صفحات العالم

رسالة إلى كمال داود … في حادثة كولون/ آدم شاتز

 

 

(…) لا أشاطرك أبداً الآراء التي أدليت بها في مقالك («لوموند»، 5 شباط / فبراير، «كولون، مدرج أهومة»، وكانت نشرته صحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية، و «ليبدو» السويسرية، وأعقبه مقال في «نيويورك تايمس» في 14/2)، ولكنني ما كنت لأوقع الرسالة التي ندد فيها بعض الجامعيين بهذا المقال. وما أزعجني في الرسالة هو نبرة الطعن العلني التي ذكرَتْني بأسلوب يساري- سوفياتي- طهراني. وليس يسيراً عليّ حسبان أنك تعتقد فعلاً ما كتبته، فالكاتب ليس كمال داود الذي أعرفه، ورسمت قسماته في مقال طويل. وسبق لنا أن تطارحنا الرأي مطولاً في مسائل الرغبة في العالم العربي– الإسلامي حين أقمت بعض الوقت في وهران، وتكلمنا كذلك في التباسات «الثقافة» (وهي كلمة منفرة)، ومنها جمع بعض النساء بين قيود النهي والأمر وبين الإباحة الشرعية المستحبة. ولكنك في كتاباتك الأخيرة أقصيت الالتباسات التي ناقشناها مناقشة طويلة، وفي مستطاعك أنت تناولها بالتحليل الدقيق على نحو لا يبلغه غيرك. وأنت فعلت هذا في مقالات ومطبوعات يقرأها قراء غربيون قد يرون فيها إثباتاً لأحكام سابقة وأفكار جامدة. وأنا لا أقول إنك فعلت هذا عمداً، أو إنك تجاري ميول «الإمبرياليين». فأنا لا أتهمك بشيء، وأرى أنك لم تفكر في الأمر، ووقعت في فخاخ غريبة وربما خطرة، مثل قولك إن ثمة علاقة مباشرة بين حوادث كولون وبين «الجهادية»، أو أكثر.

وأذكرك، في هذا الصدد، بحوادث شبيهة بحوادث كولون حصلت قبل أعوام قليلة وكانت أقل حجماً من غير شك، في معرض مسيرة بورتوريكن داي في نيويورك. والبورتوريكيون الذين هاجموا النساء واعتدوا عليهن في الطريق العام، لم يكونوا تحت وطأة الجذب الروحي وانتشوا بالمشروب الروحي والمادي وحده… ومن غير بينات على أثر الاعتقاد في نفوس الرجال بكولون، أرى غريباً الجزم بمثل هذا الرأي، والإيحاء بأن هذا «المرض»، يتهدد أوروبا… وفي كتابها «المرض مجازاً» (المرض على وجه المجاز)، برهنت سوزان سونتاغ على أن لفكرة «المرض» تاريخاً يدعو إلى الأسف والخجل، وغالباً ما اتصل بالفاشية. وصورت هذه، على ما تعلم، اليهود في صورة نوع من أنواع المرض، وانشغل دعاة العداء للسامية في القرن التاسع عشر، قرن المساواة بين المواطنين، بعادات اليهود الجنسية وسيطرة رجالهم على نسائهم… وأصداء هذا الهجاس تبعث فيَّ الضيق والحصر.

وأنا لا أزعم أنه ينبغي السكوت عن مسألة الجنس في العالم الـــعربي– الإسلامي. لا، أبداً… وأعلم، من طريق محادثاتنا وروايتك المُجَلّية «ميرسو التحقيق الآخر (أو المضاد)»، (المنقولة إلى العربية بعنوان «معارضة الغريب»، دار الجديد، 2015)، أن موهبتك تمكنك من تناولها على الوجه المناسب. ومن في مقدورهم تناول المسألة والنفاذ إلى صلبها قلة. ولكن هذا يقتضي إمعان النظر وفي شكـــل يتعدى الاستفزاز والآراء المنمطة. وغداة قراءتي مقالك، تناولت طــــعـــام الغداء مع كاتبة مصرية، وهي صديقة أحسب أنك ستودها، وقـــالت إن أصدقـــاءهـــا الشباب والشابات في القاهرة يقلّبون حياتهم وعلاقاتـــهم على أوجهها المتفرقة، ويبلغون منها مداها المرسل والطلق، ويقدمون على الابتكار والإبداع في أفعالهم وفي حياتهم. وقد يساهمون في صوغ حياة مصر نفسها. ولا أرى في مقالاتك المطبوعة محلاً لمثل هذه الوقائع، فليس فيها غير «البؤس»، وغير تهديد هؤلاء البؤساء اللاجئين اليوم إلى أوروبا. وعلينا جميعاً ألا ننسى أننا كنا، في يوم من الأيام، غرباء في بلاد المنفى… ويحدوني الأمل في عودتك إلى صورة التعبير التي تجيدها جيداً، إلى الأدب.

* كاتب وصحافي أميركي، عن «لوموند» الفرنسية، 21-22/2/2016، إعداد منال نحاس

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى