صفحات العالم

رسالة مفتوحة الى معارضة سورية لم تتحد منذ سنتين

لـي سميـث

 كما يمكن أن تكونوا قد سبق وقرأتم، تقدّم الأسبوع الماضي أربعة أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي بمشروع قانون لمنع أي مساعدة عسكرية لزملائكم الذين يقاتلون على الأرض في سوريا. وقد رعى مشروع القانون عضوان من الديمقراطيين وآخران من الجمهوريين، والمُراد من ذلك القول إنّ الشعور العام- بترككم تقاتلون وحدكم في الميدان- يحظى بتأييد الحزبين في واشنطن العاصمة.

من جهة أخرى، صحيح أنّ ثمة كذلك من يؤيدون قضيتكم من الحزبين أيضاً. ولكن الحقيقة هي أنّ تسليح أبنائكم، وأزواجكم، وإخوانكم، ليس بالأمر الذي يتمتع بشعبية في أوساط أبناء الشعب الأميركي، لا المؤيدين لليمين بينهم، ولا حتى المناصرين لليسار. الأميركيون منهكون من الشرق الأوسط، ويشعرون بالخيبة في ما يتعلّق به، بل وبكل صراحة أقول إنّنا غاضبون.

على مدى العقد الماضي، أسقطت الولايات المتحدة أو ساعدت على إسقاط أربعة ديكتاتوريين عرب، ولم تحصل على أي تقدير لما فعلته. فلقاء تريليونات الدولارات التي أنفقناها لإسقاط صدّام، لعلّكم كان يجب ان تفكروا بالإمتنان لنا في منطقتكم عوض أن تُشغِلَ تفكيرَكم نظرياتُ المؤامرة التي تتهمنا بأسوأ الدوافع للقيام بذلك. وأقول أقلّه الامتنان للتضحيات التي قدّمها أهلنا وأصدقاؤنا من الجنود، الآلاف الذين لاقوا حتفهم، وعشرات الآلاف الذين جُرحوا، لكي يتمكّن العراقيون من الاقتراع في ظل انتخابات حرة وعادلة ومباشرة دون الخوف من أن تسحبهم قوات صدّام الأمنية لكي تعذّبهم، وتغتصبهم، وتقتلهم.

وقد ساعدنا كذلك في إسقاط القذافي، من دون أن يمنع ذلك الإسلاميين الليبيين من قتل سفيرنا هناك وثلاثة أميركيين آخرين. وفي مصر، دعا البيت الأبيض حسني مبارك للتخلّي عن السلطة، ما ترك فراغاً ملأه الناخبون المصريون في أكثر الانتخابات التي يشاركون فيها في تاريخهم حريةً، من خلال اختيار “الإخوان المسلمين” وإسلاميين آخرين لديهم جدول أعمال يبدو جلياً أنّه معادٍ للأميركيين. ومقارنةً بهذه النتائج الثلاث، تبدو تونس، حيث شجّعنا زين العابدين بن علي على مغادرة السلطة، إنجازاً أميركياً ناجحاً- حتى الآن.

ليس من الصعب إذاً أن تدركوا سبب عدم تلّقي قضيتكم الدعم اللازم من قبل الشعب الأميركي. فنتائج الاستطلاع تشير الى أنّ 25 في المئة تقريباً من الأميركيين يعتقدون بأنّ الولايات المتحدة يجب أن تتدخّل في سوريا. غير أنّ هذه الاستطلاعات مضلّلة نوعاً ما بما أنّ الأميركيين لم يحبّذوا يوماً التدخّلات خارج بلادهم.

ولأنّ المواطنين الأميركيين ليسوا بحاجة الى سلب الشعوب الأجنبية لكي يأكلوا أو يؤثّثوا منازلهم، فإنّ الجمهور لن يشجّع يوماً التدخّل الخارجي، لا في سوريا ولا في غيرها. بل هو دور رئيس الولايات المتحدة في أن يشرح للشعب ما هي الأسباب الاستراتيجية والانسانية الحكيمة التي تدفعهم الى دعم رفاقكم، والى إسقاط الأسد والى تعزيز مصالح الولايات المتحدة الوطنية. وبالتالي فإنّ حقيقة اعتماد مساعدي وداعمي أوباما على نتائج استطلاعات الرأي لتبرير إحجامه عن التدخّل ليس سوى عارض آخر من عوارض فشل الرئيس في أداء دور القائد.

وأنتم كذلك، لديكم مشكلة في القيادة. وأنا هنا لا أتحدّث عن قيادتكم العسكرية، وعن قادة الثوار المتنوعين في ساحة المعركة، وعن علاقاتهم ببعضهم التي يسودها على ما يبدو الخلاف في أغلب الأحيان. ولا حتى أعني بكلامي قيادتكم السياسية غير المتماسكة، والتي لطالما عزت إدارة أوباما عدم دعمها للمعارضة بسبب هذا الانقسام الذي يشوبها. بل أشير الى القيادة الفكرية. أتحدّث عنكم أنتم. وعن صمتكم. أريد أن أعرف أين كنتم خلال الأربعين سنة الماضية.

العالم مندهش من تضحياتكم، ومن شجاعتكم وبأسكم في صراعكم للأسد. ولكن النظام في دمشق الذي يُمعن اليوم في قتل أحبائكم سبق أن استخدم الوسائل نفسها ضد جيرانكم وغيرهم على مدى أربعين عاماً. لقد تخطيتم مخاوفكم من فظاعات الأسد عندما طالتكم، ولكن عندما كان النظام يُنكّل بغيركم، لم تحرّكوا ساكناً. أم أنّكم كنتم تجدونه مصيباً في أفعاله؟

لقد شنّ النظام أعمالاً إرهابية طيلة أربعين عاماً على كل دولة واقعة على حدودكم- الأردن، وتركيا، ولبنان، والعراق، وفلسطين، وإسرائيل- وعلى دول إقليمية أخرى، وعلينا نحن، على عائلاتنا وأصدقائنا. فخلال حرب العراق، حوّل الأسد مطار عاصمتكم الى مركز عبور للمقاتلين الأجانب الذين يسعون الى قتل الجنود الأميركيين الذين كانوا يحاربون الإسلاميين- السنّة والشيعة- بحيث يتسنّى للعراقيين عيش حياة أفضل. ماذا حدّثتكم أنفسكم عندما كان أبناؤنا وبناتنا يُفرمون على يد نظام الأسد؟

وماذا عن الفظاعات التي ارتكبها النظام بحق العرب والمسلمين؟ ماذا قلتم لأنفسكم عندما احتل نظام الأسد لبنان 29 عاماً؟ وعندما دفن اللبنانيين في قبور جماعية مثل القبور التي حفرها ابنه لأبنائكم؟ وآلاف اللبنانيين الذين فُقدوا على يد النظام خلال سنوات الحرب والاحتلال تماماً كما أخفى إخوانكم خلال الثورة؟ وماذا عن السيارات المفخّخة التي أرسلها الأسد الى بغداد خلال العقد الأخير بهدف قتل العراقيين؟ وماذا عن الأتراك الذي قُتلوا على يد حزب العمال الكردستاني، وهو مجموعة إرهابية أخرى دعمها الأسدان [الأب والابن]؟ وماذا عن الفلسطينيين الذين ذبحتهم الفصائل الفلسطينية الأخرى التي دعمها النظام؟ أين كنتم عندما ألقى مقاتلو حماس، بدعم من الأسد، بإخوانهم من “حركة فتح” من على سطوح غزة؟ هل استيقظت إنسانيتكم على آلام الآخرين، أم أن ضميركم صحا فقط عندما بدأتم انتم تتألمون؟

اليوم، إذ يحاصر “حزب الله” مدنكم وريفكم- بتّم تسمونه “حزب الشيطان”. ولكن ماذا عن أيام ما قبل القُصير؟ ماذا عن قبل نحو ثلاثين عاماً عندما فجّر “حزب الله” السفارة الأميركية في بيروت، ومن ثم مقر المارينز، الذي أسفر عن مقتل 241 عنصر مارينز أميركي، وبحاراً، وجندياً كانوا في مهمة لحفظ السلام. في تلك الأيام هل كنتم تعتقدون أنّ “حزب الله” عصابة من السفّاحين؟ وماذا عندما حوّل “حزب الله” سلاح المقاومة “الطاهر” ضد بقية اللبنانيين حينما حاصر بيروت وجبال الشوف عام 2008؟ وماذا عندما اتهمت المحكمة الخاصة بلبنان فرقة اغتيال تابعة لـ “حزب الله” بمقتل الحريري عام 2005؟ هل فكرّ أي منكم في التقدير الذي تكنّونه لـ “حزب الله”، أو في الدعم الذي يقدّمه الأسد لهذا الحزب؟

أعلم ما قلتُموه عندما جرّ “حزب الله” لبنان الى الحرب في صيف 2006، التي كلّفت جاركم مليارات الدولارات بدل الدمار، وكذلك آلاف القتلى. كنتُ في دمشق في الأسبوع الثاني من الحرب وشاهدتكم تحتفلون بحرب “حزب الله” على الصهاينة، وبدور الأسد الداعم أيضاً. اعتقدتُم أنّهم إذا كانوا يحاربون اليهود فهم على حق. لقد غُرّر بكم. لقد باعكم النظام لأربعين عاماً مقابل نظريته القائلة إنّ العدو الأكبر هو الكيان الصهيوني، ممّا سمح للأسد بأن يحكم ويحافظ على وحدة الدولة السورية. ولكن سبب عجزكم عن العيش معاً بسلام اليوم، وسبب الحرب الدائرة في سوريا، هو أنّكم توحّدتم حول كراهية طرف آخر، هو إسرائيل، واليهود.

ألم تلاحظوا بعد أنّ كل الأمور مترابطة [وكأنّ ما استُخدم لمعاداة غيركم يُستخدم اليوم ضدّكم]؟ فاللغة المفعمة بالكراهية التي يستخدمها النظام تجاه الإسرائيليين، واليهود، هي نفسها الكلام الداعي لإبادة الآخر الذي يقود حربهم على السنّة، أي عليكم أنتم. الأسد يقول عنكم إنّكم “إرهابيون أجانب”. وعن اليهود قال الأسد أيضاً إنّهم تصدير المستعمر، وغرباء عن المنطقة، وأنّه يجب تدميرهم، وإغراقهم في البحر، وإبادتهم- وهي الخطط نفسها التي يخبئها اليوم لكم. إنّ حرب الأسد ضدّكم تدلّ على أن حرب العرب على إسرائيل ليست سوى مظهر للحراك الإقليمي يتجلّى بعدم القدرة على قبول الآخر والعيش معه، سواء أكان هذا الآخر سنياً، او علوياً، أو شيعياً، او درزياً، او مسيحياً، أو حتى أميركياً.

نحن بحاجة الى معرفة وجهة نظركم، لاسيّما بيننا من هم مثلي يدعمون قضيتكم. إذا تردّدنا بالقول إنّنا أصدقاء، فلأننا لا نعلم من أنتم، الى أين تتوجهون، أو أين كنتم خلال السنوات الأربعين الماضية عندما كان النظام الذي يصطادكم اليوم مثل الطرائد يقتل من تبقى منا.

لي سميث هو كبير المحررين في The Weekly Standard.

 (ترجمة زينة ابو فاعور

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى