رزان زيتونةصفحات الناس

رسالة من ريف دمشق المحاصر: الوضع خطير

رزان زيتونـة

“حاصر حصارك”، هو كل ما يمكن للسوري أن يفعله في المناطق “المحررة” الخاضعة لحصار خانق منذ شهور. المريض المحاصر بندرة الدواء والأطباء، مخير بين التعايش مع مرضه وحتى مع فكرة موته، وبين المغامرة والنزول عبر الحواجز إلى دمشق وتعرضه للاعتقال على الهوية. معظم الناس تفضل الموت البطيء في بقعتها الصغيرة المحررة من القهر والإذلال والتعذيب. تلك ليست شجاعة أو بطولة، بل اختيار لموت معلوم الملامح على احتمال موت مجهول التفاصيل في أقبية الأجهزة الأمنية أو على أحد حواجزها. اختيار موت محقق و”آمن” على احتمال موت محفوف بالرعب وآلام الجسد والنفس.

الحياة اليومية في المناطق المحاصرة مسلسل طويل من البحث عن أكثر الخدمات بديهية. الماء والكهرباء والخبز أساسيات ثلاث تتطلب الكثير من الجهد والمال لتوفيرها بالحد الأدنى. إرهاق الناس واستنزاف وقتهم والقليل مما تبقى معهم من مدخرات، إن بقي أصلا، هو نتيجة الحصار المباشرة. ضغط المدنيين على الثوار من أجل فك الحصار، أي تقديم التنازلات للنظام مقابل إدخال المواد الأساسية الغذائية والطبية وغيرها، هو الهدف غير المباشر.

والانتقال من المناطق المحاصرة لا يتوفر للجميع، سواء كان ذلك لأسباب أمنية تجعل من المستحيل على العائلة عبور الحواجز والمخاطرة بالرحيل، أو لأسباب مادية حيث يتطلب النزوح الداخلي إمكانيات مادية في الوقت الذي فقد فيه معظم السكان مصادر دخلهم.

في ضوء ذلك يندر توفر حلول بديلة أو حتى التفكير بها. في الواقع، من المستحيل على الناشطين في المجال الخدمي بذل مجهود أكبر مما يقومون به حاليا، فهم يحولون المستحيل إلى ممكن بأبسط الأدوات وأقل الإمكانيات.

لكن ذلك لا يعني أن بدائل ممكنة غير موجودة، إلا أنها تحتاج إلى اختصاصات علمية وتمويل منتظم لجعلها قابلة للتطبيق في المناطق المحاصرة بما يؤمّن بعض الحاجيات الأساسية للحياة اليومية للناس والثوار.

حتى اللحظة على سبيل المثال، لا تزال مشكلة القمامة تنتظر حلولا عاجلة قبل أن تتحول إلى أزمة بيئية وصحية. لا يزال انقطاع الوقود بين حين وآخر يهدد بوقف شريان الحياة في تلك المناطق، فضلا عن غلاء أسعاره بشكل يجعل معظم السكان غير قادرين على الاستفادة منه لاستجرار الكهرباء والماء أو إدارة أعمالهم. هناك بعض التجارب التي طبقت على المستوى الفردي تحتاج لتطويرها من قبل الأخصائيين، كاستخدام الطاقة الشمسية مثلا لتوليد الكهرباء للمرافق الأساسية أو للاستخدامات المنزلية البسيطة بما يغني جزئيا عن استخدام الوقود.

جميع الاختصاصات مدعوة للنظر في المشاكل اليومية التي تعاني منها المناطق المحاصرة والخروج بأفكار مبدعة للتخفيف من حدة الحصار وآثاره على السكان. هذا عامل أساسي في استمرار المقاومة ويخفف عبئا كبيرا عن الثوار ويقوي من حاضنتهم الاجتماعية المستهدفة بالحصار بشكل أساسي

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى