صفحات الثقافةهالا محمد

ردّاً علـى نزيـه أبـو عفـش: نــَقّ علــى بُــزُق النّــَزَق


هالا محمد

قلتُ لنفسي: لا بُدّ غيّرتهُ الإنتفاضة كما غيّرتني، ودَفعتنا الضرورة إلى شواطئ الحوار.

الحوار الذي يَجمَعنا ويحمينا من عزلةٍ خائفةٍ على أنّها الاستقرار.

نحن على الأغلب سبقَ وتشاركنا ثقافة الجمود، اختنقنا بها وألِفناها.

وساهمتم حضرتكم بثباتها، أنتم بعض «أيقونات» الثقافة المعارضة، التي عارضت كلَّ شيء إلا فرديّتها. أسّسّتْ في ضفّة اليَسار لثقافة إقصاء وفرديّة.

كان الحوار في «الفيس بوك» حول ما تكتب ندّياً، لا عدائياً.

لكنّه لم يكن استماعاً ولا طلباً للسَّماح بمخالفة طفيفة في الرأي خوفاً من غضبك َ ومن الخطأ! كانت آراء تبحثُ عن الحلول. وأنتَ لم تستطع أن تستوعب كيف تجرّأ مجموعة شباب، ينتمون إلى الشارع الثقافي الجديد، أن يَصِلوا جُسور الحوار بينكَ وبينهم، لا بل أن تصل بهم الوقاحة والتعدّي على سلطان الفردّية بأن ينتقدوا رأيك ويختلفوا معكَ! هؤلاء ذاتهم أو قسم منهم يهتف اليوم للحرّية متحدّياً الاستبداد في شوارع الشام العتيقة يا نزيه.

ولو كان الأمر يعود إليهم لمرّ رنينهم في شوارع القُدس العتيقةْ ذاتها في الأغنية التي تضخّ في قلوبنا.

مثقفون وشعراء وشباب تعلَّموا في بيوتهم كما علّمتَ أنتَ أبناءكَ وتعبتَ على أن يكونوا مواطنين شُرفاء وكرام النفوس ومبدعين.

الآخرون لهم آراء مُجملها إيقاع ثقافة الآخر المُتَعدِّدَةْ والغنيّةْ. الآخرون الذين لم يُسمح لهم قطّ لفظ أكثر من جملة قبل تخريسهِم ومواجهتهم بحجم الخوف والفراغ الذي ينتظرهُم. صاروا حُرّاس الفراغ. وحين كان يصل بهم الحظّ إلى اللجوء إلى أمثالك كان الإيقاع الإبداعي يحرّكُ ضمائرهم الحيّة وما أن تبدأ ضمائرهم بضخّ القوّة في عروقهم الجريئةْ، حتى تطحن أحلامهم نشوة الشكوى المستمتعة بألمها المُستقرّ وبالـ «أنا» المتضخمّة المريضةْ. ويكون عليهم الاكتفاء بدور المُريدين! فالشعبُ خُلق ليَتْبَعَ لا ليِصنعَ.

أما أنتَ «الشاعر» فما هي حاجتكَ؟

هل تحتاج شتم الديموقراطيّة الآن واعتبارها مؤامرة؟ أم تحتاج أن يبقى العبد عبداً ولا يثور ولا يسعى إلى تحقيق عدالة ، لتستمر بالبكاء على مذبح عبوديته؟!

ثورة العبيد لم تكن لتوجد لولا نظام العبوديّة!

لماذا لا يحقّ للشعوب أن تثور؟!

الشعوبُ تتعلّم وَتُعلِّم.. تُعلمّ الشعراء وتتعلم منهم. هل كنتَ تخشى الخطأ في حواركَ مع جريدة السفير؟! لقد هشّمتَ صورة الشارع والمُثقّفْ. وضعتَ الكلّ في خانة العبيد والجهلة، الشبّيح والمُثقف، وأنا لا أخالفك بأن الجميع ضحايا النظام ْعلى مدى زمن طويلٍ، وضحايا السياسة الأميركية والإسرائيلية، لكن الفرق بين قتيل وقتيل موجود بالتأكيد بالقيمة المعنوية لكلّ منهما وبما جنتهُ يدا كلّ منهما وعقله وقلبه. برّأتَ النظام من مسؤولية الظُلمْ إلا من سلوكيات أدّت إلى مظالم في الماضي ثِرتَ أنتَ ضدّها وكان على الشارع أن يتحلّى ببصيرتكَ ولا يثور ويكتفي بدفاعك عنه وبصبركَ بانتظار إصلاحٍ حليمٍ جميلٍ مدنيّ قادم!

وهنا وجبَ على سوريا تسمية شارع باسمك وآخر باسمِ توأمكَ «سعدي يوسف» لنضالاتكما ضدّ أميركا، كما طالبتَ. «غالي وطلب رخيص» يا نزيه.

لا أعتقد أن أحداً ضدّ ما لاسميكما من رنينٍ شعريّ في وجدان سوريا، لذا لن يُحمّل تاريخك وتاريخه الشعري وِزْرَ مواقفكما السياسية الراهنة.

أعتقد! لأنني أثق بسوريا.

أما الشعب فهو من سيزفّتُ الشارع الذي سَيُسَمَّى باسميكما ولن تُكتبْ الأسماء بالإنكليزية جكراً بأميركا وبلغتها.

أثق ولا أزال بأن القصيدة عادلة وأن الشاعر حين لا يكون شاعر بلاط هو شاعرٌ يحقق عدالة قصيدته. العدالة تُعزّزُ جماليات الـ «أنا» الإنسانيّةْ، فيصير الشاعر رمزاً. لكنني أمام صنف من المعارضة حوّلته الـ «أنا» إلى ديكتاتور.

قل صوتك

أنتَ تحاولُ إعادتَنا إلى جحيم الخوفِ وَمِمّن وممَّ: من الرأي! ومنَ الحُرّيةْ!

لِمَ يتحوّل الآخر إلى صغير وقذر وتافه ويستحقّ الكره إذا اختلف عنكَ أو لنقل: إذا خالفك تصميمهُ لعمارةِ جَسارته كبطلٍ رمز خرج من الشعبْ.

تخافُ الإسلاميين المتشدّدين! قل صوتك وازرع رأيك الآن. نبّه الشارع إلى ضرورة التمسّك بالدولة الديموقراطيّة التعدّدية وبضرورة فصل الدين عن الدولة كي نؤسس للمواطنة المتساوية.

قل أيها الشاعر كلمة الحق في وجه النظام، قل له لو إنه حاسب مرتكبي جرائم درعا ومنتهكي الكرامات هنا وهناك لما كنا وصلنا إلى ساحات «التكبير» الذي تخافه وتعتبر أن النظام هو الحامي منه، وليس أحد أسباب اشتداده ِبسبب تشدّده في العنف واعتقالهِ للمُعارض الديموقراطي وقمعه مؤخّراً المُتظاهر السّلمي. قل لهُ أنّ التشدّد في ترك البلاد عرضة للفقر والحاجة وعدم الوفاء بوعود الإصلاح التي انتظرها الشارعُ المُحتاج والبيوت السوريّة المدنيّة والمتديّنة الشريفة، التي من حقّها أن تحيا بكرامة وعزّة في وطنها، كلّ هذا هو المسؤول عمّا آلتْ إليهِ البلاد.

هل تؤسس للعدالة بالّلاعدالة؟

هل تدعو للحقّ بدفاعك عن القمع؟

هكذا فجأة صار التديّن مؤامرة؟ والثورة مؤامرة، والتغيير مؤامرة، وصار الخلط بين المتديّن والمؤمن والمتشدّد والثائر مباح لكي تُمرّر المخاوف من التغيير ولكي نصفع الحُرّية على خدّها الأيسر ونقول لها: من أنتِ؟

ما أوسع الحُرّيةْ، ما أضيقَ الظلمْ.

المواطنة المتساوية أمام القانون العادل هيَ ما نصبو إليه لننجو. وليس التمسّك بجلباب الاستبداد خوفاً من استبداد قادم بجلباب أطول!!

قلْ وأنتَ تنتقد المتظاهرين والمثقفين والحرّية خوفاً من تدميرهم للبلاد والاستقرار، أنّ النّظام خنق ربيع دمشق ومنتدياته ِ وفتح الشاشات على البرامج الدينيّة، وعلى ثقافة مفُرّغة من مضمونها وسدّ منافذ النجاة بالعقائدية والجمود والدفاع عن عروبة لم تربح أي حرب أو قضيّة، لكنها بقدرة قادر تجثم على صدور البلاد العربية مزهوّة بنصرها بالسلطة، النصر الوحيد الذي أنجزتهُ. ثقافة «ممانعة» أحادية اللون تُخرس صوتَ العقل والمنطق، فتحيا العصبيات والولاءات.

قل للنظام إنّ الإصلاح هو صون كرامة الشعب.

هل تعجّل الناس في طلب الإصلاح بعد واحد وأربعين عاماً!

ألم ترَ كيف آمن الناس بالإصلاح بسبب خوفهم مما تخافه أنتَ الآن وتمنّوا وترجّوا وطالبوا ولمْ يأتِ!

قل للنظام أن يحقّق الدولة الديموقراطيّة الموعودة… آه نسيت… فأنت ضد الديموقراطية وأميركا!!

الكليشيه

وهنا بصراحة تسقط في الأيديولوجيا وكليشيه الممانعة، فالشعوب العربية هي التي تعارض سياسات أميركا وإسرائيل، لكن سلطات الممانعات اعتقلت قوّة الشعوب في الدفاع عن ذاتها وقضيّتها ولجمتها في سياسات وأيديولوجياتٍ أنتَ ترى نتائجها الممانِعة على أرضِ الواقع.

الشعب يريد سوريا تتَّسع للجميع… وقد كان «أنطون المقدسي» شيخ المفكرين المعاصرين، رحمه الله، سيّد من نادى حديثاً بضرورة أن يكون للإنسان موقعه في الحياة لكي يتوازن.. يا الله ما أجمل التفاتته لـ «التوازن».

الجميع يعمل لينقذ سوريا… والشارع الإسلامي السوري كان صوتك سيخلّصه من تعصّب صوت آخر يحاول جذب ثقافته نحو الإنغلاق لو أنك تنبّهتَ أن الخطر الآن هو على سوريا وليس على شخصك الكريم.

لم يكن «محمود درويش» الذي كنتَ تَحلفُ باسمه إلا بوصلة أخلاق وموقفاً في اللحظة الحاسمة.

أنت الآن ماذا تقول: خافوا، شككوا، واخضعوا أيها السفلة!

مرّة أخرى لو أنك أنتَ المعارض للنظام، حمّلتَ القاتل مسؤوليته وأنصفت القتيل كائناَ من كان بقوّة القانون ودعوت لتحقيق العدالة والمحاكمات العادلة وحمّلت المعارضة والمثقفين مسؤوليتهم ولم تضعهم في خانة القاتل لكنتُ قلتُ معه حقّ.

أنت بدَّلتَ الأدوار، خلطت القاتل بالقتيل والقتيل بالقاتل لتستمتع بالغضب وتحرد من كليهما.

طيّب، ألا يتحمَّل من يملك السلطة والقوّة والمال مسؤولية الحفاظ على أحلام ومنامات الشعب بلا كوابيس ودمّ!

أوافقك، يجب الانتباه إلى كلّ نأمة من نأمات العدالة.

الحرّية ليست سلطة.

بين النديّة والعدائية مساحة لا يعرفها عظماء الثقافة الذين ابتلعوا المنابر المحلّية والعالمية على مدى ثلاثين عاماً من دون أن تتنحّى قاماتهم لبصيص مبدع آخر، إلا من تَدَفّأ بِضوئِهم المُبهر.

نزيه أبو عفش كان ضيف مهرجان «المحبّة» الرسمي على مدى أعوام… هو وشعراء «مقاومة» لبنان… والعروبيون الأشاوس.

كان الشاعر المُكرّس دون أنفة أو تعفّف. وكانَ مُعارضاً. «نوع من أنواعْ المُعارضة».

نحن الجيل الأصغر كنا نرى ونحاول تفسير ذلك.

نزيه.. لم يسمح في حياته لشاعر من الجيل الجديد أن يكون ندّاً له…

هو الندّ لنفسه وهو المَسيح المُعذّب وهو الخلاص من آلامه.

كانت الشاعرة المقربة بحسب نقد نزيه: «نبيّةُ الشعر والأفضل بين قريناتها اللواتي تقتلهن الغيرة مِنْها» هكذا كان نزيه يعتقد أنه سلطة تُعلي من شأن شاعرٍ وتسحقُ شاعراً! (نقد مُعيب).

وحين يدور الزّمن ويختلف نزيه مع الشاعرة نفسها تُصبح (….. ) على مدى سنوات.

وإذا واجهتهُ أنتَ برأيه التأليهي المكتوب فيها وانتقدت عدم مبدئيّتهِ وشخصنة الأمور، يمرض بـ«الشقيقة» لأنكَ لا تفهم عليه كيف هو المعذّب على الأرض، يُواجَه بالنكران والجحود.

قد يكون ما يؤرقه اليوم هو المُساواة والروح الجماعيّة التي تسري في عروق الانتفاضةْ، المساواةْ التي تُبلور شفافية الفرد وتعترف بصوته، تنقذُ ملامح موهبته من التعتيم والموت السريري في الاستقرار الذي يمتدحه شاعرنا.

مُساواةٌ تنزعُ القدسيّة عن الأصنام والأيقونات، لكنها في الحقيقة لا تخلع احترامها عن القيمةِ الإبداعيّة والجمالية.

أجيال الشباب التي تَمَّ التعتيمُ على روحِ إبداعها ومحكومة بالأملْ، انتفضت تؤسّسُ لخلاصها في إصلاحٍ يناسبُ طموحات سوريا وطاقاتها.

أن تكون مَسيحاً ولا ترى سوى آلامكَ أنتَ، فهذا غشّ… وهذا نقّ.

أصدّق نزيه حين يبدي كلّ هذا الكره للمثقف، لأنني أعتقد أنه يسمع صوت ذاته فقط. لم يستطع الشعر والفنّ التشكيلي تطهيره من شروره الصغيرة التي يتحصّن بها خوفاً من شرور الآخرين! يعزلُ نفسهُ في قُمقم الـ «أنا» معتقداً أنها خلوة الصوفيّ، ويبدأ كره الآخر مُعتقداً أن في الكره المعلن تعفّفاً عن الحبّ ودنيوية الحبّ وبالتالي تقرّباً من صفات الأنبياء. وما إحياء دورة الأنا هذه الآن، بهذا الضخّ والضجيجْ الإعلامي سوى إمعان في النرجسيّة من أجل إنتاج سلطة نرجسّية جديدة تثور على الثورة فتكون هي البطل وتكون ضحيةُ بطولة الثورةِ في الآنْ.

أن تشتمَ آلام الناس وحاجتها إلى التغيير وثورة كرامتها ضدّ الظلم يا سيّدنا المخلّص الجديد، مخلّص ذاتهِ فقط… فهذا حرام.

(كاتبة سورية)

([) الدفاع والرد على نزيه أبو عفش هما حول الحوار الذي أجرته معه «السفير» بتاريخ ٦/١/٢٠١٢

السفير

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. hala tu est tres forte d’ou vient ta legitimité de parler comme si t’avait vecu la pauvreté et la souffrance depuis toujour mais en realité tu est moins que rien t’avait toujour pris les chemins les plus courts et les plus faciles toi maintenant tu est avec les islamistes cela ne me surprend guére car toi tu n’a pas ni culture ni tradition ni croyance tu est rien qu’un opportuniste de bas niveau

اترك رداً على akil إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى