الحرية لرزان زيتونة، الحرية لمخطوفي دوماصفحات مميزة

رزان زيتونة ورفاقها: ثقافة الحرية/ الياس خوري

جاء اختطاف رزان زيتونة وسميرة الخليل ووائل حمادة وناظم الحمادي في دوما، في ريف دمشق، حيث صارت الغلبة لما يعرف بإسم ‘جيش الاسلام’، لا ليطرح اسئلة عميقة على مسار الانتفاضة الشعبية السورية التي تتعرض للخطف من قبل الاصوليين ورعاتهم الخليجيين فقط، بل ليطرح ايضاً سؤاله على الثقافة الديموقراطية في سورية والعالم العربي.

سورية على كفين عفريتيين، نظام استبدادي سيدخل تاريخ العالم بوصفه صاحب السجل الأكبر في الوحشية والهمجية. وقوى اقليمية ودولية ستتحول مواقفها وممارساتها الى مدرسة في العهر والكلبية والانتهازية. وفي رقصة الموت والتدمير التي يمارسها العفريتان على اشلاء الشعب السوري، تناغم مصالح، وكثير من التواطؤ، وهدف مشترك هو تحطيم ما تبقى من الوطن، وتحويل الشعب السوري الى نموذج مأسوي لمصير الحالمين بالتغيير والحرية.

لكن اللعبة لم تنته، مثلما يظن العفريتان وهما يقفان في مبارزة وحشية، يتفوّق فيها النظام الاستبدادي البعثي مرحليا على خصمه، لكنه تفوّق موقت وقد لا ينتهي الا بتوازن الموت.

اللعبة لم تنته بقيام النظام الاستبدادي باعتقال مناضلي الثورة وشباب التنسيقيات وقتلهم، في الوقت الذي فتح فيه ابواب سجونه امام الوف الأصوليين، ما دفع الثورة الى الوقوع في خليج الاصولية وغوايات القاعدة، ودفع النظام الى الاستعانة بأصولية اخرى مموّلة هي الأخرى نفطياً، كي يُدخل سورية في نفق احتراب طائفي طويل.

اللعبة لم تنته لأن نبض الثورة لم يمت ولن يموت، لذا لجأ الدعش الاصولي الى اقتحام مركز مراقبة الانتهاكات في سورية واختطاف هذه الكوكبة من الأحرار، مثلما قام باختطاف الأب باولو وعشراتت المناضلين والمناضلات، الذين رفضوا الانحناء لهذه العقلية البعثية الجديدة التي تتسربل برداء الدين.

كلهم بعثيون بمعنى ما. تلامذة عفلق ارادوا بعث الأمة من موتها فقتلوها ولم يبعثوا سوى الانحطاط والطائفية والعنصرية، وتلامذة حسن البنا وسيد قطب ومحمد بن عبدالوهاب ارادوا بعث زمن الخلافة الراشدة، فلم يبعثوا سوى الأحقاد والتعصب، و تلامذة الخميني ارادوا بعث الأصل فلم يبعثوا سوى الاحلام الامبراطورية، وجروح الصراعات المذهبية.

من زمان انهى الشاعر خليل حاوي اسطورة البعث والانبعاث في قصيدته ‘لعازار عام 62′، وعندما لم يصدّقه احد سوى هزيمة بيروت عام 82، قام باطلاق النار على نفسه، وانتحر كي لا يرى كيف تتابع جوقة الانبعاث الهمجية عبثها بالمشرق العربي.

اللعبة لم تنته، والثقافة العربية لم تنته، يكفي ان نرى النموذج الذي قدمته رزان زيتونة ورفاقها كي نقتنع انه هناك، في اقبية جيش الاسلام او غيره من داعشيي هذه اللحظة المنقلبة، هناك روح الثقافة المتمردة والحية. كوكبة من المناضلات والمناضلين لم تكتف بتوثيق وقائع الثورة، بل حملت رؤيتها النقدية، وواجهت زوبعة القمع المزدوج بالاصرار والعناد والايمان بأن روح الثورة اقوى من رياح القمع، وان الكلمة هي السلاح الحقيقي، لأن سلاحا يقوده فكر تشبيحي مبعثن، مهما اختلفت اسماؤه، هو في النهاية عدو الحرية وعدو الناس.

هناك ايها الاصدقاء القابعون اليوم في المجهول، هناك في مجهولكم نتعلم ابجدية الحرية. معكم حيثما كنتم تولد الكلمات جديدة ونقية وفاعلة. انتم تلخّصون اليوم معنى تضحيات الشعب السوري في مواجهة عراء الخوف والثلج واللجوء، انتم سورية التي نحبها، وانتم عروبتنا التي تجعلنا ابناء الألم السوري.

لا تصدّقوا يا اصدقائي دجالي فنادق النجوم الخمسة او السبعة او لا ادري ما عددها، الذين انبطحوا على مائدة طاغية مدّعين انهم يحاربون بماله طاغية آخر.

هؤلاء الذين هجروا الشعب بحجج شتى، وتفذلكوا على ثورته وانتقدوها منذ يومها الأول، واعطوها دروسا نابعة من جبنهم وطائفيتهم المخبأة خلف ادعاءات تقدمية لا تجد اصلها وفصلها الا في بعثنة مستترة، او اولئك الذين تحولوا الى خدم في امبراطوريات الغاز والنفط، يبيعون اسيادهم قطعان المثقفين ويبيعوننا خطابا علمانيا ملفوفا بسيلوفان الكاز.

لا تصدّقوا يا اصدقائي ان هؤلاء الذين يتصدرون المشهد هم الثقافة، لأنهم سوف يتحولون كأشباههم الذين كتبوا وتمأتروا في زمن ‘الكتاب الأخضر’ ومؤلفات القذافي الأدبية، الى صناع ثقافة العار . لا تصدّقوهم، انتم الثقافة والحرية، وانتم سورية.

صحيح انكم في العزلة اليوم، وان مأساتكم الشخصية هي امتداد لمأساة الناس، لكنكم تختزنون في دواخلكم كل عطشنا الى الحرية والكرامة الانسانية. بكم وبأمثالكم من مثقفي سورية الشجعان، تكتب ثقافتنا سجلها المُشرق، وستكون هي علامة الخروج من ظلام هذا التبعثن الثعباني الذي يلتف حول اعناقنا.

لن نيأس، لا أمل لنا سوى الأمل، اوطاننا تؤلمنا. ألمنا رهيب، ألم لا صفات له سوى انه الألم، لكننا لم نعد في وارد التراجع، فالثمن الذي دُفع كان أكبر من ان يسمح لأحد، يملك حداً ادنى من الكرامة، بأن يتراجع.

رزان زيتونة وسميرة الخليل ووائل حمادة وناظم الحمادي، اسماء محفورة بضوء الحرية، ولن تقوى عليها قوات جحيم الاستبداد وكل زنازين الأرض.

لكم ومعكم وبكم تولد الأوطان، ومن اجلكم نوقد شموع الكلمات التي تمزّق هذه العتمة.

رزان زيتونة وسميرة الخليل ووائل حمادة وناظم حمادي

جيش الاسلام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى