صفحات الثقافة

رحيل نبيل المالح

 

رحيل نبيل المالح: راوي الحالة السينمائية السورية/ عمر عامر

في مقالته المنشورة في “النهار” اللبنانية في 24 فبراير/شباط 2016، يكتب الصحافي اللبناني سمير عطاالله مقالته الأسبوعية، متوقّفاً عند الاحتفاء بالذكرى السنوية الأولى لرحيل الشاعر اللبناني أنسي الحاج (1937 ـ 2014). في اليوم نفسه، يُعلَن نبأ غياب السينمائيّ السوري نبيل المالح في دبي، فإذا بإحدى جُمل المقالة المذكورة تبدو اختزالاً لواقع الحال، إذْ يكتب عطالله: “لم يعد الرجال يغيبون منفردين، بل يأخذون معهم حِقَبهم الجميلة”.

والجمال هذا، إذْ يحتمل تناقضات الحقب تلك في ظلّ اشتغالات ثقافية وإبداعية متنوّعة من أجل تغيير أو قول أو مواجهة، يرتكز على حيوية الجغرافيا في انقلاباتها، وعلى مقدرة “رجال” عديدين في معاينة الانقلابات ومناقشتها، وإنتاج ما يُمكن اعتباره ترجمة عملية لأفكار وأحلام ورؤى، وإنْ لم تكتمل الأفكار والأحلام والرؤى كلّياً.

خصوصية سورية

نبيل المالح (مواليد دمشق، 28 سبتمبر/أيلول 1936) جزءٌ من تاريخ سوري يمتدّ إلى الجغرافيا العربية، وإنْ كان يُحافظ على خصوصية سورية يؤكّد عليها مراراً في حوارات صحافية عديدة، موضحاً أنها (الخصوصية) منفلشةٌ على التمويل والإنتاج، كما على القصّة والمعالجة. والخصوصية هذه، المُبيَّنة في أعماله الروائية والوثائقية التسجيلية، تتوغّل في صميم الوجدان الفرديّ السوريّ، وتكشف ثغرات الخراب الجماعي، من دون أن يكون هذا كلّه مصنوعاً على حساب الصورة.

ذلك أن الصورة السينمائية، بالنسبة إلى مخرج “الفهد” (1972) و”بقايا صُوَر” (1973) و”الكومبارس” (1993) وغيرها، تبقى فعلاً إبداعياً أساسياً، يُدافع عنه في مواجهة الانخراط الإنتاجي الإخراجي لـ”سينمائيين” سوريين “يستعيرون” من التلفزيون “الخطأ القاتل بأن الصورة هي لسرد حكاية”، مشدّداً على ما هو مؤكد ومعروف، وعلى ما يصنعه هو في أفلامه المتنوّعة، بما فيها تلك المندرجة في النوع الكوميديّ ـ التجاريّ، وإنْ بمستوى أقلّ من غيرها. يقول المالح: “السينما حالة أكثر من أن تكون حكاية”، و”السينمائيّ الحقيقيّ ليس حكواتياً، بل مرآة حالة”. وهذا ـ إنْ يظهر جليّاً في بعض أبرز أفلامه الروائية الطويلة ـ لن يكون محصوراً بنتاج روائي فقط، إذْ لن يتردّد المخرج والمؤلّف عن الاستعانة بالصورة السينمائية، قدر الإمكان، في إنجازه أشرطة وثائقية تسجيلية لحساب “الهيئة السورية لشؤون الأسرة”، يبلغ عددها 15 فيلماً، يُنجزها بين عامي 2004 و2007، متناولاً فيها أحوال المرأة والطفل والمجتمع والهجرة وتزايد السكان والعنف ضد المرأة والفقر، وغيرها من المواضيع التي يصفها بقوله إنها “ساخنة وحقيقية”، كـ”ع الشام ع الشام” و”الكريستال المقدّس” و”باقة دمشقية” و”شهرزاد” و”في الظلّ” وغيرها.

لن تُبَثّ أفلامه هذه كلّها ولن تُعرَض، كما يُفترض بأي نتاج سينمائي أن يبثّ ويعرض أمام أكبر عدد ممكن من المشاهدين. لكن نبيل المالح يؤكّد أن تعاونه مع الهيئة هذه يمنحه، فعلياً، “مساحة إبداعية مسؤولة إلى حدّ بعيد جداً”، ما يُساعد على تحقيق أفلامٍ “أفتخر بها”. فأن تتيح هيئة رسمية في بلدٍ محكوم بقبضة حديدية في الشأن السينمائي، كما الثقافي والسياسي والأمني والمالي والاقتصادي، إمكانية إدخال بُعد جمالي لصورة سينمائية في عمل توثيقي تسجيلي؛ فهذا يعني أن على السينمائي تحمّل مسؤولية إبداعية وأخلاقية وإنسانية، “تفرض” عليه، بشكل أو بآخر، إنجاز عمل له طابع ترويجي أو واقعي أو توثيقي، يتكّئ في الوقت نفسه على لغة الصورة في مقاربة الحالة أو الموضوع أو المادة المختارة للمعالجة الوثائقية.

في الإطار هذا، وبالإضافة إلى تعاونه مع “الهيئة السورية لشؤون الأسرة”، يُنجز نبيل المالح أفلاماً لحساب جهات رسمية أخرى، كوزارة البيئة والريّ (درسٌ في القتل)، والتلفزيون السوري (شيخ الشباب).

وإذْ “تختفي” غالبية الأفلام هذه، لأسباب مرتبطة بإهمال أو مراقبة أمنية أو محاولة رسمية لإلغاء النتاج هذا وصاحبه معاً، فإن أفلاماً أخرى له، الروائية الطويلة تحديداً، تتعرّض لكمّ من المشاكل المتعلّقة بعملٍ رقابيّ مفروض على صناعة السينما من خلال “المؤسّسة العامّة للسينما”: في عام 1969، يُمنَع نبيل المالح من البدء بتصوير “الفهد” (المستلّ من رواية بالعنوان نفسه للكاتب السوري حيدر حيدر) قبل أسبوع واحد فقط من الموعد المحدّد للبدء بتنفيذ المشروع، الذي لن يستطيع العودة إليه وتحقيقه إلاّ في عام 1971. وفيلمه “السيّد التقدّمي” (1974)، الذي يفضح فيه “شخصية فاسدة” يُقال إنها معروفة في المشهد السوريّ العام حينها (عن قصّة “إظهار الحقيقة” لموريس ويست، يروي المالح حكاية صحافي يقع في براثن بورجوازي يريد شراء ضميره المهني لإبعاده عن فضح حقيقة أعماله التجارية التي تبلغ مرحلة القتل)، لم يُعرَض إلاّ بعد تغيير مدير “المؤسّسة العامّة للسينما”، في حين أنه تمّ اقتطاع ربع ساعة من “بقايا صُوَر” (المأخوذ من رواية بالعنوان نفسه للسوريّ حنا مينة)، وإحراق “المدرسة”، الذي يُسمّيه المالح بـ”الوثائقيّ النقيّ” الذي لم يُدخل فيه أية كلمة.

“إكليل الشوك” مثلاً موجود بنسخة “مُدمَّرة” في “المؤسّسة العامة للسينما”، المتَّهمة من قِبل سينمائيين سوريين عديدين بأنها لم تُحافظ على الأفلام؛ وأصول “الفهد” مدمَّرة بدورها أيضاً.

هواجس سينمائية

3 أمور أساسية يتوقّف الناقد عندها، في أثناء كتابته عن السيرة المهنية ـ الحياتية لنبيل المالح: علاقته بفلسطين، وصراعه الدائم مع “المؤسّسة العامة للسينما” في دمشق، وارتباطه الإنسانيّ ـ الأخلاقي بـ”الثورة السورية” وتحوّلاتها القاتلة. لكن هذا كلّه لن يمنع الكتابة من استعادة بعض أبرز “الملامح السينمائية” المصنوعة في اختباراته الروائية الطويلة، خصوصاً أن أفلامه هذه تلتقي عند اهتمامه الأبرز بالصورة والحالة واللغة المنسلّة بسلاسة في ثنايا القهر والألم والتمزّقات، وأن بعض عناوينه ـ كـ”الكومبارس” مثلاً ـ قابلٌ لأن يكون نوعاً من “تقديمٍ” بصريّ تأمّليّ في ما تؤول إليه أحوال بلده وناسه لاحقاً، مع اندلاع “الثورة” في 15 مارس/آذار 2011.

بالنسبة إلى فلسطين، يُقدِّم نبيل المالح، في ستينيات القرن الـ20 وسبعينياته، 3 أفلام يُمكن القول إنها نتاج حراك عربي عام إزاء الانهيارات المتلاحقة التي تضرب فلسطين وشعبها، خصوصاً غداة “نكسة 67”. فبعد 3 أعوام على هزيمة حرب الأيام الـ6 تلك، يُنجز المالح “إكليل الشوك”، الموصوف نقدياً بـ”الدراما الوثائقية” التي تتناول مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بعد عام 1967؛ يُلحقه بمشاركة روائية قصيرة بعنوان “المخاض”، في إطار فيلم جماعي بعنوان “رجال تحت الشمس” (1970)، قبل أن يُحقِّق لاحقاً “نابالم”.

لعلّ أبرز الأفلام الـ3 هذه يبقى “رجال تحت الشمس”، الذي يُشارك المالح في إنجازه مع محمد شاهين (الميلاد) ومروان مؤذّن (اللقاء)، والذي يُسلّط فيه ضوءاً على بدايات “الثورة الفلسطينية”، من خلال حكاية قرية تتعرّض لهجوم صهيونيّ. أما “نابالم”، فشريط إعلانيّ فنيّ ساخر، يتناول القنابل الممنوع استخدامها أصلاً في العالم، ومع هذا فإن إسرائيل تستخدمها ضد الفلسطينيين. في 90 ثانية فقط، يختصر المالح “السياسة العالمية” في المجال هذا.

لكن المخرج السوريّ الراحل يُدرك تماماً أن السينما عاجزةٌ عن اللحاق بمواضيع آنية ملتهبة وحسّاسة، كالمسألة الفلسطينية و”الثورة السورية” أيضاً: “لا نستطيع اللحاق بمستجدات القضية الفلسطينية في السينما”، مع أنه يؤكّد وجود سببٍ آخر يدفعه إلى الابتعاد السينمائيّ عن القضية هذه: “الشرخ القاتل داخل الفلسطينيين. كنا نتحدّث عن النضال الوطني الفلسطيني، فأصبحنا نتحدّث عن الصراع الفلسطيني الفلسطيني”. فهو، إذْ ينتبه تماماً إلى حساسية السينما وحاجتها الملحّة إلى التأمّل والتنقيب الهادئ في المسائل المختارة لمعالجتها الفنية، يعتبر أن إنجاز أفلام عن “الثورة السورية” لا يزال سابقاً لأوانه، لأن الدور الأساسيّ حالياً منوطٌ بـ”تغطية الأحداث”.

ومع أن أفلاماً عديدة، وثائقية بغالبيتها الساحقة، مُنجزةٌ عن الثورة في أعوامها الـ5، إلاّ أن جوهرها السينمائيّ غائبٌ، وفعاليتها الإبداعية ناقصة. ذلك أن أهمّ الأفلام الأميركية المُنجزة عن حرب فيتنام مثلاً، تُصَنع بعد انتهائها بأعوام عديدة، في حين أن الأفلام الأميركية أيضاً، التي يُحقّقها سينمائيون عديدون متناولين فيها حرب العراق، تبقى أقلّ أهمية سينمائية، لانغماسها في راهنٍ لا يزال ساخناً وملتهباً ومليئاً بأسئلة معلّقة وحالات غير واضحة.

هذا ما يؤكّد عليه المالح، من دون أن يتغاضى عن جرأة مُصوّري أفلام الثورة السورية، وأهمية توثيقهم الأحداث وأرشفتها والمحافظة عليها من أجل المقبل من الأيام. بالنسبة إليه، “يبدو أن الصيغة السينمائية لم تنضج”، على نقيض نضوج ما يصفه بـ”الريبورتاج السينمائيّ”، الذي لن يمتلك بالتأكيد “الحالة السينمائية” المطلوبة.

أما صراعه مع “المؤسّسة العامّة للسينما”، فلن يكون مختلفاً عن ذاك القائم بين سينمائيين سوريين آخرين وبينها. فالمؤسّسة أداة للقبض على السينما، تفرضها السلطة لمزيد من الإمساك بزمام الأمور كلّها. والسينمائيّ السوريّ يريد دعماً وإنتاجاً، لكنه لن يرضخ للتوجّهات الرقابية القامعة، ولن يضع نفسه في قبضة من لا يفقه شيئاً في صناعة الصورة. المشاكل التي يواجهها نبيل المالح مع المؤسّسة (بعضها مذكورٌ أعلاه) جزءٌ من صراع الأمن مع الإبداع، ومن صدام السلطة مع الثقافة.

فساد المؤسّسة عاملٌ أساسيّ آخر في الانقلاب السينمائيّ عليها. فساد ماليّ لن يكون أخفّ وطأة من القمع والمنع والفرض ومحاولات التغييب السينمائيّ، كأن تُرفض طلبات إشراك أفلام نبيل المالح في مهرجانات دولية، أو كأن تُرسل بعض أفلامه ـ لسببٍ أو لآخر ـ من دون إخباره أو السماح له بتلبية الدعوات: “أنا السينمائيّ الوحيد المُبعَد من قِبَل المؤسّسة على مدى 40 عاماً”.

لا شكّ في أن نتاجاً سينمائياً كذاك الذي يُحقّقه نبيل المالح في 40 عاماً، يحتاج إلى إعادة قراءة نقدية، تبدأ بالصورة السينمائية لتنفلش على النواة الدرامية، ومسائل الإنتاج والمعالجة والنقاش المفتوح على السياسة والاجتماع والثقافة.

(كاتب لبناني)

العربي الجديد

نبيل المالح: كلّ شيء بدأ بكلمة “لا”/ هوفيك حبشيان

يعتبر نبيل المالح الذي توفى في الامارات في الرابع والعشرين من الشهر الفائت عن 80 عاماً، من الذين سعوا لإنشاء سينما سورية. قبل الانطلاق في مسيرة تخللها ترحال وبحث، وجد المالح نفسه في بيئة دمشقية ذات حضور تاريخي طاغ. وشربت سينماه من بئر الشام القديمة حيث كان له احتكاكه الأول بعالم الصور والألوان. في صباه، لعبت مدرسة التجهيز دوراً محورياً في تنمية وعيه السياسي. وهذه المدرسة التي أطلعت المالح على الأفكار السياسية، كانت تحتضن في تلك المرحلة كل التظاهرات الطالبية.

العلاقة مع السلطة من الاشكاليات التي تكررت في معظم أعماله. مسألة رفض السلطة غُرست فيه مذ كان في السابعة من العمر، يوم كان يلعب في احد الملاهي، فتلقى صفعة من جندي. لم يتأخر ردّ الطفل الجريء، فقذف الجندي بحفنة تراب. ولعله كان هذا اول هرب له من منطق التسلط في مسيرة تتضمن حالات هرب مماثلة. “اكتشفت أن العالم كله قائم على كلمة “لا”. وكلمة “نعم” هي التي تقتل الانسان والمجتمع والتاريخ وحركة الدنيا. فصار المضمون في سينماي مرتبطاً بكلمة “لا”: كل أبطالي يقولون دوماً “لا” ولكن بطرق مختلفة نتيجة تجربتهم”.

عاد الى دمشق بعدما اختبر الرسم والكتابة (وحتى الدهانة!) في اوروبا لثلاث سنوات، وفي باله احلام كبيرة ليشارك مخرجين آخرين في انجاز فيلم “رجال تحت الشمس”. عن ستينات القرن الماضي التي شهدت بدايات عدد كبير من الفنانين الحالمين، يقول المالح: “كل الشروط في ذلك الحين كانت تشير إلى أننا مقبلون على شيء آخر: كانت هناك فكرة الوحدة بين سوريا ومصر، اضافة الى حركات التحرر في العالم، التي كانت قد أخذت شكلاً في أميركا اللاتينية وأفريقيا. شهدت المرحلة أفقاً لعالم جديد بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وإعادة إحياء البشر الذين ظلوا بعض الوقت خارج اطار الحضارة والتاريخ والجغرافيا. جيلنا كان يحمل الكثير من الأفكار، وطبعاً اتهمنا بالتخوين”.

يُعتبر “الفهد” باكورة افلام المالح الروائية الطويلة وهو اول عمل أنتجته المؤسسة العامة للسينما في سوريا. نال “الفهد” تقديراً ما من النقاد وحقق نجاحاً جماهيرياً ونال الجائزة الكبرى في مهرجان لوكارنو، وفيه يروي المخرج قصة فلاح بسيط يتحدى الإقطاع والإستغلال بعدما سُلبت منه ارضه وممتلكاته. “انه فيلم سوري مئة في المئة. عملياً هو أول فيلم سوري، وقد سجل تاريخياً على هذا الأساس. غير ان الأمور لا تقاس بفيلم بل بمسيرة. فالسينمائي مثل الكريستال، متعدد الجوانب يعكس العالم الخارجي وتحتويه داخلها”.

واصل المالح نقده الاجتماعي والسياسي اللاذع، الى ان تجلى تمرده في فيلم سياسي بامتياز، “السيد التقدمي”، مصوراً عملية ابتزاز بين صحافي وبورجوازي يحاول شراء ضميره، من اجواء واقع سياسي غير سليم. الفيلم ظل اسير الرقابة خمس سنوات قبل ان يرى النور. وبعدما طرح القضايا الكبرى في افلامه السابقة، اخترق المالح خصوصيات الفرد وهواجسه واشكاليته مع السلطة. ولد من هذا الهم “بقايا صور”، نقلة سينمائية لرواية حنا مينة، ويقدم بانوراما عن الواقع الريفي السوري في خمسينات القرن الماضي، على خلفية مواجهات بين الفلاحين والاقطاعيين. يسير الفيلم على خطى “الفهد” ولا سيما في الشق المتعلق بالتمرد وماذا يعني ان يبقى الانسان مخلصاً لاحلامه رغم صعوبة العيش. عبر تصويره نماذج رمزية، اتسمت لغة الفيلم بشاعرية بدت واضحة. يقول المالح ان ما يميز افلامه كافة وجود انكسار. “لكن هذا الانكسار لا يعني الهزيمة، إذ لديَّ اقتناع بأن أهم ما نملكه هو ما يملكه الفرد في هذا الوطن.

وأكثر ما يؤلمني إن كل إنسان يعيش حالة حلم: الكل يحلم بيوم آخر، بحياة أخرى، بعلاقات إنسانية مختلفة، وبعلاقات بين السلطة والفرد وبين الدين والآخر، مختلفة عما هو سائد حالياً. وما يولد تالياً من هذا التمزق هو تراكم الاحباطات والمعوقات لكي نتحول من حالمين إلى مكسورين، علماً

أن المفترض حدوثه هو العكس”.

في بداية الثمانينات، انتقل المالح للعيش في الولايات المتحدة. ولكن قبل الوصول الى القارة الجديدة، جال هذا الرحالة في اوروبا بحثاً عن وطن يحتضن طموحاته ورغبته الدائمة في الهروب. عملية البحث هذه قادته الى اليونان حيث أمضى عشر سنين، ثم اكتشف انه لا يزال يبحث عن وطن. اعترف المالح حتى في سنواته الأخيرة بأنه لا يزال يبحث عن هوية سينمائية. على تلك الهوية، بحسب قوله، أن تكون تابعة لثقافة معينة، فهو لا يريد أن يحمل هوية سينمائية فرنسية أو أميركية، وإنما هوية سينمائية عربية سورية فيها خصوصية ما. لكن ذات يوم، اكتشف أنه يقاتل في جبهة وحده.

بعد عودته الى سوريا، باشر المالح العمل على فيلم “الكومبارس” الذي يتطرق الى معاناة شاب فقير يُغرم بأرملة، فيساعده صديقه ليجد نفسه في خلوة مع المرأة التي يحبها. لكن يتبين ان المكان ليس هو العائق في طريق التواصل، انما الآخرون هم الذين يمنعون اللقاء المنتظر. “كل فيلم هو وجه من وجوه عالم محيط بي ولي علاقة به وموقف منه”، يقول المالح بعدما لجأ الى الانتاج المشترك والرساميل الاوروبية لانجاز فيلمه الاخير الذي يتضمن الكثير من مشاهد الحركة على الطريقة الاميركية.

النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى