صفحات سوريةعلي ديوب

رد فعل أعمى/ علي ديوب

 

حين كتبت عن «قصور اتهام النظام بالطائفية»، وهو المقال الذي نشر على هذه الصفحة بتاريخ 3 أيار (مايو) الفائت؛ كنت أعتقد أن ما أوضحته سيوقف استسهال بعض المثقفين للّعب بالمصطلحات/ التوصيفات، باستخراجها من حفرة الفشل، التي اوقعهم النظام فيها، والاسترسال في تسويق ما يوحي به إليهم، عبر عملية الاستفزاز التي تثير الغرائز البدائية لدى الخصم.

وهم لم يستثمروا خسارة النظام للمتاجرة ببضاعة الأقليات، واللعب على المسألة الطائفية؛ إذ أحالوا الأمر على فشل أصابه. وكانت هذه لتكون حقيقة، لولا أنهم تلقفوا البضاعة، وراحوا يستعملون المستعمل، بينما انتقل النظام إلى لعبة أخرى. فقد كان لافتاً للمتابع توقفه المفاجئ عن تكليف قطعانه بتنفيذ المذابح وعمليات القتل الفردية، بأبشع الطرق البدائية، مع التركيز على السباب الطائفي، وتصويرها وتسويقها. ولقد تزامن هذا التوقف مع انتقال عدوى السعار الطائفي إلى المعارضة. وبات الخطر الذي لحق بسمعتها لا يتوقف عند عبارة «قطع الرؤوس وأكل الأكباد»، التي انتشرت كالنار في الهشيم، واستثمر فيها حتى الإعلام العالمي، بل تعدى ذلك إلى بروز اللغة الطائفية في خطاب النخبة الثورية المثقفة. وهو ما أتاح للنظام أن يتنفس الصعداء، ويخرج على العالم بسيماء من هو أقل احتياجاً من المعارضة لاستخدام الخطاب العنيف. وعندي أن هذا نوع من النصر، لا يقل عن النصر في الميدان، إن لم يكن أهم، بما يشكّله من انتصار ثقافة النظام، التي لن تسقط بسقوطه، والتي ربما كانت بُراقه الذي سيعرج عليه إلى العرش لاحقاً. لكن وسط سلبية الناس المفجوعين بالمزيد من البلاوي، هذه المرة.

لا يمكنك الانتصار، ووجهك إلى الخلف. ومن وقعوا في حفر النظام، فقدوا تحديد الاتجاهات وطفقوا يتخبطون في حالة مثيرة للإشفاق، من ردود أفعال لا تخالطها شفقة. وأما افتقارهم إلى البصيرة، فدفع بهم لنطح الجدران، وضرب بعضهم، في محاولات استئناف سير محال. وبذا فقدوا حتى ملكة الإصغاء حين رُدّوا على من يبحث منهم عن مخرج بتهم التخوين. وهم يفقدون الصبر على وجود شريك ثوري بينهم، متحدرٍ من طائفة النظام، وذلك باستخدام لغة التعميم المسموم التي تجعل من العلويين كلهم كتلة صلدة متجانسة مع النظام، لا يعتورها أي تمايز عنه، ولا توجد فيها شقوق يمكن توسيعها. فقد وجدوا أنفسهم في موقف واحد مع الجماعات الإرهابية المتشددة، التي برهنت واقعياً أنها تطيل عمر النظام، إن لم نقل تنسق معه من الخلف. وهذا أفقد المعارضة قوة الارتقاء فوق الخطاب التفتيتي، بل الفتنوي، بما يقدمه من تأييد غير معلن للانزلاق بالثورة إلى اقتتال طائفي، يستهدف أبرياء العلويين مع مجرميهم ويراكم رصيد النظام بل يحييه، وهو رميم.

* كاتب سوري

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى