صفحات الناس

رسومات أطفال سوريا.. ألم يسكن الذاكرة/ خليل مبروك-إسطنبول

 

 

قفزت صور ذكريات الحرب الدائرة في سوريا تباعا إلى ذاكرة الطفل ليث قشليط، ليعبر عنها بقلم التلوين الذي أخرج ما بداخله من أفكار.

رسم ليث صورة بيت يتصاعد منه الدخان وألسنة اللهب وحوله أطفال يهرولون جيئة وذهابا، وكتب على رأس لوحته اسم بلده سوريا باللغتين العربية والإنجليزية.

الجزيرة نت التقته في إحدى الفعاليات الخاصة بالأطفال في مدينة إسطنبول حيث شرح الطفل القادم من إدلب نيرب أنه رسم البيت الذي قصفته طائرات النظام فأشعلت فيه النار.

ليث واحد من مئات الآلاف من الأطفال السوريين الذين استقر بهم المقام مع عائلاتهم في تركيا بحثا أمان مفقود في بلادهم، لكن رسوماتهم ظلت تبوح بما تختزنه ذاكراتهم من قصص الموت المنبعث من أرض الشام.

نقش في الحجر

ونشرت صحيفة “يني شفق” التركية السبت تقريرا قالت فيه إن الأطفال اللاجئين من سوريا يتمسكون بالألعاب التي كانوا يمارسونها في وطنهم قبل الهجرة، والتي ما زالوا يلعبونها بعد انتقالهم إلى تركيا.

والحقيقة أن طبيعة الحياة في سوريا كلها قد انتقلت مع الطفل السوري إلى بلاد مهجره، فحين تطلب من أحدهم رسم لوحة أو استخدام الفرشاة والألوان فإنه يشرع في رسم مشاهد من الحرب والبراميل المتفجرة والأسلحة وغيرها.

وعندما تطلب من أحدهم أن يحدثك عن سوريا فإن مفردات مثل بشار والبراميل والقصف والشبيحة تكون في مقدمة الكلمات التي ينطق بها، وكأن معايشته لها في الصغر جعلتها مستقرة في ذهنه مثلما يستقر النقش في الحجر، كما يقال.

وخلال زيارة إلى مؤسسة “لأنك إنسان” التي تنفذ أنشطة في مجالات الدعم النفسي للأطفال، اطلّعت الجزيرة نت على مجموعة من رسومات الأطفال التي تعبر عن الحالة السورية بكل تفاصيلها.

من أكثر تلك الرسوم تأثيرا رسمة لطفلة لاجئة في لبنان، صورت فيها قبر والدها وهي تقف إلى جانبه ممسكة بيد أمها وقد كتبت على رسمتها “الحمد لله أمي معي”.

في حين رسمت سارة وهي لاجئة بمصر أشباحا وبنادق لتعبر عن هجوم الشبيحة على بيتها الذي قتل فيه والداها أمام عينيها، في وقت نجت هي مع شقيقها لتخلّد صورة الهجوم في رسومها.

آثار الحرب

وقالت مديرة المؤسسة خلود الذهب إن معايشة الطفل السوري للأزمات والحرب منذ أكثر من خمس سنوات، تجعله يتّجه في رسومه إلى مضامين وصور تختلف عن ما يرسمه الأطفال الذين لا يواجهون التجارب ذاتها.

ووفقا لبحوث وأوراق عمل عرضت خلال مؤتمر “أزهار بلا حديقة”، الذي عقد بمدينة إسطنبول التركية العام الماضي لمناقشة واقع الأطفال العرب في بلدان الأزمات، فإن الأطفال السوريين يعانون من الكثير من المشاكل السلوكية جراء تعرضهم لصدمات الحرب.

ومن أبرز الأعراض التي تناولتها الدراسات الشعور الدائم بالترقب والقلق والعجز والتوتر والانطوائية والتعرض للمراقبة والتهديد، إضافة إلى ممارسات أخرى كقضم الأظافر والتبول اللاإرادي.

تقنية نفسية

وأوضحت المختصة النفسية السورية خلود الذهب أن الرسم يمثل وسيلة تعبير أساسية يعكس الطفل من خلالها ما يواجهه من تجارب وضغوط، وما يمر به من آلام وفقدان وحرمان.

كما اعتبرت الرسم طريقة يعبر بها الطفل عن ذاته، ويتفاعل عبرها مع محيطه خاصة عندما يقوم بالرسم بتلقائية ودون ضغوط، مؤكدة أن دور برامج الرسم هو الأخذ بيد الطفل لينتقل تدريجيا من رسوم الخوف إلى رسم المكان الآمن ولو كان تخيليا.

وتنفذ مؤسسة “لأنك إنسان” العديد من برامج التمكين والدعم النفسي للأطفال، مثل برنامج “العلاج بالفن” الذي أعدته المختصة النفسية بالمؤسسة مروة المدني، وبرامج “المشاعر” و”رسومات الأطفال والحرب” التي توظف الرسم وسيلة للتعبير وتمكين المختص من فهم الطفل وحالته النفسية وكيفية تفكيره.

وتوضح الذهب أنه لا يكاد برنامج من برامج الدعم النفسي للأطفال يخلو من استخدام الرسم تقنيةً من قبل المختصين النفسيين لتحقيق ثلاثة أهداف هي فهم الطفل وتمكينه من التفريغ النفسي والعلاج.

جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة

2016

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى