأولى عن وحدة الشكل والمضمون في الأدب.

يُمكن أن نتتبّع أكثر من مستوى لهروبه؛ إذ نفَر من “أشكال الدعاية” التي كانت تغلّف خطابات أبرز المشتغلين في الثقافة الفرنسية الذين زاوجوا بين الفكر والنقد وبين العمل في الإعلام والشأن العام، والمضي أبعد نحو علمنة النص الأدبي استناداً إلى قراءات مختلفة في الرواية الكلاسيكية الروسية تحديداً، وسعيه إلى تجديد مناهج النقد لتواكب تطوّر الأدب وأجناسه.

في تلك المرحلة، افتتن تودوروف بغربٍ عقلاني قاده إلى اتّخاذ مواقف ظنّاً منه أنها تنسجم مع تلك “العقلانية” مثل تأييده الحرب الأميركية في فيتنام، الذي تراجع عنه في فترة متأخّرة – نسبياً – رافضاً جميع أشكال هيمنة الولايات المتحدة على العالم.

في نهاية السبعينيات، يبدو أن صاحب “نقد النقد” قد وصل إلى طريق شبه مسدودة جعلته يعود مرة أخرى إلى الواقع وخطاباته بوصفها أحد المرجعيات الأساسية للأدب، ولم تأت هذه الخلاصة قطعية إنما تشكّلت نتيجة تأملات ومراجعات طويلة ذات صلة بالسياسة ومتغيّراتها التي لم ينج من تأثيراتها رغم محاولاته الدائمة للابتعاد عنها.

واصل هروبه صوب “روح الأنوار”، وبدأ يحفر في كتابه ذاك عن طبقات الثقافة و”خلاسيتها” التي تُنتج هوية متعدّدة ومتبدّلة بالضرورة، لينتهي إلى إدانة الممارسات الأوروبية للأساس العقلاني الذي قامت عليه حقبة التنوير عبر تبريرها الاستعمار، وإلى حتمية استعادة جذرية العقل وقبول الاختلاف الذي يعدّ جوهر ذلك العصر.

مرّة أخرى، يمضي تودوروف إلى حلم جديد ممثّلاً بهوية أوروبية قائمة على التعدّد واحترام الآخر “تخلّصها من وحشيتها” التي تجلّت في “غزو أميركا”، حين وهبت الدين لـ”العالم الجديد” وأخذت مقابله الذهب.

قام صاحب “الخوف من البرابرة” بتفكيك زيف الادّعاءات وراء التدخّلات الأميركية في العالم، واعتبرها أصولية جديدة باسم “الديمقراطية الليبرالية”، داعياً مقابل ذلك إلى تظهير وحدة أوروبية قائمة على العقلانية والعدالة والديمقراطية والحرية الفردية والعلمانية والتسامح، لكنه وقع في “فخّ” أحلامه ثانيةً حين دعا إلى تأسيس قوة عسكرية موحّدة لكلّ أوروبا على أن تكون “هادئة”، وتقوم بالتدخل لحماية شعوب الأرض من إبادة جماعية أو وقوع عدوان عليها.

“التدخّل الأوروبي الإنساني” الذي طالب به تودوروف في كتابه “اللانظام العالمي الجديد” يذكّر بالخطاب الأميركي لتسويق تدّخلاته بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

عقب هذه التصوّرات المتفائلة، تسارعت الأحداث داخل القارة العجوز، حتى أتى اليوم الذي صُدم فيه صاحب “الأمل والذاكرة” بقرار إنشاء وزارة للهجرة والهوية الوطنية في فرنسا التي ظنّ أنها مخلّفات تخصّ الأنظمة الشمولية وحدها.

حاول التمسّك بـعقلانيته “المتعدّدة” حتى النهاية، مستنكراً تحميل “تطرّف” المسلمين لأسباب دينية، عبر البحث في اضطرابات الهوية لدى أبناء المهاجرين في أوروبا والتركيز على الفوارق الطبقية والمعيشية كعوامل أساسية، مقارناً بين استخدام الشيوعية للماركسية كأيديولوجيا وبين استعمال الحركات المتطرّفة للإسلام في الإطار ذاته.

عاش تودوروف طوال حياته الهروب من “جحيم” الأيديولوجيا وثنائياتها في تفسير الواقع ومتغيّراته الحادّة، غير أنه ظلّ أسيراً لمقاربة حالمة تفترض “مثالاً” يُمكن القياس عليه، والاختباء وراء “معاييره”.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى