صفحات الثقافة

رداً على سوسن حسن: ما يحدث في سورية ثورة/ جمال مامو

 

 

كتبت السيدة سوسن جميل حسن مقالة في موقع “ضفة ثالثة” تنتقد فيها خطاب بعض المثقفين السوريين المحسوبين على الثورة، على حد تعبيرها، متهمة إياهم بإخراج “ما في صدورهم من عسف طائفي أو قومي كان مخبوءاً تحت عناوين كثيرة قبل الأزمة”.

تستنتج السيدة سوسن جميل حسن، كما يبدو مفهوماً من سياق كلامها، أن “قضايا التقدمية ومحاربة الرجعية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحرية الرأي والتعبير ودولة المواطنة والقانون والمؤسسات، وإلى ما هنالك” لم تكن سوى أقنعة يرتديها أولئك “المثقفون” الذين سرعان ما كشفوا عن وجوههم الطائفية الحقيقية عند أول امتحان وطني تقدّمي!

كما ترى السيدة سوسن، التي قالت في تعليق لها إنها تضع كلمة “ثورة” بين مزدوجين أو هلالين، أن ما يحدث في سورية لا يمكن أن يكون ثورة، حسب كتالوغ الثورات الخاص بها وبمثقفين آخرين كأدونيس وثائر ديب وحسن.م .يوسف، بل هي “حرب أدواتها الشعب وروافعها لغة الكراهية والفرقة والفتنة، والأطراف الضالعة في الصراع السوري كلها ساهمت في شق الصفوف وحرف الثورة، وليس النظام بمفرده”. ثم تتساءل: هل هو مقبول من مثقف الغوص في أوحال الطغيان، بكل أشكاله، واستخدام لغة خطابه، بينما المطلوب منه خطاب تنويري والالتفات إلى استحقاقات المرحلة؟

لإثبات رأيها تقتبس السيدة سوسن حسن كلاماً للأديب خيري الذهبي يقول فيه إن النقد الفكري المسموح للإسلام في سورية كان خاصاً بالإسلام السني دون غيره من المذاهب، كونه -أي الإسلام السني- خرج مهزوماً أمام العسكر، بينما كان ممنوعاً الاقتراب من التصورات والعقائد المذهبية لباقي الطوائف، وبالأخص عقائد الساحليين، كما كتبها الأستاذ خيري الذهبي، وهو يقصد بها العلويين. وترى السيدة سوسن أن مثل هذا الكلام التحريضي يصب في خدمة المشروع الطائفي وتغذية الأحقاد وإضرام نيران الفتن كلما خبت، أو تعميق الشروخ وزيادة الانهيارات المجتمعية.

تُكمل السيدة سوسن جميل حسن مسيرة نقدها لتطاول الروائي إبراهيم الجبين، من خلال مقالة مطوّلة له نشرها بعنوان “العلويون النصيريون السوريون أمام خيار العودة إلى التاريخ أو الخروج منه”.

تستنتج السيدة سوسن من قراءتها مقالة الروائي إبراهيم الجبين أن الأخير خلص في مقالته إلى أن “عقود الاستبداد التي وصل فيها أحد أبناء الطائفة إلى رأس السلطة في سورية لم تستطع  أن تقدم للعلويين الطمأنينة اللازمة للعودة إلى المجتمع من جديد، ولكن الثورة السورية بكل أحداثها التراجيدية ما تزال فرصتهم الكبرى”. معتبرة أن كلام الجبين عبارة عن “تصنيف هويّاتي يفصح عن نزعة الإقصاء والرفض والتطرف لدى الجبين، والتي تشبه ما تعلنه الفصائل الجهادية التي شوّهت ثورة السوريين واستباحتها مثلما استباحها النظام”.

تتابع السيدة سوسن استعراضها لعينات من “الخطاب الطائفي” الإقصائي، فتعرّج على مقال للكاتب الصحافي راشد عيسى الذي انتقد فيه مقابلة الشاعرة رشا عمران مع الإعلامية جيزيل الخوري، والتي اعتبرها راشد عيسى “نموذجاً للتزوير” و”إعلان براءة” من المعارضة والثورة، فتقول مستشهدة برأي الصحافي جوان سوز أن “المعارضة ترى أي علوي/ة موالياً للنظام حتى يثبت/تثبت العكس، بينما ترفض نظرية أن كل سني داعشي حتى يثبت العكس”.

بعيداً عن منطق المقارنة ومطالبة السيدة سوسن جميل حسن بتوجيه نقدها ذاته للمثقفين السوريين المتحدّرين من الطائفة العلوية الذين اصطف أغلبهم وراء النظام أو التزموا بمواقف رمادية تحمل من الاعتراضات على الثورة أكثر مما تحمله على النظام تحت ذرائع تبدأ من أسلمة الثورة وهوية الدول الداعمة لها، هل يمكن للسيدة سوسن أن تحدد هوية الصراع الدائر في سورية، من دون الأخذ في الاعتبار الهوية الطائفية لكلا الطرفين؟ هل إنكار ذلك يصب في المصلحة الوطنية؛ بحيث يبدو الصراع سياسياً بين قوى الاستبداد وشعب رفض قيوده واستعباده؟

هل يُطلب من الضحية أن تتكتم على اسم قاتلها الذي يصرّ على قتلها تحت عنوان طائفي؟  وهو يمارس الذبح في حمص وحلب والدير وريف إدلب ودرعا وحماة؟ ثم أليس مستغرباً أن يتكرر في نص السيدة سوسن جميل حسن منطق السلطة ذاته التي كانت تمارس طائفيتها علناً بينما كانت تعتقل كل من يكشف حقيقة هذه الممارسات بدعوى أنها “توهن نفسية الأمة”؟ أليس مستغرباً أيضاً أن يتحول نقد الممارسات الطائفية الممنهجة عبر نصف قرن إلى فعل طائفي؟

لنا أن نسأل السيدة سوسن جميل حسن أيضا عن طبيعة الفعل التنويري الذي تريد للمثقف “التقدمي” أن يقوم به في هذه المرحلة التاريخية العصيبة، على حد تعبيرها، خصوصاً أن من اتهمتهم بتبنّي خطاب “طائفي إقصائي” كانوا في غالبية أعمالهم ومقالاتهم يرفضون الطائفية حينما كانوا يطالبون الطرف الآخر في الصراع، والذي جعل نفسه “آخر” بسبب انحيازه للسلطة على أساس أهلي وطائفي، بأن ينحاز إلى قيم الحرية والحداثة والديمقراطية التي طالبت بها الثورة، قبل أن تتحول على يد النظام وفاعلين آخرين إلى صراع أهلي وإقليمي ودولي؟

لعله من الواجب تذكير السيدة سوسن جميل حسن بأن التوازن الأخلاقي يقضي بأن توجّه نقدها بالدرجة الأولى لمثقفين سوريين انحازوا للنظام بسبب منابِتهم الأهلية وانتماءاتهم الجهوية، بدلاً من الانحياز لقيم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.

لقد بات واضحاً أن غالبية العلويين تجاهلت دعوات الانضمام للثورة التي لم يكن أحدٌ يمتلك حقاً تمثيلها حصرياً. كما أن التذرع بعقدة الخوف والاضطهاد التاريخية ووجوب تطمين الأقليات هو شأن كان على العلويين، بالدرجة الأولى، التحرر منه، لاسيما أنهم كانوا الطرف الأقوى في المعادلة السورية.

يبقى أن نذكّر السيدة سوسن جميل حسن بأن الثورة السورية، التي وضعتها كمفردة بين هلالين، والتي تحولت بفعل النظام إلى أسوأ كارثة إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية، على حد تعبير الوكالات الدولية والأمم المتحدة، هي، بعيداً عن منطق الأدلجة والأمثلة، سبيل السوريين الوحيد للخلاص من الاستبداد السياسي والديني والطائفي، وهي القوة الشعبية الوحيدة التي مازالت قادرة على توليد ديناميات داخلية متجددة لتنظيف نفسها من كل ما يحاول أعداؤها وصمها به، بدءاً بالطائفية وانتهاءً بالإرهاب.

*كاتب وصحافي سوري يقيم في إسطنبول

ضفة ثالثة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى