بيانات الانتفاضة

رسالة من نشطاء للثورة السورية


أيها الإخوة في المجلس الوطني السوري،

نحن مجموعة من زهاء عشرين ناشطاً من نشطاء الثورة السوريين المقيمين في باريس، إذ التقينا اليوم للتباحث في شأن ثورة الشعب السوري وسير العمل من أجل دعمها بشتى السبل بغية إسقاط نظام الاستبداد وتحقيق التغيير الديمقراطي المنشود، رأينا بالإجماع أن نتوجه إليكم بما يلي:

في الثاني من تشرين الأول الجاري، بعد انقضاء أكثر من سبعة شهور على  انطلاقة ثورة الشباب السوري السلمية على نظام آل الأسد الفاسد الغاشم، تمّ الإعلان عن تشكيل مجلسكم مآلاً لسيرورة شاقة وثمرةً لمخاض عسير، فاستبشر الثوار السوريون وأنصارهم داخل الوطن وخارجه بالخير. وخصَّكم شباب الثورة وقادتها الميدانيون، الصامدون في وجه آلة النظام القمعية وعساكره وشبّيحته العائثين في البلاد ترهيباً وتقتيلاً وتنكيلاً، دون دعم يذكر لا من البلدان العربية ولا من الغرب، بجمعة التظاهر التي أسموها “المجلس الوطني يمثلنا”. وكان جلياً أنهم بذلك لا “يبايعون” الأشخاص الذين تألف منهم مجلسكم، مهما علا شأنهم أو شأن بعضهم، بل يعربون عن تأييد مشروط مستند إلى ما أعربت عنه أطراف المعارضة الرئيسية من ترحيب بالمجلس ومن تعويل عليه للتعبير عن مطالب الشباب المنتفض الذي يواجه نظام الاستبداد والفساد بصدوره العارية، ولتوجيه العمل المساند للثورة على مختلف الصعد، ولا سيما التحرك بغية حماية المتظاهرين من أجل الحرية والديمقراطية والكرامة، ولحشد الدعم المتعدد الأشكال للثورة السورية، وللدفع بشتى السبل إلى محاصرة نظام الاستبداد إعلامياً وسياسياً، وتعرية ممارساته وألاعيبه، وصولاً بأسرع ما يمكن إلى إسقاطه وإلى التغيير الجذري المتمثل في تحقيق الديمقراطية التعددية والدولة المدنية القائمة على فصل السلطات وتداول السلطة والمساواة في الحقوق والواجبات وعدم التمييز بين المواطنين من أي منطلق كان.

والحال أن كثيراً من أبناء سورية الذين أعربوا عن تأييدهم المشروط لمجلسكم، قلقون شديد القلق لشعورهم بأنه، أو بعض القائمين عليه، يبدو وكأنه لا يحيط الإحاطة اللازمة بالآمال المعقودة عليه، ولا بأهمية وجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه، ولا بأن نجاحه في الاضطلاع بهذه المهمة يُعتبر واجباً لا مندوحة عنه إذا أريد تسريع إسقاط نظام الاستبداد وتحقيق التغيير الديمقراطي وصون البلاد والعباد.

ويتأتى هذا القلق من ممارسات وتصرفات وأحوال أهمها:

1- أن المجلس الوطني السوري، بعد انقضاء أكثر من ثلاثة أسابيع على إعلان تشكيله، وانقضاء زهاء عشرة أيام على اجتماعه المفترض أنه أتم خلاله ترتيب شؤونه التنظيمية، لـمّا يزل يبدي دلائل على الارتجال والاعتباط، وانعدام التنظيم أو سوئه، وتغريد بعض وجوه المجلس المنفرد كل على هواه؛

2- أن ضرر هذا النشاز الإعلامي يتفاقم عندما يمس بأمور جوهرية مثل سبل حماية الثورة واستدامتها والارتقاء بها، وعلاقات سوريا المنشودة بالبلدان العربية والأطراف الإقليمية والقوى الدولية؛

3-  أن المجلس، على الرغم من علاقة بعض وجوهه ببضع دول أوربية وإقليمية وعربية، أو من جراء هذه العلاقة، يبدو مكتفياً بالترقّب والانتظار بدلاً من التحرّك للتأثير في الأحداث على الصعيد الداخلي والعربي والإقليمي والدولي، ولا سيما الشد والجذب ضمن إطار الجامعة العربية في الشأن السوري.

4- أن المجلس، أو بعض القائمين عليه، يختزل النشاط إزاء دول الجوار والإقليم والعالم في ضرب من دبلماسية المجاملة والمداهنة والتملّق، بدلاً من المثابرة على شرح قضية الثورة السورية بثبات لإحداث تغيير أو تحسين في موقف محاوريه منها؛

5-  أن هذا النهج جعل أمانة مجلسكم تبعث، في الحادي والعشرين من تشرين الأول الجاري، ببرقية إلى وزير خارجية  تركيا تستنكر فيها “الهجوم الإرهابي الغادر على عناصر الجيش” وتؤكد “وقوف الشعب السوري ضد أي ممارسات تستهدف الأمن والاستقرار في تركيا، وتحاول افتعال الصراعات في المنطقة” و”حرص المجلس الوطني السوري، بوصفه ممثلاً للشعب والثورة في سورية، على استقرار تركيا وسلامة أمنها”.

يؤلمنا أن مجلسكم وقع بإرسال أمانته العامة هذه البرقية في خطأ كبير من الناحية السياسية وفي خطيئة من الناحية المبدئية تتمثل في تناسي أن كرد سوريا مكوِّن أساسي من مكونات الشعب السوري، وأن شباب سوريا الأكراد يسهمون بقسط كبير في أنشطة الثورة السورية. أما قول السلطات التركية بوقوف قوى خارجية وراء العملية المعنية التي استهدفت جيشها، وتلميحها إلى إمكان أن يكون نظام آل الأسد بين هذه القوى، فلا يشفعان للمعنيين من وجوه المجلس الوطني السوري أي شفاعة، بل على العكس. ففيما يخص قضية الشعب الكردي الموزّع على أقاليم دول عدة، لا يجوز للمجلس الوطني السوري الخوض في مستنقع تخاصم سلطات هذه الدول وتوافقها الظرفيين في مواجهتها مطالبة الأكراد بحقوقهم المشروعة.

إننا نسوق الملاحظات أعلاه على سبيل المثال تبياناً لما نرى أنه يشير إلى تعثر استهلال المجلس الوطني السوري لعمله، وحرصاً على تمكّنه من المسارعة إلى تدارك العثرات والمضي قدماً على طريق دعم الثورة السورية وتوجيهما الفعّالين، انطلاقاً من مبدأ مفاده أن في إخفاقه لا سمح الله مأزقاً للثورة السورية ومغنماً لنظام الاستبداد الذي يجب أن نبذل جميعاً قصارانا لتسريع إسقاطه وصولاً إلى سوريا الديمقراطية الحرة التي ينعم جميع أبنائها بالوئام والعيش الكريم على قدم المساواة.

وفقكم الله. ودمتم بخير.

باريس في 25/10/2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى